تحظى شجرة البن في محافظة الدائر بني مالك التابعة لمنطقة جازان بالسعودية، بمكانة كبيرة في قلوب أهالي المنطقة.
ورسم المزارعون في الدائر لوحة مميزة من العناية والرعاية عبر تاريخ طويل من زراعة البن متغلبين على الطبيعة الجبلية القاسية فانتشرت أشجار البن على السفوح وبين الجبال وعلى ارتفاعات يُقدرها المزارعون اختصاصًا بنحو 800 متر عن سطح البحر، لتكون المكان الأكثر ملائمة لزراعة البن.
وفي إحدى مزارع البن بوادي العين في جبل آل نخيف يقف المزارع سالم النخيفي وقد قضى أكثر من 60 عامًا من عمره في زراعة البن فهي مهنة وهواية وعشق ورثه عن والده وحافظ عليه على مدى السنين.. فيشق طريقه بين الأشجار حاملاً جرابه ليقطف ثمار البن ذلك القطاف الذي يحتاج اهتماما خاصا فلا يكسر غصنا مع القطف لكي يعود ذات الغصن للإثمار في مرة قادمة وهي معلومة لا تخفى على مزارع خبير بدأ مزارعًا للبن ولم يبلغ العاشرة من عمره.
ولا يكتفي المزارعون في الدائر وغيرها من محافظات القطاع الجبلي بالمنطقة بتعليم أبنائهم زراعة أشجار البن بل يحرصون على تعليمهم حب شجرة البن وعشقها وذلك حرصًا على استمرار زراعتها وإثمارها مما أسهم في زيادة عدد أشجار البن في المحافظة لتصل إلى أكثر من 54 ألف شجرة بن وبلغ عدد المزارعين أكثر من 500 مزارع بن في محافظة الدائر وحدها.
زهرة بيضاء
ويصف المزارع سلمان بن سالم طريقة زراعة وجني ثمار البن حيث تحتاج الشجرة إلى نحو ثلاث سنوات من زراعتها لتبدأ في الإثمار فتبدأ الثمرة زهرة بيضاء وتحتاج بعدها إلى نحو ستة أشهر تتحول خلالها إلى حبة ثم تكتسي اللون الأحمر الداكن تدريجيًا إيذانًا بموعد قطافها حيث يحمل المزارعون جرابهم لوضع الثمار بها فضلا عن حمل السلالم لاعتلاء الأشجار وصولًا للثمار البعيدة في أعلى الشجرة، لتجميعها في الجراب.
وأضاف أنه وبعد جمع ثمار البن تبدأ مرحلة التجفيف حيث يتم وضع ثمار البن في أماكن مخصصة تكون في الظل ويتم خلالها تقليب الثمار لمدة تصل إلى نحو ثلاثة أسابيع حيث إن التجفيف ببطء يمنح الثمرة الاحتفاظ بنكتها لتكون جاهزة بعد جفافها لتشهد ثمرة البن بعد ذلك مرحلة أخرى في المطاحن من خلال القشر والمدح لفصل ثمار البن عن القشور ومن ثم تبدأ مرحلتا الحمص والطحن.
وأكد المزارع جبران بن محمد القطيلي أن مزارع البن النموذجية تحتاج إلى تخطيط قبل الزراعة بحيث يتم توزيع أشجار البن بشكل مناسب تسهل معه عمليات الري والحصاد مشددا على أن أشجار البن تستحق كل عناية واهتمام لتجود بثمارها أكثر وأكثر.
أشهر المنتجات الزراعية
وأسهم اهتمام مزارعي البن ليصبح البن واحدا من أشهر المنتجات الزراعية التي تشتهر محافظة الدائر بزراعتها إلى جانب المحافظات الجبلية الشرقية بمنطقة جازان حيث أثمر ذلك عن تضافر جهود محافظة الدائر والإدارات الحكومية والجهات المعنية المختلفة لتنظيم مهرجان البن على مدى السنوات الخمس الماضية وبمتابعة مستمرة من إمارة منطقة جازان أسهم المهرجان في تحقيق أهداف متميزة في دعم زراعة البن والتعريف بها على المستويين المحلي والإقليمي لما تتميز به من عناصر ومكونات طبيعية وجودة عالية تضاهي أعرق الدول المنتجة للبن عالمياً.
