من المشرفين القدامى
سَرمَديّة
تاريخ التسجيل: August-2014
الدولة: بغداد
الجنس: أنثى
المشاركات: 32,335 المواضيع: 2,167
صوتيات:
152
سوالف عراقية:
98
مزاجي: الحمدلله ، جيد
المهنة: legal
أكلتي المفضلة: دولمة
آخر نشاط: منذ 6 يوم
ألهمته أشعار جلال الدين الرومي.. ماذا تعرف عن ويليام سيغارت «صيدليّ» الشعر؟
لا تجزع من جرحك، وإلا فكيف للنور أن يتسلل إلى باطنك؟ *من أشعار لجلال الدين الرومي.
هل صادف وسمعت قصيدة شعر أو أغنية كلماتُها موزونة؛ وتشابهت مع معاناتك النفسية؟ ساعدت دموعك على الانهمار بعد محاولات عديدة فاشلة لتفريغ طاقة الحزن بداخلك؛ لتجد أن البكاء خفف من معاناتك؛ لأنك شعرت أن كاتب تلك الأبيات الشعرية مر بنفس تجربتك وعانى نفس معاناتك؟
إذا كنت مررت بتلك التجربة؛ فاعلم أنك لست وحدك، والأمر لم يعد مجرد فكرة خيالية عن قدرة الفنون في معالجة الاكتئاب، وهو أمر ليس بالجديد، فتاريخ الحضارات القديمة حافل باستخدام الفنون علاجًا نفسيًا لمرضى الاكتئاب أو التوتر، مثل قبائل الشامانوالتي استخدمت الشعر والكلام الموزون في حلقات تأملية بأغراض العلاج الروحي والنفسي، وحاليًا يسير الطب النفسي على نفس الخطى.
أثبتت دراسة أمريكية أجريت بمعاونة 200 مريض نفسي أن تجاربهم البسيطة في كتابة الشعر أو قراءته للتعبير عن حالتهم النفسية، ساعدت 75% منهم على التقدم في العلاج. هذا ما دفع الناشر الإنجليزي ويليام سيغارت إلى أن يصبح من أكثر المشجعين والمروجين لهذا النوع من العلاج؛ إذ ساهم في ترسيخ تلك الفكرة بين عموم الناس، حتى أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب «صيدليّ الشعر».
قصيدة شعر أم قرص مهدئ؟ تلك هي المسألة!
الشعر يشعرك بأنك لست مجنونًا، وبأن الأفكار والأحزان التي تراودك قد مر بها آخرون. *ويليام سيغارت في حوار له مع «الجارديان».
تخيّل نفسك أثناء حضور معرض الكتاب في بلدك، أو أي نشاط ثقافي ضخم آخر، ووجدت أمامك يافطة «العلاج بالشعر»؛ يتملكك الفضول وتدخل للخيمة المعروضة عليها اليافطة؛ لتجد رجلًا هادئًا يجلس وفي يده ورقة وقلم، يسألك عما يدور في بالك، ما الذي يحزنك؟ ولماذا شعرت أنك في حاجة للعلاج وما الذي دفعك لدخول تلك الخيمة بحثًا عن حلّ أو طبٍ بديل؟ فتحكي له مشاكلك النفسية، وعندما تنتهي يكتب شيئًا على الورقة ويعطيها لك؛ لكنك عندما تنظر للورقة تجد المكتوب عليها دواء «بروزاك» أو أي عقار طبي لعلاج الاكتئاب.
داخل الورقة لا يوجد سوى اسم قصيدة شعر، كل ما عليك فعله هو أن تذهب إلى منزلك، تضيء بعض الشموع، وتضع موسيقى هادئة، وتقرأ القصيدة؛ فتجدها مناسبة لحالتك، وتشعر بأن الشاعر يخاطبك، ويتحدث عن معاناتك وحزنك، لتنهمر الدموع من عينك وكأن صديقًا عزيزًا حضنك بين ذراعيه، فتهرع للرجل مرة أخرى، تحكي له مشاكل أخرى، ويمنحك قصائد علاجية جديدة.
