بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
أنتَ لستَ مِلْكًا مُشاعًا للعابرين الغُرَباء، لتشاركهم فصول حياتك ومشاهدة شريط يوميَّاتِك، ولستَ كِتابًا مَفْتوحًا أمام طبقات المشاهدين وجمهور القرَّاء، ولست أَلْبومًا للصُّوَر والطَّوابع والتَّوقيعات والذِّكريات، أو للعَرْض والمشاهدة والإِبْهار.
بل أنت تُقدِّم إلى من حولك ما ظهر منك وانْكشَف، أما ما يتحرَّك بداخلك وما تحفظه من أسرارك وخَباياك، فهو ملك عالمك الخاص المُحاط بسياج السِّتْر، المُصان بحجاب الكتمان .
فالجمال والبهاء يسطع من جوهرك في أَصْدافه، وهو مخزونٌ في قَوْقَعتِه المحفوظة في أعماقك، والعيون تغضُّ الطًّرف عن الصُّوَر المُشاعَة، والقلوب تَهْفو إلى ما يَخْتبئ خلف الحُجب والأستار الكثيفة الغموض والظِّلال .
وحُقَّ لمن أمَّنه الوفاء بعهوده، وأن يلزَم ما يُلزَم به المُحرِم، لا يخرج من إِحْرامه حتى يحِلَّ ميقاته، ولا يٌفْشي طرَفًا من أسراره، ولا يتحلَّل مما أَلْزمَه من طاعته والامْتِثال لأَمْرِه بالمعروف، وإِلْجام لسانه بلجام الصِّدق والأمانة، وشَدِّ ساعده وعضده، والذَّود عن حياضه وقواعده، وتعهُّد لسانه بالصَّمت، وصَوْن ما خصَّه به من رسائله وكُتبه ودفاتره، وإِيثاق يديه الممدودتين في حِلِّه وتِرْحاله، وعدم إِرْسال رِجْلَيْهِ المَشْدُودَتَيْنِ إلى سواريه وأركانه، وحفظ ما أمَّنه عليه كحفظه لدينه وشرفه، والدِّفاع عن عرضه، وحمايته في حضوره وغيابه، والوفاء لما أَوْدعَه إيَّاه في كلِّ شؤونه وأحواله، والإعْراض عن نَكْثِ عهده في سِرِّه وجَهْرِه ..
وحُقَّ لمن صدَّقه ووَثق به ألا يهينه بإشاعة أحاديثه وأخباره، وأن يحرص على ألا يفشي ما اسْتَتر من خفاياه وخباياه، وألا ينشر صُوَره أو يسعى للتَّشْهير بسمعته، وإيذائه في شرفه وانْتِهاك عرضه، أو تهديده بوَضْع السَّيف على عُنقِه وإِحْلال دمه، أو فَكِّ عُقْدة ميثاقه، ومَدِّ الطَّريق لكلِّ مُتطاوِلٍ مٌتجاسِر، كي يَعْتدي عليه بالقِيل والقال، والاشتغال باللَّغَط والسُّؤال، وما لا ينفع من الكلام المُباح في مجالس النَّميمة والاغْتِياب، أو يكون سببا للقَصاص من كرامته وإسْقاط حقِّه، والمغالاة في الإساءة إليه بلا احْتِراز، أو الإسراف في ذِكْر عيوبه ومثالبه بلا خجل ولا حياء، أو فتح دفاتره، وفكِّ أقفال كتبه، وإرخاء رباط عنقه، وإعْلام العالمين والموقعين بما يكرهه ويسوؤه، ونشر ما حَواه بين دَفَّتيه، وإِطْلاع القاصي والدَّاني على فصوله، وتمكينهم من مفاتيح أبوابه ونوافذه، وهَتْك سِتْره لدى القريب والبعيد، ونَقْضِ عهود أسراره، وإخبارهم بظنونه وأفكاره، ورفيف خواطره، وما يتقلَّب فيه من نعيم وشقاء، وأحزان ومسرَّات ..
وحُقَّ لمن أَوْسع صدرَه سِرَّه، واتَّخذه وليًّا حميما، وصاحبا وخليلا، ألا يطعنه في ظهره، ولا يُغيرَ عليه صُدورَ أعدائه، ولا يُثير حوله الفتن من كلِّ صَوْب وجانب، أو يُؤَلِّب قلوب أحِبَّتِه وأَصْفيائه، أو يُفْسِد مودَّتهم ويُفَرِّق شَملهم، ويقطع ما كان بينهم من وَصْل المحبَّة والإِخاء.
وأن يتحاشى إيلامَه وتعذيبه بإشعال مَواقِد الحروب، وزَنْد فتيل الأحقاد بينه وبين المُخْتار من إخوانه الطيِّبين الأخيار، ليَصْرِف جَمْع مجلسه ويَنْفضَّ عنه الخُلاَّن، ويُمَزِّقهم أشْتاتًا ويَشْطِرهم بعد الْتِئام ..
وحُقَّ لمن أَوْدعه هذه الأمانة العظيمة، أن يترفَّع عن خيانته وإن خانه، وتغيَّر ما كان جارِيًا بينهما من صَفْو المحبَّة والوداد، أو تحوَّل ما كان بينهما من وئام إلى خِلاف ونَصْب للعداء ..
وأن يَدْفع سيِّئته بالإِحسان إليه في كلِّ الأحوال، وأن يَغُضَّ الطَّرف عن زلاته وأخطائه بالعفو عنه ومسامحته، وألا يسعى إلى تَشْويه سُمْعتِه، أو نشر ما لا يشتهي أَنْ يُذْكَر عنه، لأنَّه أمانة وإِن لم يَسْتَكْتِمْه ..
وحُقَّ لمن جعل مفاتيحَه ببابِه مَخْتوم، ألا يٌفْشي له سِرًّا من أسراره بين إخوانه وأقاربه، ولا يفضحه بين أهله وذويه، ولا يقلِّل من شأنه ويُنقِّص من قدره، ويُهْدِر كرامته، ويُريق ماء وجهه، ويكسر شوكته ويُنكِّس أعلامه، بل عليه أن يحتكم في كل شؤونه وأحواله وأقواله إلى ميزان العقل والحكمة، وينتظم في سلك العدل والإنصاف، وينتهج منهاج الحق ومنهاج التَّوسط والاعْتدال..
وقد أثنى الحق سبحانه على من يَحفظ الأمانة ولا يخونها في أكثر من آية وسورة في سِياق المدح، فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) ﴾[] .
وحرَّم إفْشاء الأسرار لأنها خيانة للأمانة، فقال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) ﴾ .