حفل العشاء كما تعودنا عليه هو طقس حميمي يفترض أن يكون ممتعًا ومُسليًا؛ حينما تلتقي بأصدقاء قدامي لم ترهم لأعوام، أو أقارب قادمون من سفر، أو حتى احتفالًا بصديق تزوج حديثًا، وعادة ما يعمل المُضيف على راحة الضيوف؛ محاولًا أن يقدم لهم من الطعام ما يحبون، ومن الشراب ما يروق لهم، ولكن في بعض الأحداث التاريخية لم تكن حفلات العشاء بهذا الود والبهجة، وفي هذا التقرير نحدثكم عن خمس من حفلات العشاء المخيفة والغريبة من التاريخ.
1- شواهد قبور للضيوف.. عشاء دوميتيان الأسود
حينما تدعو ضيوفك على حفل للعشاء، فغالبًا ما تختار أزهى المفروشات لأثاث منزلك، ولمائدة الطعام؛ بغرض تعزيز شهية الضيوف من خلال تأملهم للألوان الزاهية لمفروشاتك، وغالبًا لا يخطر اللون الأسود على بال المُضيف، سواء في اختيارات الملابس أو الأطباق أو الأثاث؛ وهذا ما يجعل قصة عشاء الإمبراطور الروماني دوميتيان تستحق الحكي.
بقايا تمثال الإمبراطور. مصدر الصورة موقع هيستوري توداي
كان دوميتيان على موعد عشاء مع مجموعة من الرجال المُهمين والمسئولين في الإمبراطورية الرومانية في ذاك الوقت، وعندما وصلضيوفه إلى غرفة الطعام وجدوا جدرانها والأرض والأسقف مطلية باللون الأسود، وتنير الغرفة بنيران خافتة تضفي إحساسًا مخيفًا على النفوس، ومن ثم لمح الضيوف مجموعة من شواهد القبور المنقوش عليها أسماؤهم، وأثناء تناولهم للطعام لم يتوقف حديث الإمبراطور عن حتمية الموت وضروريته. ويعتبر هذا العشاء من أكثر الولائم سوداوية في التاريخ، حتى أطلق عليه البعض اسم «العشاء الأسود».
2- «مصيرك القتل إن لم تشرب الخمر»
الإلحاح على الضيوف لتناول الطعام يعتبر من كرم الضيافة، وقد يتطور الأمر بالتلويح بالغضب والقطيعة إن لم يتناول الضيف ما وضعه أمامه المُضيف من مُختلف أنواع الطعام، ولكن إلى أي حد قد يصل هذا الغضب إن لم يستجب الضيف لرغبات مُضيفه؟
لوحة مرسومة للإمبرطور سون هاو
الإمبراطور سون هاو حكم الصين القديمة بين عامي 264، و268 ميلادية، ولُقب بالطاغية رقم واحد في تلك الحقبة؛ لما عرف عنه من نوبات غضب تنتابه فتطيح من يقف أمامها، وكان الإمبراطور الصيني محبًا لجميع أنواع الخمور، ولا يفارق الكأس يده، ولذلك ففي حفلات عشائه كان يقدم كميات كبيرة من الخمر، متوقعًا من ضيوفه أن يحتسوا بنفس القدر الذي يحتسيه هو وإلا تكون ردة فعله الغضب.
في حفل العشاء المعني بالحكي، حاول أحد ضيوف الإمبراطور خداعه، ولم يحتسِ الخمر وادعى الثمالة، وهو الأمر الذي اكتشفه الإمبراطور سريعًا وانتابته إحدى نوبات غضبه المعهودة، وقطع رأس الرجل على الفور أمام المدعوين، ثم أمر ضيوفه بتلقي رأس الرجل واحدًا تلو الآخر؛ على أن يقضم كل واحدً منهم قضمة من لحم رأس القتيل!
3- نفرش لك الأرض زهورًا حتى الموت!
قائمة الطعام في اليوم الذي تنتظر فيه ضيوفًا على العشاء عادة ما تكون على ذوقهم، ومليئة بالوجبات التي يحبونها، فهذا اليوم مُخصص للضيوف وليس لأصحاب المنزل، ولكن الإمبراطور الروماني إليجابلوس لم يكن يهتم بأذواق ضيوفه كثيرًا، بل إنه كان يفرض عليهم ذوقه الفريد في الطعام.