إن تكن تبحث عن مسكن الروح فأنت روح، وإن تكن تفتش عن قطعة خبز فأنت الخبز، وإن تستطع إدراك هذه الفكرة الدقيقة فسوف تفهم: أن كل ما تبحث عنه هو أنت! وصفة ويليام الطبية للوحدة من أشعار جلال الدين الرومي.
تلك ليست قصة خيالية؛ هذا ما فعله ويليام سيغارت بالتفصيل خلال أحد المهرجانات الأدبية ببريطانيا، وبمساعدة أحد أصدقائه؛ نصبا الخيمة واستقبلا الجماهير، والذين عانى معظمهم – كما أكدويليام – من الوحدة، والتي تفاقمت بداخلهم بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، وأوضح ويليام للإعلام أنه أقبل على هذه الخطوة؛ لأنه حلم طوال الوقت بإخراج الشعر من الخانة الضيقة التي عاش بها فترة طويلة.
يحكي ويليام أن كل المواقف الصعبة التي يمر بها في الحياة يجد لها في ذهنه قصيدة؛ تهون عليه عندما يرددها على آذانه؛ خاصة في المرة التي شهد فيها حادث طريق كاد أن يقتل أحد المارة بجواره؛ ولكنه هرع إليه يسعفه بالتنفس وتحفيز القلب بدائيًا بيده، وفي تلك اللحظة التي اختلطت فيها يده بالدماء وأنفاسه بالأنفاس الأخيرة للرجل المُلقى على الأرض، تذكر قصيدة «Ambulances – سيارات إسعاف» للشاعر الإنجليزي الراحل فيليب لاركن؛ والتي منحته – كما أكد – بعضًا من القوة في تلك اللحظة التي كان مطالبًا فيها بإنقاذ حياة إنسان؛ إلى حين حضور سيارة الإسعاف لمكان الحادث.
من هو صيدليّ الشعر بالضبط؟
الناشر الإنجليزي ويليام سيغارت اختار لنفسه طريقًا مميزًا في نشر الثقافة والأدب، ولم يتعامل مع مطبوعاته على أنها مجرد كتب ترفيهية وتثقيفية؛ فقد وجد في نشاطاته الأدبية طريقة ما لتكون تلك النشاطات لأجل الخير ومساعدة الآخرين معنويًا وماديًا.
تلقى سيغارت دراسته الأدبية في جامعة أوكسفورد، ومنذ لحظة تخرجه وهو يعمل على ترسيخ المبادئ التي يؤمن بها، وقد أعطى اهتمامًا خاصًا بالشعر، وفي عام 1992 أسس الجائزة الإنجليزية للشعر «الجوائز المستقبلية»، والتي تهدف لإلقاء الضوء على الأعمال الشعرية المنشورة في إنجلترا وأيرلندا، وتبنّي المواهب الشعرية الشابة، والتي يمكن التنبؤ لها بمستقبل أدبي مميز، وتتراوح قيمة الجوائز المادية ما بين ألف و10 آلاف جنيه إسترليني. وقد حصدت الشاعرة الأيرلندية سينيد موريسي الجائزة الكبرى في دورة الجوائز المستقبلية لعام 2017 عن ديوانها «بشكل متوازن».
الناشر الإنجليزي ويليام سيغارت.
في عام 1994 أسس ويليام اليوم الوطني للشعر في إنجلترا، والذي تقام مراسمه في نهايات شهر سبتمبر (أيلول) أو أوائل شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام، تحت إشراف إحدى المؤسسات الخيرية التي أسسها ويليام أيضًا عام 1991. ومنذ تأسيس هذا اليوم؛ يشارك الكثير من المواطنين من إنجلترا وأيرلندا في نشاطاته الهادفة إلى تعزيز الشعر وأهميته لعموم الناس، وترسيخ مبدأ الشعر للجميع والذي يسعى له ويليام منذ أن بدأ مشواره الثقافي ناشرًا ومؤلفًا.
