أحداث من تاريخ كربلاء - حادثة حمزة بيك - عام 1915م
بعد ضعف الحكومة العثمانية وسيطرة القوات البريطانية على العديد من مناطق العالم ، وجّه البريطانيون قواتهم لاحتلال العراق بعد أن انتصر الحلفاءُ على ألمانيا وحلفائها ومنهم الدولة العثمانية ؛ فانتفض أبناء كربلاء بعد أن وحَّدوا صفوفهم ؛ وقاموا بالهجوم على مقرات الحكومة العثمانية وطردوا قواتها من المدينة.
وبعد سيطرة الكربلائيين على شؤون مدينتهم قاموا بتنظيم أمورها حيث أُسندت المهام إلى أبنائها وفي مقدمتهم الزعيم الكربلائي المعروف المرحوم الشيخ فخري كمونة يعاونه نخبةٌ من وجهاء المدينة من زعماء الأُسر الكربلائية العريقة المعروفين بشجاعتهم وشدَّة بأسهم.
وصل خبر استيلاء أبناء كربلاء على مدينتهم إلى مسامع الحكومة العثمانية فقامت بإرسال الوالي المتعجرف حمزة بيك على رأس قوَّة عسكرية لإعادة السيطرة على المدينة وإلقاء القبض على قادة الانتفاضة . توجه حمزة بيك نحو مدينة كربلاء المقدسة، وما إنْ وصلت قواتُهُ على مقربةٍ من المدينة أمر قواتَهُ بقصف المدينة قصفاً مركَّزاً أسفر عن ايقاع خسائر كبيرة بين صفوف الأهالي ، إضافة إلى إتلاف أجزاء كثيرة من الدور والمحلات والأسواق ، وأصيبت منائر العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية , كما أدى القصف إلى تدمير أجزاء من السور الذي كان يحيط بالمدينة المقدسة.
وبعد حدوث أضرار بالغة بالمدينة قامت القوات العثمانية باجتياح المدينة فتصدّى لها أبناؤها الميامين ودار بينهما قتال عنيف ، مما أسفر عن استشهاد مجموعة فاضلة من أبناء كربلاء المقدسة منهم: عبود النصير , كريم آل غريب , محمد علوان آل زنكي , الحاج عبد آل زنكي , السيد علي آل طعمة ، معتوك المنكوشي , خضير جواد الطهمازي , مرهون الوزني , محمد طاهر الوزني , الحاج كاظم الحميري , ناجي أبو والده , دهش المحمد , عاشور العبد المنكوشي , حميدان جلعوط , خداده الكردي , مكي علوان , حسين عبد الله , إبراهيم علي العواد , حسن الفرحان , عبود الحداد , عباس الموسوي , كاظم الشمري , محمد علي الهر , إبراهيم عبيدة , وغيرهم من أبناء كربلاء الأبطال الذين دافعوا بحماس بالغ عن مدينتهم الباسلة .
استمر الكربلائيون في إيقاع أفدح الخسائر بصفوف القوات الغازية التي أوغلت في إيذاء مدينة كربلاء وسكّانها ، وبعد صولات وجولات قام بها فرسان كربلاء تمكَّن الثوّارُ من السيطرة على أجزاء كبيرة من مدينتهم المقدسة إلّا أنَّ القوات العثمانية تمكنت من السيطرة على بعض الأجزاء المهمة من المدينة كان منها محلّتي العباسية الشرقية والغربية ، ولما رأى الكربلائيون هذه التطورات أمرهم الشيخ فخري كمونة بأن يقوموا بهدم السدَّة الترابية التي كانت تحفظ المياه المتشعِّبة من نهر الحسينية ، فغمرت المياه المناطق التي كانت تسيطر عليها القوات العثمانية ، مما أدى إلى هروبها ، فانقض الكربلائيون على العساكر العثمانيين الذين أصابهم الذّعر ، فولّوا هاربين وهم ينادون (إمام عباس كلدي) أي ظهر الإمام العباس -عليه السلام-.
وصلت أخبار انتصارات الكربلائيين إلى مسامع الحكومة العثمانية في اسطنبول فأصدرت أمراً بالعفو عن أبناء المدينة ، وبعد هذا العفو قامت بإجراء اتصالات مع كبار رجال الدين في كربلاء لغرض إعادة الهدوء ، ومن ثم إعادة الحكومة المحلية التي كانت تتكون من الأتراك ، وقد وافق وجهاءُ كربلاء وزعماؤها على إعادة العثمانيين على مدينة كربلاء شريطة احترام مشاعر أبنائها والسماح لهم بتأدية الشعائر الحسينية وعدم تجوال (الجندرمة) - وهو الاصطلاح الذي كان يُطلق على الشـرطة- في أزقَّة المدينة وشوارعها إلّا في الحالات الضرورية وبعد إخبار مختاري محلات المدينة. ليقوم الكربلائيون بعدها بإصلاح ما تضـرَّر من العتبتين المقدستين الحسينية والعباسية ومدينتهم جرَّاء القصف الهمجي .
وهكذا رضخت واستجابت القوات العثمانية لمطالب أبناء المدينة ، وعاد الأمنُ إلى المدينة المقدسة ، وما كانت هذه الاستجابة لولا وقفة أبناء كربلاء التي كانت مثالاً يُحتذى به في جميع المدن ، ومنها استمدَّ رجالُ ثورة العشـرين الخالدة عام 1920 م رفضهم للإحتلال الانكليزي بعزيمةٍ وثبات.