فنون المطبخ القطيفي
كان الإنسان البدائي قبل ان يكتشف النار يعيش على الأعشاب والثمار واللحوم الطازجة، وحين تعرف على النار استخدمها في طبخ اللحوم ثم تفنن أحفاده في المطبوخات وتحكمت البيئة في حياتهم وماكوىتهم فسكان البلاد التي تقع في الصحراء أو مناطق الجبال والغابات يختلفون في طعامهم عن البلاد التي تقع على ضفاف الأنهر الكبيرة أو شواطئ البحار.
وكما كان الصنف الأول يعتمد على صيد الحيوانات البرية وتربية الدواجن واكلها كان الصنف الثاني يعتمد على صيد الأسماك في طعامه اليومي ومن هذا الصنف الأخير كان سكان الخليج منذ القدم، وقد وصف المؤرخون القدماء الذين زاروا هذه المنطقة قبل الميلاد أوضاع السكان واعتمادهم على أكل السمك في غذائهم اليومي، وما تزال هذه الظاهرة سائدة عند اغلب السكان حتى عهد قريب حيث كانت اللحوم البرية تشكل نسبة ضئيلة في برنامج غذائهم اليومي خلال أيام الأسبوع.
ولما كان السمك لوفرته ورخص ثمنه يشكل الادام اليومي الأكثر تداولا كانت له طباخته المتنوعة ، وسواء كان السمك صغيرا ويسمى (الحت) أو كبيرا ويسمى (القصيب) صار منه ما يشوى وما يقلى وما يعمل منه كبسة مع الرز أو صالونة مرق وكذلك الحال بالنسبة الى الاربيان (الربيان) حيث تتعدد طبخاته وتتنوع والتي منها الكبسة والمحموص والبحاري والمقلي تحت العيش والحمصة، وهناك طبخات شعبية أخرى كالبرنجوش أو المحمر، ولشدة اعتمادهم على السمك كانوا يجففونه كالقديد، ويسمونه (الحلى) بالألف المقصورة، وكذلك الاربيان، ويدخرونها لفصل الشتاء حينما يندر صيد البحر.
والرز كان يشكل غذاءا رئيسيا فيما مضى، فكانوا يتناولونه في وجبتي الغداء والعشاء، لذلك أطلقوا عليه اسم العيش رمزا للحياة، واعبروه مظهرا من مظاهر النعمة ويسر الحال كما كان يشكل المادة الأساسية في المآدب والولائم، أما الخبز فكانت أهميته ثانوية، وربما اقتصرت أهميته على وجبة الإفطار في الصباح.
أما لحوم الحيوانات بأنواعها فتحتل المرتبة الثانية في المطبخ الشعبي لارتفاع أثمانها بالنسبة لثمن الأسماك، لذلك كان تناولها قليلا مرة أو مرتين في الأسبوع، أما في الولائم والمآدب فتصبح ضربة لازب، وتحتل لحوم الدجاج مركز الصدارة، ولما كانت اللحوم تتخذ سبيلها الى مطابخ الأغنياء كان لها عدد من الطبخات المتنوعة التي لا تعرفها الطبقة الفقيرة.
1. القاورمة: وطرقة طبخها ان يقلى اللحم مع البصل قليا جيدا حتى يصفر، ثم يرش عليه قليل من الماء ثم يوضع الالو والبيدان المشرخ ويضاف إليه قليل من الصبار بعد حله في الماء وشيء من السكر والبهارات ويطبخ حتى ينضج.
2. القيمة: وطريقة طبخها ان ينقع الحمص المجروش بالماء أولا حتى يلين وبعد قلي اللحم مع البصل جيدا يضاف إليه الحمص ويمرق مع لب الليمون العماني وشيء من البهارات حتى ينضج.
3. المحشي: وطرقة عمله ان يفرغ جوف الخضار كالطماطم أو القرع أو الكوسة أو البيذنجان، ثم يحشى بخليط من اللحم المفروم والرز والحمص المجروش والكشمش ولب الليمون العماني والبهارات وشيء من البقول كالكرفس أو الكراث ثم يطبخ حتى ينضج.
4. البراك: وهي تسمية محلية لما يعرف بالدولمة بالعراق ولها أسماء مختلفة وطرقة صنعها هي نفس طريقة المحشي، والفرق بينهما ان البراك يستخدم فيه ورق العنب بعد غليه بالماء بدلا من الخضار.
5. السبزي: يحمص اللحم مع البصل تحميصا جيدا ويوضع فيه قليل من اللوبيا وخليط من البقول كالبقدونس والكرفس والاسبينك والشبنث والرااث والرجلة، ثم يمرق بالماء ويطبخ حتى ينضج.
