عمّ نيرون الذي أحرق روما: كاليجولا .. الإمبراطور الروماني المجنون!
3
جايوس يوليوس قيصر أو ما يُعرف بـ كاليجولا، الإمبراطور الروماني الثالث وعمّ نيرون الإمبراطور المشهور بإحراقه لروما، أشهر طاغية عرفه التاريخ الإنساني القديم، عُرف بوحشيّته وغبائه وجنون العظمة المنتشر في نفسيّته بدون أي ضوابط أو شرائع أو مُحددات أخرى..
فقد كان يكره الصلعان ويأمر بقتلهم، وكان يتظاهر بالموت ثم يُشفى من تلقاء نفسه، كما أنه في إحدى المرات أراد أن يُحضر القمر إليه لكنه عجز عن ذلك فأخذ يبكي طويلاً..
النشأة والتربية
ولد جايوس يوليوس قيصر المعروف بـ كاليجولا عام 12 ميلادية في مدينة انتيوم، وتوفي عام 41 بعد أن تم اغتياله من قبل أحد حراسه..
نشأَ الإمبراطور ضمن أسرة عسكرية عريقة، وتدرب على أيديهم فحذا حذوهم في كثير من الأمور، فقد أمضى فترة طفولته في الحصون العسكريّة الرومانيّة يشاهد المحاربين كيف يقاتلون ويتعلم منهم فنون المُحاربة، ومنذ ذلك الحين أظهر حبه وولعه بالحرب، فخاطت له أمه بذلة عسكرية صغيرة مع حذاء عسكري أيضاً وكان يذهب بهما إلى تلك الحصون، ومنذ ذلك الحين أطلقَ عليه الجنود لقب “كاليجولا” أي المجند صاحب الحذاء الصغير ورافقه هذا اللقب طيلة حياته..
أنا ربّكم الأعلى!
كان كاليجولا نموذجاً في الشر والغباء وجنون العظمة المُجسمة في هيئة رجل، وكنتيجة طبيعية لهذه الصفات استبدّت به فكرة أنه إله على الأرض، فراحَ يشعر بأن هذا العالم مُسخر له ولخدمته ويحلو له أن يفعل به ما يشاء، فقام ببناء تماثيل ضخمة لنفسه في الهيكل داخل مدينة أورشليم وأمر من كان يسكن بها بعبادتها، كما قام بنقل بعض الآثار الفرعونية من مصر إلى مناطق أخرى واستبدالها بمعابد له.
القمر من ممتلكاتي!
بعد أن أمر بقتل جميع الصلعان لأنه يكره الصلع بالرغم من أن كان أصلعاً، أراد أن يشعر بجبروته وسلطته أكثر، فنظر إلى السماء ليلاً ووجد القمر بدراً، فشعر بأن القمر ليس من ضمن ممتلكاته فأمر حراسه بإحضار القمر إليه!
عجزَ الحراس عن فعل ذلك فدخل في موجة من الحزن الشديد، وكثيراً ما كان يبكي بسبب هذه الحادثة، فبالرغم من كل عظمته وقوته فإنه لا يستطيع أن يمتلك القمر!
التظاهر بالموت واختبار الإخلاص
ذات مرة خرج على حاشيته بادعاء زائف، فتظاهر بأنه يحتضر وسيموت قريباً، فما كان ممن حوله من الأعوان المجانين إلا أن بادروا بالدعاء له بالشفاء واستعدادهم للتضحية من أجله، وبلغ التهور عند أحد هؤلاء أن أعلن بالتضحية بنفسه لكي يُشفى الإمبراطور ودعا الإله بوسيدون– إله البحر عند اليونان – أن يأخذ روحه فداءً لروح الإمبراطور كاليجولا، كما أعلن رجل آخر بتبرعه بمئة عملة ذهبية لخزانة الدولة لكي يُشفى كاليجولا..
أما الثالث فقد أقسم على الدخول في مصارعة مع المصارعين المحترفين إذا شُفي الإمبراطور أيضاً..
بعد كل هذه التضحيات خرج كاليجولا من سكرة موته المزعومة معلناً أنه لم يمت، فأجبر الرجال أصحاب الأضحيات بتنفيذ وعودهم له، إذ قام بأخد مئة قطعة نقدية من الرجل الثاني بعد أن قام بقتل الرجل الأول برميه من على قمة جبل لأجل التضحية بروحه في سبيله، أما الرجل الثالث فقد كان أكثرهم حظاً فقد دخل في مصارعة مع محترفي القتال واستطاع أن ينتصر عليهم..
