أنتِ بنتُ أبي لهب الذي يقول الله عزَّ وجلَّ فيه: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ}. هذا ما قالته النسوة في المدينة لدُرَّة بنت أبي لهب، فدافع عنها النبيُّ صلى الله عليه وسلم أمام جميع المسلمين، وعنَّف من أساء إليها، وهدَّأ من روعها رضي الله عنها وعن جميع آل البيت الكرام الأطهار.
نشأة السيدة درة بنت أبي لهب ونسبها
هي دُرَّة بنت أبي لهب عبد العُزَّى بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي [1]، وأمها أم جميل بنت حرب بن أميَّة بن عبد شمس [2]، وهي أخت أبي سفيان رضي الله عنه [3] واسمها فاختة، وهي التي أنزل الله فيها "حمَّالة الحطب" [4].
وقد كانت رضي الله عنها شاعرة، ولها أبياتٌ في يوم الفجار وكان لها ثلاثة إخوة من أبيها وأمها وهم: "عُتَيْبَة وعُتْبَة ومُعَتَّب"، ومن العجيب أنَّ جميع أبناء أبي لهب قد أسلموا إلَّا واحدًا وهو عتيبة! وقد كان أصابته دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم "اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ" [6]، وذلك عندما طلق أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكتفِ بذلك كأخيه عتبة الذي أمره أبواه بتطليق السيدة رقية رضي الله عنها؛ إنما ذهب عتيبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسبَّه واشتدَّ في إهانته، وقيل إنَّه قطع قميصه صلى الله عليه وسلم، فهلك إثر تلك الدعوة وهو مسافرٌ في تجارةٍ له إلى الشام، على الرغم من حرص أبيه عليه وحمايته له ليقينه في استجابة دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم!
وقد أسلم أخواها عتبة ومعتب رضي الله عنهما يوم الفتح وشاركا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين والطائف، ولكن ظلَّا في مكة إلى أن تُوفِّيا رضي الله عنهما.
مكانة السيدة درة بنت أبي لهب
هي إحدى نساء آل البيت الأطهار الأخيار رضوان الله عليهم أجمعين، فآل النبي هم بنو هاشم وبنو المطلب وأبناء وزوجات النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وكونها ابنة أبي لهب عدو الإسلام الذي ذمَّه ربُّ العزَّة في قرآنه الكريم {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1] لا ينتقص من قدرها أبدًا؛ فيقول ربُّ العزَّة جل وعلا: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الإسراء: 15].
فهي رضوان الله عليها إحدى المؤمنات المهاجرات؛ فقد أسلمت رضي الله عنها في مكة، وكانت من أولى المهاجرات إلى المدينة، فكانت رضوان الله عليها تجمع بين شرفين وطبقتين كلتيهما ترفع صاحبها أعلى مكانة بين الصحابة؛ وهما كونها من آل بيت الرسول ومن المهاجرين فرضي الله عنها وأرضاها.
زواج السيدة درة بنت أبي لهب وأبنائها
تزوَّجت السيدة درة قبل إسلامها من الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف بن قصي فولدت له الوليد وأبا الحسن ومسلم [7]، ثم قُتِل يوم بدر كافرًا [8]، فتزوَّجها الصحابي الجليل دحية بن خليفة بن فروة الكلبي رضي الله عنه [9]، وقد أسلمت رضي الله عنها بمكة [10]، ثم هاجرت إلى المدينة [11]، وتزوَّجها زيد ابن حارثة رضي الله عنه ثم طلَّقها [12]، ورُوِي أنَّ الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه خطبها على السيدة فاطمة رضي الله عنها [13].
