يعد يزيد بن أبي حبيب الأزدي النوبي المصري (53 - 128هـ / 673 - 745م) شيخ الفقهاء والمؤرخين المصريين، وهو أحد صغار التابعين، الثقات في علم الحديث، كما أنه رأس المدرسة المصرية التاريخية التي اعتمد عليها كل من ابن لهيعة والكندي وابن عبد الحكم في كتاباتهم عن فتوح مصر والمغرب والأندلس.
نسبه وولادته
هو أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب الأزدي، الإمام والفقيه الحجة، مفتي مصر وعالمها، راوي الحديث الثقة، نوبي الأصل، أسود اللون، يرجع نسبه إلى "دنقلا"، ويعد من صغار التابعين، وقد أخذ العلم عن بعض الصحابة رضي الله عنهم وكبار التابعين الذين أقاموا بمصر.
قال الإمام الذهبي: "الإمام، الحجة، مفتي الديار المصرية، أبو رجاء الأزدي مولاهم، المصري. وقيل: كان أبوه سويد مولى امرأة، مولاة لبني حسل. وأمه: مولاة لتجيب".
ولد يزيد بن أبي حبيب في خلافة معاوية بن أبي سفيان بمدينة الفسطاط سنة 53هـ / 673م، وأصله من دنقلا ببلاد السودان، وكان أبوه سويد أبي حبيب من الرقيق المملوكين للنوبة، فوصل إلى ديار مصر ضمن تبادل النوبة والمسلمين للسلع، وكانت النوبة من الأمم كثيرة الغزو، فكثر رقيقهم واشتهروا بكثرة الرقيق لديهم، وكانت الهدنة بين النوبة والمسلمين تنص على أن يؤمن المسلمون طريق تجارة النوبة، وكذلك يفعل النوبة للمسلمين. وقد ذكر ثقاة المؤرخين أن والده أخذ أسير في حملة عبد الله بن سعد بن أبي سرح على النوبة عام 13هـ، واعتنق الإسلام في مصر وتزوج وكان له أبناء منهم يزيد. وقد كان يزيد يفخر كثيرًا بانتمائه إلى دنقلا ويقول: "أبي من أهل دنقلا".
شيوخه
تلقى يزيد بن أبي حبيب العلم على أيدي عدد من الصحابة وعدد كبير من كبار أئمة التابعين، أمثال: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي الصحابي، خزيمة بن الحارث الصحابي، وأبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني، وأبي الطفيل الليثي -إن صح على قول الذهبي، وسعيد بن أبي هند، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح مولى ابن عباس، وعلي بن رباح، وعراك بن مالك، وعمرو بن شعيب، ونافع مولى ابن عمر، وأبي وهب الجيشاني، وإبراهيم بن عبد الله بن حنين، وأسلم أبي عمران التجيبي، والحارث بن يعقوب، وسويد بن قيس، وعبد الرحمن بن شماسة، وعيسى بن طلحة بن عبيد الله، ولهيعة بن عقبة والد عبد الله، ومحمد بن عمرو بن حلحلة، ومحمد بن عمرو بن عطاء، والهيثم بن شفي، وخلق. وينزل إلى أن روى عن: الزهري بالإجازة.
مكانته
قال أبو سعيد بن يونس: "كان مفتي أهل مصر في أيامه، وكان حليما، عاقلا، وكان أول من أظهر العلم بمصر، والكلام في الحلال والحرام، ومسائل. وقيل: إنهم كانوا قبل ذلك يتحدثون بالفتن والملاحم، والترغيب في الخير".
وقال الكندي عن يزيد: أول من نشر العلم بمصر في الحلال والحرام ومسائل الفقه، وكانوا قبل ذلك إنما يتحدثون في الفتن والترغيب، وكان ثالث ثلاثة جعل عمر بن عبد العزيز شؤون الفتيا إليهم بمصر رجلان من الموالي، ورجل من العرب، فأما العربي فجعفر بن ربيعة وأما الموليان فيزيد بن حبيب وعبد الله بن أبي جعفر، فكأن العرب أنكروا ذلك، فقال عمر بن عبدالعزيز: ما ذنبي إذا كانت الموالي تسمو بأنفسها صعدا وأنتم لا تسمون.
قال محمد بن سعد: يزيد بن حبيب مولى لبني عامر بن لؤي من قريش، وكان ثقة، كثير الحديث. وقال الصفدي: "أبو رجاء الفقيه يزيد بن أبي حبيب الفقيه أبو رجاء الأزدي مولاهم البصري أحد الأعلام وشيخ تلك الناحية (يقصد مصر) ..، كانت البيعة إذا جاءت لخليفة أول من يبايع عبد الله ثم يزيد هذا ثم الناس".
من تلاميذه
حدث عنه: سليمان التيمي، وزيد بن أبي أنيسة، ومحمد بن إسحاق، وعبد الحميد بن جعفر، وعمرو بن الحارث، وعبد الله بن عياش القتباني، وحيوة بن شريح، وسعيد بن أبي أيوب، ومعاوية بن سعيد التجيبي، ويحيى بن أيوب، والليث بن سعد، وابن لهيعة، ورشدين بن سعد، وإبراهيم بن يزيد الثاتي، وآخرون.
مفتي مصر وعالمها الأول
وكان يزيد بن أبي حبيب في زمانه مفتي مصر وعالمها الأشهر، وهو أول من أظهر بها الفقه، وهو عند أهل الحديث ثقة، مجمع على الاحتجاج به، قال عنه ابن سعد: ثقة كثير الحديث، وذكره البستي في الثقات، وقال عنه الإمام الليث بن سعد: يزيد بن أبي حبيب سيدنا عالمنا، وقال عنه أبو سعيد بن يونس: كان مفتي أهل مصر في أيامه، وكان حليما عاقلا.
