سعيد بن المسيب اسمه ونسبه:
هو سيِّد التابعين، وقدوة السَّلف، فقيهُ الفقهاء السَّبعة، جبل العلم، وآية الحفظ، الشيخ الكامل، والعالم العامل، القويُّ في الحقِّ، والثابت عند الشَّدائد، الزَّاهد العابد، الإمام العلامة أبو محمد سعيد بن المسيِّب حزن بن أبي وهب القرشيُّ المخزوميُّ المدنيُّ.
روى ابن سعد بسنده عن عليِّ بن زيد عن سعيد بن المسيب: أنَّ جده حزنًا أتى النبيَّ صلى اله عليه وسلم فقال: ما اسمك؟ قال: أنا حزن، قال: بل أنت سهل، قال: يا رسول الله، اسمٌ سمَّاني به أبواي، فعُرفت به بين الناس، قال: فسكت عنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال سعيد: مازلنا تُعرفُ الحُزونة فينا أهل البيت، والنَّاظر لسيرة الإمام وحياته يعلمُ صحَّة هذا الأثر.
وُلد في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأربعٍ مضين منه، وقيل لسنتين مضتا منه، وقيل في آخره، وقد ولد في المدينة، ورغم نسبه القرشيِّ في أعرق بطونها –بني مخزوم– إلا إنه نشأ في المدينة، وترعرع وتعلَّم به، وظلَّ فيها طوال حياته لم يفارقها أبدًا إلا لحجٍّ أو عمرة أو جهاد، وكانت المدينة وقتها عاصمة الخلافة، ودرة الأمصار الإسلامية، بها ثُلَّةٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه رضوان الله عليهم، فاستغنى سعيد بن المسيِّب بالمدينة عن غيره، وانقطع لمن بها من الصحابة والأعلام، فنهل من علومهم، واغترف من معين معارفهم، ولشدَّة اهتمامه بالحديث أحبَّه الصَّحابة جميعً، وأثنَوا عليه، وزوَّجه أبو هريرة رضي الله عنه من ابنته، واصطفاه بالرعاية والعناية، وحمل سعيد بن المسيِّب حديث أبي هريرة كلَّه، وهو الصحابيُّ الأكثر روايةً من بين الصَّحابة، كما اختصَّ سعيد بن المسيِّب بحديث ابن عمر رضي الله عنهما وحمل عنه علمَ أبيه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، خاصَّة أقضيته الشهيرة، حتى برع فيه، وصار النَّاس يسألونه عنها حتى في وجود ابن عمر نفسه.
علم سعيد بن المسيب:
عن يحيى بن حبان، قال: كان رأس المدينة في دهره، المقدَّم عليهم في الفتوى سعيد بن المسيِّب، ويُقال: فقيه الفقهاء. وقال قتادة: ما رأيتُ أحدًا أعلم بالحلال والحرام من سعيد بن المسيِّب. وعن هشام بن سعد، قال: سمعت الزُّهريَّ يقول، وسأله سائل عمَّن أخذ سعيد بن المسيِّب علمه؟ فقال: عن زيد بن ثابت، وجالس سعد بن أبي وقاص، وابن عباس، وابن عمر، ودخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: أم المؤمنين عائشة، وأم سلمة، وكان قد سمع من عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وصهيب بن سنان الرومي، ومحمد بن مسلمة، وجلُّ روايته المسندة عن أبي هريرة، وكان زوجَ ابنته، وسمع من أصحاب عمر، وعثمان، وكان يُقال: ليس أحدٌ أعلمَ بكلِّ ما قضى به عمر وعثمان منه.
قال عبَّاس الدوري: سمعتُ يحيى بن معقل يقول: مرسلات سعيد بن المسيِّب أحبُّ إليَّ من مرسلات الحسن، ومرسلات إبراهيم صحيحة؛ إلا حديثَ تاجر البحرين، وحديثَ الضحك في الصلاة.
وقال أبو طالب: قلت لأحمد بن حنبل: سعيدُ بن المسيِّب؟ فقال: ومَن مثلُ سعيد بن المسيِّب؛ ثقةٌ من أهل الخير. قلت: سعيد عن عمر حجة؟ قال: هو عندنا حجة؛ قد رأى عمر، وسمع منه، وإذا لم يُقبل سعيد عن عمر؛ فمن يُقبل؟!
وعن مالكٍ: أن القاسم بن محمد، سأله رجلٌ عن شيء، فقال: أسألتَ أحدًا غيري؟ قال: نعم، عروة، وفلانً، وسعيد بن المسيِّب. فقال: أطع ابن المسيِّب؛ فإنَّه سيدُنا وعالمنا.
