يَا وَحْشَةَ الطُّرُقَاتِ
لاَ خَبَرٌ يَجِيءُ مِنْ الْعِرَاقِ
وَلاَ نَدِيِمٌ يُسْكِرُ اللَّيْلَ الطَّوِيلْ
مَضَتِ السُّنونُ بِدُونِ مَعْنَى يَا ضَيَاعِي
تَعْصِفُ الصَّحْرَاءُ وَقَدْ ضَلَّ الدَّلِيلْ
لَمْ يَبْقَ لِي مِنْ صَحْبِ قَافِلَتِي سِوَى ظِلِّي
وَأَخْشَى أَنْ يُفَارِقُنِي
وَإِنْ بَقِيَ الْقَلِيلْ
هَلْ كَانَ عَدْلٌ أَنْ يَطَولَ بِيَ السُّرَى
وَأَرَاكَ تَنْأَى أَيُّهَا الْوَطَنُ الرَّحِيلْ ؟؟؟
هَلْ كَانَ عَدْلٌ ؟؟ أَمْ كَأَنَّ كَانَ قَصْدِي الْمُسْتَحِيلْ !!!
نَفَثَتْ بِيَ الأَحْزَانُ كُلَّ سُمُومِهَا
فَرَفَعْتُ رَأسِيَ لِلسَّمَاءِ صَلاَبَةً
وَرَسَمْتُ رَغْمَ السُّمِّ
مِنْ عُودِي لَهَا ظِلاَّ ظَلِيلْ....
وَتُحَاوِلُ الأَيَّامُ مِمَّا جَرَّعَتْنِي الْيَأسَ
ثُمَّ هَضَمْتُهُ أَمَلاً
أنْ تُضَاعِفَ جُرْعَتِي
فَأُضَاعِفُ الصَّبْرَ الْجَمِيلْ
إِنِّي أَرَى يَوْمَ انْتِصَارِ النَّاسِ
رَغْمَ صُعُوبَةِ الرُّؤْيَا
وَأَسْمَعُ مِنْ هُتَافِي فِي الشَّوَارِعِ
سِيَّمَا فِي سَاحَةِ التَّحْرِيرِ
نَخْبَكَ يَا عِرَاقُ
وَلَيْسَ ذُو أَمَلٍ كَلِيلْ
لِي حَانَةٌ ذَهَبَتْ بِلُبِّ الْخَمْرِ
لاَ يَرْتَادُهَا إِلاَّ المُقَطَّرُ مِنْ رِفَاقِ الَّليْل
مَوْصُولُ الصَّلاةِ وَزَائِدٌ إِلاَّ بِرَشْفَاتٍ صَغِيرَاتٍ
فَهَمُّ اللَّيْلِ هَمٌّ دُونَمَا خَمْرٍ ثَقِيلْ
وَيُثِيرُنِي أَنَّ الكُوَى فِيهَا شَذَى شَمْسُ الْعِرَاقِ
وَإِنْ بَنَى فِيهَا الدُّجَى أَعْشَاشَهُ
وَتَهُبُّ أَنْسَامٌ تُعِيدُ طُفُولَتِي
أَعْدُو لأسْبِقَهَا وَلَوْ شِبْراً
وَأَسْقُطُ لاَهِثَاً فَرِحَاً بأَحْضَانِ النَّخِيلْ
يَا أَيُّهَا السَّاقِي أَدِرْهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ عَلَى مَنْ يَعْرِفُونَ مَقَامَهَا !
