أبو الخصيب بندقية البصرة
لوحة الوانها النخل والشجر وخطوطها انهر لاتنتهي، ترسم جزراً وواحات نُسجت اجزاؤها من بساتين، كاناشيد حب سومرية بكل مافيها من سحر وجمال واسرار واخبار وبشر تعايشوا مع النخل وسافروا مع المياه واستوطنوا جنة من الخيال .
كأنها انبثقت من عروق الأرض، تاجاً حملته هامة التاريخ، وشهدت لأهاليه الذين عاشوا بنسيم المحبة والانسجام
بين قرى مبنية من اللبن والطين، وعلى امتداد الأفق تتراءى أشجار النخيل الشامخة المحملة بعذوق الرطب الطازج، وليمتد طريقاً متعرجاً الى بقعة باذخة الجمال اسمها ابي الخصيب، بصحبة عشرات الأنهر، وهي تدخل البساتين لتلبسها خضرة وجمالا خلاباً، الى جانب تغريد البلابل وهديل الحمام من على سعفات النخيل وأسطح المنازل . لوحة باذخة بالحسن، لكنها لم تكشف إلا عن جزء قليل من اسرار دلع وسحر هذا القضاء، الذي ينام على ضفاف شط العرب، وهو يعانق حكايات الناس في "ابو مغيرة" و"السراجي" و"مهيجران" و"محيلة" و"الصنكر" و"نهر خوز" و"جيكور".
تطل أبو الخصيب على شط العرب من بدايته حتى نهاية الحدوده الإدارية مع قضاء الفاو، وتقع إلى جنوب البصرة وتبعد عنها مسافة (20) كم، وتقع على النهر المتفرع من شط العرب ... وهي احدى الجنائن في الأرض التي تتميز بروعة الاشجار ... وكثرة النخيل والتنوع في النباتات ... وبأنهارها الجميلة ... ومياهها الطبيعية الدالة على صدق ولاء أهلها المقدس لتربة هذا الوطن .
أبو الخصيب هي بلدة قديمة جنوب العراق ومركز قضاء في محافظة البصرة .تشتهر بزراعة النخيل بأنواعه مثل الحلاوي الساير والبرحي ويعتبر الأخير من أهم أنواع التمور في العراق والمنطقة، لكن في بداية الحرب العراقية الإيرانية تم قلع وحرق أكثر النخيل... يحتوي أبو الخصيب على ميناء أبو فلوس وتشتهر أبو الخصيب كذلك بجوها الهادئ والمحاط بكثير من النخيل....
انجبت هذه البقعة الساحرة الكثير من العلماء والمثقفين والادباء والشعراء كبدر شاكر السياب وسعدي يوسف ومحمد خضير، وغيرهم الكثير ...
كان قضاء أبو الخصيب في العهد العثماني مديرية تابعة لولاية البصرة ، ففي عام 1865م استطاع نامق باشا أبان ولايته الثانية على العراق عام ( 1861 – 1868 ) من استعادة مقاطعة ابي الخصيب من ايدي العشائر المسيطرة عليها، والتي غاب عنها الوعي القانوني مما أثر على سير التجارة فيها، وجعلها تحت نفوذ متسلم البصرة، وقام بربط وارداتها بصورة مباشرة بالخزينة .. وبذلك عادت الثقة الى التجار والملاكين .
تسميتها ترجع الى اسم أحد عبيد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور المسمى ( الغصيب ) الذي أسكنه المنطقة بعد أن شيد قرب نهرها قصراً ليحافظ عليه . ولهذا فإسمها أبو الغصيب وليس أبا الخصيب ، لكن هنالك قول آخر : ان أبو الخصيب بالخاء المعجمة، سمي بذلك لكثرة مافيه من الخصب والبساتين وسكن غصيب المنطقة ولا زالت آثار الحصن الذي سكنه موجودة في المحل الذي يسمى بريم، وحفر فيها نهراً وسمي على اسمه . وكان لهذه البلدة القديمة حضوراً قوياً في التاريخ عندما أتخذ (صاحب الزنج) من منطقة اطلق عليها اسم ( المختارة ) التي بناها على نهر ابي الخصيب عاصمة له ابان العهد العباسي عام (255 هـ ـ 270 هــ ) وهي مركز قضاء ابي الخصيب وتبعد عن البصرة حوالي 15 ميلاً جنوبا ... وهو قضاء زراعي بالدرجة الاولى يحتوي على اجمل البساتين وافضل انواع التمور وكان يتبع نواحي شط العرب، السيبة، والفاو .
