كيف ساهمت الصوفية في تحول ماليزيا إلى الإسلام دون سيف أو قتال؟
صلاة العيد في ماليزيا
تحول الملتقى العالمى للتصوف في دورته الـ12، إلى مظاهرة حب في «صوفي ماليزيا»؛ سحر التجربة واعتدالها منذ بدايتها وحتى اليوم، وسط عالم إسلامي يسوده الدماء والمؤامرات وتصدر الصورة فيه جماعات من المرتزقة، تحز الرقاب وتعطي عن الإسلام صورة بربرية متوحشة، كان حديث المجتمعين مناسبة جيدة ليخصص عبد المنان بن محمد، الباحث في كلية الدراسات العامة والتربية بجامعة السلطان زين العابدين بماليزيا، جزًا من مداخلته للحديث عن كيفية توطن الصوفية في هذا البلد الأسيوي، بل هي كانت أهم أسباب جلب الإسلام إليه عن طريق الشيخ عبد الله العارف.
سيرة مشرقة للصوفية في ماليزيا
شرح «عبد المنان» خلال مداخلة له بالملتقى العالمي للتصوف، والذي نظم تحت شعار «التصوف والدبلوماسية الروحية.. الأبعاد الثقافية والتنموية والحضارية»، والمنعقد بضواحي مدينة بركان المغربية، كيف سلك صوفية ماليزيا مايسمى بالدبلوماسية الروحية، التي تولت مهمة نشرت الإسلام بالسلام، دون قهر أو إجبار.
ولفّت الباحث الماليزي إلى أن سر نجاح الصوفية في بلاده، يكمن في نهجهم أسلوبا فريدا يتمثل في التقرب للملوك من أجل دعوتهم وإرشادهم، وليس رغبة في المال أو السلطة"، مضيفا أنهم اختاروا هذا المنهج لأنهم أدركوا أن الشعب المالاوي معروف بطاعته لملوكهم، فإذا أسلم الملوك أسلم الشعب، لذا أصبح بعض الملوك شيوخا في الطريقة القادرية، وهي الأكثر شيوعا بين الماليزيين حاليا، بسبب أساليبها الروحانية المبدعة التي لا تحمل تشددا أو تخويفا
احباء بلا حدود الاسلام والصوفية في ماليزيا
كانت الصوفية دائما وعلى مر العصور، صاحبة أياد بيضاء في المساهمة بنشر الإسلام، وصّبت بشكل حاسم في تكوين حالة التدين المعتدل الواضح لمسلمي ماليزيا على سبيل التحديد، وتولى الدعاة الذين أقاموا في شبه جزيرة الملايو وأرخبيل «إندونيسيا وأجوارها اليوم»، الدور الأكبر في نقل الصوفية إلى هناك، وخصوصا الشيخ عبد الله العارف، الذي رحل إلي ماليزيا قادما من جزيرة العرب عام 1165م.
وبحسب شبكة التصوف العالمية، ونقلا عن كتاب الصوفية في ماليزيا للباحث، سليمان بن ابراهيم بن عمر، انتشر الإسلام بشكل مبهر في هذه المناطق الشاسعة، والجزر المترامية دون حرب ولا سلاح أو سفك دماء، وأرسى التصوف تعاليمه ومبادئه الروحانية في نفوس الملايويين تدريجيا حتى ترسخت أفكاره في المجتمع بشكل ملموس حتى يومنا هذا.
وتزامن مجيء الشيخ عبد الله العارف، مع مجيء الشيخ إسماعيل ظفي، الذي رحل إلى آتشيه بشمال سومطرة الإندونيسية، وعمل هناك على الدعوة إلى الإسلام وفق الطريقة القادرية، بجوار داعية عربي آخر، هو عبد الله الجاوي، الذي زار ولاية قدح الماليزية الشمالية عام «531هـ» ناشرا الإسلام بين سكانها خلال 5 سنوات فقط، وتقول الحكايات بأنه هو الذي سمى الولاية بهذه الاسم بعد أن صار ملك الولاية يطيع الشيخ فيما ينصحه به، وقبره معروف بالولاية.
كان "الجاوي" معاصرا لابن بطوطة، وعاش في مملكة باساي الإسلامية الشهيرة بسومطرة، وهكذا جمع الجاوي بين تأثيره بين العرب والملايويين في آن واحد، ولا يزال صاحب سيرة حسنة في ماليزيا رغم الاختفاء الغريب لمؤلفاته التي لا وجود لها اليوم في هذا البلد الآمن بحسب الباحث «بن عمر.
