الأماكن الأكثر “كهربية” وتعرضاً لضربات البرق على سطح الأرض
0
البرق هو وميض كهربي طبيعي يستمر في العادة لأجزاء من الثانية، ثم يتلاشى. ويمكن أن يحدث مرتين أو أكثر في نفس الموقع. لكن هناك بعض الأماكن على الكرة الأرضية، تتمتع بوابل من الشحنات الكهربائية التي تضربها مراراً و تكراراً، حتى صُنفت كأكثر الأماكن كهربية على سطح الأرض.
يحدث البرق نتيجة التقاء سحابة كهربية ساكنة سالبة، مع أخرى موجبة محدثتين شرارة أو ومضات زجزاجية تضرب الأرض تمر من خلال تلك السُّحب. أما الرعد، فهو موجة صدمية صوتية تنتج عندما تضغط حرارة البرق الهواء المحيط بشكلٍ مفاجئ.
معلومة: حرارة البرق في هذه اللحظة الفجائية، يمكن تصل لحرارة أكثر من حرارة سطح الشمس بـ3 مرات.
فنزويلا
هناك ظاهرة معروفة لها عدة مُسميات مثل “منارة ماراكايبو، برق كاتاتومبو، أو العاصفة الأبدية”، تحدث في منطقة التقاء كُل من نهر كاتابومبو، و بحيرة ماراكايبو في فنزويلا. تحدث هذه العاصفة الرعدية عند نقطة الالتقاء تلك، أكثر من 260 عاصفة رعدية مصحوبة بالبرق في الكيلو المربع الواحد سنوياً.
تُضيء السماء ليلاً لمدة 9 ساعات نتيجة وجود آلاف الومضات الكهربية الطبيعية المنتظمة، التي تُرى من مسافة 400 كيلومتر. هذه الومضات مُتعددة الألوان لأنها تمر عبر الغبار أو الرطوبة، وعند الانطلاق يُمْتَص أجزاء من الضوء الأبيض، أو يتم تفرقته أو تشتيته.
دخلت هذه المنطقة بذلك موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأعلى المناطق تركيزاً للبرق. تتراجع العواصف الرعدية خلال مواسم الجفاف -يناير وفبراير-، و تنشط في مواسم الأمطار في هذه المنطقة خلال شهر أكتوبر كاملاً. و في هذه المدة، تسجل العواصف الرعدية المصحوبة بالبرق معدل 28 ومضة كهربية كل دقيقة.
أسباب لتفسير ما يحدث هناك
سعى الكثير من علماء الأرصاد لتفسير حدوث كل تلك العواصف في هذه المنطقة تحديداً منذ عقود. حيث وُضعت عدة اقتراحات لإيضاح سبب ذلك منها الآتي:
# في العام 1960، كان يعتقد أن رواسب اليورانيوم في تلك المنطقة سعت لجذب المزيد من الومضات الكهربية.
# اقترح مؤخراً أن الهواء فوق البحيرة، قد عزز من تلك العواصف؛ بسبب وفرة غاز الميثان المتصاعد من آبار الغاز والنفط في المنطقة.
# وضّح الدكتور دانيال سيسيل أحد أعضاء فريق المناخ والهيدرولوجيا العالمية؛ أن للتضاريس علاقة كبيرة بوجود مثل تلك العواصف الكهربية. حيث تظهر بشكلٍ كبير عند سفوح الجبال والسواحل. ويرجع سبب ذلك إلى أن تغير تضاريس الأرض من شأنه أن يُغير أنماط الرياح، والتدفئة، والتبريد في تلك المناطق، مما يولد أنماطاً أخرى جديدة تعمل على زيادة النشاط الكهربي في الجو.
لكن جميع ما سبق كان مجرد اقتراحات، وترجيحات لأسباب، لا نظريات و لا حقائق مُثبتة.
ووفقاً لكلام دكتور سيسيل، فإن هناك منطقة شمال غرب فنزويلا في أكبر بحيرات أمريكا الجنوبية التابعة لمدينة ماراكايبو، تقع على مفترق جبال الأنديز، مُحاطة بالجبال المرتفعة من 3 جهات.
