الصحافة المصرية.. كيف بدأت وأين أصبحت؟ – تقرير
0
مع انتشار الطباعة وشبكة الإنترنت، أخذت الصحافة المصرية تتغيير بمرور الزمن، فأصبح يوجد إصدارات يومية أو أسبوعية أو شهرية، وأيضا منها الإصدارات المتخصص سواء كانت سياسية أو فنية أو رياضية أو موجهة للأطفال.
علي مدار 200 عام أخذت الصحافة المصرية تتطور وترتقي حني تصل علي ما هي عليه الآن، وتتحمل مواجهات سياسية كانت أحياناً تؤدي لغلق الجريدة وسحب ترخيصها، رحلة الصحف في مصر بدأت منذ دخول أول آلة طباعة أثناء الحملة الفرنسية علي مصر سوف نستعرضها معاً في هذا المقال، الصحافة المصرية ما بين الإنجازات والإخفاقات.
أول مطبعة في مصر
في عام 1798م، ومع دخول نابليون إلى مصر قرر إنشاء مطبعة عربية فرنسية في مصر، كانت تسمي بـ”مطبعة جيش الشرق” بالإسكندرية ومع انتقالها إلي القاهرة أُطلق عليها اسم “المطبعة الأهلية” وكان الهدف منها استمالة المصريين إليها من خلال المنشورات العربية والمطبوعات العربية والفرنسية وخاصة الصحف مثل” كورييه دي ليجيبت” و”الريكار”.
وكان يشرف عليها المستشرق الفرنسي “فانتور دي بارادي” مترجم الحملة الفرنسية، بالإضافة إلي جريدة “التنبيه” التي لم يحالفها الحظ ولم ير عددها الأول النور، لرحيل الحملة الفرنسية عن مصر وأخذهم المطبعة معهم.
في عام 1821م، أصدر محمد علي باشا والي مصر في ذلك الوقت أمر بإنشاء المطبعة الأميرية في بولاق، والتي ما زالت تعمل حتى الآن، وقد اهتمَّ بتجهيزها بأحدث الآلات والمعدات، وتدريب العاملين فيها..
وكانت تطبع اللوائح والمنشورات الحكومية، بالإضافة إلي طباعة الكتب المتخصصة في العلوم العسكرية والإنسانية والطب والتاريخ والعلوم الفقهية، وتولى إدارتها ” نقولا مسابكي” الذي تعلم فن الطباعة في إيطاليا.
وبعد مرور 7 سنوات من إنشاء المطبعة وتحديداً في يوم 25 جمادي الأول،1242هـ، الموافق 3 ديسمبر، 1828م، صدر العدد الأول من جريدة “الوقائع المصرية” والتي كانت صفحاتها تقسم طولياً لنصفين أحدهما باللغة التركية والأخر باللغة العربية، وكانت هذه أول بذرة في عالم الصحافة المصرية و العربية أيضاً، ولأن الصحافة كانت فناً مستحدثا في ذلك الوقت، ولم يكن يعلم عنها الناس شيئاً بعد، فقد كانت ترسل مجاناً لمن يطلبها، وكانت هذه وسيلة الترويج الوحيدة لها.
وفي عهد سعيد باشا، تم إهداء “المطبعة الأميرية” بكل ما يتعلق بها من عقار وآلات وأدوات إلى عبد الرحمن رشدي بك مدير مصلحة السكك الحديدية بالبحر الأحمر في يوم 13 ربيع الثاني، 1279 هـ، الموافق 7 أكتوبر، 1862م، علي شكل امتلاك مطلق.
مبنى المطبعة الأميرية في بولاق قديما
عهد الخديوي “إسماعيل” وظهور الصحف المتخصصة
في عام 1865م، اشترى الخديوي إسماعيل من عبد الرحمن رشدي بك “المطبعة الأميرية” ليتغير اسمها إلى “المطبعة السنية ببولاق”، وقد ازدهرت المطبعة خلال تلك الفترة ومعها بدأ ظهور أنواع مختلفة من الصحف في مصر منها: صحيفة “وادي النيل” التي أصدرها أبو السعود أفندي عام 1897م، وكانت تصدر مرتين أسبوعياً علي شكل كراسة.
