في موضوع سابق عندما تحدثنا عن الاشعة الكهرومغناطيسية ذكرنا ان كل جسم اذا كانت درجة حرارته أعلى من الصفر المطلق فانه يصدر اشعاعا في جميع الاتجاهات عبر نطاق واسع من الاطوال الموجية. وتعتمد كمية الطاقة الاشعاعية المنبعثة من سطح الجسم عند طول موجي معين على مادة ذلك الجسم وحالة سطحه وكذلك على درجة حرارة السطح. لذلك فان كمية الاشعاع المنبعثة لكل وحدة مساحة تختلف من جسم لاخر, حتى عندما تكون كل الاجسام في نفس درجة الحرارة.
ولكن هناك سؤال يطرح نفسه: ما هو الحد الاقصى من الاشعة التي يمكن ان تنبعث من سطح جسم ما عند درجة حرارة معينة؟
يتطلب الجواب على هذا السؤال معرفة الجسم المثالي,
المسمى بالجسم الاسود, ليكون بمثابة معيار يمكن من خلاله مقارنة الخصائص الاشعاعية للاسطح الحقيقية.
يتم تعريف الجسم الاسود على انه باعث وممتص مثالي للاشعاع, عند درجة حرارة وطول موجي معينين. فلا يمكن لاي جسم اخر ان يبعث كمية طاقة اكبر من الجسم الاسود الذي يمتص الاشعة من جميع الاتجاهات بغض النظر عن طول الموجة او اتجاهها. كما يقوم الجسم الاسود باصدار الطاقة الاشعاعية بشكل موحد في جميع الاتجاهات,
بمعنى انه مستقل عن الاتجاه.
في عام 1879 قام العالم الشهير جوزيف ستيفان بوضع قانون, سُمي بقانون ستيفان- بولتزمان ( Stefan- Botzmann law), ينص على أن (
الاشعة المنبعثة من الجسم الاسود لكل وحدة من مساحة السطح تتناسب مع درجة الحرارة المطلقة ذات الاس الرابع):
حيث ان ثابت ستيفان- بولتزمان:
ان قانون ستيفان- بولتزمان السالف الذكر يعطي الكمية الاجمالية لكل الاشعاع المنبعث من الجسم الاسود في جميع الاتجاهات وعلى جميع الاطوال الموجية. ولكن في بعض الاحيان نحتاج الى معرفة كمية الطاقة الاشعاعية المنبعثة من الجسم عند درجة حرارة معينة لكل وحدة زمنية ووحدة مساحة السطح ولكل طول موجي. فمثلا نحن قد نكون مهتمين فقط بكمية الاشعاع التي يصدرها مصباح الانارة ضمن نطاق الطول الموجي للضوء المرئي.
ان الفضل في جواب هذا السؤال يعود الى العالم الالماني ماكس بلانك الذي توصل في عام 1901 الى قانون سُمي باسمه, قانون بلانك ( Plank`s law), وكانت صيغته:
حيث ان:
على الرغم من ان الجسم الاسود يُرى بالعين اسودا, الا انه يجب التمييز بين الجسم الاسود المثالي والسطح الاسود العادي. فان أي سطح يمتص الضوء ( الجزء المرئي من الاشعاع الكهرومغناطيسي) سيبدو اسودا للعين, وسيظهر السطح الذي يعكسه ابيضا. وبالنظر الى ان الاشعاع المرئي يشمل نطاقا ضيقا للغاية من الطيف يتراوح بين 0.4 و 0.76 ميكرومتر, فاننا غير قادرين على الحكم فيما اذا الجسم اسودا, اي مثاليا, فقط من خلال الملاحظة البصرية. فمثلا الثلج عاكس للضوء وبالتالي يظهر باللون الابيض, ولكنه في الاساس اسود فيما يتعلق بالاشعة تحت الحمراء, وذلك لانه يمتص بقوة الاشعة ذات الطول الموجي الطويل.
اما الاجسام المطلية بالطلاء الاسود فانها تعتبر تطبيقا مثاليا لسلوك الجسم الاسود.
نوع اخر من الاجسام تشبه الى حد كبير خصائص الجسم الاسود, ان يكون الجسم مجوّف مع فتحة صغيرة بحيث تدخل الاشعة لداخله, كما هو موضح في الشكل التالي:
فان الاشعة القادمة من خلال الفتحة الصغيرة ستخضع لانعكاسات متعددة, وبالتالي ستكون هناك العديد من الفرص لامتصاصها من قِبَل الاسطح الداخلية للجسم قبل ان يتمكن اي جزء منها من الفرار. وايضا اذا كانت كل اجزاء السطح الداخلي متساوية في درجة الحرارة, T, فان الاشعة المنبعثة من ذلك السطح الداخلي سوف تتدفق من خلال الفتحة الصغيرة بعد خضوعها لعدة انعكاسات. وبالتالي سيكون لذلك الجسم طبييعة منتشرة تجعل من تجويفه الة امتصاص وانبعاث مثالية, وستكون الفتحة الصغيرة بمثابة الجسم الاسود عند درجة الحرارة T, بغض النظر عن الخصائص الاشعاعية الفعلية للتجويف.
تبدأ المدفأة الكهربائية باطلاق الاشعاع الحراري بعد توصيلها بالكهرباء, ويمكننا ان نشعر بتلك الطاقة المنبعثة اذا ما وضعنا ايدينا قريبا من المدفأة. لكن هذا الاشعاع يقع في نطاق الاشعة تحت الحمراء, وبالتالي فلا يمكن لاعيننا ان تراه. ومتى ما وصلت درجة حرارة المدفأة الى حوالي 1000 كلفن بحيث تتوهج المدفأة باللون الاحمر الباهت فانها ستبدأ باصداء كمية من الاشعة الحمراء المرئية. وعندما تصل درجة حرارة المدفأة الى 1500 كلفن فانها ستطلق اشعاعا كافيا في النطاق المرئي الكامل ليبدو لنا باللون الابيض, ويطلق عليه اسم (
الابيض الساخن).
على الرغم من انه لا يمكن للعين البشرية ان تراه مباشرة, فانه يمكن الكشف عن الاشعة تحت الحمراء بواسطة كاميرات صُنعت لهذا الغرض, والتي تقوم بنقل المعلومات الى معالجات دقيقة لتحللها وتظهرها على شكل صور. والتقنية التي تعمل بها هذه الكاميرات تشبه التقنية التي تتميز بها الافاعي, حيث انها تحدد مكان ونوع فريستها باستشعار الاشعة تحت الحمراء او حرارة الجسم القادمة من الحيوانات ذوات الدم الحار. فالافاعي على عكس الانسان يمكنها ان ترى بالليل دون استخدام اي ادوات رؤية.
مما سبق يتضح ان الاشعة المنبعثة لا تؤثر بلون جسم ما. فما لم تصل درجة حرارة الجسم حوالي 1000 كلفن فان الاشعة المنطلقة منه تبقى في نطاق الاشعة تحت الحمراء, وهي اشعة غير مرئية. وبدلا من ذلك فان لون سطح الجسم يعتمد على خصائص الامتصاص والانعكاس للاشعة الواقعة عليه. فنحن نرى اوراق الاشجار خضراء عندما يسقط عليها الضوء لانها تحتوي على مادة الكلوروفيل التي تعكس اللون الاخضر بقوة بينما تمتص الالوان الاخرى.
لمراجعة موضوع الاشعة الكهرومغناطيسية,
اضغط هنا
نلتقي في موضوع اخر