ومما يدل على مكانته، ما قاله ضمرة بن ربيعة: عن إبراهيم بن عبد الله الكناني: اجتمع ناس فيهم يزيد بن أبي حبيب، وهم يريدون أن يعودوا مريضا، فتدافعوا الاستئذان على المريض، فقال يزيد: قد علمت أن الضأن والمعزى إذا اجتمعت تقدمت المعزى. فتقدم، فاستأذن.
ويعد يزيد من أشهر الرواة وأكثرهم رواية، وتزخر برواياته كتب السنة، حيث نقلت عنه "الستة الصحاح" البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي وأبو داود، وروى 162 حديثا.
منها ما رواه الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يوما، فصلى على أهل أحد صلاته على الميت، ثم انصرف إلى المنبر، فقال: "إني فرطكم على الحوض، وأنا شهيد عليكم، وإني -والله- لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض -أو مفاتيح الأرض، وإني -والله- ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها". وهذا حديث صحيح، عال. أخرجه: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي من وجوه، عن يزيد بن أبي حبيب.
إمام المدرسة التاريخية بمصر
ومع علم يزيد بن أبي حبيب بالفقه والحديث، إلا أنه كان إمام مدرسة مصر التاريخية، فقد كان عالما بالتاريخ وبالفتن والحروب وما يتعلق بفتح مصر وشئونها وولاتها، وهو أحد الأركان الذين نقل عنهم الكندي كتابه "ولاة مصر وقضاتها"، وابن عبد الحكم في فتوح مصر والمغرب. فقد استطاع أن يجمع أطراف الرواية التاريخية فى مدرسة يزيد بن أبى حبيب (ت 128 هـ) وغيرها ويسجلها جميعا فى مجموعة من الأخبار المنسقة.
فيزيد بن أبي حبيب يعتبر أحد أهم موارد ابن عبد الحكم فيما يتعلق بتاريخ مصر وأخبارها فقد اعتمد على مجموعة من مؤرخى مصر دون أن يذكر مؤلفاتهم، الأمر الذي جعل بعض الباحثين يزعم أن مؤلف ابن عبد الحكم جمع عن طرق الرواية الشفوية. وهو أمر بعيد الاحتمال، فتاريخ مصر الإسلامية المبكر كتبت فيه مؤلفات لكل من: يزيد بن أبى حبيب، وعبيد الله بن أبى جعفر، وابن لهيعة والليث، وعثمان بن صالح، وابن عفير، ويحيى بن بكير. وظلت مؤلفاتهم موجودة بعد ابن عبد الحكم لدى مؤرخى مصر يقتبسون منها.
وقد اعتمد على هذه المؤلفات الخاصة بتاريخ مصر وأخبارها المؤرخ المصرى ابن الكندى فى بداية النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى. ونقل عن نسخة منها فى كتابه عن مصر وأخبارها، المعروف بفضائل مصر.
ومهما يكن من أمر فقد أفاد ابن عبد الحكم من كتاب فى تاريخ مصر ليزيد بن أبى حبيب (ت 128هـ) فقد أشار إلى ابن أبى حبيب فى بعض الاقتباسات الخاصة بأقباط مصر من السحرة فى عهد فرعون وإيمان جماعة كبيرة منهم فى ساعة واحدة، وكذلك إلى بعض عادات القبط بمصر قبل دخول الإسلام إليها.
كما أشار إلى ابن أبى حبيب كذلك بمناسبة وصول كتاب الرسول الكريم إلى المقوقس، وكيف أن المقوقس ضم هذا الكتاب إلى صدره، وقال: "هذا زمان يخرج فيه النبي الذي نجد نعته وصفته فى كتاب الله ... إلخ.
مسجد يزيد بن أبي حبيب
وقد عثرت فرقة علمية من جامعة إفريقيا العالمية السودانية بمنطقة ناوة في شمال السودان على مسجد أثري بمدينة دنقلا، مكتوب على جدرانه: "بسم الله، اللهم اغفر، محمد، يزيد، حبيب"مما يعني أن يزيد بن أبي حبيب ربما حضر إلى هذه المنطقة أو شهد بناء هذا المسجد. وبما أن يزيد قد عاش في الفترة من "35 - 128هـ"، فإن حضوره إلى هذه المنطقة يكون في نهاية القرن الهجري الأول أو مطلع القرن الثاني الهجري، ويكون هذا المسجد من أقدم المساجد في السودان بل في إفريقيا قاطبة.
وفاته
وبعد حياة مديدة من العلم والإيمان والعمل توفي يزيد بن أبي حبيب سنة 128هـ / 745م، وقد بلغ من العمر خمس وسبعين سنة، فرحمه الله رحمة واسعة.
________________
المصادر والمراجع:
-ابن عبد الحكم: فتوح مصر والمغرب، الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، عام النشر: 1415هـ.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء، المحقق : مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة : الثالثة، 1405هـ / 1985م.
- الصفدي: الوافي بالوفيات، المحقق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث – بيروت، عام النشر:1420هـ / 2000م.
- الزركلي: الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر، مايو، 2002م.
- كشف أثري فريد يتعلق بالتابعي السوداني يزيد بن أبي حبيب، موقع جريدة الرأي العام، مايو 2008م.
قصة الإسلام