لحظات غيّرت مجرى التاريخ إلى الأبد!
10
أصغر الأشياء والأفعال غالبًا ما تغير العالم بشكل كبير، لا نتكلم هنا عن الفراشة التي تحرك جناحها في غرب الولايات المتحدة الأميركية فتبدأ إعصارًا مدويًا في الصين، بل نتحدث عن التفاف خاطئ أو تحرك غير محسوب لإحدى الفرق العسكرية الصغيرة مما يؤدي إلى اشتعال واحدة من أعنف الحروب التي مرت بها البشرية.
وبشكل مستمر ومتكرر أثبتت الأمور الصغيرة والتافهة أنها قادرة على تغيير مجرى التاريخ بكل بساطة، وحديثنا اليوم، يدور في هذا المجال، لحظات صغيرة جعلت التاريخ يقف قليلًا في منتصف الميزان ومن ثم يبدأ بالميلان والتأرجح نحو كفة دون الأخرى، وها هي الآن، أحداث صنعت عالمنا الحالي…
صورة لسمكة كادت أن توقف تطور العلوم
في شهر يوليو من عام 1687، نُشر كتاب الأصول الرياضية للفلسفة الطبيعية لمؤلفه إسحاق نيوتنلأول مرة، هذا الكتاب الذي يعد واحدًا من أهم الكتب على مرّ تاريخ الإنسانية جمعاء، حيث غيّر الطريقة التي نرى بها العالم ووضع أسس البحث العلمي لقرون قادمة، ومع كل هذا، كاد هذا الكتاب ألا يُنشر أبدًا وذلك بسبب هذه الصورة التي تراها أعلاه لسمكة طائرة.
ففي عام 1686، كانت الجمعية الملكية البريطانية، الجهة المسؤولة عن نشر الكتاب، تستعد لتوزيع الطبعة الأولى منه، لكن قبل البدء في الطباعة والتوزيع كان عليهم الانتهاء من طبع كتاب Historia Piscium لكاتبيه John Ray و Francis Willughby والذي يعد كتاب مفصل بشكل كبير عن تاريخ الأسماك كما يضم الكثير من الرسوم والصور المفصلة جدًا، وهذه الصور والرسوم والنقوش التي في الكتاب تطلب الكثير من الأموال في سبيل رسمها وطبعها، واحدة من هذه الصور كانت صورة لسمكة تطير، كانت هذه السمكة هي الصورة الأصعب والأكثر تعقيدًا ضمن المجموعة ككل وهذا ما جعل إعادة رسمها عملية صعبة تتطلب الكثير من المال، الأمر الذي دفع إلى ارتفاع ثمن نسخة الكتاب إلى سعر مرتفع جدًا، ولكن في النهاية تم نشر هذا الكتاب ولكن مع بعض المشكلات.
المشكلات لم تكن في الكتاب نفسه بل في الجمعية الملكية البريطانية التي استنفذت جميع أموالها في إنتاج النسخ من هذا الكتاب، ومع إفلاس الجمعية الملكية تم إلغاء جميع خطط النشر التي وضعوها لنشر الكتب المستقبلية، من هذه الكتب بالطبع الكتاب الأسطوري لنيوتن، لم ير الكتاب النور إلا بعد أن وافق أحد أصدقاء نيوتن على التكفل بجميع الأموال التي يتطلبها نشر الكتاب وذلك في سبيل إخراج هذا العلم الساطع للعالم.
ضعف التمويل نسف حلم بريطانيا في الفوز بسباق الفضاء
كان سباق الفضاء مواجهة علمية مضنية بين القوى العظمى في العالم، تمكنت روسيا من جعل الانسان يدور حول القمر، في حين أوصلت الولايات المتحدة الأميركية الإنسان للقمر، لكن على ما يبدو أن كليهما كانا ليتعرضا للهزيمة من قبل منافس جديد وغير متوقع في آن واحد، ولو تم توقيع اتفاقية التمويل المخصصة لهذا البرنامج، فمن المحتمل أن الرجل الأول الذي سيدور في الفضاء أو يحط على سطح القمر كان ليكون من الأمة البريطانية.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، كانت كل من القوى العظمى في العالم، تسعى بشكل حثيث لامتلاك تكنولوجيا الصواريخ، تمكنت الولايات المتحدة الأميركية من اقتناص فتى هتلر، وعبقري الصواريخ، فيرنر فون براون، وبعيدًا عن أميركا، استحوذ الروس على المؤسسات البحثية القريبة منهم وجميع ما فيها من بحوث قيمة. بطبيعة الحال الكعكة تم تقسيمها بشكل عادل بين هذين الطرفين، إلا أن بريطانيا لم تخرج خالية الوفاض كما يبدو، فحصتها كانت عبارة عن مجموعة من صواريخ هتلر القديمة من نوع V-2S التي استحوذ عليها الجيش البريطاني، وعلى هذه الحصة الصغيرة جدًا التي لا تساوي إلا الفتات إذا ما قورنت بما تم تحاصصه بين روسيا وأميركا، بدأت بريطانيا ببناء برنامجها الفضائي الخاص بها. وبعد الحرب العالمية مباشرةً، بدأ علماء بريطانيا اختباراتهم على هذه الصواريخ القديمة، محاولين إطلاقها في الفضاء الخارجي، ومن ثم توجيهها لكي تعود بسلام للأرض.