وكان أعلم الناس بقضايا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، حتى قال عن نفسه: "ما أحد أعلم بقضاء قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر وعمر مني". وروي عنه كثير من كبار العلماء. وقد لفت تميزه في العلم والفقه نظر بعض الصحابة والتابعين حتى أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وجد رجلا سأله عن مسألة فقال له: إيت هذا فسله -يعني سعيدا- ثم أرجع إلي فأخبرني، ففعل ذلك وأخبره، فقال ابن عمر لمن حوله لما أخبر بإجابة سعيد معبرا عن إعجابه. وقال مالك: كان يُقال لابن المسيِّب: "راوية عمر"؛ فإنه كان يتبع أقضية عمر يتعلَّمها.
وقد بلغ من الثقة في علمه وفقهه أنه كان يفتي والصحابة أحياء وقد أعانه على الوصول إلي تلك المنزلة ما كان يتمتع به من حافظة واعية وتفان في تحصيل ألوان المعارف، حتى إنه كان لا ينسى من يلقاه من طلابه، فقد حدث عمران بن عبد الله الخزاعي قال: "سألني سعيد بن المسيب فانتسبت له، فقال: "لقد جلس أبوك إلي في خلافة معاوية" ويقول: "والله ما أراه مر على أذنه شيء قط إلا وعاه".
وعن أبي حسين قال: سعيد بن المسيِّب، أعلم الناس بما تقدَّمه من الآثار، وأفقهُهم في رأيه. وعن عبد الرحمن بن أبي الزِّناد، عن أبيه قال: كان السبعة الذين يسألون بالمدينة، ويُنتهى إلى قولهم: سعيد بن المسيِّب، وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عبدالله بن عتبة، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد، وسليمان بن يسار، وقد نظمهم بعض الفضلاء، فقال:
ألا كـلُّ من لا يَقتــدي بأئمـَّـة *** فقسمتُه ضيزى عن الحقِّ خارجه
فخذهم عبيدُ الله عروة قاسـم *** سعيد سليمـــــان أبو بكـر خارجـه
علمه بالتعبير:
قال الذهبي: قال الواقدي: كان سعيد بن المسيِّب من أعبر النَّاس للرُّؤي، أخذ ذلك عن أسماء بنت أبي بكر الصديق، وأخذته أسماء عن أبيها.
وروى ابنُ سعد في الطبقات عدة منامات، وتفسير ابن المسيِّب له، ونقله عنه الذهبيُّ في سيره، فمن ذلك ما رواه عمرو بن حبيب بن قليع، قال: كنت جالسًا عند سعيد بن المسيِّب يومً، وقد ضاقت بي الأشياء، ورهقني دين، فجاء رجلٌ فقال: رأيتُ كأني أخذت عبد الملك بن مروان، فأضجعتُه إلى الأرض وبطحته، فأوتدت في ظهره أربعة أوتاد، قال: ما أنت رأيتها؟ قال: بلى. قال: ل، أخبرك، أو تخبرني. قال: ابن الزبير رآه، وهو بعثني إليك. قال لئن صَدَقَت رؤياه قتله عبد الملك، وخرج من صُلب عبد الملك أربعة، كلُّهم يكون خليفة. قال: فرحلتُ إلى عبد الملك بالشَّام فأخبرته، فسُرَّ، وسألني عن سعيد وعن حاله، فأخبرته، وأمر بقضاء ديني، وأصبتُ منه خيرًا.
وعن إسماعيل بن أبي الحكم، قال: قال رجلٌ: رأيتُ كأنَّ عبد الملك بن مروان يبول في قبلة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أربع مرات، فذكرتُ ذلك لسعيد بن المسيِّب، فقال: إن صَدَقت رؤياك، قام فيه من صُلبه أربعة خلفاء.
وقيل له: يا أبا محمد، رأيت كأنِّي في الظل، فقمت إلى الشمس، فقال: إن صَدَقَت رؤياك لتُخرَجنَّ من الإسلام، قال: يا أبا محمد، إني أراني أُخرجت حتى أُدخلت في الشمس فجلست، قال: تُكره على الكفر، قال: فأُسِرَ وأُكره على الكفر، ثم رجع، فكان يُخبر بهذا بالمدينة.
وعن عمران بن عبد الله، قال: رأى الحسن بن عليٍّ كأنَّه بين عينيه مكتوب: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]، فاستبشر به وأهلُ بيته، فقصُّوها على سعيد بن المسيِّب، فقال: إنْ صدقت رؤياه، فقلَّ ما بقي من أجله، فمات بعد أيام.
