من المسلم به عند كثير من النحاةواللسانيين العرب ان بناء الفعل للمجهول يقتضي=(...عمل ثلاثة اشياء.حذف الفاعل واقامة المفعول مقامه و تغيير الفعل الى صيغة فعل -بضم الفاء وكسر العين- =ابن يعيش-شرح المفصل-الجزء السابع ص69 = ومع ذلك فهذا التحديد الاجرائي غير قائم كما سيتبين لنا,لان الفاعل لايحذف بالضرورة في هذا البناء ثم ان اقامة المفعول به مقام الفاعل ليست ضرورية كذلك.واخيرا فان الصفة الثالثة ليست محددة لان اسم الفاعل واسم المفعول او المصدر قد تبنى لغير الفاعل دون ان تتغير صيغتها.فما الذي يحدد اذن هذا البناء الذي يطلق عليه في اللغات الغربية اسم passive والذي نسميه البناء للمجهول؟
ان تسميته -المبني للمجهول-تعني ان الفعل يبنى للمجهول والحقيقة ان الفاعل الاصلي هو الذي يصير مجهولا في هذا البناء,بينما الفعل يبنى لمفعول معلوم.وقد اطلق النحاة عبارات فنية على هذا البناء=مفعول ما لم يسم فاعله(ابن السراج-الاصول-ج1ص77)=المفعول الذي لم يتعد اليه فعل فاعل(سيبويه-الكتاب-ج1ص33).وقالوا عن الفعل=انه الفعل المبني للمفعول=(ابن يعيش-شرح المفصل-)=الفعل الذي لم يذكر فاعله=الفعل الذي يرد الى فعل-ضم الفاء وكسر العين-اوينقل او يغير(المقتضب-المبرد-ج4ص50).وقالوا عن الفاعل...انه يزول او يزالاو يستغنى عن ذكره(انظر-ابن السراج-).وهذه التسميات تعود بالاساس الى اختلاف في التحليل بين النحاة العرب القدامى....يتبع.
سنفترض عبارة البناء لغير الفاعل معتقدين ان ما يميز هذه التراكيب هو ان المحمول سواء كان فعلا او مصدرا او اسم فاعل او اسم مفعول,يبنلى على مكون غير المكون الذي يحتل دور الفاعل المنطقي .بل ان الفاعل الاصلي منزوع او مزال .فمن الخصائص الصرفية للغة العربية انها لا تتوفر على صيغة خاصة بالفعل المبني لغير الفاعل,فصيغة (فعل)بضم الفاء وكسر العين,تستعمل في تراكيب غير التراكيب المبنية للمجهول كالتراكيب المبنية للمبهمimpersonnel ;وتراكيب اخرى تاتي منها فعل (بضم الفاء)دون ان تاتي من فعل (بفتح الفاء)كالافعال التي تؤخذ من الاسماء للدلالة على المرض=كبد-اصيب بالكبد-رئس,قلب,صدر,زكم,سل..(كلها بضم اولها).ومن امثلة هذا ايضا=اغمي عليه...فهذه الافعال وغيرها عرفت عند النحاة بانها ملازمة لصيغة البناء للمجهول ,فاعتبروها مبنية للمجهول لفظا لا في المعنى ,لذلك اعربوا المرفوع بعدها فاعلا لانائب فاعل(انظر القاموس المحيط في مقدمته بعنوان- مسالة.-)وبجانب هذه التراكيب نجد ايضا معنى (الوسيط)وله خصائص يلتقي معها في البناء لغير الفاعل منها ان احد الادوار منزوع وخصائص يختلف معه فيها مثلا(يحبك مصيري في غيابي-يباع الكتاب في كل الازقة-هذه اللفظة تستعمل في الشام...)والذي نخلص اليه من كل هذا ان صيغة فعل (بضم الفاء)ليست خاصة بالبناء لغير الفاعل كما هو سائد عند اهل اللغة والنحو,بل انها تكون لمعاني متعددة .لذا نفترض واياكم معايير اخرى لتمييز معنى البناء لغير الفاعل وغيره من المعاني.
