من أعلام البصرة: تاريخ وسياسة وفن
الصورة: مبنى مؤسسة الموانىء في البصرة أوائل خمسينيات القرن الماضي
ليس غريبا أن تكون البصرة مركزا تقدمت منه شخصيات بارزة. وفي عرضنا الموجز هذا، نتعرف إلى أصحاب معارف وآثار سياسية وعلمية وإنسانية طبعت لا تاريخ المدينة المعاصر، بل تاريخ العراق المعاصر.
طالب النقيب (1871- 1929)
هو طالب باشا ابن السيد رجب بن السيد محمد سعيد بن طالب بن درويش الرفاعي. ولد في البصرة ودرس القرآن والعلوم واللغة العربية إلى جانب اللغات التركية والفارسية والإنكليزية.
في عام 1901 عين متصرفا للواء الإحساء (شرق السعودية اليوم)، وأنعم عليه بالوسام العثماني من الدرجة الأولى. عاد إلى الإستانة 1903 ليعين عضوا بالقسم المدني من ديوان شورى الدولة العثمانية، حتى إعلان العمل في الدستور عام 1908 ليصبح عضوا في مجلس المبعوثان العثماني، وأعيد انتخابه في الأعوام 1912 و1914م.
عند دخول القوات البريطانية إلى البصرة عام 1914، اعتقل النقيب ونفي إلى الهند لمعارضته الوجود الإنكليزي، ليسمح له بالعودة إلى البصرة. عارض ثورة العشرين في العراق فكان من دعاة تحقيق الغايات السياسية عبر الطرق السلمية.
أصبح أول وزير للداخلية في تاريخ العراق في أول حكومة عراقية انتقالية برئاسة عبد الرحمن النقيب من 27-10-1920 ولغاية 2-8-1921، وكان يُشيع بأنه الأولى بتولي عرش العراق إلا أن بريطانيا رفضت ذلك ونفته مجددا. ولم يعد للعراق إلا في 1 أيار/مايو 1925 ليقيم في قصره بالسبيليات في أبي الخصيب.
سافر إلى ألمانيا للعلاج، فأجريت له عملية جراحية، توفي على إثرها في 16 حزيران/يونيو 1929م، لينقل جثمانه إلى البصرة ويدفن في مقبرة الحسن البصري بالزبير.
فيصل السامر (1922- 1982)
هو وزير ومؤرخ وأكاديمي بارز، ولد في البصرة سنة 1922 وأنهى دراسته المتوسطة فيها، ثم غادرها إلى بغداد ليكمل دراسته الإعدادية فيها. سافر إلى القاهرة وتخرج في جامعتها سنة 1947، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه في التاريخ من الجامعة نفسها سنة 1953.
عُيّن بعد نيله الدكتوراه مدرسا للتاريخ في كلية التربية. وبعد ذلك بعام، فصل منها لأسباب سياسية تتعلق بميوله اليسارية، سافر بعدها إلى الكويت، ليعود إلى العراق بعد تموز/يوليو 1958م، فعيّن مديرا عاما للمعارف ثم نقيبا للمعلمين، ثم وزيرا مفوضا في وزارة الخارجية. عمل لسنوات في معاهد البحث العلمي في براغ بتشيكسلوفاكيا. عاد بعد تموز/يوليو 1968 ليتولى رئاسة قسم التاريخ في كلية الآداب. توفي 1982، بعد أن ترك أثرا بارزا عبر مؤلفاته ومنها "صوت التاريخ"، "ثورة الزنج"، "الدولة الحمدانية في الموصل وحلب" إلى جانب ترجماته ومنها "أزمة الحضارة".
بدر شاكر السياب (1926- 1964)
هو أبو الشعر العربي الحديث. ولد في قرية جيكور، وهي قرية صغيرة تابعة لقضاء أبي الخصيب في البصرة.
انتقل إلى مدينة البصرة وتابع فيها دروسه الثانوية، ثم انتقل إلى العاصمة بغداد حيث التحق بدار المعلمين العالية. وقضى سنتين في تعلم الأدب العربي ليتحول في سنة 1945 إلى اللغة الإنكليزية.