وضع رالف سميث، العالم من جمعية الكواكب البريطانية، تصميمًا يعطي هذه الصواريخ إمكانية تحويلها إلى “آلات للسكن”، وبحسب تصاميمه وتقديراته فإنه كان بالإمكان إرسال رجل واحد ضمن الكبسولة إلى الفضاء لمدة تصل إلى خمس دقائق ثم جعله يعود للأرض بشكل آمن وسليم. التصاميم العملية والنماذج الأولية استخدمت التكنولوجيا المتوفرة في ذلك العصر، وتشير التقديرات إلى أن رجال بريطانيا كان بإمكانهم الوصول إلى الفضاء في عام 1951 على أبعد تقدير، هذا كان سيحدث، لو أن وزارة التمويل البريطانية وافقت على توقيع الميزانية المخصصة للمشروع، ففي ديسمبر من عام 1946 كانت بريطانيا مفلسة بكل ما تعنيه الكلمة، وكانت الحكومة الجديدة تعمل على إعادة الدولة إلى وضعها الطبيعي أكثر من اهتمامها بإرسال الرجال إلى الفضاء، ألغي التمويل بشكل كامل عن المشروع في بداية عام 1947 بعد “دراسة متأنية”، وتم التخلي عن برنامج الفضاء الوليد في المملكة المتحدة.
عاصفة ثلجية كادت أن تودي بحياة نابليون
معركة Eylau التي حصلت في شهر فبراير من عام 1807، الأغلبية من دارسي أو قارئي حياة نابليون يتذكرونها جيدًا، لأنها المرة الأولى التي يظهر فيها نابليون الخاسر كقائد عسكري، وذلك عندما قاتل في بروسيا الشرقية (روسيا الحديثة)، وأدت المواجهة إلى نهاية مسدودة بين القوتين، الأمر الذي أدى إلى خسارة نابليون لنصف جيشه، وكان قريبًا من خسارة شيء أهم من هذا بكثير على ما يبدو، حياته، مقدمًا إياها لعاصفة ثلجية.
ففي صباح يوم 8 فبراير من عام 1807، كان نابليون يلعب لفترة من الوقت وذلك عند انتظاره للتعزيزات التي طلبها والتي كانت من المفترض أن تصل في تلك الأوقات، أما القوات الفرنسية فكانت تتعرض للهزائم وكان الروس في حالة تقدم واضحة، ومن أعلى برج الجرس في البلدة، كان القائد العسكري نابليون يحاول فهم ما يجري في المعركة من تطورات، عندما انفجرت عاصفة ثلجية هائلة، والنتيجة المباشرة كانت انعدام الرؤية بشكل كامل، القوات الفرنسية عٌميت بشكل حرفي بسبب هذا الطقس، خلال هذه الفترة تمكن ستة آلاف جندي روسي من التغلغل في المدينة، وفي الأعلى، عند برج الجرس كان نابليون يقف من دون أي حراسة، بينما تتقدم القوات الروسية نحو مكانه.
النهاية المؤكدة لقصة مثل هذه القصص هي الموت لهذا القائد العسكري الغافل، لكن على ما يبدو أن نابليون كان يخبئ الحظ في جيبه الأيمن الصغير، فمن خلال مزيج من الحظ والشجاعة والجنون تمكن مساعد نابليون الشخصي وحارسه من جمع الجيش مرة أخرى وجعله يقاوم ويقاتل لفترة بسيطة وقصيرة جدًا ريثما وصلت التعزيزات المطلوبة التي تمكنت من حماية القائد العسكري لكي يكمل حروبه لثماني سنوات تلي هذا الحادث المشؤوم.