وعن شريك بن أبي نمير، قال: قلتُ لابن المسيِّب: رأيتُ في النوم كأنَّ أسناني سقطت في يدي ثم دفنته، فقال ابن المسيِّب: إن صدقت رؤياك، دُفنت أسنانُك من أهل بيتك.
وعن شريك ابن أبي نمير، عن ابن المسيِّب، قال: التَّمر في النوم رِزق على كلِّ حال، والرُّطب في زمانه رزق. وعن ابن المسيِّب قال: آخرُ الرؤيا أربعون سنةً -يعني: تأويلها.
عبادة سعيد بن المسيب:
كان سعيد بن المسيب إمامًا من كبار علماء الأمة، وممن جمع بين العلم والعمل، فلقد كان عابدًا ورعًا تقيًا مشهورًا بالمحافظة على صلاة الجماعة والصف الأول وتكبيرة الإحرام، عن ابن حرملة، عن سعيد بن المسيِّب، أنه قال: ما فاتتني الصلاةُ في جماعةٍ منذ أربعين سنة. وعن عثمان بن حكيم، قال: سمعت سعيد بن المسيِّب، يقول: ما أذَّن المؤذن من ثلاثين سنة، إلا وأنا فى المسجد. وعن عبد المنعم بن إدريس، عن أبيه قال: صلَّى سعيد بن المسيِّب الغداةَ بوضوء العتمة خمسين سنة، وقال ابن المسيِّب: ما فاتتني التكبيرةُ الأولى منذ خمسين، وما نظرتُ في قفا رجل في الصَّلاة منذ خمسين سنة.
حتى أن مسلم بن عقبة المري لما استولى على المدينة سنة 63هـ في موقعة الحرة منع الناس من الصلاة في المسجد النبوي، فخاف الجميع منه ما عدا سعيد بن المسيب الذي رفض أن يخرج من المسجد النبوي ويترك صلاة الجماعة.
وعن ابن حرملة، عن سعيد بن المسيِّب: أنه اشتكى عينه، فقالوا له: لو خرجتَ يا أبا محمد إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة، لوجدت لذلك خفَّة، قال: فكيف أصنع بشهود العتمة والصبح.
وكان أيضًا مشهورًا بسرد الصوم وقيام الليل، وكثرة الذكر، والزهد الشديد، عن يزيد بن حازم، قال: كان سعيد بن المسيِّب يسرد الصوم، فكان إذا غابت الشمس، أُتي بشرابٍ له من منزله المسجد فشربه.
وعن عمران بن عبدالله، قال: قال سعيد بن المسيِّب: ما أظلَّني بيت بالمدينة بعد منزلي، إلا أني آتي ابنة لي فأسلم عليها أحيانًا.
وعن ابن حرملة، قال: قلت لبرد مولى ابن المسيِّب: ما صلاةُ ابن المسيِّب في بيته؟ قال: ما أدري، إنَّه ليصلي صلاة كثيرة، إلا أنه يقرأ بـ {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص:1].
وعن عاصم بن العبَّاس الأسديِّ، قال: كان سعيد بن المسيِّب يُذكِّر، ويُخوِّف، وسمعته يقرأ في الليل على راحلته فيُكثر، وسمعته يجهر بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وكان يحب أن يسمع الشعر، وكان لا ينشده، ورأيته يمشي حافيًا وعليه بت -الطيلسان من خزٍّ ونحوه، ورأيته يحفي شاربه شبيهًا بالحلق، ورأيته يُصافح كلَّ من لقيه، وكان يكرهُ كثرة الضحك.
عزَّة نفس سعيد بن المسيب:
كان سعيد رجلا وقورا له هيبة عند مجالسيه فكان يغلب عليه الجد، ولو نظرت إليه لخيل إليك أنك أمام رجل ممسك بموازين الحق والعدل بين يديه، قد تكفل بحراستها والقيام عليها، مدرك لمدى مسئولية الأمانة التي تحملها، فلا يجامل، ولا يغمض عينيه عن شيء لا يراه صحيحا.
