غاب الوالي وحضرت جرارات البسطاء والإعلام الرسمي في سبات
أثبتت قضية الشاب العياشي˜ الذي سقط في بئر ارتوازية لا يتعدى قطرها 30 سم بالمسيلة، وشغل الرأي العام الجزائري فشل منظومة كاملة من الحكومة التي عجزت عن وضع خلية أزمة لإنقاذه إلى الحماية المدينة الجهاز الأكبر في الجزائر الذي يضمن السلامة للمواطنين، والذي من المفروض أن يحسسهم بالأمان على حياتهم وممتلكاتهم في حالة حدوث شيء من أهوال الطبيعة والبشر قبل أن يكشف حادث العياشي˜ الشاب البسيط المنسي في إحدى قرى الجزائر العميقة، وهم وفقاعات ما تبثه نشرات الأخبار الرسمية.
العياشي هو قصة لواحد من أفراد الشعب المغلوب على أمره ولد الزواولة˜، سقط في بئر ارتوازية لكن ولقلة إمكانات دولة ثرواتها لا تحصى لم يستطع رجال الحماية فعل شيء لإنقاذه، قصة نعيشها يوميا قصة حقرة˜ وليست طيحة في حفرة˜ قصة ذل وقهر يعيشه الشعب، قصة بلد يعيش وكأنه في القرون الوسطى، العياشي أثبت أن كل إمكاناتنا العلمية والمادية والبشرية تكاد تكون معدومة مقارنة بالدول المتقدمة على العكس، فالموارد الطبيعية والثروات الباطنية التي أنعم الله بها على الجزائر تكفي سكان المعمورة، دولة تنجح في استخراج البترول على 1000 متر تحت الأرض لكن عندما سقط ابن من أبنائها في حفرة على 30 مترا عجزوا عن إخراجه ! فيا ترى لو كان العياشي سائحا أجنبيا كم كان سيبقى في البئر؟
الحماية المدنية وسائل بدائية في القرن الـ 21
كان عناصر الحماية المدنية يصارعون الوقت بوسائل بدائية لا تعكس التصريحات التي يطلقها المسؤولون حول تطور هذا الجهاز، قبل أن يثبت العكس في أم الشمل بالمسيلة، فأين هي معدات الحماية المدنية التي يتكل عليها في حالة حدوث كارثة، حيث من المفروض إشعار المسؤولين خاصة مديرية الحماية المدنية في العاصمة بخطورة الوضع وأن الأمر يتعلق بشاب محبوس في أنبوب طوله لا يقل عن 30 مترا لا تقوى على تقطيعه المعدات المتوفرة محليا، لاستعمال أدق المعدات التي تملكها مصالح الحماية المدنية ولا يترك الوقت يضيع فيموت الضحية (أو يكاد) إن لم يكن من ضيق التنفس فمن الحمم المحيطة به أو من المياه النازلة عليه أو حتى من البرد والجوع والعطش فهكذا كوارث يوزن فيها الوقت بالذهب لإنقاذ حياة نفس بشرية.
سيدي الوالي .. المواطن ليس ملكية شخصية˜ بل مسؤولية
فاجأ تصريح والي المسيلة الحاج مقداد˜ الجزائريين الذي كانوا ينتظرون منه تحمل المسؤولية، خاصة بعد اتهامه بالتقصير وهو الذي لم يظهر في موقع الحادثة حتى اليوم الرابع فجرا، ليصدم الحضور بتصريح قال فيه إن حضوره غير مهم حيث أنه كان يتابع العملية من مكتبه، قبل أن يحركه الفايسبوك، فما هي أولويات والي المسيلة وانشغالاته التي منعته من التحرك بسرعة، وتخصيص ولو ساعة من وقته للتنقل للاطلاع على معاناة رجال الحماية المدنية الذين اشتغلوا بالإمكانات البدائية المتوفرة لمدة 5 أيام لإنقاذ العياشي بمساعدة المواطنينالذين التفوا منذ اللحظة الأولى وقدموا ما يستطيعون.ما يذكرنا بحفرة بن عكنون التي وقف عليها ثلاثة وزراء طيلة يوم كامل، فهل يعلم أنه من أحيا نفسا كأنما أحيا الناس جميعا˜ ولو نبهه محيطه بخطورة الموقف وضرورة تدخله لتحرك وحرك إمكانات ولايات مجاورة وطلب معدات أكثر تطورا ولما بقي العياشي عالقا في أنبوب بانخفاض 30 مترا مع مخاطر انزلاق التربة والجوع والخوف بل الرعب، ورعب عائلته والجزائريين على مصيره يزداد كل يوم.
لا للتوظيف السياسي ..
بعد مرور الساعات والأيام، وحين أصبح العياشي˜ قضية كل الجزائريين وضجت مواقع التواصل الاجتماعي غضبا خاصة بعد أن أبان المسؤولون تهاونهم في التعامل مع الحادثة يحاول كالعادة بعض الساسة استغلال الموقف، وهو الذين التزموا الصمت في حين أن آخر واحد منهم كان بإمكانه التدخل والتوسط لتسخير الإمكانات اللازمة حتى يتم إنقاذه، لكنهم كالعادة القضية لم تكن تهمهم الى وقت قريب، فهو مواطن عادي في بلد تكثر فيه المصائب من حوادث المرور التي تقتل يوميا العشرات إلى الحراقة الذين يغرقون في البحر وآخرون يغرقون في البرك والسدود، فمن هو العياشي من بين هؤلاء؟ هو مجرد شاب بسيط ابن شيخ عاجز يكتفي بتحصيل لقمة عيشه إن استطاع، يسكن في قرية منسية قادمة من الزمن الغابر.
إعلام يفضل حفرة بن عكنون على أنبوب أمّ الشمل
يتذكر الجزائريون حفرة بن عكنون الشهيرة، وكيف وقف عليها ثلاثة وزراء وسخرت لها كل الإمكانات البشرية والمادية، وكيف وقف عليها الإعلام بنقل مباشر وبدون انقطاع رغم تسجيل أي خسائر بشرية، إلا أنها أصبحت قضية دولة وبعد يوم فقط اختفت الحفرة، نغير الوجهة من المسيلة ما الذي حدث البداية من الفايسبوك حيث تناقل نشطاء التواصل قضيته متعاطفين معه، وبين ليلة وضحاها أصبح العياشي قضية شعب، فكل مواطن تخيل نفسه مكانه داخل ذلك الأنبوب اللعين مقبورا يصارع الموت لا يسمع سوى أزيز آلات الحفر ودعوات الأهالي الذين توافدوا بقوة، حيث ظلوا في موقع الحادثة لأيام يدعمون عناصر الحماية المدنية على قلتهم بآلات الحفر وحتى بالوقود، حيث جمعوا ثمنه من أموالهم الخاصة في غياب تام للدولة. ويبقى الشكر فقط لسكان المسيلة وللمقاولين الذين هبوا بمعداتهم لإنقاذ العياشي وتبقى اللعنة تلاحق المتهاونين في إنقاذ نفس بشرية بريئة.
سعاد شابخ