بعد أن حصد اليوم الوطني للشعر على شهرة وقاعدة جماهيرية كبيرة، شارك الأمير تشارلز في فعاليات اليوم الوطني لعام 2016؛ وقرأ قصيدة للشاعر الأيرلندي الراحل سيموس هيني، وفي كل عام يختار منظمو اليوم كلمة واحدة أو فكرة تكون الطابع العام لليوم كاملًا مثل الحرية، والعمل، والنجوم، والنور، والوطن.
أريد لعامة الناس أن تتخلى عن خوفها من الشعر. *ويليام سيغارت.
نجاح الجائزة واليوم الوطني للشعر لم يشبعا حاجة ويليام في تعميم الشعر، وإيصال رسالة هامة لجميع القراء، وهي أن الشعر لا يخص النخبة فقط، بدليل أن الأغاني تنتشر سريعًا وتلامس مشاعر الجماهير، والشعر هو أساس الغناء، وعندما تسمع الشعر للمرة الأولى؛ تُخلق الموسيقى بداخلك، الموسيقى التي تناسبك أنت، ومن هنا جاءت لويليام فكرة عن علاج الأمراض النفسية الشائعة بالشعر، وهو الأمر الذي قابله الجمهور بالاستحسان.
أشعار جلال الدين الروميّ تلهم الشاعر البريطاني
حتى الآن، وبعد كل هذه السنين؛ لم تقل الشمس للأرض؛ أنكِ تدينين لي. من أشعار حافظ الشيرازي.
في مؤلفاته العديدة، أو مقالاته التي ترشح بعض أبيات الشعر من أجل معالجة الأمراض النفسية؛ لجأ ويليام أكثر من مرة للأشعار الصوفية لجلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي، وفي أحد تصريحاتهأكد ويليام أن في الحضارة الفارسية قولًا شهيرًا بأن البشر لا يحتاجون للعقاقير الطبية؛ فهم لديهم شعر حافظ الشيرازي.
وعلى الرغم من كتابة تلك القصائد منذ مئات السنين؛ يرى ويليام أنها تتمتع بالعمق النفسي والعقلي، والجرأة على سبر أغوار النفس البشرية؛ مما منحها طابعًا معاصرًا سابقًا لأوانه، وفي ظل ما نحياه من أحداث مرعبة ومروعة؛ يؤكد ويليام أن الهروب للشعر هو أفضل العلاجات التي ليس بها أي آثار جانبية مضرة، خاصة وإن كان هذا الشعر صوفيًا مثل أشعار جلال الدين الرومي.
اقرأ أيضًا: قصة حافظ الشيرازي.. الصوفي الشاعر المليء بالتناقضات
وليام كاتبًا.. قصائد ملهمة للحياة اليومية
مؤلفات ويليام سيغارت عبارة عن وصفات علاجية بالشعر، ويقدم لقرائه مختارات شعرية تناسب الحالة النفسية التي يمر بها القارئ، ونشر ويليام ما يزيد عن 10 كتب في هذا الصدد، ربما يكون أشهرها هو كتاب: (Inspiring Poems for Everyday Life)؛ لكونه كتابًا عامًا.
ويقدم الكتاب أبياتًا شعرية تناسب المشاعر اليومية التي تواجهنا في صدام الحياة والعمل والجمود، وقد حاول ويليام في هذا الكتاب أن يلمس الجانب الروحي لقرائه، ويأخذهم من خلال الأشعار المختارة إلى فاصل حالم بعيدًا عن مطحنة الحياة، كما أنه نشر كتابًا يجمع 100 قصيدة من القصائد الفائزة بجائزة «Forward Prizes»، وقام بتقديم الكتاب وتحريره.