ومع تطور الحياة السياسية في مصر، وإنشاء مجلس للنواب، وانتشار المطابع الأخرى بخلاف مطبعة بولاق، ظهرت صحف أخرى مثل الكوكب الشرقي، الأهرام، روضة الأخبار، أبو نظارة زرقاء، الوقت، شعاع الكوكب، صدى الأهرام، مصر، حقيقة الأخبار، الوطن، وغيرها الكثير سواء كانت سياسية أو هزلية.
وقد تم توثيق عدد 23 صحيفة تم إصدارها في عهد الخديوي إسماعيل، بالإضافة إلي جريدة الوقائع المصرية التي كانت تطبعها الحكومة أصدرت الجريدة العسكرية، وجريدة أركان حرب الجيش المصري، ومجلة يعسوب الطب، وروضة المدارس، والنحلة الحرة.
عهد الخديوي “توفيق” وإنذار الصحف
مع تولي الخديوي “توفيق” حكم مصر بدأت الصحافة المصرية تشهد نوع آخر من الرقابة عليها، والتنبيه الذي قد يصل إلى حد التهديد، وغلق الصحف أحياناً، خلال تلك الفترة تم ترحيل جمال الدين الأفغاني من مصر، وصدر قرار بغلق صحيفتي “مصر” و “التجارة” لصاحبها أديب إسحاق، لاعتبارهما تمثلا تيار المعارضة في مصر، بالإضافة لتوجيه إنذار إلي صحيفة “مصر الفتاة” لسان حال حزب تركيا الفتاة.
اصدر جمال الدين الأفغاني مجلة “العروة الوثقى” في منفاه وشاركه فيها تلميذه الشيخ محمد عبده،وكانت هي صوت العالم العربي والإسلامي في وجه الاحتلال البريطاني، وكان يغرم كل من توجد عنده هذه المجلة في مصر بمبلغ قدره 5 جنيهات إلي 25 جنيها، بأمر من نوبار باشا، وفي عهده تم ملاحقة بعض الصحف أو توجيه إنذار شديد لبعضها مثل الأهرام، والمحروسة، وأيضاً صحيفة “التنكيت والتبكيت” لعبد الله النديم، التي يسخر فيها من المحتل البريطاني.
وصدرت خلال تلك الفترة بعض الصحف العلمية مثل “الشفاء” لشبلي شميل، و”الصحة” لأساتذة مدرسة الطب، بالإضافة إلي مجلة “اللطائف” لشاهين مكاريوس، ومجلة “الحقوق” لأمين الشميل، ومجلة “الأزهر” ومجلة “الآداب” والتي كانت تهدف في المقام الأول لرفع المستوي الثقافي لدي الناس من خلال تقديم مادة عملية واضحة ومبسطة.
عهد الخديوي “عباس حلمي الثاني”
مع توليه الحكم عام 1892م، كان الصراع بين جريدة “المقطم” التي دعمها “اللورد كرومر” وصدر العدد الأول منها في عام 1889م، وجريدة “المؤيد” التي أصدرها الشيخ علي يوسف، فكانت “المؤيد” تقف مع الخديوي في جميع قراراته في مواجه الاحتلال البريطاني..
وخلال تلك الفترة عاد الشيخ عبد النديم إلي مصر وأصدر جريدة “الأستاذ” وهي شبه أسبوعية، وشهدت إقبالاً من القارئ المصري حين صدر قرار بإغلاقها وترحيل النديم من مصر، وصدر خلال تلك الفترة من الصحف التي كانت لها دور في نشر الوعي الوطني جريدة “الهلال” لجورجي زيدان، بالإضافة إلي جريدة “الأخبار” لداوود بركات، وقد كانت الصحف اليومية خلال تلك الفترة تطبع علي ماكينات تعمل يدوياً في أربع صفحات ذات ستة أعمدة.
وفي المنزل رقم 13 شارع فهمي في باب اللوق، اصدر مصطفى كامل باشا جريدة “اللواء” ذات الطابع الوطني لتحفيز الشعب المصري علي رفض الاحتلال يوم 2 يناير 1900م، وصدرت صحيفة “الجريدة” التابعة لحزب الأمة عام 1907م، وكان شعارها أن مصر للمصريين.
