الهندسة الوراثيّة الهندسة الوراثيّة (بالإنجليزيّة: Genetic Engineering)

هي تغييرٌ أو تعديلٌ يقوم به العلماء في المادّة الوراثيّة (الحمض النوويّ DNA) للكائنات الحيّة، وتكون إمّا بتغيير ترتيب مكوّنات المادّة الوراثيّة، أو حذف أجزاء منها، أو مضاعفتها، أو إدخال أجزاء من مادّة وراثيّة تعود إلى كائن حيّ آخر إليها؛ بهدف تعديل خصائص الكائن الحيّ أو تحسينها، مثل: إنتاج أطعمة ذات قيمة غذائيّة أعلى، أو إنتاج بروتين لعلاج مرض معيّن.[١] يُسمّى الكائن الحيّ بعد إجراء التّعديل على مادّته الوراثيّة كائناً مُعدَّلاً وراثيّاً، وقد أُجرِيت أوّل تجربةٍ ناجحةٍ على البكتيريا عام 1973م، ثمّ توالت التّجارب بعد ذلك على الفئران، والنّباتات، والثديّيات، وغيرها، وتشمل تطبيقات الهندسة الوراثيّة الكثير من المجالات، مثل: الزّراعة، والأبحاث، والتّكنولوجيا، والطبّ، وغيرها من المجالات المُفيدة.
الأكسجين (DNA) لفهم الهندسة الوراثيّة لا بُدّ من التعرُّف على الحمض النوويّ الرايبوزيّ منقوص الأكسجين الـ (DNA)، حيث يوجد في نواة كلّ كائن حيّ تراكيب خيطيّة الشّكل تُسمّى كروموسومات، والتي بدورها تتكوّن من جيناتٍ تحمل رموزاً تتحكّم في إنتاج آلاف الأنواع المختلفة من البروتينات التي يتكوّن منها معظم جسم الكائن الحيّ، وقد اكتشف العلماء الـ (DNA) عام 1869م، إلا أنّه لم يتمّ التعرُّف على أهميّته إلّا بحلول عام 1944م؛ عندما تمكّن فريق من العلماء من اكتشاف أنّ نقل جزء من الـ (DNA) من نوع من البكتيريا، وزرعها في بكتيريا أخرى يؤدّي إلى ظهور بعض صفات البكتيريا الأولى في البكتيريا الثانية، ممّا أثبت للعلماء أنّ الـ (DNA) يحمل التّعليمات الوراثيّة التي تُحدّد صفات الكائن الحيّ.[٢] يتكوّن الـ (DNA) من سلسلتَيْن تلتفّان على بعضهما بشكلٍ لولبيّ، يُمكن فصلهما ومضاعفتهما، تتكوّن كلّ سلسلةٍ من العديد من جُزيئات السكّر، والفوسفات، وتربط بين السّلسلتين أربع قواعد كيميائيّة تترتّب على شكل أزواج، وهي: الأدينين، ويُرمَز له بالحرف (A)، ويرتبط دائما بالثّيامين الذي يُرمَز له بالحرف (T) بروابط هيدروجينيّة، والجوانين الذي يُرمَز له بالحرف (G)، ويرتبط دائماً بالسايتوسين الذي يُرمَز له بالحرف (C).[٢] يختلف تتابع القواعد الكيميائيّة من كائن حيّ إلى آخر ما عدا التّوائم المُتطابِقة، ويمكن تشبيه الحروف الأربعة بالحروف الأبجديّة التي يمكن ترتيبها بطرق مختلفة للحصول على ملايين الكلمات، على سبيل المثال: يتكوّن جسم الإنسان من مئة ترليون خليّة، وكلّ خليّة فيها بليون ونصف زوج من القواعد الكيميائيّة التي تترتّب بترتيب فريد لا يوجد عند أيّ إنسان آخر، يُشكّل تتابُع هذه الأزواج الشّيفرة التي تتحكّم في الصّفات الوراثيّة للكائن الحيّ. شكلّت معرفة العلماء بالحمض النوويّ الرايبوزيّ منقوص الأكسجين النّواةَ أو الخطوة الأولى في علم هندسة الجينات، فقد تمكّن العلماء من فصل سلستَي الحمض النوويّ الرايبوزيّ، وتقطيعهما إلى قطع صغيرة، ونقلهما من كائن حيّ إلى آخر.[٢] خطوات إجراء الهندسة الوراثيّة تتمّ الهندسة الوراثيّة باتّباع عدّة طُرق، ولكنّها في الغالب تتبع الخطوات الأساسيّة الآتية:[٣] عزل الحمض النوويّ من كائن حيّ يحمل الصّفة الوراثيّة المرغوبة. تحديد الجين المرغوب، والعمل على مضاعفته؛ للحصول على نُسَخ عديدة منه. إجراء تعديل على الجين؛ ليُصبح أكثر ملائمةً للكائن الحيّ المُراد تعديله إذا لزم الأمر. إدخال الجين إلى الخليّة المقصودة، ويتمّ ذلك إمّا باستخدام البكتيريا كحاملٍ للجين الجديد، ثمّ حقن البكتيريا في الكائن المُراد تعديله، أو باستخدام بندقيّة الجينات