التقويم الهجري تقويم قمري يُطلق عليه -أيضًا- التقويم الإسلامي، وكان العرب قبل الإسلام يستعملون السنة القمريَّة منذ أقدم العصور، لكن لم يكن كلُّ العرب في أنحاء الجزيرة مجمعين على تقويمٍ محدَّدٍ يعتمدونه لقياس الوقت أو لتأريخ أحداثهم، وعلى الرغم من اختلافاتهم فإنَّهم عرفوا التقويم القمري وبنوا شهورهم على أساسه [1].
ولم يقتصر التاريخ الهجري على مجرد تحديد الأيام والشهور والتقويم، بل كان أثره كبيرًا على المسلمين، فقد ارتبط بحياة المسلمين وعباداتهم ارتباطًا وثيقًا؛ حيث أصبح رمزًا وهُويَّةً للمسلمين ودونه لن تصلح الكثير من أعمالهم، ولمعرفة المزيد عن أهمية التاريخ الهجري عند المسلمين يمكنك مطالعة مقال: "التاريخ الهجري هوية المسلمين".
أسماء الشهور الهجرية
كانت السَّنة القمريَّة عند العرب قبل الإسلام تتكوَّن من اثني عشر شهرًا كما هو الحال الآن [2]، وقد نبَّه الله تعالى على عدد هذه الشهور في كتابه الكريم، قال الله تعالى:{إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} [التوبة: 36]. وهي بالترتيب كالتالي: المحرم، وصفر، وربيع الأول، وربيع الآخر، وجمادى الأولى، وجمادى الآخرة، ورجب، وشعبان، ورمضان، وشوال، وذو القعدة، وذو الحجة، ويعتمد المسلمين فيها على الأهلَّة؛ فكلُّ اثني عشر هلالًا سنةٌ، فتكون عدد أيَّامها ثلاثة مائةٍ وأربعةٍ وخمسين (354) يومًا [3].
أسماء الشهور الهجرية قبل الإسلام
أعطى العرب قبل الإسلام أسماءً خاصَّةً للشهور قبل أن يستقرُّوا على الأسماء المعروفة بها الآن، أمَّا الشهور التي نستخدمها الآن فقد استقرَّت أسماؤها في مستهلِّ القرن الخامس الميلادي على الأرجح، ويُقال: إنَّ أوَّل من سمَّاها كعبُ بن مُرَّة الجدُّ الخامس للرسول [4].
أمَّا أسماء الشهور في الجاهليَّة فهي على النحو التَّالي: المحرَّم: (المؤتمر)، وصفر: (ناجر)، وربيع الأوَّل: (خَوَّان أو خُوَّان)، وربيع الآخر: (وُبْصَان أو وَبْصَان)، وجمادى الأولى: (الحَنين)، وجمادى الآخرة: (رُنَّى أو رُبَّى)، ورجب: (الأَصَمُّ)، وشعبان: (عاذِل)، ورمضان: (ناتق)، وشوَّال: (وَعِل)، وذو القعدة: (وَرْنَة، أو هُوَاع)، وذو الحجة: (بُرَك) [5]، وذُكر غير ذلك في هذه الأسماء، وهناك من خالف جمهور العلماء في أسماء هذه الشهور [6].
وقد أجمل الشاعر أسماء هذه الشهور في قوله:
أَرَدْتَ شُهُورَ العُرْبِ في الجَاهِلِيَّةِ ... فَخُذْهَا عَلَى سَرْدِ المـُحَرَّم تشتَرِكْ
فمؤتمرٌ يأتي ومِن بَعْدُ ناجرٌ ... وخَوَّانُ مع صُوَان يُجْمَعُ في شَرَكْ
حَنينٌ وزَبَّا والأصَمُّ وعادل ... ونافِق مَعْ وَغْلٍ وَرَنَّةُ مَعْ بُرَكْ [7].
والموازنة بين بعض هذه الأسماء الواردة في الأبيات، وما يُقابلها في الرواية السابقة تُرجِّح أنَّ ثَمَّة تصحيفًا أو تحريفًا في بعض أسمائها؛ قارن مثلًا بين (وبْصَان - صُوَّان)، و(الحنين - حنتم)، و(رنَّى وربَّى - وزَبَّاء)، و(عاذل - عادل)، و(ناتق – نافق)، و(وَعِل – واغل) [8].
أيضًا هناك للشهور الهجريَّة أسماءٌ أخرى وهي بلغة العرب العاربة؛ فهم كانوا يُسمُّون المحرَّم (موجبًا)، وصفر (موجزًا)، وربيع الأوَّل (موردًا)، وربيع الآخر (ملزجًا)، وجمادى الأولى (مصدرًا)، وجمادى الآخرة (هوبرًا)، ورجب (مويلًا)، وشعبان (موهبًا)، ورمضان (ذيمرًا)، وشوَّال (جيفلًا)، وذا القعدة (محلسًا)، وذا الحجة (مسبلًا)، وكانوا يبدءون من السَّنَة برمضان [9]. وهناك أسماءٌ أخرى غير هذه وتلك.
أسباب تسمية الشهور الهجرية
هناك بعض الأسباب التي ورد في تسمية الشهور الهجريَّة بأسمائها المذكورة وهي على النحو التالي:
- [المحرَّم]: سُمِّي محرَّمًا لأنَّهم كانوا يُحرِّمون القتال فيه.
- [صفر]: سُمِّي صفرًا لأنَّهم كانوا يغزون الصَّفريَّة وهي مواضع كانوا يمتارون الطَّعام منها، وقيل: لأنَّهم كانت أوطانهم تخلو من الألبان.
