المجلة البريطانية للطب النفسي (1992)، 160، 327-340
شُخصت أعداد غير مسبوقة باضطراب تعدد الشخصية (MPD) منذ عام 1957م، خاصةً في أمريكا الشمالية. وقد أدت الشعبية الواسعة التي لاقاها هذا المفهوم إلى الشك بدقته، إذ من غير الواضح ما إذا كانت الحالة المُشخصة به حقيقية أم أنها تعود إلى إيحاء أو إستعداد مسبق لحمل هذا التشخيص. فمن أجل تحديد ما إذا كان هنالك أي دليل على أن اضطراب تعدد الشخصية (MPD) ظاهرة حقيقية، فُحص عدد من حالات هذا الاضطراب التي وردت في الأدبيات، مع تركيز محدد التشخيصات البديلة التي من الممكن ان تفسر هذه الظاهرة، مع بيان الكيفية التي ظهرت بها الشخصية الأولى. عانت الحالات المبكرة ممن شُخصوا بهذا الإضطراب، من فقدان ذاكرة، تقلبات ملحوظة في المزاج، وأيضاً في بعض الأحيان اضطراب عضوي دماغي. غالباً ما تظهر الشخصيات الثانوية مع التنويم المغناطيسي. تدرب بعض مرضى فقدان الذاكرة على الهوية الجديدة جيدا. فيما أظهر البعض الآخر ردة فعل علاجية واضحة (Latrogenesis). لم يتضمن أيّ من التقارير السابقة استبعاداً كاملاً لاحتمال اختلاق المرضى لهذا الاضطراب. مما يشير إلى أن مفهوم تعدد الشخصية قد أخذ من دراسات الوعي وعلاقته بفكرة الذات. يُظهر تشخيص اضطراب تعدد الشخصية انحراف مساع الفرد عن المسار الصحيح، الأمر الذي يُعطل البحث عن حلول للمشكلات النفسية الحقيقية في حياة المرضى.
الصورة الإكلينيكية الحالية لاضطراب تعدد الشخصية:
عُرف اضطراب تعدد الشخصية في DSM-III-R على أنه:
“أ- وجود شخصيتان مستقلتان أو أكثر، أو حالات شخصية مختلفة داخل الشخص (تحمل كل واحدة منهما نظاما خاصا للإدراك، والتفكير في البيئة والذات.) ب- تسيطر اثنتان على الأقل من هذه الشخصيات أو الحالات الشخصية على سلوكيات الفرد بشكل كامل وبصورة متكررة.” (American Psychiatric Association, 1987)
ذكر بوتنام (1989)، وهو أحد كُتَّاب هذا التعريف، بأن الصورة االإكلينيكية للمريض يجب أن تُلمح لوجود اضطراب تعدد الشخصية، فالملامح الرئيسة لهذا التشخيص تتضمن كماً غزيراً من الأعراض النفسية، العصبية، والطبية، وتشخيصات اخرى (مختلفة) سابقة، إضافة لفشل في الاستجابة لعلاج هذه التشخيصات. من ضمن هذه الأعراض: مزاج مُكتئب، أفكار ومحاولات انتحارية، ضعف في التركيز، إرهاق، ضعف جنسي، بالإضافة إلى نوبات بكاء وأرق. وغالباً ماتكون هذه الأعراض واضحة بما يلمح لوجود تشخيص اضطراب مزاجي رئيسي. فتكون الكوابيس سائدة وممزوجة بهلاوس مخيفة أثناء النوم. توصلت دراسة استقصائية متعمقة إلى أن الاكتئاب أكثر ظهورا عند من يعانون من اضطرابات مؤثرة، وأن من المحتمل وجود تقلبات مزاجية عديدة خلال اليوم الواحد. فقد يصيب الأرق أو “ضياع الوقت” 90% من الأفراد، فيما قد يظهر الشرود واختلال الآنية عند 50% منهم، بالإضافة إلى المشي أثناء النوم، القلق، أعراض رهابية، تعاطي المخدرات، وأخيراً الهلوسة أثناء اليوم. في كثير من الحالات يحدث انفصال الذات عند حوالي ثلثي المرضى. وكثيراً ما يتضمن التاريخ المرضي إيذاءا جنسيا عند عدد كبير من المرضى. والغالبية الساحقة من المرضى نساء.