التي تُطلِق جُزيئات مجهريّة من معدن الذّهب بعد تغليفها بالجينات المرغوبة إلى داخل خلايا الكائن الحيّ المُراد تعديله. تكثير الخلايا المُعدَّلة وراثيّاً بالطُّرق التّقليديّة. تطبيقات على هندسة الجينات شملت الهندسة الوراثيّة جوانب عديدةً في حياتنا، ومنها:[٤] الطّب: إنتاج لقاحات ضدّ بعض أنواع الأمراض: مثل التهاب الكبد الفيروسيّ ، ومرض الهربس البسيط، ومرض الحمّى القلاعيّة في الحيوانات. إنتاج هرمون الإنسولين البشريّ من البكتيريا: بدأ الإنتاج التجاريّ للإنسولين من البكتيريا عام 1982م، ويُعدّ ذلك إنجازاً مهمّاً أنقذ حياة الكثير من البشر؛ إذ كان يُعتمَد سابقاً على استخراج الإنسولين من بنكرياس الخنازير، والأبقار، وهي عمليّة مُكلِفة، ولا تخلو من آثار جانبيّة لدى المرضى، مثل: الحساسيّة. إنتاج اللمفوكينات: هي بروتينات تُنظّم عمل الجهاز المناعيّ في جسم الإنسان، ومنها: بروتين إنتيرفيرون ألفا؛ الذي يُستخدَم لمكافحة الأمراض الفيروسيّة، مثل: نزلات البرد، والتهاب الكبد، والهربس، وكذلك السّرطان، بالإضافة إلى إنترلوكين 2؛ وهي مادّة تُعزّز إنتاج الخلايا الليمفاويّة، ويجري حاليّاً اختبارها على مرضى الإيدز. إنتاج السّوماتوستاتين: هو هرمون تُفرِزه غدّة تحت المِهاد في مُخّ الإنسان، يُنظّم عمل هرمون النموّ، سابقاً كان يتمّ الحصول على السّوماتوستاتين من الجُثَث البشريّة، ولكنّ تقنية الهندسة الوراثيّة زوّدت العالم بكميّات كافية من هذا الهرمون الذي يُستخدَم لعلاج المُصابين بشذوذ النموّ، كما تمّ استخدامه لعلاج مرض نقص المناعة الذي يُعرَف بمرض نقص إنزيم أدينوسين دي أمينيز. إنتاج هرمون إريثروبويتين؛ الذي يُحفِّز إنتاج خلايا الدّم الحمراء لدى المُصابين بفقر الدّم الشديد. إنتاج موادّ تُذيب الجلطات الدّمويّة، وتمنع انسداد الشّرايين؛ للوقاية من النّوبات القلبيّة. إنتاج أجسامٍ مُضادَّةٍ تحتوي عناصر مُشعَّةً، أو سموماً خلويّةً لعلاج مرض السّرطان. الزِّراعة: زيادة إنتاجيّة المحاصيل الزراعيّة، وزيادة مُقاومتها للأمراض، والحرارة، والرّطوبة، وتقليل حاجتها للأسمدة. إنتاج محاصيل قادرة على تثبيت نيتروجين الجوّ، وبهذا لا تحتاج إلى تزويدها بالأسمدة. إنتاج محاصيل زراعيّة قادرة على إنتاج بروتينات سامّة للحشرات والدّيدان، مثل: ديدان الطّماطم، وديدان التّبغ. إنتاج محاصيل زراعيّة لا تتأثر بمبيدات الأعشاب الضارّة، مثل: الغليفوسات، ممّا يُمكّن المُزارِع من رشّ الحقل كامِلاً بالغليفوسات، دون أن يتضرّر المحصول. إنتاج عدّة أنواع من الكائنات الحيّة الدّقيقة التي تُحلّل الموادّ الكيميائيّة السّامة، ويمكن استخدامُها للتخلُّص من الآفات الحشريّة، والكائنات الحيّة المُسبِّبة للأمراض. تحسين نوعيّة محتوى البذور من البروتينات، وكميّته. نقل جين إنتاج البروتينات الحيوانيّة إلى النّباتات. تحسين قدرة النّباتات على البناء الضوئيّ. الصّناعة: إنتاج كائنات حيّة مُعدَّلةٍ وراثياً، يُمكنها تحويل سكّر السّكروز إلى سكّر الجلوكوز. إنتاج أسمدة زراعيّة رخيصة الثمن من الأمونيا التي تُنتجها البكتيريا، والبكتيريا الزّرقاء المُعدَّلة وراثيّاً. إنتاج ميكروبات لها القدرة على تحويل السّليلوز إلى سكّر، يُمكن استخدامه لاحقاً لإنتاج الإيثانول. مراقبة كفاءة تحلُّل القمامة، والمنتجات النّفطيّة، والنّفثالين، والنّفايات الصّناعيّة الأخرى باستخدام بكتيريا مُعدَّلة وراثياً، تُنتج ضوءاً يتناسب مع كميّة النّفايات التي تمّ تحليلها. إنتاج الطّاقة الحيويّة والوقود الحيويّ: حيث يُمكن تحويل هذا الوقود الحيويّ إلى كحول، أو ديزل، أو نفط، أو منتجات طاقةٍ أخرى.