وكان سعيد له تجارة تدر عليه دخلا يكفيه ليعيش عيشة راضية، ولهذا لم يكن يأخذ عطاء من الدولة حجرا على رأيه، وتقييدا لحريته، وكان عنده من يقوم بأمر تجارته، فلا يشغله أمرها عن عبادته وعلمه، وكان يدعو إلي اكتساب المال عن طرقه المشروعة، ليتمكن من صلة الرحم وأداء الأمانة، وصيانة الكرامة، والاستغناء عن الخلق، ومما أثر عنه في ذلك قوله: "لا خير فيمن لا يريد جمع المال من حله، يعطي منه حقه، ويكف به وجهه عن الناس". وخير ما يصور وجهة نظره في امتلاك المال قوله: "اللهم إنك تعلم أني لم أمسكه بخلا ولا حرصا عليه، ولا محبة للدنيا، ونيل شهواتها، وإنما أريد أن أصون به وجهي عن بني مروان، حتى ألقى الله فيحكم في وفيهم، وأصل منه رحمي، وأؤدي منه الحقوق التي فيه. وأعود منه على الأرملة والفقير والمسكين واليتيم والجار". وقد نما ماله حتى ترك عند وفاته ثلاثة آلاف دينار، وقال: والله ما تركتها إلا لأصون بها ديني وحسبي، وكان يقول: "من استغنى بالله افتقر الناس إليه".
ولهذا كان سعيد في بحبوحة من العيش، وقد وضح أثر ذلك في مظهره وملبسه، وحسن هيئته تحدثا بنعمة الله عليه، وكان بمسلكه ذلك يعطي المثل العملي للعالم في نزاهته ونظافته، وحسن هندامه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كان أجمل الخلق منظرا، وأعجبهم مظهرا، وأنظفهم ثوبا، وكان يمشط شعره، ويدهن الطيب حتى تشم رائحته العطرة من بعيد وإذا مس أحد يده يبقى أثر الطيب عالقا بها مدة طويلة، وكل تعاليمه صلى الله عليه وسلم وتوجيهاته يعلم الناس أن يحرصوا على بهاء المنظر وجمال الصورة وطيب الرائحة وحسن السمت. ولهذا من فقه الرجل أن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم لأن القرآن الكريم يقول: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21] وسعيد رحمه الله كان حريصا على أن يقفو خطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلم الناس سنته وهديه.
عن عمران بن عبدالله، قال: كان لسعيد بن المسيِّب في بيت المال بضعةٌ وثلاثون ألفًا عطاؤه، وكان يُدعى إليها فيأبى، ويقول: لا حاجةَ لي فيه، حتى يحكمَ الله بيني وبين بني مروان.
وعن عليِّ بن زيد: أنَّه قيل لسعيد بن المسيِّب: ما شأنُ الحجَّاج؛ لا يبعثُ إليك ولا يُحرِّكك، ولا يؤذيك؟ قال: والله، ما أدري، إلا أنَّه دخل ذات يومٍ مع أبيه المسجد، فصلَّى صلاةً لا يُتمُ ركوعها ولا سجوده، فأخذت كفا ً من حصى فحصبته به، زعم أنَّ الحجاج قال: ما زلتُ بعدُ أحسن الصلاة.
وعن عمران بن طلحة الخزاعيِّ، قال: حجَّ عبد الملك بن مروان، فلما قدم المدينة، ووقف على باب المسجد، وأرسل إلى سعيد بن المسيِّب رجلًا يدعوه ولا يحركه، فأتاه الرسول وقال: أجب أمير المؤمنين واقفٌ بالباب يُريد أن يكلمك. فقال: ما لأمير المؤمنين إليَّ حاجة، وما لي إليه حاجة، وإنَّ حاجته لي لغيرُ مقضيَّة. فرجع الرسول فأخبره، فقال: ارجع فقل له: إنَّما أريد أن أُكلِّمك، ولا تحركه، فرجع إليه فقال له: أجبْ أمير المؤمنين. فردَّ عليه مثل ما قال أولًا. فقال: لولا أنَّه تقدم إليَّ فيك، ما ذهبتُ إليه إلا برأسك؛ يُرسل إليك أميرُ المؤمنين يُكلِّمك تقول مثل هذا! فقال: إن كان يُريد أن يصنع بي خيرًا فهو لك، وإن كان يريد غير ذلك، فلا أُحِلُّ حبوتي حتى يقضي ما هو قاضٍ، فأتاه فأخبره، فقال: رحم الله أبا محمد، أبى إلا صلابة.
وعن عمرو بن عاصم، عن سلام بن مسكين، عن عمران بن عبدالله بن طلحة الخزاعيِّ، قال: فلما استخلف الوليدُ قدم المدينة، فدخل المسجد فرأى شيخًا قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ قالوا: سعيد بن المسيِّب، فلمَّا جلس أرسل إليه، فأتاه الرسولُ، فقال: أجب أمير المؤمنين، فقال: لعلَّك أخطأت باسمي، أو لعلَّه أرسلك إلى غيري، فردَّ الرسول فأخبره، فغضب وهمَّ به، وفي النَّاس يومئذ تُقية، فأقبلوا عليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، فقيه المدينة، وشيخُ قريش، وصديقُ أبيك، لم يطمع ملكٌ قبلك أن يأتيه، فما زالوا به حتى أضرب عنه.
