عاشوراء الحسين عليه السلام



مناجاة الامام الحسين عليه السلام : وفي اليوم العاشر من محرم لمّا أصبحت الخيل تقبل على الحسين عليه السلام رفع يديه وقال داعياً :
اللهم أنت ثقتي في كل كربٍ ، ورجائي في كل شدّة وأنت لي في كل أمرٍ نزل بي ثقةً وعدّةٌ ، كم من همٍ يضعف فيه الفؤاد ، وتَقِلُّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت فيه العدو ، أنزلته بك وشكوته اليك رغبةٌ مني إليك عمن سواك ، ففرجته وكشفته ، وأنت ولي كل نعمةٍ ، وصاحب كلِّ حسنةٍ ، ومُنتهى كلِّ رغبة.
اصطفاف عسكر الحسين عليه السلام : وأصبح الحسين بن عليٍ عليهما السلام فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة ، وكان معه اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً ، فجعل زُهير بن القين في ميمنة أصحابه ، وحبيب بن مظاهرٍ في ميسرة أصحابه ، وأعطى رايته العباس أخاه.
خطبة الحسين عليه السلام : بعد أن سد العدو كل باب وأغلق كل منفذ أمام الحسين عليه السلام ولكن سلالة الأنبياء ووريثهم لم يترك سبيلاً إلا وسلكه ولا باباً إلا وطرقه ولا موعظة إلا ونطق بها كل ذلك أداءً للواجب وتجنباً لشر الأعداء وإلقاءً للحجة وبهذا وجه الامام عليه السلام خطبة بعد الكثير من النداءات والخطب قال فيها : « أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتّى أعظكم بما هو حقّ لكم عليّ ـ ثم قال : ـ أما بعد فانسبوني فانظروا من أنا ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوهم، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول مؤمن مصدق لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بما جاء به من عند ربّه ؟ او ليس حمزة سيدالشهداء عمي ؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي ؟ أو لم يبلغكم ما قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ؟ فإن صدقتموني بما أقول ـ وهو الحق ـ والله ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم ، اسألوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأباسعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لي ولأخي ، أما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟!
انطلاقة المعركة : تقدّم عمر بن سعد ورمى نحو عسكر الحسين عليه السلام بسهم وقال : اشهدوا لي عند الأمير : أنّي أوّل مَن رمى.
صلاة الظهر يوم عاشوراء : فلمّا رأى ذلك أبو ثمامة الصيداويُّ قال الحسين عليه السلام : يا أبا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ، ولا والله لا تقتل حتى اُقتل دونك واُحبُّ أن ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصلاة ، فرفع الحسين رأسه إلى السماء وقال : « ذكّرت الصلاة جعلك الله من المصلّين ».
فقال الحسين عليه السلام لزهير بن القين وسعيد بن عبدالله : « تقدَّما أمامي حتّى اُصلّي الظهر » فتقدَّما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف.
استشهاد سقاء كربلا أبوالفضل العباس عليه السلام : كان العباس بن علي يكنّى أبا الفضل وهو الرابع من أولاد أم البنين لأمير المؤمنين عليه السلام وأكبرهم سنّاً وفي واقعة كربلاء كان عمره الشريف 34 وكان رجلاً وسيماً جميلا يركب الفرس المطهّم ورجلاه يخطّان في الأرض ، وكان يقال له : قمر بني هاشم ، وكان لواء الحسين عليه السلام معه.
قال الامام الصادق عليه السلام : « كان عمّنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الايمان جاهد مع أبي عبد الله عليه السلام وابلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً ».
أن العباس لمّا رأى وحدته عليه السلام أتى أخاه وقال : « يا أخي هل من رخصة » ؟ فبكى الحسين عليه السلام بكاء شديداً ثمَّ قال : « يا أخي أنت صاحب لوائي وإذا مضيت تفرَّق عسكري » ! فقال العباس : « قد ضاق صدري وسئمت من الحياة واُريد أن أطلب ثأري من هؤلاء المنافقين ».