وتحتضن المحافظات الجبلية شرق منطقة جازان "الدائر وهروب والعارضة وفيفا والعيدابي والريث" أكثر من 77 ألف شجرة بن وزاد عدد المزارعين الذين يحترفون زراعة البن إلى 724 مزارعاً في كافة المحافظات الجبلية فيما بلغت كميات إنتاجها العام الماضي نحو 227 طنًا ويتوقع أن يبلغ إنتاجها مع محصول العام الحالي 360 طنًا.
وأوضح رئيس مهرجان البن مفرح بن مسعود المالكي أن مهرجان البن السادس الذي تنتظره محافظة الدائر قريبًا يسعى ليكون داعما لزراعة البن ومعززا لاستثمار قيمته الاقتصادية فضلا عن كون المهرجان واحدا من عوامل الجذب لاستقطاب الزوار والسياح نحو محافظة الدائر التي تمتلك طبيعة سياحية متميزة تؤهلها لتكون مقصداً سياحياً مهماً.
وأضاف أن المهرجان يتضمن مشاركة 50 مزارعًا من مزارعي البن سيقدمون منتجاتهم من البن الخولاني الذي تراوحت نسبة جودته من 83 – إلى 90%، وفقًا لتحاليل مختبرات الجودة العالمية المختصة بالبن فضلا عن تنظيم العديد من البرامج التثقيفية والتوعوية للمزارعين والتعريف بالطرق الصحيحة لزراعة أشجار البن لافتًا إلى مشاركة وتعاون العديد من الإدارات الحكومية والقطاعات في تنظيم المهرجان إلى جانب مشاركة مراكز محافظة الدائر بتقديم ألوان من العروض الفلكلورية التي تتميز بها المحافظة.
تعزيز قدرة مزارعي البن
بدوره بين المشرف على مبادرة أرامكو السعودية لزراعة وإنتاج البن مسعود بن سليمان المالكي أن المبادرة أسهمت في تعزيز قدرة مزارعي البن وتأهيلهم وتدريبهم على أحدث التطورات العلمية في طرق زراعة وحصاد البن وصولًا إلى مواصفات البن عالي الجودة والتي جاءت ضمن المسؤولية الاجتماعية لأرامكو بهدف ضمان استمرار المزارعين في الاهتمام بشجرة البن كرمز ثقافي وكنز تاريخي وكشجرة تقدم عائدًا اقتصاديًا، والعمل على إدخال محصول البن إلى مصاف أنواع البن العالمية وتقديم البن كمنتج فاخر وعالي الجودة للمساهمة في رفع دخل المزارعين.
واستعرض مراحل المبادرة التي شملت في مرحلتها الأولى تنفيذ أعمال المسح الميداني لأشجار البن وتدريب المزارعين، وزراعة أكثر من 8500 شتلة مع شبكات الري المتكاملة والخزانات فيما شملت المرحلة الثانية زراعة 10500 شتلة وتوفير شبكات ري وخزانات لتلك المزارع، مشيرا إلى أن مهرجان البن السادس سيشهد وضع حجر الأساس للبدء في إنشاء مصنع لإنتاج البن وتسويقه ضمن مبادرة أرامكو .
ويعوّل المزارعون على مهرجان البن للمساهمة في تكثيف الجهود لاستثمار المنتج ونشر ثقافة زراعة البن وتجويده وتعزيز اهتمام المزارعين بزراعة البن ومساعدتهم على تجاوز العقبات، خاصة في شح المياه ونقصها أحيانًا وقلة العمالة التي تساعد المزارعين سواء في الزراعة أو الحصاد، والاهتمام بطرق التسويق وفتح منافذ أوسع لبيع البن.