الحلقة الثامنة عشر من كتاب واسط بين الماضي والحاضر للمؤلف السيد عبد المنعم تقي الطباطبائي
نهايةالحرب العراقية الايرانية :-
استمرت كـما ذكرنا الحرب المؤلـمة بين العـــراق وأيران بشكل طاحن ومتواصل يومياً ومفروضة على كلا الشعبين ولا يوجد مبرر لها معقول أو سبب مقبول لنشوبها سوى الاطماع والمـخاوف بين الطرفين وكان كل طرف يتهم الاخر ببدأ القتال وأعلان الحرب وألله اعلم بذلك ولـــكن حصادها الــمر تحمله الشـعبان المسلمان المتجاوران وكان من السهل جداً ان تحل اصعب المشاكل بل وحتى اكثرها تعقيداً لو جلس الطرفان الى مائدة التفاوض بقلوب واثقة ومطمئنة وسلـيمة ولكــن الذي حصل قد حصل وفات اوان الحل والتفاوض . بعد تلك السنوات المريرة توقف الــقتال بين الطرفين في يوم 8/8/1988 م وبذلك اعلن الشعب العراقي فرحه الكبـــير بتوقــف الحرب وتنفس الصعداء وظن ان الامور قد أنتهت وأن الـــسوء قد ادبــر وان المـــستقبل الزاهر قـــد تفتحت ابوابه رغم الجراح التي لازالت مؤلمة والحزن الشديد الذي كان يسطر على ابــناء الشعب العراقي كافة نتيجة لما عاناه جراء الحرب من تدهور وأنحطاط في كل مرافق الحياة لذلك فعندة سماع نبـأ وقف الحرب خرج ابناء محافظة واسط معلنين عـــن فرحتهم الكبرى وأملين بأزدهار الحياة وعودة من تبقى من ابنائهم سالمين وأن تجرىالمفاوضات الجادة بأنهاء حالة الحرب وعودة الاسرى الذين تحمـــلوا جميـــع ما اصابهم من قهر وبأس فعيونهم ترنوا الى مستقبل سعـــيد وحياة جديدة بعد ذلك اليأس القاتل والقهر وألبؤس عسى ان يبدأوا حياة جديدة ترفرف فوقها رايات السعادة والعيش الكريم ولكن لم تدم تلك الفرحة وتوقفت جميع مظاهر الابتــهاج والفرح وأفاق الناس من ذلك الحلم الجميل وعرفوا ان حربا جديدة قد فتحت ابوابـــها لهـــم اشد ضراوة وشراسة من الحرب الاولى ففي هذه المرة استعرت الـحرب بين الاهــــل والاقرباء بين احباب الامس وأعوانه وسانديه فهم اشد ظلماً من الاخرين كما يقول الشاعر : -
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة علي من ضرب السيوف البواتر
فقد باشرت الدول العـربية المجاورة للعراق بمطالبته بتسديد ما عليه من ديون واموال قدمتها الى رحــى الحـــرب مـع ايران وكانت اكثرهم مطالبة وأشدهم قسوة في ذلك مع توسع دولة الكويت في حدودهــا على حساب دولة العراق وعدم السماح للعراق بأتخاذ منفذ علـــى البـــحر لتـــسويق نفـــطه وحاصلاته وبــتحريض من دول اخرى من وراء الكواليس دخل الجيش العراقي دولة الكويت محتلاً لها .
من هنا بدأت مأسات الشعب العراقي ومأسات محـافظة واسـط مع بقية محفاظات القطر
فقد صدرت مجدداً قرارات استدعاء الاحتياط للــــجيش الـــعراقي وأعــلن الاستعداد الكامل للحرب وأستنفرت جميع مرافق الدولة وعادت صور الحرب المــأساوية تثير القلق في نفوس المجتمع . فتحت في محافظة واســـط مراكز تدريب الجيش الشعبي وسيق الالف من ابناء المجتمع الى ساحات الــــتدريب وحمل السلاح وأرسالهم هذه المرة الى الكويت .