ولعله -رحمه الله- لم يُحِبهم لما كان يراه من ظلمهم، وقد أجاب عمر بن عبد العزيز وهو أمير المدينة.
روى ابنُ سعد في الطبقات، عن مالك بن أنس، قال: كان عمر بن عبد العزيز لا يقضي بقضاء، حتى يسألَ سعيد بن المسيِّب، فأرسل إليه إنسانًا يسأله، فدعاه فجاءه، حتى دخل، قال عمر: أخطأ الرسول؛ إنَّما أرسلناه يسألك في مجلسك.
وعن سلام بن مسكين: ثنا عمران بن عبد الله، قال: أرى نفسَ سعيد بن المسيِّب كانت أهونَ عليه في الله من نفس ذباب.
قصة تزويج سعيد بن المسيب ابنته:
عن أبي بكر بن أبي داود، قال: كانت بنتُ سعيد كان قد خطبها عبد الملك لابنه الوليد، فأبى عليه، فلم يَزل يحتال عبد الملك حتى ضربه مائةَ سوط في يوم بارد، وصبَّ عليه جرة ماء، وألبسه جُبَّة صوف، ثم قال: حدَّثني أحمد بن أخي عبد الرحمن بن وهب، حدَّثنا عمر بن وهب، عن عطاف بن خالد، عن ابن حرملة، عن ابن أبي وداعة -يعني كثيرًا- قال: كنتُ أجالس سعيد بن المسيِّب ففقدني أيامً، فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت: تُوفِّيت أهلي فاشتغلت به، فقال: ألا أخبرتنا فشهدناه، ثم قال: هلا استحدثت امرأة ؟ فقلت: يرحمك الله! ومن يُزوِّجني، وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ قال: أنا! فقلت: وتفعل؟، قال: نعم. ثم تحمَّد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم، وزوَّجني على درهمين -أو قال ثلاثة- فقمت وما أدري ما أصنعُ من الفرح، فصرتُ إلى منزلي، وجعلتُ أتفكَّر فيمن أستدين، فصليتُ المغرب، ورجعتُ إلى منزلي، وكنت وحدي صائمً، فقدمت عشائي أفطر، وكان خبزًا وزيتًا.
فإذا ببابي يُقرع، فقلت: من هذا؟ فقال: سعيد. ففكَّرت في كلِّ من اسمه سعيد، إلا سعيدَ بن المسيِّب، فإنَّه لم يُرَ أربعين سنةً إلا بين بيته والمسجد، فخرجتُ، فإذا سعيد، فظننت أنَّه قد بدا له. قلت: يا أبا محمد، ألا أرسلت إليَّ فآتيك، قال: لا، أنت أحقُّ أن تؤتى، إنَّك كنت رجلًا عزبًا فتزوجتَ، ثم أخذ بيدها فدفعها إلى الباب، وردَّ الباب، فسقطتِ المرأةُ من الحياء، فاستوثقتُ من الباب، ثم وضعت القصعة في ظل السِّراج لكي لا تراه، ثم صعدت السَّطح فرميت الجيران، فجاؤوني، فقالوا: ما شأنك؟ فأخبرتهم، ونزلوا إليه، وبلغ أمِّي فجاءت، وقالت: وجهي من وجهك حرامٌ إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، فأقمتُ ثلاثًا ثم دخلت به، فإذا هي من أجمل الناس، وأحفظ الناس لكتاب الله، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحقِّ زوج، فمكثتُ شهرًا لا آتي سعيد بن المسيِّب، ثم أتيتُه وهو في حلقة، فسلمتُ فرد عليَّ السلام، ولم يُكلِّمني حتى تقوَّض المسجد، فلمَّا لم يبق غيري، قال: ما حالُ ذلك الإنسان، قلت خير يا أبا محمد، على ما يُحبُّ الصديق، ويكره العدوُّ. قال: إن رابك شيءٌ فالعص، فانصرفتُ إلى منزلي فوجَّه إلي بعشرين ألف درهم.
قال أبو بكر بن أبي داود: ابنُ أبي وداعة، هو كثير بن عبد المطلب بن أبي وداعة، قال الذهبيُّ: هو سهميٌّ مكيٌّ، روى عن أبيه المطلب أحد مُسلمة الفتح، وعنه ولده جعفر بن كثير وابن حرملة.