حقوق النشر كانت ستدمر الانترنت
تخيل إنك تعيش في عالم، حيث تم استبدال الإنترنت الذي تتعامل معه حاليًا، بشركات إنترنت متعددة، وتكون متصفحات الإنترنت مختلفة بشكل كلي عن بعضها البعض بل هي متناقضة، المعلومات تحفظ بشكل كامل ولا يجوز استخراجها وقرائتها بسهولة، الحصول على الإنترنت والبقاء “أونلاين” يعني اختيار شركة الويب التي تريد الاستثمار فيها والدفع لها، لن يكون هناك مواقع تواصل اجتماعي مثل تويتر وفيسبوك، بمعنى آخر، ليس لدينا “إنترنت” كما نعرفه حاليًا.
في عام 1992، كان سيحدث ما قرأته في الأعلى، ففي مقابلة مع مجلة تايم في عام 2001، صرح تيم بيرنرز لي مؤسس شبكة الويب، بأنه كان يفكر بشكل جدي بتسجيل براءة اختراع لشبكة الإنترنت التي اخترعها في ذاك الوقت، فقد قام هو وصديقه باستشارة العديد من المحامين حول القيام بهذه الخطوة، إنشاء شركتهم الخاصة، الحصول على براءة الاختراع، وبعد ذلك، هطول الأموال عليهم بكل بساطة، لكن في نهاية المطاف رفض تيم الفكرة، مفضلًا التركيز على الجوانب التقنية والتكنولوجية من الأمور والحفاظ على شبكة الانترنت متاحة للجميع، وهذا بالطبع من حسن حظنا جميعًا!
أما عن النتائج الكارثية التي كانت ستوجد في حالة كان الإنترنت مسجل كبراءة اختراع، فقد تم احصائها من قبل موقع TechDirt عام 2011، وكانت النتائج كما هو متوقع كارثية، بدايةً، لا يوجدجوجل، والبحث بشكل عام في شبكة الإنترنت سيكون غاية في السوء، سيقتصر الجميع على حديقة صغيرة ومسورة من الانترنت الذي نمتلكه اليوم، يمكنك التواصل والتفاعل مع المستخدمين من نفس شركتك فقط، الهواتف الذكية لن تكون موجودة، عالمنا سيكون أقل اتصالًا، وأكثر تخلفًا من الناحية التكنولوجية.
تغير الطقس في أحد الايام كان سيؤدي إلى تغير التاريخ الأوروبي
معركة غابة تويتوبورغ، والتي وقعت في السنة التاسعة للميلاد، هي الاشتباك العسكري أو المعركة التي لم يسمع بها أحد على ما يبدو، سواء من محبي التاريخ أو من كارهيه، المعركة كانت بين الجيش الروماني ومجموعة من القبائل الجرمانية المحلية، وانتهت بهزيمة عنيفة للرومان، لكن لو كانت المعركة ذهبت بالاتجاه الآخر، كان سيكون التاريخ الأوروبي تغير تغيرًا هائلًا.
كان للكمين الذي نصبته القبائل الجرمانية للجنود الرومان، أثره الكبير في تحول المعركة، حيث تم ذبح حوالي 12 ألف من فيلق الرومان بأبشع الطرق، ومن ثم قد تم تعليق رؤوسهم بالمسامير على الأشجار بما يعد تحذير للإمبرطورية الرومانية، وكنتيجة مباشرة لهذه المذبحة، أوقف الإمبراطور أغسطس توسع روما بشكل فوري، وقام بإنشاء الحدود مع القبائل الجرمانية، وحذر الأباطرة اللاحقين من محاولة دخولهم لهذا البلد.
أما على الجهة الأخرى، كانت المعركة بنفس الأهمية للقبائل الجرمانية، وأصبحت تعرف باسم ” الانفجار الكبير ” والتي بدأت فيما بعد بأسطورة الأمة الألمانية، وستصبح فيما بعد هذه الأسطورة المأخوذة عن المعركة، جزء هام من النزعة الألمانية، بل سيستخدمها هتلر لإثارة الكراهية والحقد ضد اليهود، لكن كحال جميع القصص في هذا المقال، انتصار القبائل الجرمانية لم يكم محسومًا في ذلك اليوم، ففي مقالة للكاتب لويس لافام بعنوان “ماذا لو ؟”، ذكر فيها بأن عددًا من الأمور كانت ستغير نتيجة المعركة بشكل حتمي، فقد أشار إلى أن القبائل الجرمانية كانت على وشك التوقف بسبب التعب وهذا ما كان سيغير نتيجة المعركة، كما أشار إلى أن الجو لو كان جافًا أكثر كما هو الحال في تلك الأيام، لكان الفوز حليف الرومان بكل تأكيد.
