الزبير المدينة الآمنة عبر التاريخ
عندما تفكر بزيارة مدينة الزبير أول ما يشد ناظريك قبر الصحابي طلحة بن عبيد الله بناء ضخم بقباب ثلاثة متراصة تعلوها قبة اخرى فوقهم , وما أن تتقدم خطوات حتى تتعانق عيناك بمشهد المسجد الجامع ( خطوة الإمام علي ع ) بمنارته التاريخية التي تقف بشموخ الكبرياء وتتعالى بهيبة إبداعاتها الهندسية وقدرتها التعبيرية في أجمل التصاميم المعمارية وهو أول مسجد بنى في البصرة وثالث مسجد في الإسلام وعندما تستمر بالسير على الطريق الرئيسي القادم من البصرة الذي يوصلك إلى قلب المدينة تتمتع بضلال أشجار الأثل على الجانبين.
تسميتها...
سميت الزبير نسبة إلى الصحابي الزبير بن العوام المدفون فيها عام (38 هـ -658 م) والذي تم بناءه على أحدث التقنيات الإسلامية الحديثة مطرز بالنقوش المعمارية والآيات القرآنية، وكانت تسمى قديماً (بوادي السباع أو وادي النساء)..
مراحل تأسيسها...
أمر السلطان العثماني ( سليم الثاني إبن السلطان سليمان) عام (979 هـ -1571 م ) بترميم قبر الصحابي (الزبير بن العوام) وبناء مسجد و قبة على ضريحه مما شجع العوائل على السكن بالقرب منه معلنة بدايات التوسع السكاني أما مراحلها التاريخية تكونت على أنقاض مدينة البصرة القديمة وكانت توجد تكية قرب الضريح من جهة الشمال مبنية من القصب، يعيشون على خدمة الزائرين وفي عام (1307هــ) قام السيد محمد بن سعيد النقيب ببناء التكية على نفقته الخاصة وبعدها أضيفت إلى الجامع أما أسباب نشوء المدينة يرجع إلى عدة أمور منها دينية للسكن حول قبر الصحابي الزبير إبن العوام, ومنها تجارية لموقعها المتميز على مفترق أهم الطرق التجارية العابرة مع وجود آبار للماء الحلو ساعدت على جذب القوافل للإستراحة, وكذلك الهجرة القادمة من الدول المجاورة نتيجة المجاعة أو الصراعات القبلية أو الدينية كلها عوامل ساعدت بعض البيوت على السكن فيها لأنها تتمتع بنوع من الإستقرار الآمن والعيش المستقر..
زراعتها...
تمتاز بخصوبة أرضها وتنوعها مما ساعد على إشتهارها بإنتاج الكثير من المحاصيل الزراعية التي تعتمد على حفر الآبار وخصوصاً زراعة الطماطم في موسم الشتاء وتعتبر من أهم المراكز التصديرية لمدن العراق وفيها أجمل غابات الأثل وهي من المناطق السياحية الجاذبة للزوار وتتمتع بأجمل المناظر، حيث يتردد على زيارتها الكثير من العوائل لقضاء أوقاتهم في المتعة والراحة..
سور الزبير ...
قدم حاكم الزبير (يحيى بن محمد الزهيري) طلباً الى الحكومة العثمانية عام 1763م لإستحصال الموافقة وتقديم المساعدة لبناء سور كبير من اللبن والطين لحماية المدينة من الإعتداءات الخارجية له أربع ابواب بحراسات مشددة ومجهزين بالأسلحة ويمنحون رواتب, تفتح بأوقات معينة بإنتظام إلا أن هذا السور سقط الكثير من أجزاءه عام 1914م ومازالت بعض آثاره باقية لحد اليوم، عام 1211 هــ- 1797م عقد إتفاقية بين اهالي الزبير عنهم الشيخ يحيى بن محمد بن الزهير والقاضي إبراهيم بن محمد بن جديد مع الطرف الآخر وهو الوالي العثماني على أن تتمتع المدينة بنوع من الإستقرار الذاتي وأن يعفى الأهالي من الخدمة العسكرية ودفع الضرائب وأن يتكفل الجانب العثماني بإخماد الفتن والصراعات الداخلية مع القيام بالدفاع ضد الهجمات الخارجية ومن خلال هذه الإتفاقية أستقرت الزبير بإدارة إمارتها ذاتياً وإتخاذ القرارات حتى عام 1247 هــ 1821،، ومن الشخصيات المعروفة فيها هو قاضي الزبير أحمد نور الأنصاري الذي بقي بهذا المنصب حتى وفاته عام (1302-1884) كان ضليعاً بفقه المذاهب الإسلامية ويتمتع بطاقة أدبية وشعرية هائلة ومن أشد المطالبين بحقوق البصرة من خلال الضغط المتواصل على الحكومة العثمانية... قام الشيخ محمد أمين الشنقيطي من مواليد 1289م المولود في مدينة ( شنقيط الواقعة في دولة موريتانيا ) بتأسيس جمعية ومدرسة النجاة الأهلية عام 1340هـ، لدراسة العلوم الدينية وكان عضواً في الهيئة الإدارية وأعتمدت على جمع التبرعات من الأهالي في بداية أمرها وما زالت باقية إلى يومنا هذا..
