وتناقلوا النبأ الأليمَ على بريدِ الشمسِ
في كل المدينة
قُتِل القمـر !
شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر !
نَهبَ الجناةُ جواهرَ الماس الثمينة من صدرهِ !
تركوه في الأعواد
كالأسطورةِ السوداءِ في عينيّ ضرير
ويقول جاري :
كان قديساً ، لماذا يقتلونه ؟
وتقول جارتنا الصبية :
كان يعجبه غنائي في المساء
وكان يهديني قوارير العطور
فبأي ذنب يقتلونه ؟
هل شاهدوه عند نافذتي قُبيل الفجرِ، يُصغي للغناء !؟
وتدلّت الدمعاتُ من كل العيون
كأنها رأس القمر
وترحموا
وتفرقوا
فكما يموتُ الناسُ، مات !
وجلستُ
أسأله كثيراً عن يداً غدرت به
لكنه لم يستمع لي
كان مات !
دثرته بعباءته
أسبلتُ جفنيه على عينيه
حتى لايرى من فارقوه
وخرجتُ من باب المدينة للريف :
يا أبناء قريتنا أبوكم مات
قد قتلوه أبناء المدينة
ذرفوا عليه دموعَ أخوة يوسفٍ
وتفرَّقوا
فوق الطريق مخلفيه
يا أخوتي : هذا أبوكم مات ّ.
- ماذا ؟
لا .
أبونا لا يموت
بالأمسِ طول الليلِ كان هنا
يقصُ لنا احاجيّه الحزينة
يا أخوتي بيديّ هاتين احتضنته
أسبلتُ جفنيه على عينيه حتى تدفنوه !
قالوا : كفاك، اصمتْ
فإنكَ لست تدري ما تقول !
قلت : الحقيقة ما أقول
قالوا : انتظر
لم تبق إلا بضع ساعاتٍ
ويأتي !
حطَ المساء
وأطلَ من فوقي القمر
متألق البسماتِ ، ماسيّ النظر
يا إخوتي هذا أبوكم ما يزال هُنا
فمن هو ذلك المُلْقىَ على أرض المدينة ؟
قالوا : غريبٌ
ظنه الناس القمر
قتلوه ، ثم بكوا عليه
ورددوا "قُتِل القمر"
لكن أبونا لا يموت
امل دنقل - 1961