تقع الكنغو الشرقيَّة في إفريقيا الوسطى ويحدُّها كلٌّ من جمهوريَّة الكنغو (برازفيل)، وجمهوريَّة إفريقيا الوسطى، والسودان، وأوغندا، ورواندا، وبورندي، وزامبيا، وأنغولا، وخليج غينيا.


وصلها الإسلام عن طريق التجَّار المسلمين من المنطقة السواحيليَّة، ونتيجةً لجهود الشيخ محمد بن حمد المرجي في القرن التاسع عشر وإقامته دولة إسلاميَّة بشرق الكاميرون.
نسبة المسلمين الآن بها 20%، ويوجد فيها عددٌ من الأوربِّيِّين، ولغتها الفرنسيَّة (1)، ويبلغ عدد سكانها ستِّين مليون حسب تعداد 1988م.

مصادر ضعف وقوة المسلمين بالكنغو (الديمقراطيَّة) الشرقيَّة:

تُؤدِّي جهود المنصِّرين التي لا تجد ما يُواجهها من جهود منظَّمات الإغاثة الإسلاميَّة إلى إرتداد أعدادٍ كبيرةٍ من المسلمين؛ وذلك لعدَّة أسباب تتلخَّص في الأوضاع الاقتصاديَّة المذرية، أدَّى ذلك قصدًا إلى تجفيف منابع المسلمين، والحدِّ من أنشطة المسلمين بسوء أوضاعهم الماديَّة والعمليَّة وبسبب ما يواجهون من مشاكل؛ حيث يُعانون من ضعف الإمكانات الماليَّة، أو وسيلة إعلاميَّة يُعبِّرون بها عن أنفسهم وينشرون بها التوعية الدينيَّة بين أبناء المسلمين، الذين يزيد عددهم على 17 مليون مسلم من مجموع 60 مليون نسمة هم سكان الكنغو الشرقيَّة (2).


وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيَّة دقيقة بأعداد المسلمين المرتدِّين عن الإسلام، فهناك مؤشِّرات خَطِرَة لانحسار المسلمين في الكنغو عن دينهم الإسلامي، ويرى المفحوصين أهميَّة مناشدة المنظمات الإسلاميَّة لكي تُقدِّم يد العون لإخوانهم لتحسين أوضاعهم الاقتصاديَّة، وتوفير وسيلة تثقيفية وإعلاميَّة لهم للحفاظ علي الإسلام في الكنغو من التشويش.


تُسيطر المؤسَّسات الكنسيَّة على التعليم في الكنغو، ونسبة 90% من المدارس التي يدرس فيها أبناء المسلمين مسيحيَّة المنهج، وتلزمهم بنظم تعليم تخضع كليَّةً للثقافة الفرنسيَّة؛ حيث إنَّها تُوثِّر سلبًا على الطلاب بعد تخرُّجهم، وهو -أيضًا- ممَّا يُزيد في أعداد المرتدِّين عن الإسلام في الكنغو، وتلعب الحملات التبشيريَّة دورًا بارزًا في هذه الأوضاع العصيبة التي يُواجهها المسلمون؛ إذ تدعم الحكومات كلَّ أنشطة المبشِّرين ببناء المدارس والمستشفيات.


يقول الحاج موديلو ماليما: إنَّ الدعاة في الكنغو لا يجدون من يكفلهم ويضمن لهم أسباب العيش، أو يصرف لهم مرتَّباتهم، ولا يوجد سوى القليل من المنظَّمات الإسلاميَّة الخيريَّة التي تكفل ما يُعادل نسبة 2% فقط من الدعاة الذين يحصلون على إعانة ماديَّة ورواتب، بينما البقيَّة الباقية لا تعمل في الدعوة لأنَّه ليس هناك من يضمن لهم راتبٌ شهري مقابل واجب الدعوة إلى الله، وهو في الكنغو بخلاف ما هو في بعض الدول العربيَّة التي تموِّل الأئمَّة والخطباء في المساجد، وتُفرِّغهم للدعوة الإسلاميَّة، وتدفع لهم رواتبهم كاملة، وكذلك الحال في المدارس الإسلاميَّة التي لا تتعدَّى أصابع اليدين، وبإمكانيَّاتها البسيطة جدًّا، ولا يوجد درجة أو مستوى علمي لهذه المدارس لأنَّه لا يوجد مرتَّبات للمدرِّسين الذين يعملون في هذه المدارس.