كان نهر أبي الخصيب المتفرع من شط العرب نهراً عظيماً غزير الماء . على ضفتيه قصور مزخرفة بديعة وأبنية فاخرة وأسواق عامرة، تتفرع منه خمسة عشر نهراً كبيراً، حولها بساتين عظيمة كثيرة، وهذا النهر اعظم الأنهار والمحال وأعمرها وأرغبها .
عرف عن منطقة أبي الخصيب أن الشمس كانت لاترى داخل بساتينها لتشابك أغصان وسعف نخيلها وأن أكثر أغنياء البصرة في فترة من تأريخها سكنوا هذه المنطقة التي أتخذها صاحب الزنج عاصمة له خلال استيلائه على البصرة للفترة من (257 ـ 270 ) وبنى في جانبها الغربي مدينته التي سماها (المختارة ) وأتخذها مقراً له بعد أن حصنها بسور وخندق وطرق وعرة، وبالقرب من منطقة المختارة كان يقع نهر مكنكي، حيث أتخذه الموفق مقره عندما تقدم لدك سور المختارة . وبعد أن بنى الموفق مدينته ( الموفقية ) أزاء مدينة المختار .
وفي 27 من شهر محرم سنة 270 هـ تم اقتحام مدينة المختارة واحتلالها وتمزيق جيش الزنج وجيء برأسه الذي حمله ابنه أبو العباس الى بغداد .
وتعد منافذ ابي الخصيب من المنافذ المهمة للتصدير العالمي ، وخصوصاً في منطقة السراجي التي كانت تتجمع فيها التمور للتصدير، وكما تمتاز بمكابسها الموسمية اثناء جني المحصول والرائجة على طول السنة .
ومن اشهر مكابس التمور هي التي أنشأتها شركة (اصفر) وكانت تدار من قبل (الكونت البير اصفر) وتقع في ثلاث مناطق هي : مكبس الحمدانية ويقع في منطقة حمدان، ومكبس الرباط ويقع في مقاطعة الرباط، ومكبس الحسيبية ويقع في مقاطعة الحسيبية ... وهي من اوائل المكابس التي شيدت في العراق وكانت تدير عمليات التصدير فيها عشرات الشركات الاجنبية لتحمل التمور الى الاسواق العالمية في (لندن ، فرنسا ، امريكا ، الهند ، روسيا ، ) وكذلك الى دول الخليج العربي .
وفي عام 1913 ولأول مرة تم تصدير فسائل التمور الى امريكا، وتمت زراعتها في (ولاية كاليفورنيا الجنوبية) وكذلك الى الهند لزراعتها في أقليم البنجاب .
المراقد في (ابو الخصيب) :
قبر سليمان بن علي العباسي أمير البصرة وهو (عم) الخليفتين (السفاح والمنصور) ويقع قبره بمحاذاة قرية كوت زين .
قبر عباس بن مرداس : ويقع قبره في جنوب ابي الخصيب في مقاطعة قاووس ـ
قبر ابراهيم الرديني : وهو الجد الاعلى لآل الردينية في البصرة .
صالح ابو الحمد : ويقع قبره قرب طريق ابي الخصيب في قرية العنيبة .
مرقد السيد رجب الرفاعي : وهو نقيب البصرة ، ويقع قبره في قرية السبيليات ، وهو (جد ) اسرة الرفاعي في البصرة .
قبر شيخ خالد : ويقع قبره في قرية محيلة التابعة الى قرية الحمزة قبر سهل بن عبد الله التستري : ويقع مكانه في قرية الحمزة .