في هذه الحالة، تاريخ العالم سيتغير بشكل كامل، فألمانيا ستصبح تحت الحكم الروماني، اللغات التي انحدرت من اللغة الجرمانية بما فيها الإنكليزية لن تكون موجودة، حرب الثلاثين عام والحرب العالمية الأولى لن تحدث أبدًا، العالم الحديث لو انتصر الرومان في تلك المعركة لن يكون مختلف فقط، بل لن نتمكن من التعرف عليه وفهمه، نحن الذين تأثرنا بفوز القبائل الجرمانية في تلك الفترة إلى اليوم.
وفاة رجل واحد كانت ستشعل الحرب العالمية الثانية من جديد
أنثوني مارشيوني يتمتع بشيء خاص يميزه عن باقي رفاقه، فعندما كان يحلق فوق اليابان، أصبح آخر جندي أميركي يقتل خلال الحرب العالمية الثانية، كما كان سيكون الجندي الأميركي الذي سيفتح بؤرة الجحيم مرة آخرى ويعيد إشعال الحرب العالمية الثانية مرة آخرى.
في ذاك الوقت، اليابان قد استسلمت بالفعل، فقصف مدينتي ناغازاكي وهيروشيما أجبر الإمبراطور الياباني هيروهيتو على الجلوس على طاولة المفاوضات والاستسلام بشكل فوري، مع العلم بأن الإمبراطور كان قد نجا بأعجوبة من محاولة اغتياله من قبل مجموعة من الضباط المناصرين لاستمرار الحرب.
التاريخ الذي نعرفه يخبرنا بأن الحرب في آسيا بشكل عام وفي اليابان قد توقفت عند بدء المفاوضات واستسلام اليابان، لكن على ما يبدو ليس كل أبناء اليابان قد تقبلوا فكرة الاستسلام، حيث تعهدت فرقتان من الجيش الياباني متمركزتان جنوب طوكيو بإطلاق النار على أي طائرة تابعة للحلفاء تمر من فوق طوكيو. في نفس الوقت، كان الجنرال دوغلاس ماكارثر قد قرر اختبار جدية اليابان في موضوع استسلامها، لذلك أرسل أربع مقاتلات جوية بتاريخ 16 أغسطس للتحليق فوق اليابان، وعلى الرغم من أن المقاتلات الأربعة قد ذهبت وعادت بسلام، ولكنه أعاد إرسالها في اليوم التالي الموافق ل17 من شهر أغسطس، الطائرات مرت فوق الفرقتان السابقتين وقد وجهوا المدافع والرشاشات نحوهم لكن قبل إطلاق النار بقليل كانت الطائرات قد غادرت المدى الجوي للمدافع.
الجنرال دوغلاس، لم يكتف بذلك، بل أرسل الطائرات في اليوم الثالث على التوالي، إذا تم إطلاق النار على الطائرات فهذا يعني أن اتفاق أيقاف إطلاق النار قد انهار، وقد انهار فعلًا، فقد تمكنت الفرقتان من إصابة الطائرات واشتبكت معهم، وكنتيجة لذلك أصيب الرقيب جوزيف لاتشاريتي بجروح بالغة وخطيرة بينما توفي الرقيب أنثوني مارشيوني. الجنرال دوغلاس يملك الآن أدلة واضحة على أن اليابانين مستعدين لمعاودة القتال وبدأ الحرب.
منطقيًا، كان يجب عليه إعادة القصف الجوي على اليابان وإعلان استمرار الحرب، لحسن الحظ، كان من المقرر أن يلتقي الجنرال دوغلاس ماكارثر مع وفد للسلام مُرسل من قبل السلطة اليابانية، وبعد التفكير قرر الجنرال أنه في حال تم حضور الوفد فإن إطلاق النار الذي حصل ما هو إلا من فئة قليلة متمردة، بينما إن لم يحضر الوفد، فإنها الحرب لا محالة. ويا للمفاجأة! حضر الوفد بأكمله، في حال لم يفكر الجنرال للحظات بعد مقتل الرقيب أنثوني مارشيوني، فإن الحرب ستعود إلى نقطة البداية، ملايين آخرين من البشر سيموتون، ربما تم تفجير قنبلة نووية ثالثة في ألمانيا أو اليابان مرة أخرى، بكل بساطة الحرب العالمية بكل ضراوتها ستستمر شهور أو سنوات أخرى.
هذه اللحظات من التاريخ ، هي اللحظات الحاسمة التي توقفت عليها مصير دول وشعوب بأكملها، هي المهمة فعلًا لندرسها ونحللها، لا تلك التي مللنا من تكرارها من دون أدنى استفادة منها.
هل تعرف أي لحظات أو أمور أخرى صغيرة ساهمت بتحول البشرية من تاريخ إلى تاريخ آخر، رجاءً أخبرنا عنها في التعليقات.