بِزُجَاجَةٍ نَشْوَى كَقَلْبِكَ سَيِّدِي
وَأَرَاكَ تَغْفُو لاَ عَلَيْكَ
إِغْلِقْ عَلَيَّ الْبَاب وَاتْرُكْنِي وَقِنِّينَاتِكَ وَالصَّهْبَاءَ
أَفْتَضُّ الْمَعَانِيَ الْبِكْرَ فِي خُلُقٍ
فَإِنَّ الْعُمْرَ يَمْضِي
وَالَّذِي يَأتِي مِنْ الأيَّامِ أَيُّهَا السَّاقِي قَلِيلْ
أَهَبُ الْقَبِيحَةَ سُكَّراً مِنْ نَاظِريَّ تَحْلُو
وَتَمْلأُ رَاحَتِي عَسَلاً عِرَاقِيّاً
وَإِن كَانَتْ شَآمِيَّةً تَمِيلْ
جَرَّبْتُ فِيكَ مُسَكِّنَاتٍ
هُنَّ أَحْوَجُ لِلْمُسَكِّنِ
مَنْ كَانَ خَمْرَتُهُ الْوُجُودَ بِأَسْرِهِ
مَا سِكِرَ مِنْ جُرْعَةٍ إلاًّ يُلَمِّحُ
أَنَّهُ دُنْياً وَآخِرَةً عَلَى ظَمَأٍ لِسَاقِيهَا الْجَمِيلْ
مُسْتَأنِسَ الرُّوُحِ أَشُقُّ الَّليْلَ
أَحْدَاقُ الذِّئَآبِ تُجِيلُ فِيَّ رِغَابَهَا وأَنَا أُجِيلْ
وَيَكَادُ عَطَشُ اللُّهَاثِ بِعُيُونِهَا
يُذْكِي الْمَدَى فَيَفِيحَ بَخُورُ السَّنَابِلِ بالشَّرِيفِ مِنْ الشَّذَى
وَإلى الْعِرَاقِ يُغَرِّدُ الظِّلُّ الظَّلِيلْ
مَا وَحْشَةٌ تُدْمِي كَوَحْشَةِ بُعْدِهِ
وَأَظُنُّ دَاَءً لاَ يُدَاوَى
مَاءُ دِجْلَةَ فِي الصَّبَاحِ بِهِ كَفِيلْ
إِرْشِفْ فَدَيْتُكَ
مَاءَنَا ، قَدْ ذَوَّبَتْ فِيهِ السَّمَاءُ نُجُومَهَا
سُكْرَاً بِلاَ إثمٍْ
سِوَى إِنْ كُنْتَ تَصْحُو مِنْ مَحَبَّتِكَ الْعِرَاقَ
وَلاَ أَظُنُّ مُحِبَّاً لَهُ يَمِيلُ يَوْمَاً لِغَيْرِهِ
وَكَذَاكَ هَيْهَاتَ الْعِرَاقُ لِغَيْرِ عَاشِقِهِ يَمِيلْ
هَذَا ابْنُ هَانِي يَعْبُرُ الْجِسْرَ الْعَتِيقَ
كَنَوْرَسٍ تَعِبَتْ بِهِ الأيَّامُ
مِمّا فِي سَمَاوَاتِ الكُؤوسِ مُحَلِّقاً
أَوْ مَا يُمَزْمِزُ مِنْ شِفَاهٍ تُنْعِشُ الْقَلْبَ الْعَلِيلْ
أَيُعَاقَبُ السَّكْرْانُ مُرْتَجِفاً بِبَابِ حَبِيبِهِ يَغْفُو وَلاَ يَغْفُو ؟!
وَرَغْمَ الْبُخْلِ يَهْتِفُ : يَا كَرِيمَ الْحُسْنِ !
يَا جُودٌ وُجُودَكَ ... إنَّمَا الزَّمَانُ بَخِيلْ
خَبِرْتُ الدُّنْيَا كُلَّهَا وَآهٍ مِنْ وَحْشَةِ الطُّرقَاتِ وَنَاسِهَا
وَوَاهٍ مِنْ الانْكِسَارِ الْمَرِيرِ بِعَيْنِ الرِّجَالِ
يَمُدُونَ أَيْدِيَهُم لِزَمَانٍ هُمُ أَكْرَمُوهُ
وَلَمْ أرَ مِثْلَ الْعِرَاقِ كَرِيمَاً خَجُولْ ..