تخرّج السيّاب من الجامعة عام 1948 في جو سياسي وفكري محتدم، وعرف بميوله اليسارية. وبعد أن أُسندت إليه وظيفة تعليم اللغة الإنكليزية في الرمادي عدة أشهر، فُصل منها وأودع السجن. وبعد نيله حريته عمل في بعض الوظائف الثانوية، وفي سنة 1952 اضطُر إلى مغادرة بلاده والتوّجه إلى إيران فإلى الكويت.
مع قيام النظام الجمهوري في 14 تموز/يوليو 1958 كان السياب من المرحبين والمؤيدين، وانتقل من تدريس الإنكليزية إلى العمل بالسفارة الباكستانية في بغداد. أعلن لاحقا انشقاقه عن الحزب الشيوعي ليعود بعدها إلى البصرة ليعمل في مصلحة الموانئ.
ظل يعاني تدهوراً في صحته وتحديدا في عاميه الأخيرين وقضاها معذبا خارج بلاده وهو ما انعكس في شعره بقوة، ليرحل في المستشفى الأميري بالكويت ثم ينقل إلى البصرة في 24 كانون الأول/ديسمبر ويدفن فيها.
زكي الجابر (1931- 2012)
هو الكاتب والأكاديمي المتخصص بشؤون الإعلام والقضايا الثقافية. ولد عام 1931 في البصرة وحصل على بكالوريوس اللغة العربية وآدابها من دار المعلمين العالية ببغداد 1954، وماجستير البرامج الإذاعية والتلفزيونية الثقافية من جامعة إنديانا الأميركية سنة 1960، ودكتوراه الاتصال الجماهيري من الجامعة ذاتها 1978.
عمل في التعليم الثانوي، ودرس الإعلام في أكاديمية الفنون الجميلة، وكلية الآداب ببغداد، وكلية الآداب بجامعة الملك سعود، والمعهد العالي للصحافة في الرباط. وحاضر في العديد من الدول العربية.
شغل عدة مناصب في إدارة البرامج الإذاعية، كما رأس قسم الإعلام بجامعة بغداد، ومدير عام بوزارة الثقافة والإعلام العراقية، ومنصب إدارة الإعلام في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (إليسكو) بتونس.
أمضى د. زكي محمد الجابر معظم حياته خارج بلده العراق مستقرا في المغرب منفياً بسبب خلافاته السياسية والثقافية مع نظام صدام حسين.
إنتقل إلى العيش قرب نجله في مدينة دالاس بولاية تكساس الأميركية، ورحل فيها العام 2012.
جوزيف مارو (1922- 2005)
ولد جوزيف توفيق مارو عام 1922 وتخرج من كلية الطب بالجامعة الأميركية في بيروت عام 1950، كما حصل على زمالة الكلية الملكية للأطباء في أدنبره. وهو طبيب القلب المعروف الذي عالج الآلاف من مرضى القلب في البصرة والمحافظات الجنوبية لسنوات طويلة. والدكتور مارو من أهالي البصرة إلا أنه أكمل دراسته الثانوية في "كلية بغداد" الشهيرة في العاصمة بغداد.
بعد إنهائه دراسة الطب في بيروت قضى سنة إقامة في مستشفى الجامعة الأميركية فيها. سافر بعدها الى الولايات المتحدة متمتعا ببعثة من مؤسسة فولبرايت للتخصص، والتحق كزميل في الطب الباطني والأمراض القلبية بمستشفى بوسطن في ولاية ماساشوسيتس.
عاد الى العراق عام 1954 ليعمل في المستشفى الملكي بالبصرة ويفتح عيادته الخاصة في العشار، وساهم بفريق إنشاء كلية الطب بالبصرة عام 1966 ومن ثم شارك في تدريس وتدريب طلبتها. وبعد تقاعده في الثمانينيات، انتقل ليعمل بعيادة خاصة في بغداد، ليرحل فيها بسكتة قلبية 30 أيلول/سبتمبر 2005.
