لنبدأ هذا الموضوع بافتراض اننا نعلق مصباحا ذا حرارة مرتفعة في سقف غرفة ما. فسوف نلاحظ ان ذلك المصباح سيبرد في النهاية ويصل الى التوازن الحراري مع محيطه, بمعنى انه يفقد من الحرارة حتى تصل درجة حرارته الى ما هي عليه في الغرفة.
ومع افتراض ان الغرفة كانت مفرغة من الهواء فسوف يتعذر الانتقال الحراري بالتوصيل او الحمل, لان هاتين الاليتين لا يمكن ان يحدثها في الفراغ. فيجب اذن ان تكون الحرارة قد انتقلت من خلال الية اخرى تنطوي على انبعاث للطاقة الداخلية من الجسم الساخن, فكانت هذه الالية هي
الاشعاع.
كأهم انجاز في دراسة الاشعاع فان الفضل في ذلك يعود الى العالم الاسكتلندي الشهير جيمس كلارك ماكسويل ( James Clerk Maxwell), الذي وضع فرضية ما يُعرف
بنشوء الموجات الكرومغناطيسية عام 1864, حيث افترض ان المجال الكهربائي المتغير او المتسارع يؤدي الى مجالات كهربائية ومغناطيسية. وتسمى هذه المجالات بالموجات الكهرومغناطيسية (
Electromagnetic waves) او الاشعاع الكهرومغناطيسي (
Electromagnetic radiation). وهذه الموجات او الاشعة تستطيع قطع مسافة كبيرة جدا بسرعة الضوء, فالضوء نفسه ليس الاّ موجة كهرومغناطيسية.
James Clerk Maxwell (1831-1879)
على الرغم من ان جميع الموجات الكهرومغناطيسية لها نفس الخصائص العامة, الا انها تختلف في سلوكها تبعا لاختلاف طولها الموجي الذي يتراوح بين اقل من (
10-^10) مكيرومتر للاشعة الكونية وبين اكثر من (
10^
10) ميكرومتر لموجات الطاقة الكهربائية.
ويشمل الطيف الكهرومغناطيسي ايضا الاشعة السينية واشعة غاما والاشعة فوق البنفسجية وتحت الحمراء وكذلك الضوء المرئي والاشعاع الحراري وموجات الراديو وافران الميكرويف.
Electromagnetic waves
يتم انتاج الانواع المختلفة من الاشعاع الكهرومغناطيسي من خلال اليات مختلفة. على سبيل المثال, يتم انتاج اشعة غاما بالتفاعل النووي, والاشعة السينية يتم انتاجها بواسطة انتقال الالكترون في غلاف الذرة من مستوى عالِ جدا من الطاقة الى مستوى منخفض. ونحصل على موجات الراديو بواسطة تدفق التيار المتردد من خلال الموصلات الكهربائية.
اما بالنسبة لنوع الاشعاع الكهرومغناطيسي المرتبط بنقل الحرارة فهو
الاشعاع الحراري المنبعث نتيجة لتحولات الطاقة في الجزيئات او الذرات او الالكترونات. وتعتبر درجة الحرارة هي المقياس لقوة نشاط هذه الاشعة, فكلما ارتفعت درجة الحرارة كلما ازداد معدل انبعاث الاشعة الحرارية. وكقاعدة عامة فان الاشعة الحرارية تنبعث باستمرار من جميع المواد التي تكون درجة حرارتها أعلى من الصفر المطلق (بمقياس كلفن), بمعنى أن كل شئ حولنا كالبشر والاثاث والاشجار وغيرهم يُصدر ( وايضا يمتص) الاشعة الحرارية.
ان الالكترونات والذرات والجزئيات من جميع المواد الصلبة والمائعة فوق درجة حرارة الصفر المطلق تكون في حالة حركة مستمرة, ومن ثم تنبعث منها الاشعة الحرارية باستمرار, وكذلك يتم امتصاصها او نقلها عبر كامل حجم المادة, وهذا ما يسمى بالظاهرة الحجمية (
Volumetric phenomenon).
وبالنسبة للمواد الصلبة غير الشفافة مثل الصخور والخشب فان الاشعاع يُعتبر ظاهرة سطحية, اي ان الاشعاع المنبعث من المناطق الداخلية لا يصل الى السطح ابدا.
ويُعرف الاشعاع الحراري ايضا بانه جزء من الطيف الكهرومغناطيسي الذي يقع ضمن الطول الموجي من 0.1 الى 100 ميكرومتر, فالاشعة المنبعثة من الجسم بسبب درجة حرارته فانها تنخفض بالكامل تقريبا في نطاق الطول الموجي هذا. وعليه فان الاشعاع الحراري يشمل الاشعة ضمن النطاق المرئي والاشعة تحت الحمراء بالكامل وجزء من الاشعة فوق البنفسجية.