تأثر التصوف في ماليزيا، بنفس المراحل التي شهدها على امتداد العالم الإسلامي، من عهد جيل التصوف السني الأول، إلى تيارات التصوف الفلسفي، نهاية بالتصوف الشعبي فيما بعد سقوط بغداد
قصة الأولياء التسعة الذين نشروا الإسلام في ماليزيا
بحلول القرن الـخامس عشر الميلادي، انتشرت قصة لتسعة أولوياء، كانوا من أوائل الدعاة الذين نشروا الإسلام بين أهالي جزيرة سومطرة، ومخلصي سكانها من ظلام الهندوسية والبوذية والوثنية، وكانوا يعملون كفريق دعوي، ويسمى رئيسهم الولي، وكان عندما يتوفى أحدهم يرشحون داعية آخر مكانه حتى يظل العدد مقتصرا على 9 دعاة فقط، أشهرهم كان الشيخ إبراهيم المغربي، وهو هندي الأصل، وأول مؤسس للمدرسة الدينية التقليدية التي تخرج منها المُبلغين بالإسلام.
الشيخ الثاني ورادين سونن، وهو كمبودي الأصل، ويعتبر المؤسس والمخطط الأول للدولة الإسلامية في جزيرة جاوا الاندونسية، ويلقب بالسلطان شاه سري العالم، وقبره في مسجد مدينة أمبيل الاندونسية حتى اليوم، أما الشيخ الثالث فهو سونن مخدوم إبراهيم، وعمل بالدعوة في شمال جزيرة جاوا الشرقية، بينما يحتل المرتبة الرابعة الشيخ رادين فاكو أو سونن جيري، وأصله من بلمبانجن، ونشر الإسلام في سولاويزي، وكان رجلا تربويا يهتم بتنشئة أطفال المسلمين على ألعاب إسلامية، وقبره حتى اليوم، قريب من مدينة سورابايا بأندونيسيا
ويحتل المرتبة الخامسة، الشريف هداية الله، الشهير باسم سونن جونونج جاتي، ويخلفه الإمام جعفر الصادق، الذي نشر الإسلام في سواحل شمالي جاوا الوسطى، وفي المرتبعة السابعة جاء رادين براووتو أو سونن موريافادا، وكان شيخا صالحا ينشر الإسلام بين التجار والصيادين، ويتقن فن غناء الجاميلين التقليدي عند الجاويين؛ واعتمد لغة الإنشاد لتقريب الناس إلى سماحة الإسلام.
وجاء في المرتبة الثامنة، الشيخ شريف الدين، وكان شديد التدين، ويميل إلى الأعمال الاجتماعية، ويحرص على الأعمال الخيرية ورعاية الأيتام والمرضى، بينما احتل المرتبة التاسعة والأخيةر، الشهيد الشهير بلقب سونن كاليجوجو، وهو مخترع أسلوب واينج كوليت، كنظام قصصي محبب في جاوا، لنشر الإسلام والتعريف به.
كان يمكن لماليزيا أن تكون أحد أهم مصادر تأريخ الفكر الإسلامي على مدى قرون مضت، ولكن العادة المنتشرة حتى اليوم، بعدم ذكر المؤلف لاسمه إما خوفا من أن يكون ما ألفه لا يتوافق مع ما يريده الملك، أو أن السلطان قد طلب منه التصنيف، فاعتبر كتابه ملكا للمجتمع وليس ملكا فرديا
من الفسلفة إلى التصوف الشعبي
تأثر التصوف في ماليزيا، بنفس المراحل التي شهدها على امتداد العالم الإسلامي، من عهد جيل التصوف السني الأول، إلى تيارات التصوف الفلسفي، نهاية بالتصوف الشعبي فيما بعد سقوط بغداد؛ ساعدت الخلفيات الدينية السابقة لسكان العالم الملايوي، على نشر الإسلام بالتركيز على الجانب الصوفي؛ وكانت الحكايات الملايوية القديمة والأساطير التي تحكي قصص دعاة مسلمين جاءوا من الغرب، أهم مادة برع في تقديمها القصاصون، خصوصا أن نزعة التصوف لازمت الكثير من الدعاة العرب والهنود وغيرهم ممن جاء إلى هذه البلاد، الذين تركوا لأحفادهم مؤلفات إسلامية صوفية كثيرة.