وفي عام 1913 تم تعيين منصب القضاء للشيخ عبد المحسن إبراهيم البابطين وكان مدرساً في مدرسة النجاة الأهلية وبعدها في مدرسة الدويحس ثم عين بعدها رئيساً للقضاء في دولة الكويت عام 1938م...
وتعد مدرسة الدويحس أول مدرسة بنيت على النظام التعليمي الجديد بعد تحوله من مدارس الكتاتيب، وسميت نسبة إلى مؤسسها دويحس بن عبد الله شماس عام 1180هـ – 1766م ومن مدرسيها الشيخ إبراهيم بن ناصر بن جديد وأغلقت أبوابها في سنة 1378هـ -1958م وفي عام 1899م تم إفتتاح المدرسة الرشيدية الإبتدائية وفي عام 1948م حصل أحد أبناء الزبير عبد الرزاق أحمد حمود و إبراهيم سليمان العقيل كأول نائبين في مجلس النواب العراقي لتمثيل البصرة.
المعالم الأثرية...
منحت المعالم الأثرية والدينية لمدينة الزبير بعداً حضارياً ضارباً في عمق الجذور التاريخية لتسجل حضورها بقوة على صفحات الحياة, منها قبر الصحابي طلحة بن عبيد الله يقع في بداية المدينة, وقبر الصحابي الزبير بن العوام الذي يقع في مركز المدينة حيث قام الشيخ قاسم بن محمد آل ابراهيم عام 1334م بترميم القبر وإصلاح منارته وتبييض قبته مع توسعة المسجد وفرشه بالحصران, وقبر القائد عتبة بن غزوان يقع في الغرفة المجاورة لقبر الزبير, ومرقد أنس بن مالك الأنصاري خادم الرسول الأعظم يقع على جهة الشعيبة, ومقبرة الحسن البصري التي تحتضن قبر الحسن البصري والكثير من العلماء والمفكرين والشخصيات وهي من المقابر الإسلامية الكبيرة التي كانت تضم رفات قتلى معركة الجمل وقبر مفسر الاحلام (إبن سيرين) الذي توفي عام 114هــ وقبر مرضعة الرسول حليمة السعدية وبعدها أتخذت كمقبرة للموتى وتوسعت لتحتضن الكثير من الرجال أمثال أحمد نور الأنصاري قاضي البصرة و الشاعران بدر شاكر السياب ومحمود البريكان كما تحتوي قبر السيد طالب باشا النقيب.
المدينة...
مدينة ولدت على أنقاض مدينة البصرة القديمة وسرعان ما تطور البناء العمراني في كثرة المصانع المهمة مما جعلها منطقة جذب وإستثمار للكثير من الشخصيات والعوائل التي ساعدت على إتساع المدينة وتطوير أحيائها السكنية نتيجة النمو التصاعدي في أعداد السكان وغيرت المعالم الحديثة الكثير من الملامح التاريخية للبيوت والمحلات التي تتميز بطرازها المعماري والتراثي القديم وكانت تحتفظ بالكثير من الذكريات والشخصيات التي مرت أو سكنت فيها إنه الزمن الجميل في أغلب مناطقها وأطرافها إلا أن قلبها النابض بالحياة ما زال يصارع التقدم الحضاري ويحافظ على الكثير من الملامح العريقة لتلك البيوت الطينية المطلية بالجص وذات أسيجة عالية وتفوح منها رائحة البخور والأزقة الضيقة (السكيك) التي تقع بين الأبنية وتسمى دائماً بأسماء أصحاب العوائل أو البيوت وبعضها يوجد جسر صغير يربط بين سطوح البيوت للتواصل العائلي.