لوحة تجسد حفل العشاء المليء بالزهور القاتلة
عُرف عن اليجابلوس وجبات عشائه المليئة بالأطعمة غريبة الأطوار وغير المتعارف عليها مثل: أطباق طعام الطيور الحية، ورؤوس الببغاء، والحبوب المخلوطة بالصخور الصغيرة، وكان حضور ضيوف حفلات عشاء الإمبراطور إجباريًا، ولم يكن غرضه منها هو ضيافة هؤلاء المدعويين، بل تجويعهم، هذا بالإضافة إلى تخويفهم في نهاية حفل العشاء الذي لم يتناولوه؛ حينما يُدخل عليهم النمور والأسود لتروعيهم.
وعلى الرغم من غرابة قائمة طعام حفلات عشاء إليجابلوس، إلا أنها ليست أغرب ما أقدم عليه في تلك الدعوات، ولوحة « The Roses of Heliogabalus» أو زهور إليجابلوس جسدت واحدًا من أهم حفلات العشاء التي نظمها الإمبراطور، حينما غمر ضيوفه بكمية هائلة من الزهور سقطت من السقف فوق رؤوسهم وأوقعتهم على الأرض بين مجروح وقتيل!
4- وليمة الكستناء في ضيافة لوكريزيا
يعتبر البابا إسكندر السادس، الذي توفي في العام 1503، من الشخصيات الدينية المُثيرة للجدل نظرًا للمعايير الأخلاقية المزدوجة التي عاشها في حياته الشخصية، والتي كان يتعارض بعضها مع مكانته الدينية في العالم، وهذا الجزء المُظلم من شخصيته شاركه مع ابنته غير الشرعية لوكريزيا.
لوحة تجسد وليمة الكستناء
كان للبابا وابنته طقس متطرف يُطلق عليه «وليمة الكستناء»، وهو حفل عشاء تتضمن الضيوف الذين يشاركون البابا و لوكريزيا أهواءهما، ويتضمن هذا الحفل عددًا كبيرًا من العاهرات اللاتي يرقصن طوال حفل العشاء، بينما يلقي الضيوف الكستناء على الأرض؛ حتى تركع العاهرات على الأرض ويلتقطن الكستناء بأفواههن مثلما يفعل الحيوانات، بينما يجلس البابا وابنته مع ضيوفهم يشاهدون هذا الطقس في استمتاع.
5- جنكيز خان.. وليمة عشاء فوق جثث الأعداء
جنكيز خان قائد الإمبراطورية المغولية بشرق آسيا، والذي وحد العديد من القبائل البدوية ووحدهم في إمبراطورية كبرى بالقرن الثالث عشر؛ كانت علاقته بالطعام معقدة، وحينما كان صغيرًا عاش هو وأسرته في فقر مدقع حتى أنهم كانوا يتغذون على الحشائش والحبوب فقط، وفي يوم اكتشف جنكيز أن أخاه حصل على سمكة وتناولها بمفرده، الأمر الذي يعد بمثابة كنز في ذاك الوقت، فلم يتحمل جنكيز أن يرى شخصًا أنانيًا في أسرته بتلك الفترة القاسية التي يعيشونها؛ فقتل أخاه بسبب تلك السمكة.
جنكيز خان
ولكن تلك لم تكن الوقعة الوحيدة الغريبة والتي تجمع بين جنكيز والطعام، ففي إحدى غزواته بعد أن حاصر أعداءه داخل بلادهم ومنع عنهم الطعام، لم يستسلموا فورًا واختاروا أن يأكلوا لحوم البشر في هذا الحصار تاركين وراءهم الكثير من العظام البشرية، وحينما دخل جنكيز البلد، قيّد قادة أعدائه وحبسهم أسفل ألواح في غرفة الطعام هناك، وأمر بوضع مائدة عشاء فوق أجسادهم المحبوسة تحت أخشاب الأرضية، وجلس هو ورجاله على المائدة يأكلون ويمرحون، بينما يلفظ أعداؤهم أنفاسهم الأخيرة تحت مائدة العشاء