جولة على التراث والثقافة الساحرة لدولة كوريا الجنوبية
2
مفهوم الثقافة مفهوم فضفاض ويتسع للكثير من المكونات والعناصر، فثقافة الشعب هي كل ما يخصه ويميزه عن غيره من الشعوب، فهي تشمل لغته وزيه وطعامه وفنونه وآدابه وعاداته وتقاليده وغير ذلك من الأمور التي تُشَكِل نمط معيشته وهويته الخاصة به، فتثير فضول الآخرين ذو الخلفية الثقافية المختلفة للتعرف عليها.
وبما أنني من عشاق الاطّلاع على الثقافات الآسيوية وخاصةً الثقافة الكورية الجنوبية التي اعتبرها من أكثر الثقافات ثراءً وإثارة للاهتمام، فضلاً عن أنها تُماثل الثقافات العربية في شموليتها وثباتها أمام محاولات تهميشها، أردت أن نستكشف معاً بعضاً من الملامح الثقافية لدولة كوريا الجنوبية كما عرفتها.
ولأن اللغة هي الركن الأهم من الأركان المتعددة لأي ثقافة، حيث أنها المدخل إلى التعرف على بقية مقومات هذه الثقافة عن قرب سنبدأ بالحديث عنها.
اللغة الكورية
تعد اللغة الكورية من اللغات القديمة تحدثاً، حيث تكلم بها الكوريون في حين استخدموا في كتابتها الأبجدية الصينية (الهانجا) وذلك حتى ابتكر الملك سيه جونج الأبجدية الكورية (الهانجل) عام 1443 كي تحل محل الأبجدية الصينية في الكتابة.
وتجلى اعتزاز الكوريين بلغتهم وأبجديتهم حين تعرضت كوريا في مطلع القرن العشرين -بالتحديد عام 1910- للاحتلال الياباني الذي استمر لمدة 35 عاماً، حاول خلالها الاستعماريون اليابانيون تهميش الأبجدية الكورية (الهانجل) للقضاء على اللغة الكورية وإخلاء الساحة للغة اليابانية كي تحل محلها، حيث أبى الشعب الكوري الاستسلام لتلك المحاولات وازداد تمسكاً بلغته مما أفشل خطط المستعمر الياباني.
ويُكَرِم الشعب الكوري الجنوبي لغته الكورية وأبجديتها باحتفاله بيوم الأبجدية الكورية في التاسع من أكتوبر من كل عام.
الأزياء الكورية
أما بالحديث عن الأزياء التقليدية الكورية فهي من أجمل العناصر الثقافية الكورية وهي محط إعجاب جميع محبي ومتابعي الثقافة الكورية؛ وذلك بسبب روعة تفصيلاتها وجمال ألوانها سواء كانت للنساء أو الرجال.
فقديماً استخدمت المرأة الكورية “الهانبوك” (الزي الكوري التقليدي) كزي أساسي ارتدته بشكلٍ دائم في حياتها اليومية، ورغم تراجعه أمام الأزياء الغربية بعد الحرب الأهلية الكورية (1950-1953) إلا أنَّ ارتدائه مازال أساسياً في بعض الأعياد القومية الكورية كعيد الحصاد أو “تشوسوك” ورأس السنة القمرية، كما أن من التقاليد الكورية الجنوبية أن تلبسه الحموات في حفلات الخطوبة والزفاف.
أما الرجال الكوريون فكانوا قبل الحرب الأهلية الكورية يرتدون “جوكوري” أي قميص و”باجي” أي سروال، لكن هذا الزي تراجع أمام الأزياء الغربية فأصبح لا يُلبس في الحياة اليومية الكورية.
الأكلات الكورية
وبالنسبة للأكلات الكورية التقليدية فهي كثيرة ومتنوعة، فهناك طبق المقبلات الكوري الشهير “كيمتشي Kimchi” (كرنب مخلل) وهو أساسي على المائدة الكورية.
أيضاً هناك “البيبيمباب Bibimbap” وهو طبق رئيسي شهي يتألف بشكل أساسي من الأرز الذي تعلوه طبقة من الخضروات المختلفة واللحم وبيضة مقلية.
