من هم المستشرقون
مفهوم الاستشراق
يُمثِّل مفهوم الاستشراق بمنظوره العام حسب بعض النقاد الدراسة الغربية التي تشملُ مختلفَ البنى الثقافيَّة للشرق وذلك حسب وجهة النظر الغربية حيث يشمل دراسة تاريخ وأمم ولغات وآداب وعلوم وعادات ومعتقدات وأساطير الشرق، ويستخدم أيضًا مصطلح الاستشراق للدلالة على تمثيل أو تصوير بعض جوانب الحضارات الشرقية وخاصة في الشرق الأوسط بمختلف أنواعها وأشكالها وذلك من قبل الفنانين والمصمّمين والكتاب والرواة في بلاد الغرب وهذا المعنى قليل الاستخدام؛ لأنَّ التعبير الذي انتشر عن الاستشراق هو دراسة بنيات الشرق الثقافية خلال العصور الاستعمارية خاصّة في القرنين الثامن والتاسع عشر، وبسبب ذلك حملت هذه الكلمة النظرة السلبية تجاهها، وهذا المقال سيتحدث عن تاريخ الاستشراق ومن هم المستشرقون. 1)
تاريخ الاستشراق
من الصعبِ بمكان عند الدراسة التاريخية لموضوع الاستشراق الذي حمله المستشرقون أن يتمَّ الفصل بين كلا الحضارتين الحضارة الغربية والحضارة الشرقية عند نقطة فاصلة معينة، لأنَّ الازدهار الثقافي الذي نهضت به المسيحية والإسلام أدى إلى إحداث شرخ حضاري واسع الهوة بين بلاد أوروبا التي تنتشر فيها الديانة المسيحية والشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث ينتشر الدين الإسلامي، فقد كان الأوروبيون في العصور الوسطى يرون في المسلمين عدوًّا لدودًا يتربَّص بهم الدوائر، وكانت معرفتهم بالشرق الإسلامي تحمل شيئًا أكثر من الخيال، وكانت لهم معرفة أقل بالحضارات في بلاد الصين والهند، عن طريق بعض القوافل التجارية، وبعد ازدياد حملات الغرب الاستعمارية لاستكشاف العالم وزيادة النفوذ والسيطرة وُجِدَ الفارق بين الحضارات الكاتبة والمثقفة في مناطق الشرق المختلفة وبين الحضارات غير الكاتبة في مناطق أفريقيا والأمريكيتين الشمالية والجنوبية، وأصبح في القرن الثامن عشر بعض الباحثين والمفكرين يعلون من شأن بعض جوانب الحضارات الشرقية، ويصفون بعضَها بأنَّها أحسن من المقابل لها في الغرب.
ومن الأمثلة على ذلك: الأديب الشهير والمفكر والفيلسوف الفرنسي فولتير كان يمدحُ الديانة الزرادشتية ويحثُّ على دراستها وكان يعتبر أنَّ الديانة الزرادشتية تدعو إلى الربوبية العقلانية أكثر من الديانة المسيحية. وهناك مفكرون آخرون عمدوا إلى مدحِ التعايش الديني الذي كان منتشرًا في مناطق الشرق الإسلامي أكثر من الغرب صاحب الديانة المسيحية، وكذلك مرتبة العلم الشرق وفي الصين خاصةً. ومنذ ترجمة كتاب الأفستا وهو كتاب الرسول زرادشت والذي يعدُّ الكتاب المقدس في الديانة الزرادشتية وبعد اكتشاف اللغات الهندو أوربية والتي تعتبر من أكبر أسر اللغات في التاريخ، اتَّضحَ التواصل بين التاريخ الشرقي والتاريخ الغربي القديم، وصار اكتشاف العالم الشرقي محطَّ منافسات بين بريطانيا وفرنسا وخاصَّة في السيطرة على بلاد الهند، وهناك آراء تعتبر أنَّ اكتشاف هذه البلدان كان ضروريًّا لفهم طبيعة هذه الشعوب حتى يسهل على المستعمرين السيطرة عليها، وهناك الكثير من الاقتصاديين من ذمَّ الحضارات الشرقية مثل جيمس ميل.
وكان المبشرون أتباع الديانة المسيحية يعتبرون جميع الديانات الشرقية مجرد هرطقات وأكاذيب. ولم يبدأ الاستشراق بشكل فعلي ورسمي إلا بعد صدور القرار الرسمي من مجمع فيينا الكنسي في عام 1312م يقضي بإنشاء عددٍ من الكراسي المخصصة للغة العربية في عدد من الجامعات في أوربا، ومع نهاية القرن الثامن عشر الميلادي بدأ يظهر مفهوم الاستشراق في أوربا، بداية من أنكلترا عام 1779م، ثمَّ ظهر في فرنسا عام 1799م وتمَّ إدراجه فيما بعد في القاموس الخاص بالأكاديمية الفرنسية.
من هم المستشرقون
المستشرقون هم المفكرون والباحثون الذين عملوا على دراسة الشرق والحضارات الشرقية وما يتعلق بها، وكان لهم باع طويل في تقليد وتصوير وتمثيل جوانب كثيرة من هذه الحضارات من كتاب ومؤرّخين ورواة وفنانين ومصممين وغيرهم، وعلى الرغم من أنَّ الاستشراق حديث الظهور إلا أنَّ معرفة الثقافة الشرقية وما يتعلق بالشرق يعود إلى زمن بعيد، وقد ظهر المستشرقون في جميع مناطق أوربا، لأن معظم دول أوربا وخاصة الدول الاستعمارية التي بسطت سلطانها على مناطق واسعة من الشرق أرادت أن تكشف عن خفايا كل المناطق حتى تستطيع إحكام السيطرة عليها، وكانتفرنسا في مقدمة الدول التي دعمت موضوع الاستشراق.
وتعدّ من أهم مدارس الاستشراق وذلك منذ مدرسة اللغات الحية في عام 1795م، وترأسها المستشرق سلفستر دي ساسي والذي يعد من أشهر المستشرقين وعميد المستشرقين في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وكذلك كان المستشرقون في إيطاليا يهتمون بدراسة الإسلام وحضارة الشرق لأنَ إيطاليا كانت منبع الدراسات الإسلامية والعربية، ومن أشهر المستشرقين في إيطاليا الأمير كايتياني الذي ألف مؤلفًا كبيرًا سمَّاه “حوليات الإسلامي”، وكذلك كان هناك المستشرقون من الألمان والنمساويين والأمريكان والبريطانيين والإسبانيين وغيرهم، ومن أهم المستشرقين: “الإنكليزي وليم موير، الألماني بروكلمان، الروسي فيكتور روزن، أدريان ريلاند، زيغرد هونكه، الألماني يوهان رايسكه، الإنكليزي توماس أرنولد، المجري اليهودي جولد زيهر، الأمريكي كينيث كراج وغيرهم.
رد مع اقتباس