دُرر من أقوال سعيد بن المسيب:
عن عبد الله بن محمد، قال: حدثنا سعيد بن المسيِّب، قال: ما أكرمتْ العباد أنفسها بمثل طاعة الله عز وجلَّ، ولا أهانت أنفسها بمثل معصية الله، وكفى بالمؤمن نصرةً من الله أن يَرى عدوَّه يعمل بمعصية الله. عن ابن حرملة، قال: قال سعيد بن المسيِّب: لا تقولوا مُصيحف ولا مُسيجد؛ ما كان لله فهو عظيمٌ حَسنٌ جميل.
وعن عليِّ بن زيد، عن سعيد بن المسيِّب، قال: ما أيِس الشيطانُ من شيءٍ إلا أتاه من قِبَل النساء، ثم قال لنا سعيد، وهو ابنُ أربعٍ وثمانين سنة، وقد ذهبتْ إحدى عينيه، وهو يَعشو بالأخرى: ما شيءٌ أخوفَ عندي من النَّساء.
وعن عبد الرحمن بن حرملة، أنه سأل سعيد بن المسيِّب، قال: وجدتُ رجلًا سكرانً، أفتراه يسعني ألا أرفعه إلى السلطان؟ فقال له سعيد: إن استطعتَ أن تستره بثوبك، فاستره.
وعن أبي عيسى الخراسانيُّ، عن سعيد بن المسيِّب، قال: لا تملؤوا أعينكم من أعون الظَّلمة إلا بالإنكار من قلوبكم؛ لكي لا تحبطَ أعمالكم الصَّالحة.
وعن سفيان بن عيينة، قال: قال سعيد بن المسيِّب: إنَّ الدنيا نذلة، وهي إلى كلِّ نذل أميلُ، وأنذلُ منها أخذُها بغير حقِّه، وطلبُها بغير وجهه، ووضعُها في غير سبيلها.
ثناءُ العلماء عليه:
الإمام سعيد بن المسيب رضي الله عنه ورحمه الله ليس مشهورًا عند جمهور المسلمين، بالرغم إنه من أئمة المسلمين وسادتهم، ومن أعلامهم الكبار، الذين شهد لهم أهل العلم وأنزلوهم منازلهم، وعرفوا قدرهم، وهذه بعض أقوال أهل العلم في الإمام سعيد بن المسيب:
عن مكحول، قال: طفتُ الأرض كلَّها في طلب العلم، فما لقيتُ أحدًا أعلم من سعيد بن المسيِّب.
وقال عليُّ بن المدينيِّ: لا أعلم في التابعين أوسعَ علمًا منه، هو عندي أجلُّ التابعين.
وقال أحمد بن عبدالله العجليُّ: كان رجلًا صالحً، فقيهً، وكان لا يأخذ العطاء، وكانت له بضاعة أربعمائة دينار، وكان يتَّجر بها في الزيت، وكان أعور.
وقال أبو زُرعة: مدنيٌّ قرشيٌّ ثقةٌ إمام .
وقال أبو حاتم: ليس في التابعين أنبلُ من سعيد بن المسيِّب، وهو أثبتُهم في أبي هريرة.
وعن ميمون بن مهران، قال: أتيتُ المدينة فسألت عن أفقه أهله، فدُفعتُ إلى سعيد بن المسيِّب، فسألته.
وعن مكحول، قال: لما مات سعيد بن المسيِّب استوى الناس، ما كان أحدٌ يأنف أن يأتي إلى حلقة سعيد بن المسيِّب، ولقد رأيتُ فيها مجاهدًا وهو يقول: لا يزالُ الناس بخيرٍ ما بقي بين أظهرهم.
وسُئل القاسم بن محمد عن مسألة، فقيل له: إنَّ سعيد بن المسيِّب قال فيها كذ، قال معن في حديث: فقال القاسم: ذاك خيرُنا وسيِّدن، وقال محمد بن عمر في حديث: ذلك سيِّدنا وعالمنا.
قال أبو نعيم في ترجمته: فأمَّا أبو محمَّد سعيد بن المسيِّب بن حزن المخزوميُّ، كان من الممتحنين؛ امتُحن فلم تأخذه في الله لومةُ لائم، صاحبُ عبادة وجماعة، وعفَّة وقناعة، وكان كاسمه بالطاعات سعيدً، ومن المعاصي والجهالات بعيدًا.
وقد اتفق أهل العلم على قبول مرسلات سعيد بن المسيب والحكم عليها بالصحة، وتقف على سائر مرسلات التابعين، ومرسلات سعيد لها حكم الموصول والمرفوع.