كذلك يوجد كعك الأرز “سونجبيون Songpyeon” وهو أحد أنواع الحلوى الكورية التقليدية والذي يحظى بشعبيةٍ واسعة بين الكوريين لارتباطه بعيد “تشوسوك” الكوري الجنوبي أو عيد الحصاد، حيث جرت العادة أن يتم صنعه من دقيق أول محصول أرز يتم حصاده في السنة.
وكغيره من شعوب الشرق الأقصى يستخدم الشعب الكوري الجنوبي العصيان الخشبية في تناول طعامه.
المشروبات الكورية
تتعدد أيضاً المشروبات الكورية الجنوبية التقليدية والتي تتميز -بجانب مذاقها الحسن- بفوائدها العلاجية الكثيرة، ومن أهم هذه المشروبات شاي أوميجا (Omijacha) المصنوع من التوت، ومعنى اسمه هو “الشاي ذو الخمس نكهات” حيث يمكنك أن تتذوق من خلاله خمس نكهات مختلفة: الحلوة، والمرة، والمالحة، والحامضة، والحارة، وهو مفيد جداً في مقاومة الإجهاد.
ومشروب الأرز الحلو (Sikhye) الذي يصنع من شراب الشعير والأرز المُحَلّى، وهو يُقَدَم بشكلٍ خاص بعد حمامات البخار لأنه يروي العطش كما يُعرف بأنه علاج فعال لعسر الهضم.
الفن الكوري
أيضاً للفن مكانة كبيرة في الثقافة الكورية والوجدان الشعبي الكوري، فمثلًا تُقام الحفلات حتى الآن للموسيقى الكورية التقليدية بآلاتها التقليدية المميزة مثل قيثارة “كايا كيوم”، وناي “داي كيوم”، وطبل “جانج كو”، ويمكننا الاستماع إلى موسيقى الآلات التقليدية في المقطع أدناه:
كما كان انضمام الأغنية الكورية الفلكلورية “أريرانج” لقائمة التراث العالمي المعنوي للإنسانية الخاصة بمنظمة اليونسكو عام 2012 بمثابة اعتراف دولي بمدى أهمية مكانة الفن الكوري وسط الإنتاج الثقافي والإنساني العالمي. لنستمع معًا إلى “أريرانج”:
كذلك تُقام عروض لرقصة “بوتشيه تشوم” وهي رقصة كورية تقليدية معناها “رقصة المراوح” لأن الفتيات ترقصنها وهنَّ يمكسن بالمراوح، ويمكنكم مشاهدة هذه الرقصة الرائعة في المقطع التالي:
الصناعات الكورية
وبالنسبة للصناعة التي تميز بها الكوريون فهي صناعة ورق “الهانجي” (ورق كوري تقليدي يُصنع يدوياً من أشجار التوت) ويصنعون منه “الهانبوك”، وفساتين الزفاف، والحقائب اليدوية، والصناديق، واللوحات، وبعض الإكسسوارات.
صندوق مصنوع من ورق الهانجي
مظلات مصنوعة من ورق الهانجي
الرياضات الكورية
أيضاً ابتدع الشعب الكوري رياضة “التايكوندو” وهي رياضة معروفة على مستوى العالم وحاضرة في المنافسات الأولومبية، وترجع أهميتها إلى أنها تُنَمي الحس الأخلاقي لدى ممارسيها حيث تزرع فيهم احترام الخصم، هذا بجانب تنميتها لقدراتهم الدفاعية والهجومية بالضرورة.
أخيراً كل ما سبق يؤكد -بما لا يدع مجالاً للشك- أن الثقافة مفهوم غني في حد ذاته، وأنه لا يجوز اختصاره في اللغة وحسب كما يعتقد البعض، كما أنه يجب على الشعوب حماية كل عناصر ثقافتهم من الاندثار؛ لأن ثقافة الشعب هي التي تؤكد هويته وتربطه بأرضه، غير أن اختلاف الثقافات يساعد على تقريب الشعوب من بعضهم البعض بهدف التعارف وليس العكس.