الألبسة الرجالية والنسائية في القطيف
يتحكم الطقس والمناخ في نوعية الألبسة وكيفيتها فما تفرضه طبيعة المناطق الجبلية الثلجية أو المناطق المعتدلة يختلف عنه في الصحراء والمناطق الاستوائية فالملابس الصوفية ذات الألوان المعتمة أو السوداء تقتضيها المناطق الباردة وقد جاءت وفقا لمتطلبات الطقس المعتم الذي يسمح لأشعة الشمس الباهتة بالنفاذ الى الأجسام، ولمقتضيات المناخ البارد أيضا للحصول على التدفئة الضرورية وهذا على العكس مما تقتضيه الحياة في الصحراء أو المناطق الاستوائية فهذه تتطلب الملابس القطنية الفضفاضة ذات الألوان البيضاء أو الفاتحة ليتخلل منها الهواء وتعكس أشعة الشمس اللاهبة، فلا تسمح بنفاذه الى الجسم الا قليلا، لذلك نجد الألبسة في أفريقيا الاستوائية والسودان وجزيرة العرب تسودها هذه الظاهرة بشكل واضح منذ اقدم الأزمنة.
وكما تتحكم البيئة والمناخ في نوعية اللباس وأنواعه كذلك تتحكم أيضا في الأزياء، فالكوفية «الغترة» اقتضتها في الأصل بيئة الصحراء اللاهبة لتكون درءا لسوافي الرمال ووهج الشمس ولتستعمل لثاما يحمي الوجه من لفحات الصحراء والعمامة والعقال استعملا أيضا لتثبيت الكوفية، كما ان الأوروبي استعمل القبعة في الأصل لحماية وجهه ورأسه من تساقط المطر والثلوج كما ابتدع ربطة العنق والياقة لوقاية عنقه من لفحات البرد.
والخليج العربي له أزياؤه الخاصة، التي تقتضيها البيئة والمنلخ فالإزار الذي كان يستعمله سكان الخليج – مثلا – قد جاء وفقا لمتطلبات البيئة المحلية بدلا من السراويل منذ القدم كما جاء في رحلة بن بطوطة في وصفه للباس بعض سكان الخليج بأنهم يلبسون الإزار، وهو فوطة يشدونها في أوساطهم عوضا عن السراويل، والسبب في ذلك انهم بحارة أو صيادو اسماك ويقتضي عملهم خوض البحر أو مزارعون تضطرهم سقاية النخيل الى النزول في الترع والسواقي، فيمكنهم رفع الإزار الى أعلى بخلاف السراويل التي تعيق أعمالهم وتحد من تحركاتهم.
ولا يعني ذلك ان البيئة المحلية لا تنحرف، فتعاكس القانون الطبيعي، فتتأثر بأزياء أخرى بحكم الجوار أو الاختلاط الناشئ من الأسفار والرحلات أو التأثر بمدنيات أخرى كما تأثرت ألبستنا بالأزياء الصحراوية أو الهندية ثم الأوربية مؤخرا، فعرفنا العقال الوافد إلينا من البيئة الصحراوية وارتدينا البدلة الأوربية التي جاءت من حضارة الغرب وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع النسائي الذي تأثرت أزياؤه الفضفاضة بالطراز الهندي الضيق ثم بالموضات الأوربية الحديثة مؤخرا.