يتبنى جل النحاة اطروحات في تحليلهم للبناء للمجهول1)انه بناء للمفعول2)ان المفعول يحل محل الفاعل وتجري عليه كثير من احكامه3)ان الفاعل لا يذكر في هذه البنية. كما يمكن للمفعول ان يبنى لاحد المفاعيل الاربعة التي ذكروها=المصدر-ظرف الزمان-ظرف المكان- الجار والمجرور,وذلك توسعا في هذا البناء . لذلك يسند الى المفعول الذي يرقى الى منزلة الفاعل اعراب الرفع, ويراقب التطابق ويمتنع تقديمه على الفعل .وهذا التصور كانت له نتائج على مستوى التحليل وانتقاء المعطيات. واحدى هذه النتائج المباشرة انهم اشترطوا عند بناء الفعل اللازم للمجهول وجود مركب حرفي او مركب ظرفي او مصدر يصير بالضرورة فاعلا .وهذه الاطروحة ادت بهم الى رفض الجمل التى لا يوجد فيها مركب من هذا النوع بجانب الفعل .ولما وجدوا امثلة مثل =وبعد ان ضحك ورقص (بضم اول الافعال),قام الناس وافترقوا. حيث الشرط غير متوفر ,خرجوها (التخريج)على حذف المصدر او اضماره.وفي افتراضنا (والله اعلم) ان هذه الامثلة تخرج على انها بناء للمبهم .ولا يحتاج هذا النوع من الجمل الى التقدير لان المبهم ضمير فارغ وهو موجود في كثير من اللغات الاخرى .ونظير (قعد و رقص-بضم اولها-)المبنية للمبهم,نجد الجمل التي بها مركب حرفي والتي اعتبرها النحاة مبنية للمفعول على السعة واعتبروا المركب الحرفي فيها نائب فاعل.,مع ان هذا التحليل لا مبرر له.نقول=قعد(ضم القاف وكسر العين)في المقهى- سير بزيد .فنبني الفعل للضمير المبهم ,اما (بزيد) فلا حاجة لافتراضه فاعلا كما قال النحاة .يقول ابن السراج...(ويجوز ان تقول –سير بزيد-,فتقيم –بزيد-مقام الفاعل .فيكون موضعه رفعا ولا يمنعه حرف الجر من ذلك كما قيل ما جاءني من احد –فاحد هنا فاعل وان كان مجرورا بمن .) =الاصول=ص78/ج1.وقد بنوا على هذا التصور احكاما على المعطيات لم تثبت صحتها.ففي هذا السياق ,منعوا تقديم الجار والمجرور على المبني لغير الفاعل ,واعتبروا جملا مثل (بزيد استهزئ) جملا خاطئة.فهي لاحنة في نظرهم لان المركب الحرفي فيها بمنزلة الفاعل والفاعل لا يتقدم على الفعل ولا تصح ان تكون هذه جملة ابتداء لعدم وجود رابط ضميري في الجملة المدمجة.والحقيقة ان هذه الجمل وغيرها تنتمي الى اللغة العربية وفيها بناء للمبهم خلافا لما اعتقده النحاة .ونظير هذا رفض النحاة انابة الظرف غير المتصرف عن الفاعل فلا تقول (جلس-بضم الجيم وكسر اللم-عندك) لئلا تخرج الظرف عما استقر له في لسان العرب من لزوم النصب .اما بالنسبة للنحو البسيط الذي نفترضه,فاننا نرى بتوحيد البناء للمفعول والبناء للمبهم في عملية واحدة نسميها افتراضا البناء لغير الفاعل والمقصود هنا هو البناء لغير الفاعل الاصلي او المنطقي .فالخاصية الاساسية لهذه الصيغة هي ان الفاعل منزوع .اما الخصائص الاخرى فيمكن استخلاصها من القيود العامة او الخاصة بلغة من اللغات.ونتيجة لافتراض النزع ,فان الفاعل المنزوع لا يربط نحويا الى الفعل كأن يتلقى الاعراب او يراقب التطابق ...فالفاعل في هذا البناء عاطل chomeur ,اذن فترقية المفعول الى الفاعلية ليست ضرورية كما هو واضح في البناء للمبهم. وبتحليلنا للغة العربية فاننا نتوصل الى حصر طبقة الافعال التى يمكن بناؤها للمجهول فالافعال المتعدية قد تتضمن افعالا لا مجهول لها .كما ان هناك افعالا لازمة قد تبنى للمجهول /لغير الفاعل...مثال=افعال متعدية (بلغ الخبر الرجل)__(بلغ-ضم الباء-الخبر ) (كلف الكتاب نصف الدخل)__كلف-ضم الكاف-نصف الدخل وهي جمل لاحنة كما ترون.=افعال لازمة يصير الظرف او المصدر فاعلا لها(صيم رمضان-ضم النون-)(صيم صيام مقبول).فوجود هذه الجمل متنبأ به.لان البناء للمجهول هو اساسا نزع الفاعل وانزاله من منزلة الحد الى منزاة غير الحد .وهذا لايحتم بالضرورة انتقال المفعول الى مكان الفاعل لان هذ الانتقال تختلف شروطه حسب اللغات



م