الرفق في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
الرفق من الأخلاق السامية الرفيعة التي يتحلى بها كل من ملأ الله قلبه بالرحمة والشفقة على خلق الله سبحانه وتعالى.. وبالرفق تملك القلوب والأرواح وتحقق به ما لا يمكن تحقيقه بالتعنيف والتوبيخ والقسوة.
وقد تمثل هذا الخلق الراقي في سيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أفضل تمثيل، يقول سبحانه وتعالى موجهاً رسوله الكريم بهذا الخلق الرفيع،:
(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)
(آل عمران:159).وقال سبحانه لنبيه-موسى- (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه:43-44).
وخلق الرفق يكتسبه الإنسان من صلته بالله سبحانه وتعالى، لأنه مشتق من رحمة الله عز وجل، وهكذا كان الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله فقد كان ليناً في أقواله وأفعاله، فهو يألف ويؤلف، يحبه كل من حوله، مَن رآه بديهة هابه، ومَن عامله أحبه، هذا هو الرفيق بمنعكس إيماني، الأصل هو الإيمان، هذا الإيمان من مظاهره أن المؤمن رفيق بمَن حوله.
والآية الكريمة تقول: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾ .. هذه الباء باء السبب، وهو ما يعني أنه بسبب رحمة الله واتصال الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بالله سبحانه وتعالى استقرت في قلبه الرحمة واللين.
والسيرة النبوية الشريفة مليئة بمواقف رفق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد رفق بأهل الطائف اللذين آذوه واستقبلوه بالسخرية وسلطوا عليه صبيانهم وسفهائهم يؤذوه ، وكان بإمكانه أن يلغي وجودهم عندما أتاه جبريل عليه السلامه وقال له: " إن شئت أُطبق عليهم الأخشب"، لكنه اعتذر عنهم ، ولم يتبرأ منهم، ودعا الله لهم فقال: اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحدك.
وكذلك في فتح مكة فقد ناصبه أهلها العداء وأخرجوه من أحب البلاد إليه وتفننوا في التنكيل به وبأصحابه الذين آمنوا، وقادوا حروباً ثلاثة ليستأصلوا الإسلام ثم فتحت مكة، وعشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر حركة من شفتي النبي عليه الصلاة والسلام وعلى آله، وكان بإمكانه أن ينتقم أشد الانتقام، كان بإمكانه أن يأمر بإبادتهم، ولكنه ما زاد عن أن قال: "ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء".
وكان كان الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم رفيقًا حتى بالحيوانات، فعن أم المؤمنين عائشة-رضي الله عنها- أنها كانت مع رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- في سفر على بعير صعب، فجعلت تصرفه يميناً وشمالاً فقال رسول الله-صلى الله عليه وآله وسلم- : "يا عائشة عليك بالرفق فإنه لا يدخل في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه".
وكان أحد الأعراب قد جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو ماشيًا وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فشد النبي من ردائه شدة عنيفة، فأثرت في عنق النبي، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضحك ثم أمر له بعطاء.
حتى عندما في توجيهه عليه الصلاة والسلام وعلى آله للمخطئين كان رفيقًا فعن أَبي هريرة -رضي الله عنه- قَال: بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه فقال النبي -صلى الله عليه وآله سلم : "دعوه وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء، إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين".
وكذلك رفقه بالعصاه عندما جاءه رجل فقال له: يا رسول الله هلكت. قال: ما لك؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم. فقال -صلى الله عليه وآله وسلم-: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. فقال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا. فمكث النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فبينما نحن على ذلك أُتي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بعرق فيه تمر والعرق المكتل فقال: أين السائل؟ فقال: أنا. فقال: خذه فتصدق به.
فعليكم بالرفق والاقتداء بالحبيب صلى الله عليه وآله وسلم فإنه ما خير بين شيئين إلا اختار أيسرهما، وأنه ما تعامل مع الناس إلا بالرفق، فأرفقوا بخلق الله جميعًا من إنسان أو حيوان وكل من تتعاملون معه لكي تنالوا دعاء الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهم من رفق بأمتي فارفق به".