وما نسميه
الضوء هو ببساطة الجزء المرئي من الطيف الكهرومغناطيسي الذي يقع بين 0.40 و 0.76 ميكرومتر. ولا يختلف الضوء بشكل مميز عن الاشعاع الكهرومغناطيسي , سوى انه يحدث لاثارة الاحساس بالرؤية في العين البشرية. ويتكون الضوء, او الطيف المرئي, من اشرطة ضيقة من الالوان تتراوح من البنفسجي ( 0.40-0.41 ميكرومتر) الى اللون الاحمر ( 0.63-0.76 ميكرومتر).
يسمى الجسم الذي يصدر بعض الاشعاع في النطاق المرئي باسم (
مصدر الضوء), وتُعتبر الشمس مصدر الضوء الاساسي لدينا. ويُعرف الاشعاع الكهرومغناطيسي المنبعث من الشمس باسم (
الاشعاع الشمسي). وتقريبا فان الاشعاع الشمسي هو كل ما يقع في نطاق الطول الموجي (0.3-3 ميكرومتر). وذلك يعني ان ما يقرب من نصف الاشعاع الشمسي هو ضوء ( اي انه يقع في نطاق المرئي), مع ما تبقى من الاشعة فوق البنفسجية والاشعة تحت الحمراء.
Solar radiation
اما الاشعة المنبعثة من الاجسام عند درجة حرارة الغرفة فانها تقع في منطقة الاشعة تحت الحمراء, والتي تمتد من 0.76 الى 100 ميكرومتر. وتبدأ الاجسام باصدار اشعة مرئية ملحوظة عند درجات حرارة أعلى من 800 كلفن. ويجب تسخين اسلاك التنغستن (Tungsten) في المصباح الى درجات حرارة أعلى من 2000 كلفن قبل ان تتمكن من اصدار اي كمية من الاشعاع ضمن المدى المرئي.
Tungsten
تكون
الاشعة فوق البنفسجي, وهي الاشعة التي تقع بين نطاق الطول الموجي 0.01 و 0.40 ميكرومتر, تكون في نهاية منطقة طيف الاشعاع الحراري. ويجب تجنب هذه الاشعة لانها يمكن ان تقتل الكائنات المجهرية وتسبب اضرارا جسيمة للانسان وللكائنات الحية الاخرى. حوالي 12% من الاشعاع الشمسي يقع في نطاق الاشعة فوق البنفسجي, وسيكون مدمرا اذا ما تمكن من الوصول الى سطح الارض.
ولحسن الحظ فان طبقة الاوزون (O3) في الغلاف الجوي تمتص معظم هذه الاشعة فوق البنفسجية, ولكن المقدار المتبقي الذي يصل الى الارض كافٍ للتسبب في حروق خطيرة عند التعرض المطوّل لاشعة الشمس المباشرة الى درجة يمكن ان تسبب بسرطان الجلد الى مستوى مميت.
وللعلم فانه يتم ايضا انتاج الاشعة فوق البنفسجية بشكل مصطنع مثلا في مصابيح فلوريسنت المستخدمة في قتل الحشرات.
تستخدم
اجهزة الميكروويف الاشعة الكهرومغناطيسية ذات الموجات القصيرة المنبعثة من مولد المكيروويف المسمى بالماغنطرون (
Magnetron). وفي نطاق (2^10 - 5^10) ميكرومتر تكون الاشعة مناسبة جدا للاستخدام في الطهي لانها تنعكس في المعادن, وتنتقل عن طريق الزجاج والبلاستيك لتمتصها جزيئات الطعام, خصوصا السوائل. وبالتالي فان الطاقة الكهربائية المحولة الى الاشعاع في فرن الميكروويف تصبح في نهاية المطاف جزءا من الطاقة الداخلية للغذاء. ان الاداء السريع والفعال لافران الميكروويف جعل منها واحدة من الاجهزة الاساسية في المطابخ الحديثة.
Microwave
تستخدم
الرادارات والهواتف اللا سلكية ايضا الموجات الكهرومغانطيسية التي تقع في نطاق الميكروويف. ويتراوح طول تلك الموجات المستخدمة في الاذاعة والتلفاز عادة بين 1 و 1000 متر في منطقة الموجة الراديوية من الطيف.
في عام 1912 وبعد عدة تجارب اكتشف الفيزيائي فيكتور هس ( Victor Hess) ان هناك جسيمات ذات طاقة عالية جدا يصل تدفقها الى اكثر من (19^10 eV) لكل كيلومتر مربع في السنة.
Victor Hess (1883-1964)
هذه الجسيمات التي تتحرك في الفضاء وتصطدم بالطبقات العليا من غلاف الارض الجوي بسرعة قريبة من سرعة الضوء أُطلق عليها اسم الاشعة الكونية (
Crosmic ray), وهي تقع في الطول الموجي دون الـ (7-^10) ميكرومتر. تتكون هذه الاشعة من 90 % من البروتونات و 9% من جسيمات الفا و 1% من الالكترونات, اي جسيمات بيتا, وتُعتبر الرياح الشمسية اهم مصادر انتاجها.
نلتقي بموضوع اخر