وتُعاني الكنغو الديمقراطيَّة (الشرقيَّة) من عدم الاستقرار والحروب الأهليَّة التي تعوق الأنشطة الزراعيَّة والتسويقيَّة لأكثر من 2,5 مليون من أهالي الكنغو، ما زالت تنذر بعواقب وخيمة قُدِّرت بمليارات الدولارات في الحالات الغذائيَّة والصحيَّة والأمنيَّة بعدم الاستقرار في الكنغو(3)، وأنَّ سوء التغذية يُؤدِّي إلى موت مئات الأطفال يوميًّا، فيمكن القول: إنَّ الحالة الصحِّيَّة في الكنغو خَطِرة وسيِّئة.


أمَّا المشاركة السياسيَّة فقليلة، والاعتراف المتبادل في الكنغو معدوم، والصراع بين الحكومة والمعارضة يُهدِّد الاستقرار والأمن بدرجةٍ ملحوظة، وينعكس سلبًا علي المواطنين؛ فبتكافؤ القوَّات الحكوميَّة والقوَّات المتمرِّدة المتنازعة، ودعم بعض الحكومات الإفريقيَّة للمعارضة المسلَّحة بالكنغو من ناحية، ودعم القوَّات الإفريقيَّة للحكومة- ضاعف من عدم الاستقرار وعدم وجود معارضة سياسيَّة مشروعة ومتَّفق عليها، ومن ذلك فإنَّ المشاركة السياسيَّة في الكنغو غير متوفِّرة وغير متساوية.


ويحتلُّ المتمرِّدون 30% من جملة أراضي الكنغو والثروات المتنازع عليها؛ تشمل الماس والمعادن الأخرى، فإنَّ هذه الثروات تؤدِّي إلى نشوب خلافات بين صفوف المواطنين؛ فكلُّ فرقةٍ ترى أنَّها الأكثر سيطرة، وتُناضل من أجل بناء نفسها، أدَّى ذلك إلي توتُّر الأوضاع بين المسلمين وبقيَّة سكان الكنغو الشرقيَّة.


في مجال فضِّ النزاعات والتعايش السلمي والاعتراف بالآخر ومدِّ جسور التعاون مع بقيَّة دول العالم، نجد أنَّه لا يزال يتطلَّب بذل جهدٍ من الحكومة وشعبها بشقَّيْهِ المسلم وغيره من أجل دعم بناء السلم في البلاد، حيث يلزم ذلك ترتيبٌ واضحٌ للأولويَّات وإصلاحها، لضمان إجراء نجاح المرحلة المتقدِّمة، وإصلاح الأمن، وإعادة هيكلة القوَّات المسلَّحة ونزع السلاح، وفرض السيطرة الحكوميَّة على البلاد بالتسامح والتعايش الديني، والدعم المالي لأوضاع المسلمين من أجل دولةٍ مستقرَّة، ومدِّ جسور التعاون من المنظَّمات الدوليَّة الإسلاميَّة والخيريَّة لدعم أوضاع المسلمين حتى لا يرتدُّون عن دينهم، بالإضافة إلي إيجاد طرقٍ مشروعةٍ لكسب العيش لإصلاح أوضاع المسلمين الاقتصاديَّة والسياسيَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة.


الإسلام في الكنغو الديمقراطيَّة الشرقيَّة موزَّع في جميع المناطق؛ فالقبيلة منها المسلم وغيره. ويقول إسماعيل داود طالب بجامعة إفريقيا العالميَّة إنه: من قبيلة الزاندي، وهي قبيلة مشتركة بين السودان والكنغو، فبعضها مسلمٌ والآخر مسيحي، والمسلمون في الكنغو موزَّعون بين المدن والقرى، ومتمسِّكون بالمذاهب الأربعة، ويتلقُّون تعاليم الإسلام وِفْقَ تلك المذاهب، وأكثر المناطق التي بها تركيزٌ للمسلمين هي المدن الكبرى، وأبرزها العاصمة كنشاسا.


يتمتَّع المسلمون بنوعيَّة حياة جيِّدة وعلى مستوًى جيِّد، ولا يوجد إشكاليَّات بين المسلمين وغيرهم، ولا توجد ضغوط تُمارس ضدَّ المسلمين من قِبَل الحكومة أو المسيحيِّين، ولكن باستثناء الدراسة إذا درس الفرد تعليم مسيحي وأسلم بعد ذلك فالمشكلة التي تُواجهه هي من ناحية أسرته التي تقوم بطرده والتبرُّء منه.