فقال الحسين عليه السلام : « فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من المآء » ، فذهب العباس ووعظهم وحذَّرهم فلم ينفعهم فرجع إلى أخيه فأخبره فسمع الأطفال ينادون : العطش العطش ! فركب فرسه وأخذ رمحه والقِربة ، وقصد نحو الفرات فأحاط به أربعة آلاف ممّن كانوا موكّلين بالفرات ، ورموه بالنبال فكشفهم وقتل منهم على ما روي ثمانين رجُلاً حتّى دخل الماء.
فلمّا أراد أن يشرب غرفةً من الماء ، ذكر عطش الحسين وأهل بيته ، فرمى الماء وملأ القربة وحملها على كتفه الأيمن ، وتوجّه نحو الخيمة ، فقطعوا عليه الطريق وأحاطوا به من كلِّ جانب ، فحاربهم حتّى ضربه نَوفِلٌ الأزرق على يده اليمنى فقطعها ، فحمل القربة على كتفه الأيسر فضربه نوفلٌ فقطع يده اليسرى من الزَّند فحمل القربة بأسنانه فجاءه سهم فأصاب القربة واُريق ماؤها ثمَّ جاءه سهم آخر فأصاب صدره ، وفي رواية هاجمه الملعون من جيش عمر بن سعد فضربه بعمود من حديد على رأسه فانقلب عن فرسه فنادى أخيه الحسين : « أدركني » ، فلمّا أتاه رآه صريعاً فبكى بكاءاً شديداً . وقال عليه السلام : « الآن انكسر ظهري وقلّت حيلتي ». وفارقت روحه الحياة تلك الروح التي عرفت بالشموخ والحب والفداء.
الوداع الأخير : رجع الحسين إلى المخيم منكسراً حزيناً فنادى وهو أمام الآلاف من جيش عمر بن سعد : « أما من مغيث يغيثنا ؟ أما من مجير يجيرنا ؟ أما من طالب حق ينصرنا ، أما من خائف من النار فيذب عنا ! ».
ثم توجه إلى خيم أهل بيته ليودعهم وبكين النسوة وبكى الحسين معهن وقلن: واضيعتنا بعدك !!
ثم إنه عليه السلام أمرهم بالصبر وقال : « استعدوا للبلاء واعلموا أن الله تعالى حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ويعذب عدوكم بأنواع العذاب ».
استشهاد سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام : بعد أن فقد الإمام الحسين عليه السلام جميع أهل بيته وأصحابه واحداً تلو الآخر مستشهدين في ساحة الوغى أصبح وحيداً فريداً أمام جيش عمر بن سعد ، وبعد أن وعظهم للمرة الأخيرة أعدّ نفسه الأبية التواقة للشهادة ، وبدأ يطلب من يبارزه وكل من ظهر له للمبارزة وقع صريعاً يحمل الذل والعار حتى أن عدداً كبيراً من محاربي جيش العدو وممن كان عليهم العول باتوا يتساقطون أمام استبسال الامام الحسين عليه السلام. وتذكر كتب التاريخ أنه لم يجرأ حتى أقوى محاربي جيش عمر بن سعد للنزول للميدان لما رأوه من شجاعة سلالة الأنبياء الإمام الحسين عليه السلام ، ولما شاهد عمر بن سعد ذلك قال لقومه : الويل لكم أتدرون من تبارزون ! هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتال العرب فاحملوا عليه من كل جانب.
هجم عليهم كالليث الغضبان ومزّق صفوفهم والجروح التي أصابته أخذت منه مأخذاً والعطش أيضاً حتى وصل الى المشرعة وأقحم الفرس على الفرات.
وكانت جميع تلك الجروح في مقدم بدنه ولم يصب بجرح خلفه لأنه كرار غير فرّار ، فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال ، فبينما هو واقف اذ أتاه حجر فوقع في جبهته الشريفة ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب فوقع السهم في صدره ، وفي بعض الروايات في قلبه.