كَأسُ ابْنِ هَانِي لَمْ يُهَادِنْ وَقْتَهُ
وَرَأى بِكَأسِ الْخَمْرِ كَيْفَ يُؤَدَّبُ السُّلْطَانُ
يَا سِكِّيْرُ يا حُلْوَ الصِّفَاتِ
لَنَا سَلاَطِينٌ إذَا شَاهَدتَّهُم فِي الْخَمْرِ
يُمْسِي الْخَمْرُ سُمّاً قَاتِلاً
والصَّمْتُ سَيَّافٌ طَوِيلْ
آهٍ ابْنُ هَانِي
عِشْتَ فِي زَمَنٍ لَهُ سَفَّاحُهُ
إنَّا بِسَفَّاحِينَ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ
سُيُوفُهُم فَوْقَ الرِّقَابِ وَهُمُ مَطَايَا أجْنَِبيٍّ
كُلَّمَا زَمَّ اللِّجَامَ تَرَافَسُوا
حَتَّى لِتَحْسَبُهُمْ حَوَافِرَ ....كُلُّهُم عَمِيلْ
أَيْنَ الْعِرَاقُ أَبُثُّه قَبْلَ الْجَمِيعِ غِيَابَهُ
وَيُزَوِّرُونَ حُضُورَهُ
وَلَهُمُ خَرَائِطُ غَيْرَ مَا رُسِمَتْ بِقَلْبِي
كُلُّ شَيءٍ قَدْ تَغَيَّرَ ،، إنَّمَا يَبْقَى الَّذِي فِي مُهْجَتِي
أَصْلُ الْخَرَائِطِ كُلِّهَا وَيَظَلُّ _مَهْمَا حَاوَلُوا التَّشْوِيهَ
يَسْتَعْصِي عَلَى سَرْجِ الْمُرُوءَةِ شَامِخَاً جِيلاً فَجِيلْ
أَوَّاهُ إِذ طَالَ الْفِرَاقُ... عِرَاقُ
وَعَاشَ مَوْتِي غُرْبَةً أُخْرَى بِغَيْرِ تُرَابِهِ
سَأصِيحُ فِي الَّليْلِ الْبَهِيمِ :
أَنَا الْعِرَاقُ مَتَى أَعُودُ إِلَى الْعِرَاقِ
لِيَغْسِلَ النَّهْرَانِ وَعْثَاءَ الزَّمَانِ وَوَحْشَتِي
وَ أَعُودُ إِلَى حَيْثُ أُمِّي نَخْلَةٌ وَأَنَا بِجَانِبِهَا فَسِيلْ ؟؟
اللُّبُّ أَبْيَضٌ نَاصِعٌ
وَيَبُثُّ سَعَفِي الْخِصْبَ فِي النَّسَمَاتِ
مَا مِنْ نَسْمَةٍ إلاَّ وَمِنِّي أُتْئِمَتْ بَدَلَ الرَّبِيعِ اثْنَينِ
يَا مَوْلاَي لَوْ زُرْتَ الْعِرَاقَ
قِفْ لِي بِمِحْرَابِ الْوُجُودِ
وَقَبِّلِ الْعَتَبَاتِ شَمِّرْ عَنْ هَدِيلِ الرُّوحِ
يَعَرِفُكَ الْعِرَاقُ مِنْ الْهَدِيلْ ...
سَيُضَافُ الْحُزْنُ ..رَغْمَ الْجُوعِ ..
إلىَ بَلَدٍ يُغَذِّي الأرْضَ
بَسَمَتْ ثَعَالِبُهُ وَمَاتَ النَّاسُ مِنْ مَرَضٍ سِيَاسِيٍّ وَبِيلْ
وَلَقَدْ يَكُونُ الْحُزْنُ بِنَا مَخْلُوقاً مُتَوَحِّشَاً
لَكِنَّهُ وَحْشٌ خُرَافِيٌّ نَبِيلْ
اشْرَبْ فَدَيْتُكَ اسْكِتِ الأوْجَاعَ وَالْمِذْيَاعَ
بَاعُونَا خِرَافَاً جُمْلَةً أوْ مُفْرَداً
بَلْ أنْزَلُوا مَا لاَ يُقَالُ إلى الْحِذَاءِ
وَظُرُوفٌ عَصِيبَةٌ وَلَنَا سِلاَحٌ آخَرُ .....النَّفْـطُ ؟!
أيْنَ زَمَانُكَ يَاعِرَاقُ؟ أمِ الزَّمَانُ صَارَ مِثْلُكَ قَتِيلْ!!
قَالُوا : يَا مَعَاذَ اللهِ بَلْ نَبْكِي بِبَابِ الدَّوْلَةِ الْكُبْرَى زَماَناً
فَقَدْ يُجْدِي الْعَوِيلْ
اشْرَبْ فَدَيْتُكَ وَاسْقِي الْكَرْمَةَ حَظَّهَا
وَاخْرُجْ إلَى الطُّرُقَاتِ هَرِّجْ
بِالدُّمُوعِ وَبِالصِّيَاحِ وَإصْبَعِي الْوُسْطَى
فَقَدْ حَارَ بِنَا الدَّلِيلْ
كَفَرْنَا بِدَكَاكِينِ ابْنِ آوَىَ
يَا حَلاَّقَاتِ الْجُيُوبِ
بِمِشْطِكُمُ وَالْمَاءِ وَالصَّابُونِ وَالْكُرْسِيِّ طَبْعاً وَالْمَرَايَا
إنَّمَا أيْنَ الْعِرَاقُ؟ أَغَيْبَةٌ أخْرَى؟ إلَى زَمَنٍ طَوِيلْ ؟؟؟