شيشة وسيجارة.. يا خسارة!



المصدر: يكتبها: طارق عبد المطلب

كان أبو الحجج يشد أنفاس الشيشة، عندما داهمه الكابتن فهمان على مقهى الجماهير الوفية، ودون أي مقدمات قال له:
هكذا يهدر الرياضيون ولاعبو كرة القدم طاقاتهم وتاريخهم، مع أنفاس الشيشة والنيكوتين.
كانت تلك الكلمات بمثابة الصدمة لأبو الحجج الذي اعتدل ووضع «اللاي» من يده، بعد أن كان سعيدا بتحريكه يمينا ويسارا مع زفرات الدخان المنسابة من أنفه، وقال:
والله يا كابتن، أحاول أخفف ضغوطات الحياة بالتنفيس مع الدخان.
فهمان: أي ضغوطات يا رجل، وقد أصبحت أنت وأمثالك من اللاعبين المدخنين نموذجا سيئا للبراعم والناشئين.. أمس شاهدت لاعبا معروفا كان جالسا في أحد المقاهي وهو يدخن السجائر، ومن قبلها كان لاعب آخر وأيضا مشهور «يشيّش» وهو يتفاخر بكثافة الدخان الخارج مع أنفاسه.
أبو الحجج: يا كابتن، هؤلاء اللاعبون يؤدون بمزاج عال في الملعب ويتألقون مع فرقهم، ويركضون ولا يتعبون.
فهمان: يا خوي، لا يخدعنك تألقهم وركضهم، لأنهم يتعاملون بذكاء شديد، وبلغة الكرة يضحكون علينا.. يتحركون في بداية المباراة بكل هِمة ونشاط، ثم يدخلون في نوبة استرخاء من خلال اختبائهم بين المنافسين، فيصعب تمرير الكرة لهم، ويستريحون بعض دقائق، وبعد فترة استشفاء مؤقتة يعيدون التحرك مجددا بكل همة، وطبعا أمثالك لا يدركون هذا.
أبو الحجج: اسمح لي، هذه المرة كلامك غير مقنع.. لأن هناك نجوما كبارا وعالميين يدخنون، مارادونا مثلاً كان يدخن، وهو أسطورة كروية، والسباح العالمي الأميركي مايكل فيلبس، ونجمة التنس الروسية السابقة آنا كورنيكوفا، وزميلتها الفرنسية تاتيانا غولوفين.
فهمان: من ذكرتهم وغيرهم كثير، باتوا متأثرين جدا بسبب التبغ والنيكوتين، مارادونا قيل أخيرا إنه يعاني من هشاشة العظام، وبعض الأطباء نصحوه بتركيب ركبة بديلة، أما تاتيانا غولوفين وهي على فكرة من أصول روسية، فهذه أدمنت التدخين ودمرت لياقتها وأنهت مشوارها، وبالنسبة لفيلبس، فقد اعتذر بعد هجوم الصحافة عليه وأنه لا يصلح أن يكون قدوة للشباب، وآنا كورنيكوفا عاشت مشاكل عديدة بسبب تدخينها، ونفس الشيء للبطل الإيطالي السابق للدراجات الهوائية ماركو كيبوليني الذي اعتزل أيضا مبكراً بسبب التدخين.
فهمان: وكيف تفسر تألقهم؟
تألقهم في المباريات، طبيعي، لأن تكوينهم البدني، وتفرغهم الكامل للرياضة، يختلف عن لاعبينا.. كما أن مشاكلهم مع التدخين سرعان ما تتضح عقب اعتزالهم كما ذكرت لك، ولا يشعر بها غيرهم، لأنها غير معلنة.
أبو الحجج: يا كابتن.. رجل مثل ساري الإيطالي مدرب تشيلسي الإنجليزي لا يترك السيجار من يده، وهو متألق في عالم التدريب.
فهمان: هذا الرجل بالذات غاوي تصريحات و«شو» على الشاشات، وحسب علمي أنه لم يلعب كرة أصلاً وكان محاسبا في بنك بإيطاليا، لذلك يعيش في الدور ويتعامل مع السيجار من باب الوجاهة، وقد سبق وقال.. «قرأت كثيراً عن أضرار التدخين فقررت أن أقلع عن القراءة».
ثم اعتدل فهمان في جلسته وهو يستطرد: هذا الرجل، نموذج سيئ يابو الحجج، ويجب ألا يكون مثالاً لنا، نحن في حاجة إلى لاعبين أشداء أقوياء أصحاء، والتدخين كما هو معروف ضار جدا بالصحة.
أبو الحجج: طيب.. كيف نعرف ان هذا اللاعب مدخن يا كابتن؟
فهمان: شوف يابو الحجج.. لا بد من متابعة اللاعبين ومراقبتهم، وهذا يتم في أكبر الأندية العالمية، من خلال الإداريين والمراقبين، وهناك طريقة أخرى أسهل.
أبو الحجج: ما هي؟
فهمان: شوف، اللاعبون حاليا 3 أنواع.. لاعب يتعب في آخر المباراة.. ولاعب يتعب بعد الشوط الأول.. ولاعب يتعب وهو «بيسخن».
أبو الحجج: معقول يا كابتن التدخين يؤدي الى هذا؟
فهمان: وأكثر من هذا، خطورة التدخين وعواقبه على الرياضيين كارثية.
أبو الحجج: كيف ؟
فهمان: معلوم أن السجائر تؤثر سلبيا على الأوعية الدموية، بسبب النيكوتين وأول أكسيد الكربون، مما يرفع نسبة هرمون اسمه الفيبرينوجين، وهذا يؤدي إلى تخثر الدم، ويزيد من الكوليسترول الضار في الجسم، ويزيد من لزوجة الدم، وهذا كما يقول الأطباء وليس أنا، يسمح بتراكم الدهون، ويعيق تدفق الدم، وبالتالي يؤثر على القلب والعضلات، ويؤدي إلى تصلب الشرايين، وخطر السكتات الدماغية، والنوبات القلبية.
أبو الحجج: والله علّامة يا كابتن.. لكن كل هذا ممكن يحدث للإنسان العادي، وليس شرطا أن يكون لاعبا؟
فهمان: صحيح لكن للرياضيين المصيبة أعظم، لأن تأثير الدخان والنيكوتين، يؤدي إلى نقص إمداد العضلات بالأكسجين، مما يعرقل عمل الجسم بكفاءة أثناء التمرين والمباريات.
ومن قراءاتي المتعددة، اطلعت على تقرير يؤكد أن المدخنين أقل قدرة ولياقة من غيرهم، وكشفت إحدى الدراسات التي أجريت على 6500 شاب في عمر 19 عاماً، أن المسافة التي قطعها المدخنون عدواً في 12 دقيقة تقل عن مثيلتها في حالة غير المدخنين.
وفي دراسات عام 1998 أن المدخنين من 19-30 سنة، تقل قوة ومرونة عضلاتهم عن غير المدخنين. وسبقها دراسة أخرى عام 1982 أن الرياضيين المدخنين يعانون من اضطرابات في النوم وشكاوى أخرى تدل على اعتلال الصحة.
وبعد كل هذا، وفي الوقت الذي كاد فيه الكابتن فهمان ينتهي من إحصاءاته، لاحظ أن أبو الحجج يشير بأصبعيه، السبابة والوسطى، ليتبعها مباشرة صوت يدوي في المكان:
وعندك حجرين حلوين لأبو الحجج حبيب الملايين!».