استمر وجود القوات العراقية على ارض الكويت مــن تاريخ 2/8/1990 م ولغاية 17/1/1991 م وفي هذه المدة صدرت قرارات كثيـــرة فـــي شأن العراق من الامم المتحدة تحمل في طياتها العنف والمقاطعة وفـــرض الحصـــار القاسي على العراق سواء في صادراته او وارداته وأدخل تحــت البند السابع وتحركت الدول الكبرى في السعي لاخراج العراق من الكويت بالقـوة الــعسكرية واشتركت في ذلك جميع الدول الكبرى والدول المجاورة ودول اخرى ســواء بأرسال جيوشها أو معداتها العسكرية واللوجستية وتجمعت كلها في الدولة العربـــية الســـعودية فـــي منطقة حفر الباطن والعراق وحكومته لا تعير اهتماماً لذالك حتى بدأت الحرب وســقطت اول قنبلة على بغداد في ليلة السابع عشر من كانون الثاني 1991 م وشنت الغــارات الجوية على العراق من اقصى شماله الى اقصى جنوبه ولم تستثنى محافظة مــن محافظاته وفي نفس اليوم كانت الطائرات الامريكية تقصف القاعدة الجوية فــــي الكوت ثم بعد ذلك قصفت الطائرات الجسر الحديدي الذي يربط حي الكرامة بمركـز المدينة ثمة قصفت بناية الادارة المحلية وسدة الكوت مما اثار الرعب والخوف الكبير لدى ابناء الشعب فخرج اكثر ابناء الكوت الى بدرة وجصان ومناطق بعيدة هرباً مــن قصف الطائرات وخوفاً من حدوث انزال في المدينة . تعطلت جميع المرافق المدنية فـــي المدينة فلا ماء صالح للشرب ولا كهرباء ولا وقود ولا حركة للمركبات وفـي يوم 4/شباط وهو يوم الاحتفال بمحافظة واسط قصفت الطائرات الحربية منــطقة ســـاحة العامل حيث كان يتجمع في صباح ذلك اليوم الكثير من الاطفال والنــــساء والرجال للعمل والبيع والشراء فحصلت مجزرة راح ضحيتها الكـثير تـــناثرت اشــــلاؤهم وغطت دماؤهم ساحة العامل كذلك وفي نفس اليوم قصفت بنـــاية ثانوية العروبة واحياء سكنية في منطقة حي الجماهير مما اثار غضب الـناس وخـــوفهم من الحالة التي يعانيها ابناء الشعب العراقي .
في 28/شباط /1991 م توقفت الحرب الــجوية والبرية بقرار من الولايات المتحدة وحــــلفائها وخرج الجيـــش الـــعراقي مــــن الكويـــت وسكنت المعارك عند الحدود
ولم تتوغل القوات الاجنبية داخل العراق كثيراً ثم انسحبت الى حفر الباطن والكويت ولكن بدأت صفـــحة اخرى هي انتفاضة الناس وخروجهم ضد الحكم القائم نتيجة ما عانوه من ويلات الحـــروب المـــتكرر وزجهــم في معارك لا فائدة منها سوى القتل
والدماروالتدهور الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وفي كل مرافق الحياة .