ويمكننا ان نقسم الأزياء في القطيف الى مرحلتين رئيسيتين قديمة وحديثة بالنسبة لهذا القرن فقط، وان كان من المتيقن ان مراحل تطور أخرى في الأزياء قد سبقت تلك المرحلة التي سميناها قديمة وذلك بحكم موقع الخليج الجغرافي واعتباره بوابة تمر عبرها أمم الشرق والغرب في الزمن الغابر، حيث أننا لم نعثر على مصادر تحدد كيفية الأزياء التي اقتبسها سكان الخليج عبر مراحل التاريخ الا لماما، فتذكر بعض المصادر: ان القرامطة كانوا يرتدون القمصان القصار والسراويل ولكن هذا لا يعطي تحديدا كافيا لنوعية الأزياء التي يرتديها عامة الشعب وكذلك ذكر ابن المقرب في شعره أنواعا من الألبسة لا نعرف أشكالها منها المروزي وهو الثوب الرقيق واللالس وهو الثوب الناعم الموشى بالخيوط الحريرية في قوله:
ومن مروري بالقطيف ولالس عباء بوادي طيئ ونطوعها
والأزياء القديمة قبل التطور الأخير كانت بطبيعة الحال تنقسم الى قسمين رجالي ونسائي فالأزياء الرجالة تنقسم الى القطع التالية:الأزياء الرجالية:
1. الدشداشة، وهو ثوب فضفاض يصل الى وسط الساق ومشقوف الى وسط الصدر تتدلى فيه أحيانا عند العنق كركوشة ويوضع فيه زر واحد عند العنق، وهو مع الغترة والإزار يكون اللباس الذي يرتديه عامة الشعب، وهناك نوع منه واسع الاردان يسمى (شلاحات) كان يرتديه الوجهاء والعمد ورؤساء القبائل.
2. الغترة التي هي الكوفية، وكانت تلبس بدون عقال وهي أنواع منها الشال والكوفية الحمراء والمخططة والبيضاء وهي لباس عامة الشعب، ومن الملاحظ ان لون الغترة يختلف باختلاف لابسها فإذا كان من العلويين تحتم عليه لبس الغترة السوداء.
3. الشطفة، وهي نوع من العقال وهي تارة تكون مذهبة ويلبسها كبار الشخصيات وغير مذهبة وهي المعروفة بالشطفة الزبيرية ويلبسها بعض الوجهاء والتجار.
4. العمامة، وهي اللباس العربي القديم وكانت منتشرة في القطيف وتلبس بعد الزواج، وتتميز طبقة لابسيها حسب ألوانها، فإذا كانت بيضاء فهي تدل على ان لابسها رجل دين، وإذا كانت سوداء فلابسها من العلويين وإذا كانت صفراء تسمى (كشيدة) فلابسها من الأعيان أو التجار، وكانت في عهد العيونيين لباس الطبقة الحاكمة، وكان هناك صنفان منها رديء وهو الذي يصنع بالبصرة، وصنف جيد وهو الذي يصنع بمصر، وكان الشاعر علي بن المقرب لا يلبس الا العمامة المصنوعة بمصر.
5. اللوت، وهي قطعة قماش مستطيلة تلف على الغترة بمثابة عمامة صغيرة ويستعملها وجهاء القرى ورؤساء القبائل وجميع ألبسة الرأس تستعمل معها الطاقية أو القحفية (نسبة الى قحف الرأس) لباسا داخليا وكانت تنسج محليا.
6. الصخمة، وتسمى الصديري، وتلبس على الثوب مباشرة، وهي بدون أكمام تصل الى اسفل البطن ولها ازرة قطنية كثيرة متراصة من الأمام.
7. الدقلة، وهي تشبه المعطف نوعا ما ويلبسها التجار وميسورو الحال ولها أشكال مختلفة منها ما له ياقة مختومة ومزودة بعدد من الأزرار القطنية على شكل الصخمة ومنها ما يسمى «الفرتكيش» الذي وفد إلينا من الاستعمار البرتغالي كما يدل على ذلك لفظه وهو الذي له ياقة مفتوحة.
8. القباء، وهو عبارة عن ثوب طويل فضفاض مشقوق من الأمام وكمه مشقوق قليلا وتحلى أطرافه بالخيوط الحريرية، ويلبسه علية القوم وله زر في وسطه ويثنى جانب على الجانب الآخر.
9. الزبون، وهو عبارة عن قباء طويل بدون أكمام يلبس لخفته في الصيف.