ومع توالى الأزمنة، برزت أسماء مشهورة في التاريخ الصوفي لمسلمي جنوب شرق آسيا، مثل شمس الدين باساي الذي كان يتبع الجنيد البغدادي، وحمزة الفنصوري الذي يُعد أشهر علماء الصوفية في العالم الملايوي، وله آثار ومؤلفات كثيرة تدرس حتى اليوم، وكان له دورا واضحا في تعزيز الصوفية بماليزيا التي زارها في الفترة التي عاش بها بين عامي1589م
ماليزيا وأروع نشيد صوفي (يا هنانا) .. الحبيب بن عبدالقادر السقاف
في عام 1693 م، ظهر الشيخ عبد الرؤوف الفنصوري، وهو أول من نشر الطريقة الشطارية إلى جانب العالم الشهير داود بن عبد الله الفطاني، وتلقى العلم والتصوف في المدينة المنورة، واتجه إلى سومطرة، لتصبح طريقته الأسرع وأوسع انتشارا في جنوب شرق آسيا، خصوصا أنه كان أول مفسر للقرآن باللغة الملايوية، وله28 مؤلفا في المواعظ والحديث والأديان والأنساب والفقه، وخلافا للرانيري الذي كان شديدا في مواجهته من اعتبرهم زنادقة ومبتدعة وملاحدة؛ كان الفنصوري يتبع أساليب المناظرة والإقناع الهادئ بنصوص الكتاب والسنة والأدلة العقلية.
كان يمكن لماليزيا أن تكون أحد أهم مصادر تأريخ الفكر الإسلامي على مدى قرون مضت، ولكن العادة المنتشرة حتى اليوم، بعدم ذكر المؤلف لاسمه إما خوفا من أن يكون ما ألفه لا يتوافق مع ما يريده الملك، أو أن السلطان قد طلب منه التصنيف، فاعتبر كتابه ملكا للمجتمع وليس ملكا فرديا، أو بسبب سعي كثير منهم إلى استفادة المسلمين من علمهم كصدقة جارية إخلاصا للنية، وهو سبب اندثار أسماء أعدادا كبيرة من الدعاة في شبه القارة الهندية ومن وما يذكر في الكتب لا يمثلون إلا قلة منهم.
تنتشر في ماليزيا مساجد ومدارس إسلامية بكافة أرجاء البلاء برعاية حكومية، عبر اقتطاع جزء من أموال الضرائب، لتوفير وترويج المؤسسات والتعليم الإسلاميين وبناء المساجد وتمكين المسلمين من ممارسة طريقة وأنماط الحياة الإسلامية، بمختلف نواحيها وأدابها وتعاليمها
الإسلام بشكل عام .. نظرة عن قرب
يعنتق أكثر من نصف سكان ماليزيا الإسلام، وهؤلاء هم أهل الأرض الأصليين قبل حدوث تغير ديموجرافي بالبلاد، نتيجة الهجرات الصينية والهندية التي تزايدت في الحقبة الاستعمارية، ورغم ذلك يحدد البند الأول من المادة الثالثة في الدستور الماليزي الإسلام كدين رسمي للدولة، مع ضمان ممارسة الأديان الأخرى بسلام وتآلف في أي جزء من حدودها
وتتبع ماليزيا الشافعية الأشعرية كمذهب رسمي لها، وبحسب مؤرخين استوطن هذا المذهب في البلاد من خلال الحضارمة، المنتسبين إلى حضرموت جنوب الجزيرة العربية، والذين دخلوا الإسلام في العام السابع للهجرة، ويقدر أتباع المذهب عالميا بحوالي 29% من نسبة اتباع المذاهب الاربعة، وهو سبب إقبال الماليزيين على تعلم الفقه الشافعي سواء في بلدانهم أو عندما يذهبون إلى الدراسة إلى مكة أو حضرموت أو الأزهر الشريف، فمسلمي جنوب شرق آسيا هم اكبر المجتمعات التي تتبنى المذهب الشافعي في العالم.
كما تتبع الحكومة الماليزية نظاما صارما على الدوام في الحفاظ على الهوية الشافعية للبلاد، ولاتسمح بالدعوة لمذاهب ومدارس إسلامية أخرى في بلادها، ليس لكونها ضد بقية المذاهب، ولكن لحصرها من على انسجام المجتمع المسلم في بلادها، حسب الثراث القائم على مدى 700 سنة، ولذلك سنت قانونا في نهاية التسعينيات يحظر انشطة تدريس مناهج ومذاهب قادمة من خارج البلاد.
وتنتشر في ماليزيا مساجد ومدارس إسلامية بكافة أرجاء البلاء برعاية حكومية، عبر اقتطاع جزء من أموال الضرائب، لتوفير وترويج المؤسسات والتعليم الإسلاميين وبناء المساجد وتمكين المسلمين من ممارسة طريقة وأنماط الحياة الإسلامية، بمختلف نواحيها وأدابها وتعاليمها.