رغم توقف الــحرب العســكرية فقد استمر الحصار الشديد على العراق فلذالك عانى الشعب من ذلك الــــويلات الكثيـــرة مـــما ادى الى هجرة الكثير من الشباب الواعي المثقف خارج القطر للعمل هـناك ومــساعدة الاهل في العراق وهنا لا بد لنا ان نذكر اثر العامل الاقتصادي علـى ابناء المجتمع ونثبت لهم ذلك الانهيار الاقتصادي الكبير الذي اصاب المجتـمع او الاسر العراقية وكانت المعانات اكثر عندما لم تف الحكومة العراقية بما وقعته مــع قوات التحالف في الخيمة كيلو (101) فازداد تعنت الحلفاء واستيقنوا عدم مصداقية الـــحكومة العـــراقية في تعهداتها وكانت المطالبة باخراج العراق من الكويت قد تغيرت الى اخلاء العراق مـــــن اسلحة الدمار الشامل وتدمير جميع المصانع التي لها علاق قريـبة او بعيدة بالصناعة العسكرية واخذت القرارات المتتالية من الأمم المتحدة ومجـــلس الأمن تزيد في حدتها ومن شروطها حتى وان استجابت الـــحكومة العراقيـــة لجمــيع مطالب الأمم المتحدة ومجلس الأمن في فتح ابوابه امام فرق الـــتفتيش الـــتي كانت تتشدد في اساليبها وتحاول الوصول الى كل مكان في العراق دون أذن مسبق حتى فتشت القصور العائدة لصدام حسين واعوانه وكانت الحكومة في وقتها ايضــا تبدي نوعا من التعنت والمراوغة قبل ان تستجيب لما هو مطلوب منها مما سبب التشدد في تطبيق قرارات الحصار القاتل على الشعب العراقي وتحمل الشـــعب وحده كل مأســــي الحــــصار لأن الحكومـــة وقادتها كانوا يتمتعون بالخيرات ولا يمــنع عنهم شيء من مأكل او ملبس او دواء او سيارة فاره وحتى المقربين اليهم لم يـــشعروا بوطأة الــــحصار المفروض على الشعب العراقي والذي لاحول له ولا قوة ولايستـــطيع ان يعبر عــــن معاناته ولو بابسط الأساليب .
استمر الحصار علــى الشـــعب العراقــــي فــــي الغذاء والدواء وفي مختلف مناحي الأقتصاد وكذالك فــي الخدمات كالكهرباء والماء والطرق وغيرها من البنى التحتية سوى بناء ما هدمتـــه الـــحرب والقـــصف الجوي وهكذا وجد ابناء الشعب العراقي والقوى العامل فيه بعض الشئ من العــــمل اليــــومي وقد كـــان اغلب العاطلين من الشباب الواعي الحامل للشــهادات سواء البكـــلوريوس او خرجي الــــمعاهد فكانوا يـــعملون كعـــمال بناء او ســـواق سيــــارات أجرة او حمالين في الأسواق او باعة مخضرات ليحصلوا على رزقهم اليومي.
برغم كـل ما ذكرنا من تدهور وانحطاط في الحالة المعاشية للشعب العراقي فقد بقي الشعب متماسكا صابرا ولم تصبه أي اذلال او تخاذل او الأنجرار في مهاوي الرذيلة بل على عـكس ذلك فقد ساد بينهم التكافل والتعاون وكان بعض من الأغنياء يبعثون بالحقوق الـــشرعية الـى مستحقيها وفي احيان كثيرة بشكل سري انعشت كثيرا من العوائل وساهم في ذلك ايضــــا مـــن كانــوا قد هاجروا الى خارج العراق في ارسال
مايدخروه الى عوائلهم او اصدقائـــهم ومعارفهم فكانت الورقة فئة المائة دولار لها وقع كبير ومفيد عند الناس .
انتهت حالة الحرب الفعلية وتوقف اطلاق النار وبدأت الحكومة تعالج ماصحت عليه من دمار وتخريب واول عــمل قامــــت به هـــو اصدار البطاقة التموينية لسد بعض حاجات المجتمع من المواد الـغذائية كالطحين والرز والسكر وحليب الأطفال وبعض البقوليات وصوابين الغسيل . لــــقد كان لهذه العملية دورا فاعل في وقوف المجتمع العراقي على قدمه وان يعيد حـساباته وخاصة الطبقات الفقيرة بل وحتى الأغنياء لم يستغنوا عن مواد البطاقة التمـــوينية للغلاء الفاحش في الأسواق التجارية والنقص الكبير في المواد المستوردة .