10. الجبة، وهي تشبه القباء الى حد كبير، ويلبس عادة فوقه بدون حزام ويرتدي علية القوم ورجال الدين.
11. الحزام، وهو قطعة من قماش مستطيلة تشد في الوسط على القباء.
12. السراويل، وتتخذ من القماش القطني الأبيض وهي كانت تعمل فضفاضة في أعلاها، ضيقة في أسفلها.
13. الإزار، قطعة من قماش على شكل فوطة تلبس بدلا من السراويل ويلبسه عامة الشعب، ويستخدم أيضا للاستحمام.
14. البشت، ويسمى المشلح أو العباءة، ويقتصر لبسه حين الخروج من المنزل وتوشى حواشيه بالأسلاك الذهبية أو الخيوط الحريرية إذا كان لابسه من طبقة رجال الدين.
15. النعال، بمختلف أشكاله ويلبسه عامة الشعب وان كانت عادة الحفاء بسبب الفقر سائدة اكثر في عهد مضى.
16. البابوج، وهو الذي يغطي مقدم الرجل، ويقتصر لبسه على سكان الحواضر ورجال الدين.
17. القندرة، وهي الحذاء الرجالي المعروف وكان لبسها قليلا ويقتصر على الطبقة الأرستقراطية.
18. البوتلين، وهو الحذاء الذي له ساق ويقتصر استعماله على أيام الأمطار فقط.الأزياء النسائية:
أما الأزياء النسائية فهي كانت تتألف من القطع التالية:
1. الدراعة، وهي عبارة عن ثوب قصير يصل الى الركبة، وله أكمام ضيقة طويلة تصل الى الرسغ وتعتبر لباسا داخليا، وتحلى أكمامه أحيانا بالأسلاك الذهبية.
2. الهاشمي، وهو ثوب فضفاض جدا واسع الاردان بحيث تستطيع المرأة ان تلف الكم فوق رأسها، وتتفنن المرأة في تطريزه بالأسلاك الذهبية ويطول هذا الثوب عند البدو حيث تسحب ذيله خلفها فيمحو آثار قدميها حين تمشي في الطريق أو على رمال الصحراء.
3. الملفع، وهو قطعة مستطيلة من قماش اسود تلفه المرأة على رأسها وعنقها وصدرها، حتى لا يبدو منها الا فتحة الوجه، وتتفنن الحضريات فتتخذ الملفع من قماش التور المطرز أحيانا بأسلاك الذهب ويسمى «نغدة» وتلبسه المرأة عادة بعد الزواج.
4. البخنق، وهي قطعة من قماش تلتقي إحدى زاويتيها العليا بالأخرى وتخاط، حتى لا تبقى الا فتحة صغيرة بمقدار الوجه وتطرز بخيوط الحرير وأسلاك الذهب، وهذا اللباس خاص بالفتاة قبل الزواج.
5. القحفية، وهي غطاء داخلي للرأس تثبت بخيط حول العنق، وتعمد المرأة الثرية المتزوجة الى تحليتها بقطع ذهبية كالنقود وتصف على الواجهة الأمامية باستدارة الوجه، وتسمى (قحفية وريقات).
6. المشمر، وهو قطعة من قماش خفيف اصفر من الرداء، وتلبسه المرأة في المنزل ويتميز هذا اللباس المنزلي بشفافيته وبألوانه الزاهية، ويتخذ أحيانا من الحرير الطبيعي، وهو يشبه الساري الهندي الى حد بعيد.
7. الرداء، وهو الرداء عبارة عن قطعة كبيرة من القماش الأسود يشبه الملاءة عند المصريين، تلبسه المرأة عند خروجها من المنزل ويغطي جميع جسمها من رأسها الى قدمها وما تبقى من أطرافه تجمعه وتلفه تحت إبطها، وهو أنواع منها ما يسمى بالبروجي الموشاة حواشيه بخيوط حمراء، ومنها ما يسمى (الاناجر) وهو المحلاة حواشيه بالخيوط الذهبية، والغريب ان هذا اللباس موجود في بعض أنحاء دمشق.
