من هو مرجان وجامع مرجان..؟
عندما كُنتُ طفلاً كان والدي يصطحبني معه أحيانًا إلى الشورجه حيث كان تاجراً وعنده محل هناك. في يوم كُنا نمشي خلف جامع مرجان في بداية الشورجه، سألتُ أبي رحمه الله تعالى، مامعنى شورجه؟ فأشار من البعد إلى لوح خشبي دائري كبير خلف الجامع، قال هنالك تحت الخشب يوجد بئر ماء أسمه فارسي شور (أي ماء) چاه (أي مالح) أي البئر المالح وتحولت إلى شورجه.
وأغتنمتُ الفرصه بعد الظهر لكي أأتي لوحدي مُستكشفاً، فرأيت البئر ودخلتُ الجامع، رأيتُ شيئا عجبا..! جامع كبير جداً ومافيه سوى باب واحده يتزاحم فيه الداخلون والخارجون، وقبر مرجان (مستوي بالأرض على شكل مرمره كبيره) قرب دكة الباب بحيث يدوس على رأسه الداخلون والخارجون؟
وقفتُ أمام ألقبر متحيراً، لماذا...؟ ومن هو مرجان هذا..؟؟
ساألت ودهشت لما عرفت !!
أنه إيطالي من روما أسمه سنيور مورگان، فتحولت مورگان إلى مرجان.
كان مثقفاً فيلسوفاً يتكلم عدة لغات كالعربيه والفارسيه رغم أنه لم يذهب إلى الجامعات والمدارس، وكان مرجان غير محظوظ فقد أضطرته الأزمات أن يعمل جنديا مُرتزقا وفي أحدى الحروب، فأسَرَهُ ألمغول وباعوه، ثم باعوه وأشتروه (4) مرات حتى وصل بغداد. فباعه تاجر إلى قصر السلطان (أويس) بالفارسيه الأيلخانيه، وخان بالفارسيه بمعنى باشا. وكان أويس هذا أبن حفيد هولاكو. وقد حكم المغول- قوم هزارة - ٢٥٠ سنه في العراق تحت أسم الدولة.
وعمل مرجان (سنيور مورگان) خادما، وعينّه رئيس الخدم طباخاً. فاستغل عمله وقربه من السلطان، فكل ما قدَّمَ للسلطان طبقاً أسمعه شعراً أو فلسفه حتى أُعجب به السلطان فعيّنه وزيراً ثم رئيس وزراء وقد جمع ثروةً كبيرة، ولكن كما يقول الشاعر:
سالمتك الليالي فاغتررت بها وعند صفو الليالي يحدث الكدر.
قد جاءت رساله إلى السلطان أوبس من ملك لأيلخانيه في آسيا الوسطى يقول فيها ساعدونا لقد ثار علينا التركمان، وكوّنوا جيشاً كبيراً يزحف علينا. فقال السلطان إلى مرجان أجلس على عرشي، وأحكم بأسمي حتى أعود. فأخذ السلطان أويس جميع المغول، وأتجه بهم شمالاً حتى إلتحم مع جيش التركمان في حرب دامت عدة شهور، وقتلوا جيوش التركمان جميعاً حتى الأسرى، كما قُتل من المغول عددٌ كبير.
وفي بغداد خان مرجان العهد.
ولكن مع الاسف مرجان هذا لم يعرف المغول اللذين حاربهم بالأمس. أنهم لطيفون مؤدبون دائمو الابتسامه، لكنهم في الحروب أشداء مقاتلين، لقد خطب مرجان على العراقيين وبشّرهم بنهاية الدولة الأيلخانيه وبداية الدولة المرجانيه!! وبداية الحياة الحرة الكريمة... والعراقيين صدقّوه من طيبتهم (والطيّب ينغش بالكلام المعسول)، فجمع منهم جيشاً كبيراً، وجاء بالمنجنيقات العملاقه من روما.
وأثناء عودة السلطان أويس بجيشه حاملاً معه جرحاه، علم بالخبر وتألم كثيراً. وعندما وصلوا بعقوبه حدث فيضان رهيب لنهر دجله وصلت المياه لحد ١٠ كم من دجله للشماعيه.
ووصل السلطان أويس إلى ساحل الماء وأمامه ١٠ كم للساحل الأخر. فأمر جنوده كل واحد بقطع شجرة، ويصنع زورقا صغيرا، يركب به، ويأخذ معه جريحا أو معلولا. وما أن وصلت الزوارق قرب الساحل حتى إنهالت عليهم قذائف المنجنيق وقتلت عدد كبير منهم . وما أن التقى الجيشان حتى وقعت معركه عظيمه بينهما، قُتل فيها معظم جيش مرجان، ووصل السلطان إلى قصره، ودخل القصر، وشاهد مرجان وهو جالس يرتعد وخصوصاً عندما شاهد سيف السلطان يقطر دماً....
قال السلطان لمرجان مد عنقك لأقطعها ففعل مرجان، فرفع السلطان السيف لكنه لم يفعل. قال لمرجان "لخاطر الصداقه والزاد والملح اللي بيننا سوف لا أقتلك لكن أغرب عن وجهي". خرج مرجان وهو يمشي بالطرقات ويرى الرؤوس والدماء، وهو يبكي ويلطم على رأسه ويقول ليت السلطان قتلني وما رأيتُ هذا... فجمع كل أمواله وبنى جامع كبير و(100) دكان، وهي اليوم سوق الشورجه وسط العاصمة بغداد، وجعل ايجار الدكاكين للجامع ولإطعام الفقراء والمساكين . وبقي في الجامع يعمل خادمًا يكنس وينظف ويطبخ ويعطي طعام للمصلين والفقراء، وكان يتعشى مع الفقراء ليلاً عندما يذهبون يبقى الليل يتعبد ويبكي الليل كله. ومرت السنون وهو يقيم في الجامع، وقد ابتعد عن ملذات الحياة، ولا يرى النور حتى مرض وعلم بقرب منيته فحفر لنفسه قبراً بالقرب من الباب.
قالو له يامرجان لماذا جعلت رأسك قرب دكة الباب..؟
فأجاب: لستُ مطمئنا أن يغفر لي ربي..! وأتأمل بالمستقبل عسى أن يدخل الجامع شخصاً يحبه الله تعالى، فيغفر الله تعالى لي إكراما لقدم ذلك الشخص التي يضعها على رأسي..
فلا تنسى عزيزي القارئ عندما تزور عاصمة وطننا الحبيب العراق، زيارة جامع مرجان عسى أن تكون ألمقصود بكلام مرجان .