القيم الإنسانية
كثيرا ما نسمع ونقرأ عن القيم الإنسانية العظمى في كل الشرائع والأديان والمباحث الفلسفية وأهمية هذه القيم والمبادئ والتي قطعا هي قواعد راسخة توفر الحد الأدنى الكافي لحياة تحت غطاء الأمن والسلام وذلك منذ فجر التاريخ البشري والى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكن وعلى الرغم من بديهية ومنطقية وعقلانية هذه المبادئ والقيم الإنسانية المشتركة التي يحتاجها البشر جميعا للحفاظ على حق الحياة والحرية والأمن لكل فرد إلا أن هذه المبادئ والقيم لم يتم تفعيلها واقعيا في حياة الناس فيما بينهم، وذلك لتغول مفهوم التسلط والتعصب في النفس البشرية حتى أصبح المصلحون فئة قليلة أو ربما نادرة في كل زمان ومكان.
إن التسامح بين البشر وان كان عزيزا وصعب التحقق في واقعنا إلا انه يظل قيمة ومبدأ إنسانياً عظيماً يجب أن نكافح من أجل تحققه وذلك حقنا لدماء أبرياء كانوا ولا يزالون يدفعون ثمن التعصب الطائفي والمذهبي والديني لا لشيء إلا لأنهم أتوا إلى هذه الحياة بلا ارادة منهم وفي مجتمعات يحكمها غول التعصب والرغبة في القضاء على المخالف في التوجه لرأي الأغلبية.
إن التسامح بين البشر على اختلافهم ليس بدعا من القول أو مذهباً فكرياً لنا الحق أن نقبله أو نرفضه ولكن هو فرض عين على الجميع فردا فردا لأن اختلاف البشر فيما بينهم ارادة الهية وسنة قدرية لحكمة عظيمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى ولذلك خلقهم أي من أجل ذلك الاختلاف بين الناس خلقهم الله، فمن يصد عن سبيل الله بنفي التسامح بذريعة اقامة الحق بالقوة لفرض فكر أو عقيدة أو نظرية سياسية أو أي شيء آخر لا يقتنع بها إلا أصحاب القوة والنفوذ فهو ظالم في حق ربه ونفسه وفي حق الحق ذاته، لأن الحق، العدل، التسامح، المساواة هي قيم وان اختلفت معانيها ولكن مقصدها واحد وهو التكامل فيما بينها ليعيش الناس مطمئنين، فالحق مصدر الهي، والعدل هو اعطاء الحرية لادراك الحق والحقيقة بارادة حرة منفردة مقترنة بمسؤولية الفرد عن ذاته، والتسامح هو احترام حق الآخرين في اختيار توجههم الفكري العقدي السلمي، والمساواة هي ما نعرفه في عصرنا الحديث بحق المواطنة وذلك في الحقوق والواجبات على كل فرد داخل الوطن الواحد.
واذا تدبرنا ما سبق ذكره نجد أن تحقيق هذا التكامل لا يتم بالقوة والتسلط والقتل والسجن والتمييز والفصل العنصري والديني والمذهبي ولكن يتم بغرس الوعي في نفوس النشء والشباب في مراحل التعليم ووسائل الاعلام ودور العبادة.
يجب علينا ألا نتوقف عن توعية بعضنا البعض بما يحقق الفائدة للجميع، للأسف نحن نتواعظ ببديهيات لم تكن يوما لوغاريتمات لكي يصعب علينا تدبر معانيها ومقاصدها ولكن نضطر لذلك في وجود متعصبين تنعكس شرور أنفسهم على حياتنا وتسمم أرواح شبابنا لتحقيق ارادة شيطانية فقط من أجل تدمير قيم الخير والجمال، لأن ارادة البناء والتعمير لا تجتمع مع ارادة الهدم والتخريب، وارادة الحياة لا تجتمع مع ارادة الموت، ومن أراد الحق فأخطأه ليس كمن أراد الباطل فأصابه.
نحن في أشد الاحتياج لأن نتسامح فيما بيننا وألا نتدخل في مشيئة الله من الاختلاف الذي فرضه الله علينا وأعطانا العقل لنميز به بارادة منفردة وحرية حقيقية، هذه مقولتنا فما مقولة من يتدخل في مشيئة الله وحكمته؟
منقول