محنة سعيد بن المسيب:
لقد كان الإمام سعيد بن المسيب رحمه الله من سادات التابعين وعلمًا من أعلام المسلمين، ممن كمل حاله وجمع الله عز وجل فيه من خصال الخير كله من العلم والعمل، فلقد كان بحق عالمًا عاملًا، لا يخاف في الله لومة لائم، صادعًا بالحق أمارًا بالمعروف، ناهيًا عن المنكر، لا يهاب خليفة ولا أميرًا، مجافيًا لأبوابهم معتزًا بعلمه، صائنًا لعرضه، شديد الانتقاد لأي مظهر من مظاهر الخروج على الشرع والحق، ومن كانت هذه خصاله فحري به أن يمتحن ويتعرض للمحنة تلو الأخرى، ومع ذلك لا ينال البلاء من عزيمته ولا تلين المحنة شيئًا من صلابته في الحق، حتى أن الحجاج بن يوسف الثقفي على جبروته وطغيانه كان يهاب من الإمام سعيد، ولا يجرؤ على تحريكه أو حتى مخاطبته.
محنة سعيد بن المسيب مع بني أمية:
عاصر الإمامُ سعيد بن المسيِّب عهدَ الخلفاء الراشدين، عثمان وعليًّا رضي الله عنهما ومن بعدهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وجالس الصحابة وعاشرهم، ونال من علومهم، ثم رأى بعد ذلك تبدُّل الأحوال وتغيُّر الناس، ورأى الاقتتال على الملك فلم يرضَ على سياسة بني مروان، فآلى على نفسه ألا يسكت على ظلم يراه ومنكرٍ يظهر، ورفض أن يأخذ عطاءه من بيت المال، واستغنى عن ذلك كله، وكان يقول: لا حاجة لي فيه، حتى يحكم الله بيني وبين بني مروان.
كانت أولى محنه مع الظَّالمين سنة 63هـ عندما وقعت فاجعةُ الحرة بأهل المدينة، وانتهك جيش يزيد بن معاوية، بقيادة مسلم بن عقبة المرِّي حرمة المدينة، وأخذ الطاغية مسلم بن عقبة المرِّي في استعراض الناس على السيف، فقتل منهم المئات، وأحضر الإمام سعيدَ بن المسيِّب بين يديه، فقال له: بايِع، فقال سعيد: أُبايع على سيرة أبي بكر وعمر، فغضب الطاغيةُ من ذلك؛ لأنَّ الطغاة عبرَ العصور تؤرِّقهم وتقُضُّ مضاجعهم سيرةُ العمرين، وأخبار العدل والإحسان في عهدهما، فغضب الطاغية وًامر بضرب عنقه، فقام أحدُ أعيان المدينة، وشهد أنَّ الإمام سعيد مجنونٌ لا يُقبل منه، فأعرضَ عنه الطاغية وتركه.
ولما استوثق الأمر لسيدنا عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما سنة 64هـ، أرسل جابرَ بن الأسود واليًا من طرفه على المدينة، فدعا الناس إلى البيعة لابن الزبير، فقال سعيد بن المسيِّب: لا، حتى يجتمع الناس -يقصد في جميع الأمصار- فضربه ستين سوطًا، فبلغ ذلك ابن الزبير، فكتب إلى جابرٍ يلومه، ويقول: ما لنا ولسعيد.
وفي سنة 84هـ تُوفِّي عبد العزيز بن مروان بمصر، وكان ولي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان، فدعا الناس إلى مبايعة ولديه الوليد وسليمان بالعهد، ولما طلب من سعيد المبايعة رفض بشدَّة لعدم صلاحيَّة الوليد للولاية -بحسب رأي الإمام سعيد، فقام والي المدينة هشامُ بن المغيرة بجلد الإمام سعيد في محضرٍ عامٍّ من الناس، وقام بتشهيره على حمار، وقد ألبسوه ثوبًا من شعر وطافوا به في المدينة، ثم ردّوه إلى السجن، وكان الإمام وقتها قد جاوز الستين سنة، ومع ذلك لم يُعط بيعته وصمَّم على رأسه، ولو هدَّدوه بالقتل ما تغيَّر موقفه أبدًا.
وبعد أن ضربوه وشهروه وحبسوه، منعوه من إلقاء الدروس بالمسجد النَّبويِّ، ومنعوا أحدًا من الجلوس إليه، فكان الإمام العلم الذي يفتقر الناس إلى علمه، أفقهَ فقهاء المدينة، والمعول عليه عند نوازل الأمور، يجلس وحيدًا في المسجد، لا يجرؤ أحدٌ على مجالسته، وكان هو يشفق على الغرباء أن ينالَهم أذىً إذا طلبوا الحديث معه، فيقول لمن جاءه: إنَّهم قد جلدوني ومنعوا الناس أن يُجالسوني.