ثم أخذ السهم فأخرجه من قفاه ، فانبعث الدم كالميزاب ، فوضع يده على الجرح فلمّا امتلأت رمى به إلى السماء ، فما رجع من ذلك قطرة ، ثم وضع يده ثانياً فلما امتلأت لطّخ بها رأسه ولحيته وقال : « هكذا أكون حتى ألقى جدّي رسول الله وأنا مخضوب بدمي وأقول : يا رسول الله قتلني فلان وفلان ».
وكان السهاد في درعه كالشوك في جلد القنفذ. وروي أنها كانت كلها في مقدمه.
ولما أثخن بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط عليه السلام عن فرسه إلى الأرض على خده الأيمن، ثم قام صلوات الله عليه.
قال : ومكث طويلاً من النهار ، ولو شاء الناس أن يقتلوه لقتلوه ولكنّهم كان يتّقي بعضهم ببعض ويحبّ هؤلاء أن يكفيهم هؤلاء.
فتمتم بشفتيه الشريفتين قائلاً : يارب صبراً على قضائك يا رب لا إله سواك يا غياث المستغيثين.
فقال شمر : ما وقوفكم وماتنتظرون بالرجل.
فحملوا عليه من كلّ جانب.
فضربه زرعة بن شريك لعنه الله على كتفه اليسرى ، فضرب الحسين عليه السلام زرعة فصرعه.
وضربه آخر على عاتقه المقدّس بالسيف ضربةً كبا عليه السلام بها على وجهه.
وكان قد أعيى ، فجعل عليه السلام ينوء ويكبو.
فطعنه سنان بن أنس النخعي لعنه الله في ترقوته ، ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني صدره.
ثمّ رماه سنان أيضاً بسهمٍ ، فوق السهم في نحره ، فسقط عليه السلام ، وجلس قاعداً ، فنزع السهم من نحره ، وقرن كفيه جميعاً ، وكلذما امتلأتا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول : « هكذا ألقى الله مخضّباً بدمي مغصوباً على حقي ».
فقال عمر بن سعد لعنه الله لرجل عن يمينه : إنزل ويحك الى الحسين فأرحه.
فبدر إليه خولي بن يزيد الأصبحي ليحتز رأسه ، فأرعد.
فنزل إليه سنان بن أنس النخعي لعنه الله فضربه بالسيف في حلقه الشريف وهو يقول : والله إني لأحتز رأسك وأعلم أنّك ابن رسول الله وخير الناس أباً وأمّاً !!! ثمّ احتزّ رأسه الشريف صلّى الله عليه وآله.
احراق الخيم : فلم يشفي غليل عمر بن سعد وجيشه الحاقد بما صدر منه من جرائم حتى اقتحم على خيام حرم الحسين عليه السلام في فسطاطهن وهم يسلبونهن وأشعلوا فيها النار ، فخرجن حواسر مسلبات حافيات باكيات يمشين سبايا في أسر الذلة.
تغيّر العالم بعد شهادة سيد الشهداء عليه السلام : فلمّا قتل صلوات الله عليه وارتفعت في السماء في ذلك الوقت غبرة شديدة سوداء مظلمة ، فيها ريح حمراء ، لا ترى فيها عين ولا أثر ، حتّى ظنَّ القوم أنَّ العذاب قد جاءهم ، فلبثوا كذلك ساعة ثمَّ انجلت عنهم.
وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : « احمرَّت السماء حين قتل الحسين بن عليّ سنة ـ ثمَّ قال : ـ بكت السمّاء والأرض على الحسين بن عليّ سنة وعلى يحيى ابن زكريّا ، وحمرتها بكاؤها ».
وكانت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة.
ولمّا قتل الحسين بن عليّ عليه السلام كسفت الشمس كسفة بدت الكواكب نصف النهار حتّى ظننّا أنّها هي
وارتفعت حمرة من قبل المشرق وحمرة من قبل المغرب ، في كبد السماء ستّة أشهر.