وظهرت أيضاً مجلة “حمارة منيتي” لمحمد أفندي توفيق ، الذي كان ضابطاً في الجيش المصري، وكانت ذات طابع هزلي ونقد لاذع ساخر سواء كان من شخصيات أو من أحداث، وظهرت مجلة “السيف والمسامير”، ومجلة “خيال الظل”، ومجلة “ألف صنف” لبدع خيري عام 1928م، ومجلة “الكشكول” لسليمان فوزي، ومجلة “الراديو” التي تحولت إلي مجلة “البعكوكة” فيما بعد لصاحبها محمود عزت المفتي، وغيرها الكثير ذات الطابع الساخر.
الصحافة والحركات الوطنية و الصحف الفنية
في عام 1919، خرج جموع المصريين في ثورة مهيبة وكانت لها نتائج سياسية إيجابية للشعب المصري في ذلك الوقت، وكان لسان الشعب المصري في الوفد الذي وكله الشعب ليتفاوض نيابة عنه مع الانجليز، مما دعا الوفد المصري لإصدار جريدة باسم الحزب ليخاطب من خلالها الناس..
وظهرت مجلة “رز اليوسف” لصاحبتها فاطمة اليوسف، وأصدرت أيضاً “الرقيب”، و”صدي الحق”، و”الشرق الأدنى”، و”مصر الحرة”، وظهرت جريدة “الأخبار” لعلي ومصطفي أمين، مجلة “المصور”، ومجلة “الكواكب”، ومجلة “آخر ساعة”، ومجلة “صباح الخير”، ومجلة “شجرة الدر”، والتي ما زال كل إصدار منها مستمر حتى الآن.
ثورة يوليو .. وتأميم الصحف
في يوم 23 يوليو 1952م، قام مجموعة من الضباط المصريين بحركة تهدف في المقام الأول لتطهير مصر من الاحتلال وجيشها من الخونة ولاقت تلك الحركة قبول لدى الشعب المصري لتصبح ثورة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
وقد اصدر “مجلس قيادة الثورة” مجلة “التحرير” التي كان يرأسها أحمد حمروش وظهرت في 16 سبتمبر 1952م، وأيضاً جريدة “الجمهورية” التي رأسها محمد أنور السادات، وجريدة “المساء” التي رأسها خالد محي الدين، وكانت هذه الصحف الناطقة بلسان الثورة مع وجود بعض الصحف التي لم تغلق لانتمائها إلي أحزاب سياسية تم إلغاءها بعد الثورة..
وهي ثلاث صحف يومية فقط “الأهرام والأخبار والجمهورية”، ومجلات “روز اليوسف وصباح الخير والمصور والجيل والكواكب وحواء وآخر ساعة”، حتى تم صدور قرار بتأميم جميعها، وأن تصبح ملك الدولة يوم 24 مايو 1960م، ومنذ ذلك اليوم أصبحت الدولة هي من لها حق اختيار من يرأس مجلس الإدارة أو تحرير الجرائد..
وعن سر تأميم الصحف رغم ترحيب رؤساء تحرير الصحف في ذلك الوقت بهذا القرار، أنه صدر بعد قراءة المانشيت الشهير لصحيفة الأخبار، “مصرع السفاح”، “عبد الناصر في باكستان”، والبعض يؤكد أن النية كانت موجودة من قبل نتيجة للتحولات الاقتصادية نحو النظام الاشتراكي الذي انتهجه عبد الناصر.
قبلة الحياة للصحافة المصرية
في عام 1980م، صدر القانون رقم 148، الذي يحدد ثلاثة أشكال من الصحف، وهى “الصحف القومية”، ويقصد بها المملوكة للدولة، و”الصحف الحزبية” وهى المملوكة للأحزاب، و”الصحف الخاصة” حيث سمح القانون للأفراد بإنشاء شركات مساهمة لإصدار الصحف، وصدر القانون 96 لسنة 1996م، ومن يومها زادت عدد المطبوعات الصحفية في مصر لقرابة 50 مطبوعة صحفية.
ومن حينها إلى اللحظة مازلنا نرى العديد من الصحف يتم اصدارها كل فترة، وخاصة بعد الخامس والعشرين من يناير 2011 إلى الان شهدت مصر صدور العديد من الصحف السياسية التي مازالت تتواجد على الساحة.