6. الكفته: يطحن اللحم مع البصل ويضاف إليه لب الليمون العماني والبهارات ويحمص ثم يعجن بدقيق الحمص مع البيض ويعمل منه أقراص ويمرق بالماء ويطبخ، وتعمل كفته الاربيان بنفس الطريقة.
7. الكبة: والعامة تنطقها (جبة) وطريقتها ان يدق اللحم مع البصل أو يطحن ويضاف إليه التوابل والبهارات ولب الليمون العماني ثم يعجن مع طحين الرز وقليل من البيض ويعمل منه كرات بحجم الطماطم ثم يمرق بالماء ويطبخ، وتعمل كبة الاربيان بنفس الطرقة.
8. الكباب: ويسمى أيضا العروق، وطرقة صنعه ان يطحن اللحم مع البصل وشيء من البقدونس والكراث والكرفس ثم يضاف إليه شيء من دقيق الحنطة ويعجن ويعمل منه أقراص مستطيلة ويقلى بالسمن أو الزيت.
9. كعب القدر: والعامة تنطقه (جعب الكدر) وطريقته ان يفرم اللحم الى قطع صغيرة ويقلى مع البصل حتى ينضج ثم يضاف إليه الكشمش ولب الليمون العماني والبهارات ثم يصب عليه الرز المشخول ويوضع على نار خفيفة حتى يتهدر وبعد ذلك يخلط مع الرز.
10. مشوية القدر: يحمص اللحم مع البصل حتى ينضج ثم يضاف إليه لب الليمون العماني والبهارات أحيانا يضاف إليه شيء من الخضار ويوضع على نار خفيفة حتى ينشف.
11. الفسنجون: وهي طبخة إيرانية عراقية ويستعمل فيها اللحم أو الدجاج، ثم يمرق بمحلول تمر الهند (الصبار) ويضاف إليه البهارات مع دقيق الفول السوداني أو معجون (بينت بتر) ويطبخ جيدا.
12. صالونة اللحم والخضار: وهي معروفة وكذلك الكبسة والمحموص وقد سبق ان شرحنا طريقتها آنفا.
وكما اختص مطبخ الأثرياء بهذه الألوان في طبخ اللحوم، اختص كذلك بألوان عديدة من الحلوى والتي كانوا يتناولونها في وجبة الصباح ويكثر صنع تلك الحلاوى خاصة في شهر رمضان والأعراس وحفلات الأفراح وهي أيضا متنوعة، ومنها:
1. المقرازي: وطرقة صنعه ان يؤخذ مثلا مقدار أربعة كيل وغرامات سكر ثم يغلى في ثلاثة أمثالها من الماء حتى ينعقد ثم يضاف إليه كيلو من نشا الحب (الحنطة) المنقوع ويخلط به خلطا جيدا ثم يصب عليه كيلو من السمن ويحرك على نار خفيفة حتى يتماسك.
2. الساقو: ينقع الساقو ثم يزال عنه الماء فإذا كان المقدار كيلو غرام يضاف إليه مثله من السكر ويخلط ويوضع على نار خفيفة ثم يضاف إليه كيلو سمن ويحرك حتى يتماسك، ويستمر طبخه مدة خمس ساعات ومثلها عمل المقرازي.
3. الكليجة: يحمص دقيق الحنطة حتى ينضج ثم يترك حتى يبرد ثم يضاف إليه نصف الكمية من السكر ويعجن بالسمن والماء ويعمل أقراصا مستديرة بواسطة قوالب خاصة ويجفف على نار خفيفة.
4. الخنفروش: يحمص طحين الرز ثم يخلط بالسكر والبيض ويعجن ويعمل منه أقراص وتقلى بالسمن ومقدار السكر نصف كمية الطحين.
5. الممروس: يعجن طحين الحنطة مع نصف الكمية من السكر بالماء وبعد ان يسخن السمن بالقدر تصب العجينة فوقه وتخفض النار ثم تدار جيدا حتى تنضج وتتفتت ونسبة السمن بمقدار 8/1 من كمية الطحين.
6. المفتوته: ينقع نشا الرز حتى يذوب ثم يزال منه الماء ويعجن بنصف كميته من السكر وبعد ان يسخن السمن تصب العجينة فوقه وتخفض النار حتى يصفر ثم تدار حتى تتفتت.
7. خبيصة البيض: يؤخذ مقدار ثلاثين من محاح البيض للكيلو الواحد من السكر ويخبط معه ثم يضاف إليه كيلو من السمن وشيء من الزعفران ويطبخ حتى يتماسك.