8. الشيلة، وهي كالرداء الا انه يتخذ من القماش القطني الأسود وترتديه الطبقة الفقيرة عند الخروج من المنزل، فهو بمثابة الرداء.
9. الشملة، وهو عباءة من صوف، تلبسها نساء بعض القرى ونساء البادية أما العباءة العراقية فقد عرفتها البلاد مؤخرا (أي قبل الحرب العالمية الثانية).
10. الغشواية، أو ما تسمى بالبوشية، وهي قطعة من قماش اسود ولها حاشية تطرز أحيانا، وتلبسها المرأة عند الخروج من المنزل، ويكاد يقتصر استعمال الغشواية في الماضي على نساء الحواضر، أما القرويات أو البدويات فما كن يعرفنها.
11. النقبة، أو ما تسمى بالبرقع أو البطولة، وهي عبارة عن قطعة قماش اسود سميك بقدر الوجه له فتحتان لموضع العينان للنظر من خلالهما وتضعها المرأة على وجهها وتشدها الى الخلف، وهي مقابل الغشواية وتلبسها نساء البادية فقط.
12. السراويل، وتسى شعبيا (الصروال) وهي فضفاضة في أعلاها ضيقة في أسفلها وتتفنن المرأة في تطريز حواشيها.
13. البابوج، وهو حذاء ذو كعب واطئ وطرفه الأمامي مثني الى أعلى وهناك نوع منه يسمى الروغان وهو اسود لامع تلبسه المرأة الثرية.
14. القبقاب، حذاء منزلي يصنع من الخشب وله إصبع ليمسك بين السبابة والإبهام في الرجل.
15. العصابة، وهي قطعة من قماش اسود تلفها المرأة على جبينها وتشد بها رأسها وتستعملها العجائز على نحو خاص.
هذه هي الألبسة النسائية التي كانت سائدة الاستعمال سابقا أما الآن فقد تغيرت تلك الألبسة التقليدية القديمة، واستبدلت بأخرى لقد تأثرت في بادئ الأمر بالأزياء الهندية كالسراويل الطويلة الفضفاضة والفساتين القصيرة التي تشبه القمصان، غير أنها اتجهت أخيرا الى التأثر بالأزياء الأوربية الحديثة حتى أصبحت موضة الجيل، فعرف المجتمع النسائي الفستان الشنل والماكسي والميني جوب والتنورة والبلوزة والبنطلون والمعطف والكلسونات والصداري والشلحات وشرابات النايلون والبيجامات النسائية والروب والكنزة وغيرها واسترفد احدث الصرعات التي تصممها بيوت الأزياء في لندن وباريس.
أما الأزياء الرجالة فقد سارت بطيئة في مجال التطور ولا ننسى ان الأسرة المالكة قد تمسكت بالأزياء التقليدية مما اكسبها طابع الاحترام والاعتبار في الأوساط الشعبية والناس – كما يقول المثل – على أديان ملوكهم فساد عند الرجال لبس العقال أفل نجم العمامة والقباء والجبة والزبون والبابوج والحزام وغيرها وأصبحت هذه الألبسة مقصورة على طبقة رجال الدين فقط ولا ينكر ان هناك ألبسة أخرى رفدت إلينا لم تكن معروفة سابقا كالكوت والمعطف والروب الرجالي والبيجامة والفوانيل والسراويل القصيرة (الهاف) ومايو السباحة بالإضافة الى البدلة الأوربية التي أصبحت لباسا عالميا.
ولولا تمسك الأسر المالكة لتلك الأزياء لفقدت رصيدها من الاعتبار والاحترام كما حدث لكثير من البلدان العربية التي غيرت ألبستها التقليدية أصبحت فيها البدل الأوربية لباسا رسميا للطبقة الحاكمة، ومن ثم أصبحت زيا لرعيل المتعلمين والمثقفين وانتشرت في جميع الأوساط الشعبية.