قبر ابي الجوزي : ويقع مكانه بين قرية (عبد آليان) وقرية عويسيان على طريق ابي الخصيب صاحب الطريقة الجوزية .
طبق الدجاج المشوي بالتنور أهم وجبة غذائية
يتميز"اهالي ابي الخصيب بهذه الأكلة، وهي تقدم في المناسبات حصرا في شهر رمضان أو في ولائم الاعراس، وكذلك للضيوف من الوجهاء والشيوخ.. ويعد تقديم هذا الطبق علامة على الكرم وحسن الضيافة التي عرف بها سكنة ابي الخصيب منذ القدم"..
و"طريقة ابي الخصيب في اعداد طبق الدجاج المشوي هي الافضل، بل لا يشاركهم احد في تحضيره، "اذ ان طريقة الشوي مهما قام بها الاخرون فلن يتمكنوا من بلوغ الطريقة الحقيقية، واسرارها الخاصة التي يمتاز بها اهالي ابي الخصيب"..
ان "اكلة الدجاج المشوي ذات تحضيرات متعبة، تتطلب صبرا مع حب للضيف الذي يستحقها"، إذ يعتبر هذا الطبق "أكلة رئيسية في شهر رمضان".. وعن طريقة اعدادهم لأكلة الدجاج المشوي، "فيفضل ان لا يزيد عمر الدجاج سنة، لانه سيستغرق وقتا طويلاً في الشوي، لذا يحبذ الدجاج الصغير لسهولة طبخة" وأن "الشوي في التنور يحتاج الى ساعة ونصف في الصيف ، وساعتين في الشتاء"..
يبدأ التحضير قبل ليلة فينظف الدجاج، ويوضع عليه الليمون الحامض لطرد رائحة الدجاج غير المرغوب فيها وإعطائه نكهة خاصة"..
"في الصباح يتم العمل على اعداد خلطة التوابل الخاصة به، وهي عبارة عن بهارات متنوعة "مشكل" اضافة الى معجون الطماطم، ثم تتبل الدجاجة كاملة بها قبل ساعة من شويها، بعد ذلك يؤخذ جريدا اخضر من النخل، ويطلق عليه اهالي البصرة اسم "كصمول" يتم اقتطاعه من النخلة مباشرة، على ان يتناسب طوله وحجم التنور، وبحسب عدد الدجاج المراد شويه، ويتم قص الجريد بالمنجل بحجم معين من النصف، وتدخل الدجاجة فيه بعد ربط الجهة بخوص اخضر ايضا. وقبل ذلك يحضر تنور الطين وتجلب كمية مناسبة من حطب جذوع النخيل او سعفها، وفي النهاية يتم ايقاد التنور"..
والطبق المصاحب هو الرز يوضع في قدر بحسب الكمية المطلوبة، ويضاف اليه ماء بدون اي نكهات ماعدا الملح لوجود البهارات والتتبيلة ونكهة التنور، لكن "ضرورة ان يكون قدر الرز بمواصفات محددة "يصنع للقدر مقبض من الحديد وفق قياس محدد بحسب التنور، لتكون عملية ادخاله واخراجه من والى التنورة سهلة"..
و"يشترط قبل انزال القدر للتنور ان تكون النار هادئة، وبعد ادخاله يتم وضع الدجاج المربوط بجريد النخل، ومن ثم تتم تغطية فوهة التنور بصفيحة من الحديد لتمنع الغبار من الدخول الى التنور، وكذلك لحفظ الحرارة"..
"ثم يستخرج طين من الشط او النهر ليتم تغطية التنور بوضع الطين والسعف المبتل على الغطاء، لكي لا يتسرب ويدخل اليه هواء خارجي ولأجل ان لا تخفت حرارة التنور والجمر وتستهلك بسرعة، كما ان الدجاج الموضوع في التنور لن ينضج بالشكل المطلوب"..
والفترة المحددة من ساعة ونصف الى ساعتين بحسب فصلي الشتاء والصيف، يزال الطين وتنظف فوهة التنور ببطء وصبر، ويستخرج الدجاج اولا ثم يقلب الرز على اوانٍ خاصة ليقدم للضيف .