الذكرى المؤلمة
أبرز مظاهر جنونيّة هذه الشخصية هو ما فعله عندما أراد أن يشعر بقوته وجبروته وأن جميع مُعضلات الحياة بين يديه، إذ وجد أن فترة توليه الحكم كانت خالية من المجاعات والأوبئة وبذلك لن يتذكره أحد من الأجيال القادمة لعدم حدوث كوارث في عهده، فقام بإحداث مجاعة بنفسه في روما إذ أغلق جميع مخازن الغذاء واستمتع بمشاهدة الجميع يموتون ببطء، وقال جملته الشهيرة:
” سأكون أنا بديلاً لكم عن الطاعون! “
الجواد .. عضو في مجلس الشيوخ!
إضافة للوحشيّة المُفرطة كان للغباء دور مهم أيضاً في شخصية هذا المتغطرس، ففي أحد الأيام دخل إلى مجلس الشيوخ ممتطياً صهوة جواده، فاستغرب أعضاء المجلس من هذا الفعل الغريب وقام أحدهم معترضاً على طريقة دخوله على ظهر الجواد فرد عليه كاليجولا قائلاً:
“لا أدري لماذا أبديت ردة الفعل هذه تجاه جوادي المحترم بالرغم من أن هذا الجواد أهم منك فيكفي أنه يحملني”
وبما أن جميع من كان حوله كانوا متأثرين بجنونه وخائفين من بطشه، أخذوا بالتصفيق له وأعجبوا بكلامه وبما قاله فأسعده ذلك كثيراً وقام بتعيين جواده عضواً في مجلس الشيوخ!
مأدبة التبن والشعير..
لم يرض كاليجولا أن يمر هذا الحدث العظيم دون احتفال، فقرر إقامة مأدبة طعام لتعيين جواده رسمياً كعضو في المجلس وقام بدعوة جميع الأعضاء وأخبرهم بوجوب الحضور بملابسهم الرسميّة..
يوم الحفل فوجئ الجميع من هول ما شاهدوه، إذ كانت المأدبة ما هي إلا مأدبة تبن وشعير مُلئت بها جميع الأطباق! شاهد كاليجولا ملامح الدهشة على وجوههم فقال متغطرساً:
” إنه لشرف كبير أن تأكلوا مثلما يأكل جوادي “
لم يفعلوا أي حركة سوى أن هزوا برؤوسهم موافقين على كلامه، وبدؤوا بأكل التبن والشعير مع حصانه، إلاّ واحداً منهم رفضَ أن يأكل، فعاتبه كاليجولا وقال له ومن أنت حتى ترفض أن تأكل مما يأكل جوادي ؟!
ثم أخذ قراراً بعزله وتعيين جواده الآخر بدلاً منه في المجلس!
الحرب مع البحر!
حركَ كاليجولا جيشاً من قواته وكان هو بنفسه على رأسهم وذهبوا للهجوم على ألمانيا، وعند وصولهم إلى هناك قام الإمبراطور بتغيٍير في الخطة وقرر الهجوم على إنجلترا بدلاً من ألمانيا، فاتجه إلى هناك ووصل بجنوده إلى الشاطىء فأمر الجيش بالتوقف ثم اتجه لإحدى التلال ووقف عليها وأمر جميع الجنود بالبحث عن الصدف وجمعهم، ثم أمر الجنود بالتراجع والعودة إلى روما..
حين عاد أخبرَ السكان وأفراد حاشيته وأعوانه بأنه خاض شخصياً معركةً مع إله البحر وانتصر عليه واستطاع أن يحضر هذه الأصداف كدليل على فوزه بالمعركة!
نهاية الجنون .. الاغتيال!
في يومٍ ما وأثناء حمله على أحد المواكب، قام بالسخرية من أحد الحراس المُرافقين له ووصفه بأنه يشبه المرأة، كما قام باغتصاب زوجة حارس آخر مما أدى لحقد هؤلاء الاثنين عليه..
مرت الأيام وازداد حقدهما وكبرَ يوماً بعد يوم، وفي إحدى اللحظات كان كاليجولا يسير وحيداً في أحد الممرات المظلمة في قصره، فلمحَ هؤلاء الحارسين في نهاية الممر، وما إن وصل إليهما حتى انهالت عليه الطعنات من كل حدبٍ وصوب واضعين بذلك حداً لتلك الشخصية التي جمعت بين الجنون والغباء والوحشيّة، وتركوه مُلطخاً بدمائه وغارقاً في عظمة جنونه التي اعتاد عليها طيلة حياته..
كاليجولا.. الإمبراطور صاحب النظرة السوداء عن الحياة بكل ألوانها، تساوت عنده الحياة والموت.. الظلم والعدل.. القليل والكثير.. الحزن والفرح.. الإنسان والحيوان، مما أدى لسيطرة شهواته ورغباته الجامحة على عقله ففقد الأمل من كل شيء واتخذ قراراً برسم طريقه نحو الجنون.