ينتشر التعليم الإسلامي بالكنغو، وله مراكز لتحفيظ القرآن وتعليم الشباب بصورةٍ منتظمة، أمَّا الأوضاع الصحيَّة؛ فالسكان في الكنغو متساويين وليس هنالك فرق في التعامل بين المسلمين وبقيَّة الديانات الأخرى، و-أيضًا- في الناحية الغذائيَّة عاديَّة لدرجة الاستقرار حسب التقاليد الإسلاميَّة في المأكل والملبس، وكذلك الناحية الأمنيَّة مستقرَّة فلا توجد مضايقات، والحريَّة لدرجةٍ ما، والاعتراف المتبادل موجود بالنسبة إلى المسلمين وغيرهم، وليس هنالك تنافرٌ أو عدم قبولٍ للآخر.


الفعاليَّات الثقافيَّة التي يُمارسها المسلمون بالكنغو قليلة مقارنة بالنسبة إلى جيرانهم الإفريقيِّين؛ فلا تتعدَّى الاحتفال بالأعياد (الفطر وعيد الأضحى والمولد)، وهم يُعانون من عدم التعاون لتعليم دينهم، لذا فإنَّ الإلمام بالدين الإسلامي ضعيف، الأمر الذي يجعل من الميسور الارتداد عن دينهم، بينما الازدياد في أعداد المسلمين يحتاج إلى جهدٍ كبيرٍ لنشر الإسلام وقيمه.


يُعاني المسلمون بالكنغو من ضعف القدرات الاقتصاديَّة مقارنةً بغير المسلمين بها؛ حيث يبلغ متوسِّط دخل المسلم حوالي أربعة دولارات، وهم لا يعملون بالخدمة المدنيَّة إلَّا قليلًا، وسائرهم يعمل بالتجارة، ويرد القول الشائع بينهم السوق قدح النبي.


المشاركة السياسيَّة في التنمية والإدارة بين مسلمي الكنغو معدومة، علي الرغم من حاجتهم إليها في النواحي الدينيَّة بين المسلمين أنفسهم لتلبية رغباتهم ولتعليم أمور دينهم، بينما التعايش السلمي موجود بين المسلمين والمسيحيِّين، وفي بعض الأحيان تنشب بعض الأحداث ويُمكن فضُّها بالمحكمة؛ أي الاعتراف موجود، وبين المسلمين أنفسهم بفضِّ النزاع بالحكمة والموعظة الحسنة، والامتثال إلى رأي الشيوخ والعلماء والعمل برأيهم.


يمدُّ المسلمون بدول العالم الإسلامي الأخرى جسور الوصل والتعاون مع الكنغوليِّين من خلال المنظَّمات الإسلاميَّة التي تربطها علاقات مع الدول الإسلاميَّة، وشهدت أحوال المسلمين في العشرين عامًا الماضية تحسُّنًا ملحوظًا في ارتفاع عدد الحجيج، والعلم به قليل -أيضًا- ولكن مع مرور الزمن في كلِّ مرحلةٍ يزداد انتشار الإلمام بالإسلام، ويزداد التعليم، كذلك فهو له مستقبلٌ أحسن لتلبية رغبات المسلمين في الكنغو؛ للخروج من الحياة التقليديَّة إلى الحياة الحديثة في التصدِّي للمصاعب ولتلبية الرغبات.

-------------------------
المصادر والمراجع:

(1) سيد عبد المجيد بكر: الأقليات المسلمة في إفريقيا، مفكرة الإسلام، الموسوعة الحرة، يونيو 1967م، ص2.
(2) مجاهد مليجي، الرِّدَّة تنتشر بين مسلمي الكنغو، القاهرة: دون تاريخ نشر، ص1.
(3) التقرير الاستراتيجي الإفريقي، معهد البحوث والدراسات الإفريقيَّة، جامعة القاهرة.
(4) مقابلة مع إسماعيل داود، الكنغو الشرقيَّة، جامعة إفريقيا العالميَّة، 14/9/2006م.
* أوضاع المسلمين في اقليم شرق إفريقيا السواحيليَّة في العقدين الأخيرين (1985-2005م)
د. عبد الرحمن أحمد عثمان