أولا : أن اللغة العربيةَ بهذا المعنى سهلة المتناول لا تعقيد فيها وأن الواجب
هو تعليم لغة القرآن دون لغة الشعراء الشاذة والنادرة والضعيفة من اللغات
فلو علمنا أجيالنا لغة القرآن واكتفينا بها ، لأصبحت سهلة المتناول قريبة إلى
الأفهام ، مرغوبا فيها ، وكان تطبيق ما تعلمناه سهلا لأن اللغة العربية لا
تشعب فيها ولا اعوجاج فالفاعل مرفوع لم تتغير حركته منذ نشأة اللغة
العربية والمفعول منصوب والمضاف إليه مجرور والحال والتمييز منصوبان
وهلم جرا
ولماذا أصبحت لغة القرآن صعبة المتناول معقدة الأبواب والمسائل
الجواب : أن هذه اللغة المباركة لغة القرآن يحيط بها من كل زاوية مسائل
نادرة وشاذة ، وضعيفة ، وأحاط بهذه اللغة لغة شعراء اضطروا فخرجوا عن
أصول قواعدها
وزاد تعقيدها كثرة النقاش في تخريج هذا الشذوذ ، أو تلك اللغة النادرة ، أو
الضعيفة ، فامتلأت الكتب بهذه النقاشات والخلافات فضاعت لغة القرآن بين
تلك الكتابات مما جعل القارئ والمطلع على مثل هذه الكتب يتصور أن اللغة
العربية صعبة المنال معقدة المسائل ، فعزف عنها الكثير لما أصابها من داء
الشواذ والنوادر واضطرار الشعراء
ثانيا : رأيت أن كثيرا من الشواهد التي استشهد بها النحاة أكثرها لشعراء
لا يصح الاستشهاد بشعرهم ، أو شعراء مجهولوا الهوية ومعلوم أن الاستشهاد
لا يكون إلا بما يلي
أولا : القرآن الكريم بجميع قراءاته وهو أعلى الكلام العربي من حيث صحة
الاحتجاج به
ثانيا : ما صح أنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صح أنه لأحد الرواة
من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم
ثالثا : الطبقة الأولى وهم الجاهليون الذين لم يدركوا الإسلام ، كامرئ القيس
والأعشى وغيرهما
رابعا : الطبقة الثانية وهم المُخَضْرمُون الذين أدركوا الجاهلية والإسلام كَلَبِيد
وحَسّان وغيرهما وهاتان الطبقتان يستشهد بشعرهما في جميع علم الأدب
أعني اللغة والصرف والنحو والمعاني والبيان والبديع وغيرها بالإجماع
خامسا : الطبقة الثالثة وهم الإسلاميون ، وهم الذين كانوا في صدر الإسلام
و لم يشوه الاختلاط لغتهم كجَريرٍ والفَرَزْدَق وغيرهما فبعضهم لم يستشهد
بأشعارهم وقد كان أبو عَمرو بن العَلاءِ وعبد الله بن أبي إسحاق والحسنُ
البصريُّ وعبد الله بن شُبْرُمَةَ يلحنون الفرزدق والكُمَيتَ وذا الرُّمَّةِ وأضْرَابَهم
وكانوا يَعُدُّونهم من المولدين ، لأنهم كانوا في عصرهم وكان أبو عَمرْو بن
العلاء لا يعتد إلا بشعر المتقدمين قال الأصمعي : جلست إلي أبي عمرو
عشر حجج فما سمعته يحتج ببيت إسلامي وبعضهم قبل الاستشهاد بشعرهم
وجعل منتصف المئة الثانية للهجرة حدا لمن يصح الاستشهاد بشعرهم
فإبراهيم بن هِرْمَةَ المتوفى سنة (150هـ) هو آخر من يصح الاستشهاد
بشعره على رأي هؤلاء
سادسا : الطبقة الرابعة وهم من وجدوا بعد هؤلاء فلا يصح الاستشهاد بكلامها
مطلقا ومن هنا نجد أن كثرة الاستشهاد بشعر شعراء ليسوا ممن يحق
الاستشهاد بشعرهم زاد اللغة العربية تعقيدا لأن المعارض يرفض الاستشهاد
بمثل شعر هذا الشاعر ، وإن كان في صفه رضي به فاختل التوازن وكثر
الكلام دون إقناع ولا نتيجة
ومن أجل أن نجنب اللغة العربية التعقيد والإشكالات فيجب علينا ما يلي
أولا : لا نستشهد ببيت شعر قائله مجهول
ثانيا : ندع الاستشهاد بمواضع الضرورة الشعرية لأنها لا يقاس عليها النثر
باتفاق علماء العربية
ثالثا : ندع الاستشهاد بما شذ في كلام العرب
رابعا : ومن أسباب التعقيد أن العربي الذي يستشهد بشعره ونثره أصبح كأنه
معصوم من اللحن ، فلو وجدنا شاعرا ممن يسشهد بشعره خالف العرب وجاء
بغير المألوف والمعروف في اللغة العربية ، بذلنا جهدنا وملأنا الصفحات
توجيهات وتعليلات ووضعنا قواعد خاصة لهذه اللغة ليكون كلام العربي
صحيحا وهذا كله لسنا مطالبين به وكان يكفي أن نقول هذا لحن ، فلعل الشاعر
العربي ولو كان جاهليا سبق لسانه ، لأنه غير معصوم من اللحن ، أو نَقَل عنه
الرواة خلاف ما قال بدلا من أن نملأ الكتب بالتعليلات والتوجيهات التي لم
يستفد منها طالب العلم إلا الخوض في معركة كلام ضئيل الفائدة ولولا خشية
الإطالة لذكرت الكثير من الأمثلة على ذلك
وعلى هذا فكتب النحو المقررة في المؤسسات التعليمية ينبغي أن تعاد وتنظم
على هذا النمط فستكون الفائدة كبيرة وسيكون الإقبال على اللغة العربية كبيرا
لأن الكل يرغب أن يتكلم بأفصح كلام وأجمل منطق وعصرنا الذي نحن فيه
يتطلب ما ذكرت
وأما الشواذ والنوادر والضعيف من اللغات فليبق في كتب أصحابها كمرجع
لمن يحب الاطلاع والاستفادة منها لا كمقرر مدرسة أو معهد أو جامعة





م