- [ربيع الأوَّل وربيع الآخر]: سُمِّيا ربيعين لارتباع القوم؛ أي إقامتهم.
- [جمادى الأولى وجمادى الآخرة]: سُمِّيا بذلك لجمود الماء فيها.
- [رجب]: سُمِّي رجبًا لترجيبهم آلهتهم فيه، والتَّرجيب: أن يُعظِّموها ويذبحوا عنها.
- [شعبان]: سُمِّي شعبان لتشعُّب القبائل فيها واعتزال بعضهم بعضًا.
- [رمضان]: سُمِّي رمضان لشدَّة وقع الشَّمس وتناهي الحرِّ فيه.
- [شوال]: سُمِّي بذلك لشولان الإبل بأذنابها عند اللِّقاح، ويُقال: سُمِّي بذلك لأنَّ الألبان تشول فيه وتقل. فيُقال: شال اللَّبن وشال الميزان إذا خفَّا.
- [ذو القعدة]: سُمِّي بذلك لقعودهم في رحالهم لا يطلبون كلأً ولا ميرة، و[ذو الحجَّة]: سُمِّي بذلك لحجِّهم [10].
معاني أسماء الشهور الهجرية
وردت في بعض الرويات معاني واشتقاقات أسماء الشهور الهجريَّة وهي كالأتي:
- [المحرَّم]: المؤتمر. من أحد ثلاثة؛ أحدها: أنَّه يُؤتمر فيه الحرب، والثاني: أن يكون من أمر القوم إذا كثروا؛ فكأنّهم لمـَّا حُرِموا القتال فيه زادوا وكثروا، والثالث: أن يأتمر بكلِّ شيءٍ ممَّا تأتي به السَّنة من أقضيتها.
- [صفر]: ناجر. فهو من النجر، وهو شدَّة الحرِّ، أو لأنَّ الإبل تَنْجَرُ فيه؛ أي: يشتدُّ عطشها حتى تيبس جُلودها.
- [ربيع الأوَّل]: خَوَّان أو خُوَّان. فهو من الخَون وهو النَّقص؛ لأنَّ الحرب يكثر ويشتدُّ فيه فيتخوَّنهم أي يتنقَّصهم، وقد يكون من الخيانة.
- [ربيع الآخر]: وُبْصَان أو وَبْصَان. فهو من الوبيص أي البريق، ومن قال: بُصان فهو من البصيص.
- [جمادى الأولى]: الحَنين. من حنين الناس إلى أوطانهم؛ لأنَّ الناس يحنُّون فيه إلى أوطانهم.
- [جمادى الآخرة]: رُنَّى أو رُبَّى. من الشِّدَّة في كلِّ شيء، وقيل: رُبَّى مأخوذٌ من الشَّاة الرُّبَّى، وهي الحديثة النِّتاج؛ لأنَّ فيه يعلم ما نتجت حروبهم إذا انجلت عنه، وأمَّا رُنَّى: فسُمِّي به جمادى لشدَّة برده.
- [رجب]: الأَصَمُّ. لتركهم الحرب فيه حتى لا تسمع صلصلة حديد.
- [شعبان]: عاذِل. كأنَّه كان يعذلهم على الإقامة، وقد حلَّت الحرب والغارات.
- [رمضان]: ناتق [11].
- [شوَّال]: وَعِل. لأنَّ الغارة كانت تكثر فيه فيلتجي كلُّ قومٍ إلى ما يُتَحَصَّنُ به، والتَوَعُّل: التَّوقُّل وهو العلوُّ والاحتراز.
- [ذو القعدة]: وَرْنَة، أو هُوَاع. للتَّنَعُّم فيه؛ قيل: التَّوَرُّن: كثرة التَّدهُّن والنَّعيم، أمَّا هُوَاع فقد قيل له ذلك لأنَّه كان يهوع الناس، أي: يُخْرِجَهم من أماكنهم إلى الحج.
- [ذو الحجة]: بُرَك. هو شهر الحج، فهو معدولٌ عن بارك وكأنَّه الوقت الذي تبرك فيه الإبل للموسم، وقد يكون مشتقًّا من البَرَكة، لأنَّه وقت الحجِّ، فالبركات تكثر فيه [12].
[1] الموسوعة العربية العالمية، ص2.
[2] الموسوعة العربية العالمية، ص2.
[3] المرزوقي: الأزمنة والأمكنة، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1417هـ، ص126.
[4] الموسوعة العربية العالمية، ص5، 6.
[5] قطرب: الأزمنة وتلبية الجاهلية، تحقيق: د حاتم صالح الضامن، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية، 1405هـ= 1985م، ص47، وعبد الرزاق بن فراج الصاعدي: موت الألفاظ في العربية، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة: السنة التاسعة والعشرون. العدد السابع بعد المائة، 1418= 1419هـ، ص368، 369.
[6] عبد الرزاق بن فراج الصاعدي: موت الألفاظ في العربية، ص369.
[7] المرزوقي: الأزمنة والأمكنة، ص210.
[8] عبد الرزاق الصاعدي: موت الألفاظ في العربية، ص369.
[9] المرزوقي: الأزمنة والأمكنة، ص210.
[10] المرزوقي: الأزمنة والأمكنة، ص205، 206.
[11] يقال: نتقت المرأة: إذا كثرت الولد، والنَّتق الجذب أيضًا، كأنَّه كان يجذب الناس إلى غير ما هم عليه. المرزوقي: الأزمنة والأمكنة، ص209.
[12] عبد الرزاق بن فراج الصاعدي: موت الألفاظ في العربية، ص370، 371.
قصة الإسلام