عبداللطيف الشوّاف (1926- 1996)
ولد في البصرة العام 1926. وبعد أن أنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية دخل كلية الحقوق وتخرج فيها، عيّن سنة 1947 قاضياً في محكمة صلح البصرة فكان محل حب واحترام وثقة زملائه من القضاة والمحامين. أختير بعد تموز/يوليو 1958 وزيراً للتجارة لكنه سرعان ما اعتذر عن الاستمرار في الوزارة لينصرف إلى عمله في المحاماة والمشاركة في كثير من الهيئات واللجان الخاصة بالاقتصاد والقانون وشؤون النفط، وصار محافظا للبنك المركزي العراقي ولفترة وجيزة.
غادر العراق إلى مصر بعد إعدام صديقه وعديله زكي عبدالوهاب في بدايات 1969م وبقي في القاهرة لحين وفاته في صبيحة آب/أغسطس 1996.
ترك عشرات الدراسات والبحوث القانونية والاقتصادية والبترولية بتكليف من هيئات ومنظمات عربية ودولية، وكان مشروعا الدستور الدائم اللذان أعدهما مع نخبة من رجال القانون المتميزين في عهدي (عبد الكريم قاسم ثم عبد الرحمن عارف) من إنجازاته المعتبرة، فضلا عن كتبه "شخصيات نافذة"، "حول قضية النفط في العراق"، و"عبد الكريم قاسم وعراقيون آخرون".
عبد الواحد عزيز (1931-1982)
أبرز ربّاع ورياضي عراقي. ولد في البصرة في عام 1931 وتوفي 1982، وهو صاحب الميدالية الأولمبية الوحيدة للعراق والتي نالها خلال أولمبياد روما عام 1960.
بدأ حياته الرياضية في عام 1950، فمارس ألعاب كرة القدم والسلة والطائرة والسباحة، قبل أن يستقر عند رياضة رفع الأثقال. ففي عام 1953 شارك عزيز في دورة الألعاب العربية الأولى في الإسكندرية ونال الميدالية الفضية.
وفي الدورة العربية الثانية في بيروت عام 1957، تمكن عزيز من نيل المركز الأول والميدالية الذهبية. وفي العام 1957 ذاته أقيمت في طهران بطولة آسيا برفع الأثقال ليظفر فيها عزيز بالمركز الأول وليصبح الربّاع الوحيد في آسيا والشرق الأوسط الذي يجتاز حاجز 360 كغم ضمن فئة الوزن الخفيف.
شارك في ثلاث بطولات للعالم برفع الاثقال أبرزها في وارشو عام 1959، ونال بها المركز الثالث وهي أفضل نتيجة لرباع عراقي على مدار التاريخ.
شارك عبد الواحد عزيز في دورة أولمبية واحدة هي دورة روما 1960، وتمكن فيها من تحقيق الوسام الأولمبي الوحيد للعراق من خلال نيله برونزية الوزن الخفيف.
فؤاد سالم (1945-2013)
هو أحد رواد الأغنية العراقية المعاصرة، واسمه الحقيقي فالح حسن جاسم آل بريج، من مواليد البصرة - قضاء التنومة في عام 1945.
بدأ الغناء عام 1963 متأثراً بالمطرب العراقي الكبير ناظم الغزالي، وكان أول ظهور علني له مع أول أوبريت غنائي عراقي هو "بيادر الخير" ثم أتبعه أوبريت "المطرقة".
تبناه في بداية رحلته عازف القانون الفنان سالم حسين، وهو الذي اختار له اسم (فؤاد سالم) الذي أشتهر به، وكذلك هو الذي لحن له أول أغنية في حياته الفنية وهي أغنية "يا سوار الذهب".
غادر العراق بسبب الحملة التي قادها نظام البعث على الشيوعيين الذين كان فؤاد سالم قد انضم إليهم. وبعدما فصل من معهد الفنون الجميلة، مُنع من الغناء في الأماكن العامة، ومنع من دخول الإذاعة والتلفزيون.
هرب إلى الكويت وظل ينتقل بينها ومدينة عدن باليمن (الجنوبي حينها) ودمشق التي غادرها إلى أميركا لاجئا سياسيا ثم عاد إليها ومنها زار بغداد والبصرة وأربيل بعد العام 2003، ليستقر فيها حتى وفاته 21 كانون الأول/ديسمبر 2013 بعد صراع طويل مع المرض.