اما العمل الثاني فــــهو اطلاق الأعمــــار لمــا هدمته الحرب وطبع مليارات الدنانير العراقية بدون غطاء فــــهي لاتنصرف الا فـــــي داخل العراق وكان نصيب محافظة واسط ومدينة الكوت ان تـــم اصـــلاح سد الكوت وعاد الى العمل بشكل افضل كذلك اعيد بناء جسر الكرامة الحديدي ليتم اتصال محافظة واسط بمحافظة ذي قار وبغداد وكذلك اعيد بناء الأبنية الــــتي تعرضـــت للقصف الجوي منها بناية الأدارة المحلية التي اعيد بناؤها وترميمها مــــن قــــبل اعضــــاء المجلس المحلي لمحافظة واسط بجهودهم وتبرعهم بجميع رواتبهم لمــدة ستة اشـــهر علما ان راتب العضو الواحد كان (10000) عشرة الاف دينارا عراقـــيا لتــكون مقرا لمجلس المحافظة المحلي ولمجلس قضاء الكوت المحلي وكان ذلك في عـهد محافظ واسط السيد اللواء الركن محمود شكر شاهين والذي في عهده ايضا جــمع مـــبالغ كثيرة من كبار المزارعين والمقاولين واغنياء المدينة ليشيد ابنية كلــية الـــتربية في الكوت المرتبطة بجامعة القادسية وقد فتحت الكلية فعــلا فـــي سنة 1996م واول عميد لها هو الدكتور عبد الكريم نصار وكان ذلـــك فـي عهـــد رئاسة السيد الدكتور محمد عبد العالي النعيمي رئيس جامعة القادسية والذي ســــاهم بجــــهد كـــبير لأفتتاحها ومن ثم التوسع في استحداث الكليات الأخرى حتى انبثقت جامعة واســـط التي خففت الكثير من الأعباء المالية على اولياء امور الطلبة الذين كانوا يدرسون فـــــي جامعات بغداد والموصل والبصرة مما يتطلب الأنفاق الكبير والقلق الدائم على وضــعهم هناك فجامعة واسط استقطبت جميع الطلاب جريجي الأعداديات لينظموا الى كليــــاتها العلمية والأدبية .
في سنة 1996م اجريت اول انتـخابات عامة فـــــي الـــقطر للمجالـــس المحلية في المحافظات وفي الأقضية والنواحـي بموجب قـــانون صـدر عن مجلس قيادة الثورة انذاك وكانت محافظة واســط قد ساهمت بهذه الأنتـــخابات بــــشكل فاعل ولكن هذه المجالس لم تاخذ دورها فـي أي تقدم للمحافظات تحت ظل الحكم المركزي وبموجب قانون المجالس الذي يـــفرض ان يكون رؤساء المجالس سواء المركزي او مجلس
القضاء او الناحية هم رؤسـاء الوحدات الأدارية (المحافظ والقائمقام ومديرالناحية) علاوة على ان جميع رؤساء الدوائر الرسمية هم اعضاء غير منتخبين في المجلس لذلك لايمكن معالجة أي خــلل في الدوائر الرسمية او مشاريعها ورؤسائها يسمعون ولهم حق في الأعتراض فكانت تلك المجالس شكلية وغير عاملة .
في سنة 1999م نقل محافــظ واسط السيد اللواء الركن محمود شكر شاهين وباشر مكانة السـيد الفريق الركن نــجم الدين محـــمد عبد الله الدوري محافظا لواسط وهو مستمر في عمله لغاية الأنتهاء من كتابة هذه السطور في سنة (2000)م .
من الجدير بالــذكر ان مديرية بلدية الكوت والبلديات الأخرى في المحافظة استمرت في عملية توزيع الأراضــــي السكــــنية وخصــــصت قـطعا سكنية للكفاءات العلمية ولأصحاب الدرجات الوظيفية العليا والرتب العسكرية الـــعالية بموجب قرار مركزي يوصي بمنحهم تلك القطع حسب مســقط رؤوســـهم وبذلك ظهرت احياء جديدة ففي شمال الكوت حي يســمى حي الكـــفاءات كذلك وزعت اراضي على شهداء الحروب القاسية والى بعض الـــموظفين وابناء المـــحافظة فظــهرت احياء سكنية كثيرة في مدينة الكوت او المدن الأخرى مما سبب فــي ازدهار حركة البناء والأعمار وتشغيل اليد العاملة رغم الحصار القاسي على الشعب العراقي