خلال النهار، تزيد الشمس المدارية الحارة من معدل تبخر الماء من البحيرة، والأراضي الرطبة المحيطة. وفي الليل؛ وبُصحبة الرياح التجارية التي تأتي من البحر، تدفع هذا الهواء الدافئ بتدفق متتابع في الهواء البارد من الجبال. يرتفع الهواء الساخن والسحب المكفهرّة الكثيفة، وتشكل ما يشبه أعمدة شاهقة يصل ارتفاعها إلى 12 كم.
هذه الغيوم الكثيفة المميزة، تبدو هادئة من الخارج، لكن هناك معركة تدور داخلها. حيث أن قطرات الماء في الهواء الرطب، تصطدم مع بلورات الجليد في الهواء البارد، و يتم إنتاج شحنات ساكنة، ومن ثم إنتاج العاصفة الرعدية.
جمهورية الكونغو الديمقراطية
هناك أيضاً العواصف الصيفية التي تحدث عند خط الاستواء حيث تكون درجة الحرارة أعلى، والسماء تدُب بعواصفها الرعدية طوال السنة. أبرز البلدان في القارة السمراء على خط الاستواء، هي جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي سجلت ما مجموعه 158 عاصفة رعدية مع و مضات برق في الكيلومتر المربع الواحد سنوياً، قرب جبل كيفوكا.
وادي نهر “براهمابوترا”
في عام 2014 كشفت إحصاءات رسمية من وكالة ناسا أن تلك المنطقة في الهند، لديها أعلى معدلات العواصف البرقية بين شهري أبريل و مايو عند اقتراب الرياح الموسمية السنوية.
معلومة: البرق يكاد لا يضرب منطقتي القطبين إطلاقاً.
لمدة 17 عاماً، رصدت الأجهزة المثبة على متن القمر الصناعي “TRMM” للبعثة المشتركة بين وكالة ناسا ووكالة الاستكشاف الفضائية اليابانية، بيانات للومضات الكهربية على سطح الأرض. هذه الصورة توضح خريطة كاملة لتلك البيانات التي سُجِّلت تحديداً في المنطقة الاستوائية.
خريطة لمُعدل البرق السنوي في الكيلومتر المربع الواحد منذ عام 1995 حتى العام 2013 المصدر: ناسا
التنبؤ بالعواصف الرعدية
صورة من محطة الفضاء الدولية للبرق
تقوم بتلك المهمة الشبكة العالمية لمواقع البرق “WWLLN”. توجد في 70 جامعة ومؤسسة بحثية حول العالم، وتضم أجهزة استشعار تلتقط الإشارات عالية التردد جداً المنبعثة من البرق. وكما يقول الدكتور روبرت هولزورث مسؤول الشبكة من واشنطن: الملاحظات الأرضية تعمل على استكمال بيانات أجهزة الاستشعار على الأقمار الصناعية.
وتزداد أهمية التنبؤ بالعواصف في فهم أماكن وجودها حول العالم بشكلٍ دقيق. ومع تزايد سكان العالم، ولا سيما في البلدان النامية، تظهر أهمية التنبؤ بالعواصف الرعدية في تلك المناطق؛ بسبب أن الأشخاص هناك مُعرّضين للخطر؛ نظراً لانعدام الوسائل التي تحول بينهم وبين تلك الومضات الكهربية المباشرة.
أخيراً .. يبدو أن طبيعة الأرض خصوصاً الظواهر المناخية التي تحيط بها، لا تزال في حالة غموض سيقف الكثيرون عاجزين أمامه. وسيظل قسم آخر مُكتفٍ بتجميع بيانات وإحصاءات، ومن ثم التفكير في تدابير وقائية، لتجنب أو للتقليل من تلك التغيرات وتأثيراتها، غير مدركين أن الطبيعة الأرضية لا يمكن التحكم بها سوى بتلك الطريقة الترقبية.
وغير مدركين أيضاً أن ظاهرة البرق هذه هي عبارة عن شحنات و شرارات كهربية صاعقة، تُعطي للنفس البشرية ألف سؤال وسؤالٍ، حول ماهيّة كوكب الأرض، وما يحيط به داخلياً وخارجياً.