ولما تولى الخلافةَ الوليد بن عبد الملك سنة 86هـ قام بزيارة المدينة، ودخل المسجد النبويَّ، فوجد حلقة علم سعيد بن المسيِّب، فأرسلَ يطلبه فرفضَ الإمام سعيد بعزَّة العالم واستعلاء المؤمن الحقِّ أن يفضَّ درس علمه ويذهب للخليفة، فغضب الوليدُ بشدَّة وهمّ بقتله، وكان الوليدُ يبغض الإمام سعيد بن المسيِّب بوجهٍ خاص لسببين: أوَّلهما رفض سعيدٌ مبايعته بولاية العهد من قبل، ثانيهما رفض سعيد طلب خطبة الوليد لابنته التي زوَّجها على ثلاثة دراهم، لتلميذه كثير بن أبي وداعة، ولما رأى الناس عزم الوليد على الفتك بالإمام سعيد، قالوا له: يا أمير المؤمنين، فقيهُ المدينة، وشيخُ قريش، وصديقُ أبيك، وأخذوا في تهدئته حتى صرفوه عنه.
وعلى الرغم من كثرة المحن التي تعرض لها الإمام سعيد أيام الأمويين إلا إنه كان يرفض الخروج عليهم أو حتى الدعاء عليهم، فلقد قال له رجل من آل عمر بن الخطاب: ادع على بني أمية. قال سعيد: اللهم أعزَّ دينك، وأظهر أولياءك، واخز أعداءك، في عافية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وهكذا يكون علماء الأمة الكبار، كمال في كل حال.
مرض سعيد بن المسيب ووفاته:
كانت حياة سعيد بن المسيب رحمه الله مليئة بالمتاعب والمشاحنات، جرت عليه الكثير من الآلام، فقد تعرض للسجن، والجلد والمقاطعة، وتعرض للقتل، وقد ضعف بصره في أخريات حياته، ولما عرض عليه أن يخرج إلي وادي العقيق ليتداوى اعتذر لأن خروجه سيحرمه من حضور حضور الجماعة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن عبد الرحمن بن حرملة، قال: دخلتُ على سعيد بن المسيِّب وهو شديد المرض، وهو يصلي الظهر، وهو مستلقٍ يومىء إيماءً، فسمعته يقرأ: {والشَّمسِ وضُحاها} [الشمس:1].
وعن عبد الرحمن بن الحارث المخزوميِّ، قال: اشتدَّ وجعُ سعيد بن المسيِّب، فدخل عليه نافع بن جبير يعودُه فأُغمي عليه، فقال نافع: وجِّهوه، ففعلو، فأفاق، فقال: مَن أمركم أن تُحوِّلوا فراشي إلى القبلة، أنافع؟ قال: نعم. قال له سعيد: لئن لم أكن على القِبلة والمِلَّة، والله، لا ينفعُني توجيهكم فراشي.
وعن يحيى بن سعيد، قال: لما احتضر سعيد بن المسيب، ترك دنانير، فقال: اللهمَّ، إنك تعلم أنِّي لم أتركها إلا لأصونَ بها حسبي وديني.
وعن عبد الحكيم بن عبدالله بن أبي فروة، قال: مات سعيد بن المسيِّب بالمدينة، سنة 94هـ، في خلافة الوليد بن عبد الملك، وهو ابنُ خمس وسبعين سنة، وكان يُقال لهذه السنة التي مات فيها سعيد: سنة الفقهاء؛ لكثرة من مات منهم فيها.
وهكذا مات سعيد بن المسيب رحمه الله بعد أن قدم القدوة للعلماء وأهل الفتوى في الاعتزاز بالحق، والتمسك بأهدافه حتى تسود المثل العليا، ويتحقق للمجتمعات ما ترنو إليه من عدل يبسط أجنحته على الجميع، وأمن يعيش الجميع في ظلاله. وكان أثره واضحا في الحياة الفكرية في المدينة، واتجاه المدارس الفقهية التي عرفت منها مدرسة أهل الأثر بالحجاز. فرحم الله سعيدا وأجزل ثوابه وأحسن مثواه.
المراجع:
- ابن سعد: الطبقات.
- الفسوي: المعرفة والتاريخ.
- أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء.
- الذهبي: سير أعلام النبلاء.
- موقع مفكرة الإسلام.
- موقع نور الله.