جداريات الحب بين الماضي والحاضر
ياقديم الوعد وعدك قد ضرني»، «أنت عطلة نهاية السنة أما الباقي بداية امتحانات»،«يا ليتني ما عبرت حدودك ليتني بقيت ذاك الغريب».. لم تكن تلك أبيات شعرية ولا حتى مطلع نثري ولكن هي عبارات نقشت على جدران منازل وشوارع أصحابها في محاولة منهم للتعبير عما يجول بداخلهم تجاه الحبيب، فمن الممكن أن تكون ارتجال، أو بيت شعري، أو مطلع أغنية.
عبر الكثير عن شعوره تجاه «الحبيب» كل بطريقته، وكان «الجدارين» أرهف من أحس بتجربته على الإطلاق. وصف «فولتير» الحب بأنه «من أشد العواطف على سائرها، فهو يهاجم العقل والقلب والحواسَّ في آنٍ واحد»، وقد أجمع علماء النفس بأن بالحظات الأولى للوقوع في الحب وتأثيره على «الدماغ» يُشبه أعراض بعض الأمراض التي تصيب الإنسان في تأثيراته كتسارع دقات القلب، إحمرار الخدود، رعشة في الجسد واليدين، وعلامات للحب داخل الجسم.
فتلك العلامات والإضرابات عادة تغزو جسد الإنسان عقب «الحب» ولكن عندما تؤكده يبدأ مشوار آخر هو اعترافه بالحبيب أمام نفسه، فهو كثيرا ما يطرد تلك الفكرة من داخله وكثيرا ما يكابر بإعترافه بها ويستنكرها عند الضرورة ولكن بمثابة تأكده منها يذهب للإعلان عنها وتبقى «الجدارية» هي متنفسه في الاعتراف.
«بداية الجداريات»
منذ أن عرف الإنسان الحياة على كوكب الأرض هو لا يزل يؤرخ كل ما يفعل سواء بالنقش أو الرسم أو الكتابة عبر الأزمنة والأوقات ومنذ أن وجد الإنسان وجد معه الحب فتعالى الله في خلقه خلق الزوجين وخلق بينهم «الحب» فما كان عليه إلا تاريخ حبه والاعتراف به عبر الجداريات.
«جداريات الفراعنة»
كانت الكتابة الهيروغليفية هي الكتابة المرسومة، فالحضارة الفرعونية كانت حضارة صورة في المقام الأول وثقت فيها أحوال الدولة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية عبر جدران معابدها، وكان الحب أحد ما وثقته الحضارة القديمة في مبانيها ومعابدها.
وجاء في دراسة قام بها مركز جمعية إيزيس للتنمية الثقافية في الأقصر «أن الكثير من نقوش ورسوم معابد ومقابر الفراعنة توضح صور الحب والعشق فى مصر الفرعونية» وأشارت إلى أول قصة حب في التاريخ الفرعوني أي قبل أكثر من ثلاثة آلاف سنة بين «رمسيس ونفرتارى» من خلال الكلمات الرقيقة التي نقشها رمسيس على جدران معبدها الذي قام ببنائه تكريما لها ووصفها بربة الفتنة والجمال وجميلة المحيا وسيدة الدلتا والصعيد.
وكشفت الدراسة أيضا عن طرق تعبير المصرى القديم عن عواطفه تجاه محبوبته فى احتفالية يطلق عليها "الوليمة" وإهدائها زهرة "اللوتس" رمز البلاد، في إشارة منه لها بتدفق عواطفه تجاه محبوبته وهو ما يظهر فى عشرات اللوحات على مقابر الجيزة وسقارة ومقابر النبلاء غرب الأقصر.
كما أن هناك نصوصا تسجل ما عبرت به المرأة الفرعونية لمحبوبها مثل قول إحداهن التي قالت: "لا يفكر قلبى إلا فى حبك.. أهرع مسرعة نحوك بشعرى غير المرتب.. لكنى سأعد خصلات شعري وأكون جاهزة للقائك فى لحظة".
أخذت الحضارة المصرية القديمة في انصهار الحضارات الأخرى عليها «الإغريقية، الرومانية، العربية» مما أكسبها طعما آخرا في الكتابة على الجدران والتعبير عن لحظات الحب واعتراف الحبيب بها مدونة اكبر حالات الحب والتيه والعشق.
ظل الاحتفاظ بجداريات الحب حتى وقتنا هذا بين الشباب فلم يكن غريبا أن تتطور «جدارية الحب» حتى تصل إلى العالم الافتراضي، فمن الممكن بمجرد دخولك عند صديق لك على الفيس أن تجده ناشر صورة ما قام بكتابتها وعلقها على الحائط كنوع من جدارية تمثله.
حظيت الجداريات بترحيب بين الكبار قبل الصغار في التعبير عن حالة يعيشها الحبيب تجاه من أحب من الدولة الفرعونية وحتى الآن.
منقول