هجرة السيدة درة بنت أبي لهب إلى المدينة
كانت دُرَّة بنت أبي لهب من المهاجرات اللاتي هاجرن من مكة إلى المدينة [14]، فعن أبي هريرة وعمار بن ياسر قالوا: قَدِمَت درة بنت أبي لهب المدينة مهاجرةً فنزلت دار رافع بن المعلى الزرقي، فقال لها نسوةٌ جالسين إليها من بني زريق: "أنتِ بنت أبي لهب الذي يقول الله عزَّ وجلَّ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2)} [المسد: 1- 3]، ما يُغني عنكِ مهاجرك".
فأتت درَّةٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فشكت إليه ما قُلْنَ لها، فسَكَّنَها وقال: "اجْلِسِي"، ثم صلَّى بالناس الظهر وجلس على المنبر ساعة ثم قال: "أَيُّهَا النَّاسُ، مَالِي أُوذَى فِي أَهْلِي؟ فَوَاللَّهِ إِنَّ شَفَاعَتِي لَتُنَالُ بِقَرَابَتِي حَتَّى حَا وَحَكَمُ وَصُدَاءُ وَسَلْهَبُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ" [15]..
رواية درة بنت أبي لهب لحديث رسول الله
السيدة دُرَّة بنت أبي لهب رضي الله عنها ليس لها من رواية الحديث إلَّا حديثٌ واحدٌ في مسند أحمد [16]، وإسناده ضعيف، فقد رُوِي عنها أنها قالت: "قام رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: يا رسول الله، أيُّ الناس خير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُ النَّاسِ أَقْرَؤُهُمْ وَأَتْقَاهُمْ وَآمَرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، وَأَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَوْصَلُهُمْ لِلرَّحِمِ" [17].
[1] ابن سعد: الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ= 1990م، 8/40..
[2] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 8/40، وخليفة بن خياط: طبقات خليفة بن خياط: تحقيق: د. سهيل زكار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1414هـ= 1993م، ص620.
[3] أسد الغابة ط العلمية 3/562، والطبقات الكبرى ط دار صادر 4/59.
[4] ابن حبان: الثقات، دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، الطبعة الأولى، 1393ه= 1973م، 3/118، وأبو المحاسن الحسيني: الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال، ص620.
[5] أبو المحاسن الحسيني: الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد من الرجال، تحقيق: عبد المعطي أمين قلعجي، منشورات جامعة الدراسات الإسلامية، كراتشي، باكستان، ص620، والزركلي: الأعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة عشر،2002م، 2/338.
[6] البيهقي: السنن الكبرى (10346)، والحاكم: المستدرك (3984)، وأبو نعيم: معرفة الصحابة (6926)، وابن حجر: فتح الباري 4/48، وخلاصة حكم ابن حجر: حسن.
[7] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 8/40، وأبو نعيم الأصبهاني: معرفة الصحابة، تحقيق: عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة الأولى 1419هـ= 1998م، 6/3324.
[8] ابن سعد: الطبقات الكبرى،، 8/40.
[9] ابن سعد: الطبقات الكبرى،، 8/40، ومحمد بن حبيب البغدادي: المحبر، تحقيق: إيلزة ليختن شتيتر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ص65.
[10] ابن الأثير: أسد الغابة، والزركلي: الأعلام، 2/338.
[11] أبو نعيم الأصبهاني: معرفة الصحابة، 6/3324، وابن الأثير: أسد الغابة، 6/103.
[12] ابن سعد: الطبقات الكبرى، 3/33، وابن عساكر: تاريخ دمشق، تحقيق: عمرو بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415هـ= 1995م، 19/358.
[13] جمال الدين المزي: تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1400هـ= 1980م، 1/201.
[14] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 2/275.
[15] الطبراني في المعجم الكبير (20681)، وقال الهيثمي: وفيه عبد الرحمن بن بشير الدمشقي، وثَّقه ابن حبان، وضعَّفه أبو حاتم، وبقيَّة رجاله ثقات، انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (15403).
[16] الذهبي: سير أعلام النبلاء، 2/276.
[17] أحمد (27474)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده ضعيف.
قصة الإسلام