8. خبيصة الحب: يحمص الطحين مع السمن بالنار أولا ثم يضاف إليه سكر بمقدار كمية الطحين ويدار الجميع بالقدر على نار خفيفة حتى يمتزج بعضه ببعض ويتماسك.
9. خبيصة الرز: واسمها المتداول (خبيصة العيش) يحمص أولا طحين الرز حتى يصفر ثم يترك حتى يبرد، وبعد ذلك يضاف إليه نصف الكمية سكرا ثم يمرق بالماء ويطبخ حتى ينشف.
10. العصيدة: وهي حلوى شعبية، وطرقة صنعها هي الطريقة التي تصنع بها خبيصة الرز. والفرق بينهما ان الأولى تعمل مع طحين الرز والعصيدة تعمل بدقيق الحنطة.
11. المحلبية: يطبخ الحليب مع نشا الرز ثم يضاف إليه ربع الكمية من السكر ويحرك أثناء الطبخ على نار خفيفة حتى يغلي وينضج.
12. الماقوطة: يخلط نشا الحب بمقدار نصف الكمية مع السكر مع قليل من السمن ويقلى على النار.
13. الشعرية: وتسمى السيوبة أو البلاليط تغلى الشعرية حتى تنضج ثم تشخل ثم توضع على القدر ويضاف إليها السكر وقليل من السمن وتحرك على نار خفيفة حتى تتهدر.
14. الشعرية: وكان يطلق على الحلوى المعمولة من قشرة الاترج، وطرقة عمله ان تزال القشرة الخارجية من الاترجة ثم يفصل منها اللب الحامض وتقسم الى شرائح وتقلى أولا بالماء حتى تصفر ثم تعصر وبعد ذلك يوضع في القدر مقدار من السكر مع قليل من الماء ويطبخ حتى ينعقد ويتحول الى شبه عسل ثم تلقى شراح الاترج فيه ويترك على نار خفيفة يمتزج بالمادة السكرية ويضاف إليه شيء من الهيل والزعفران.
وتعتبر (الهريسة) الأكلة الشعبية الرمضانية وهي الأكثر انتشارا في بلدان الخليج. وهناك أنواع من الحلوى تصنع تجاريا وتباع في الأسواق وهي الحلوى والرهش والقبيط.
هذه هي المطبوخات التي كانت معروفة فيما مضى أما الآن فقد اندرس اغلبها بعد ان تطور المجتمع وتطلب الأمر السرعة غي كل شيء فبعد ان كانت المرأة لا يتطلب منها في الدرجة الأولى سوى التدبير المنزلي والعمل في المطبخ وقتل أوقاتها فيه والتفنن في المطبوخات أصبحت لها مهمات أخرى في الحياة، كالدراسة والعمل ومن اجل ذلك لم يكن للمطبخ الا جزء يسير من اهتماماتها فاستطابت في وجباتها الوجبات الخفيفة التي يساعدها الفرن في سرعة إنجازها.
وحتى المشروبات كالقهوة والشاي الذين كان تحضيرهما يتطلب وقتا طويلا قد سرت أليهما عدوى السرعة فتقلصت أوقات صنعهما تمشيا مع روح العصر الذي يتطلب السرعة في كل شيء فبعد ان كانت القهوة تحمص وتدق بالهاون وتطبخ كلما قدم ضيف أصبحت الدلة التي تحتفظ بالحرارة كافية لتكريم عدد من الضيوف كما ساعدت القهوة المستحضرة في العلب على اختصار الوقت.
وكذلك الحال بالنسبة للشاي الذي فقد مجده هو الآخر لقد كانت لحفلة الشاي، أبهتها وجلالها في الماضي فالعائلة كانت تحتفي بالسماور النحاسي اللماع فتتحلق حوله، وحينما تشتعل النار في جوفه ويفلي الماء يرسل صوتا منغما ثم يصب الماء بالقوري الصيني ويوشح بالبردة المطرزة ويتوج به السماور وتظل الأسرة في انتظار الشاي حتى يخدر والى جانب السماور كانت تقبع الصندقجة الأنيقة وقد خرجت منها طقوم من الأكواب الزجاجية وهي المسماة (تالاستكانات) واتخذت قواعدها في صفوف منتظمة على الصينية بصحونها الجميلة وملاعقها الرشيقة يصحبها قدح من القند أو السكر لتلبية أذواق المحتفين.
أما الآن فقد أفل نجم تلك الأدوات وتحولت الى تحف أثرية واصبح تحضير الشاي لا يستغرق سوى بضع دقائق، شانه شان القهوة التي زال مجدها أبهتها والتي كانت بتنوع دلالها اللامعة التي تزين واجهة الوجاغ مظهر اعتزاز لرب المنزل.