على الرغم من أننا لا نجد في أطباء المسلمين من اقتصر تخصصه على طب الأطفال، إلا أنهم -لا شك- كانوا ملمين إلمامًا طيبًا بهذا النوع من الطب إلى جانب درايتهم وتخصصاتهم الطبية الأخرى، ومنهم من اشتغل وكتب في هذا الحقل؛ فمنهم من بحث بطرفٍ في علم الأجنة، والأمراض الوراثية، وهناك من وضع كتابًا خصصه للمولودين في سبعة أشهر وكيفية رعايتهم، كما بحثوا في الإرضاع والمرضع.
فقد اهتم الأطباء المسلمون بمراحل حياة الطفل منذ مولده، ولم يختلف تقسيمهم هذا كثيرًا عن تقسيم المحدثين، وتعرضوا لذكر أطوار الجنين في بطن أمه، وكيفية العناية به حالما يخرج إلى الحياة. كما حظي موضوع إرضاع الأطفال بنصيب وافر من العناية، فقد كتبوا فصولاً كثيرة في الخصائص التي ينبغي أن تتوافر في المرضع، ولبنها، وما عليها أن تتبعه من غذاء حتى يظل لبنها مغذيًا وصحيًّا. وتحدثوا عن الأمراض التي تصيب الأطفال؛ كالإسهال والربو والبول في الفراش، والتشنج، والحَوَل، والقروح، والخراجات، والبثور، والتسنين، والقلاع، وأنواع الديدان، والأعصاب (شلل الأطفال)، والحُمَّيَات بأنواعها، والكزاز، وآلام الأذنين والعينين .
ويعتبر كتاب الطبيب العربي أبي الحسن أحمد بن محمد الطبري (ت 366هـ/ 976م) من أقدم المخطوطات الموجودة في طب الأطفال؛ نظرًا لعدم توافر نسخة عربية من مؤلف الرازي السابق، الذي توجد له ترجمات بالإيطالية والإنجليزية، وقديمًا بالعبرية واللاتينية .
وإلى جانب اهتمام الأطباء المسلمين وعنايتهم بالأطفال الذين يولدون لسبعة أشهر، اهتموا كذلك بالمواليد منذ الوهلة الأولى لمقدمهم، ولا يختلف كلام ابن سينا في هذا الصدد كثيرًا عمّا يستقبل به الطفل في المستشفيات الحديثة؛ فيذكر ابن سينا في الفصل الأول من الكتاب الأول من (القانون) أن أول ما يجب على الطبيب عمله أن يبدأ بقطع السُّرة نحو أربع أصابع ويغسل جسمه، ويلبس ويقطَّر في عينيه وينظف منخره، وينبغي أن يوضع في مكان معتدل الهواء ليس ببارد ولا حار… ويجب أن يكون إحمامه بالماء المعتدل صيفًا وبالماء المائل إلى الحرارة غير اللاذعة شتاءً… ثم يقطر في أنفه الزيت العذب .
وأجمع الأطباء المسلمون على أن لبن الأم أفضل أنواع الحليب للطفل، وهذا ما يقرره الطب الحديث. وتطرقوا إلى نوع الغذاء الذي ينبغي أن تتناوله المرضع أثناء فترة الرضاعة، بحيث يكون ما تتناوله ذا قيمة غذائية متوازنة ومدرًّا للبن، فيجب أن يُعتنى بغذائها فيجعل من الحنطة ولحوم الخرفان والجداء والسمك، كما نصحوا المرضع بالتوقف عن الإرضاع في أحوال معينة؛ كتعرضها لمرض مؤلم أو مُعدٍ، أو إسهال شديد، أو احتباس للبول أو إمساك. كذلك تتوقف عن الرضاعة إذا أدت الضرورة أن تتناول دواء قوي المفعول حتى لا يتأثر الطفل بذلك ، وهذا ما يؤيده الطب الحديث.
أما مدة الإرضاع فقد حدّدوها بعامين، ولعلهم اهتدوا في ذلك بما ورد في القرآن {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]، واشترطوا أن يكون الفطام في موسم اعتدال الطقس، فلا يكون في الصيف القائظ ولا الشتاء القارس. وهذا ما يؤيده الطب الحديث أيضًا؛ إذ إن ذلك يجنِّب الطفل الإصابة بالنزلات المعوية، حيث تقل كفاءة الجهاز الهضمي للطفل.
ويجب أن يكون الفطام تدريجيًّا كما يقول ابن سينا: "إذا جعلت ثناياه تظهر، نُقِل إلى الغذاء الذي هو أقوى بالتدريج من غير أن يعطى شيئًا صلب المضغ، ثم إذا فطم نقل إلى ما هو من جنس الحساء واللحوم الخفيفة، ويجب أن يكون الفطام بالتدريج لا دفعة واحدة".
كما أشاروا إلى أنه ينبغي إذا تدرّب الطفل على المشي فلا يُمَكّن من الحركات العنيفة، "ولا يجوز أن يحمل على المشي والقعود قبل انبعاثه إليه بالطبع؛ فيصيب ساقيه وصلبه آفة".
المصدر: كتاب (قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية) للدكتور راغب السرجاني.