هناك من المرضى من يُفصح عن تشخصيه. لكن على الجانب الآخر، يجب على المعالج الذي يطمح لـ “استنباط الشخصيات البديلة” كما قال بوتنام (1989، صفحة.90)، أن يسأل أسئلة سهلة حول ما إذا قد شعر المريض بأنه أكثر من شخص، أو أنه يبحث عن جزءه الآخر. فعادة ما يُسأل المريض: “هل شعرت بأنك لست وحدك؟ كما لو أن هنالك شخص آخر أو جزء آخر يشاهدك؟” وفي حالة الرد، فإن المعالج يبحث عن “أي ميزة أو صفة تُستخدم كعلامة لاستنباط الجزء الآخر على الفور.” هذه عبارة واضحة وصريحة جداً، لكن من هذا المنطلق هناك احتمالية تشكيل المُعالج لهذه الظاهرة.
هنالك أمثلة أخرى على هذه الأعراض ستجذب الانتباه أكثر: بدايةً من فيلم أوجه إيف الثلاثة (Thigpen & Cleckley, 1957) ووصولاً إلى نادلة بائسة ذات 27 عاماَ في مدينة اوشكوش في ولاية ويسكنسن، والتي صرَّحت بامتلاكها 49 شخصية مختلفة، ستة منهم قاموا بالحلف والشهادة في المحكمة (Daniels, 1990) .فمن المنطقي أن يشكك بها بسبب شهرتها في اختلاق هذه الأفعال.
تعرض كثير من المرضى لتجارب سيئة ومشاكل شنيعة في حياتهم. وعليه لا تجادل هذه الدراسة في مدى حاجة هؤلاء المرضى للعلاج، فهم بحاجة له بالتأكيد، وإنما تحت أي تشخيص، ووفقاً لأي طرح وأفكار ينبغي أن يكون هذا العلاج.
أسئلة وقضايا جدلية:
كُرّس نظام DSM-III-R لهذا الوضع، ونال العديد من المؤيدين له في أمريكا الشمالية، لكن ما زال هناك من يشك فيه، وشُخص هذا الاضطراب بشكل نادر في اليابان (Takahashi, 1990) أو في بريطانيا. فيصف الأطباء عادة (Allison & Schwarz, 1989; Kluft, 1982) المرضى بعشرين شخصية أو أكثر. يوضّح DSM-III-R احتمالية وجود 100 شخصية في الشخص الواحد، ولكن فاهي جادل (1988) بشأن نقص وقلة المعلومات العلمية عن دقة التشخيص وانتشاره أو تأثره بانحياز الاختيار، وما إذا كان علاج عوامل المنشأ قد يساعد في ظهور هذه الشخصيات المتعددة، بالإضافة إلى وجود دليل ضئيل من الجينات أو الدراسات النفسية التي قد يلمح ظهورها لاضطراب نفسي مستقل. اقترح هاكينج (1986) بأن فكرة تعدد الشخصيات “كانت أساساً من صنع الأطباء، وأصبحت لاحقاّ بطريقة تلقائية وسيلة للتعبير عن الاكتئاب”. كما تسميه ألدريج موريس (1989) ممارسة الخداع، وتراه كظاهرة ثقافية.
يواجه بعض الأطباء الذين يعملون على اضطرابات الذاكرة الفصامية Dissociative Memory Disorders)) أعداداً هائلة من حالات اضطراب تعدد الشخصيات، فلم يجد يونبيرج (1957) أي حالة ضمن 381 مريض تعاني من أعراض هستيرية علنية. ولم أجد أنا من بين 89 حالة من الاضطراب الانشقاقي القديم أو الاضطراب التحولي (Merkey & Buhrich, 1975) أي دليل على تعدد الشخصيات. فخلال 36 سنة لم أجد أي مصاب بالاضطراب التحولي ، عدا مريضة واحدة وجدتها تتحدث لنفسها بشكل منفصل، فمن هذه الحالة، أُلغي مبدأ اضطراب الشخصية المتعددة. كما أنها أفصحت، تحت رعاية أحد زملائي، بأنها زعمت عدة مرات وجود شخصيات متعددة حتى ترضي الأطباء الذين أخبروها بأن هذه هي حالتها حقاً. وضَّح ماير جروس اي تال ( 1954, 1977) أنه لطالما كان تعدد الشخصيات مصطنعا من قبل المؤسسة الطبية، وأيضاً نتيجة الاهتمام الأدبي. كذلك قدَّم سيم (1981) تصريحاَ متشككاً في صحة هذا التشخيص. وقام تشودوف (1987) بالتنويه على ندرة وجود هذه الحالة خلال مهنته هو وزملائه. نقل فاهي اي آل (1989) تقريرا عن مريضة وافقت معايير التشخيص لهذا الاضطراب، حيث وضّحت بأنها شاهدت فلم أوجه إيف الثلاثة، وقرأت كتاب سيبل (Schreiber, 1973) أدى توجيه انتباهها بعيداً عن “الشخصيات البديلة” إلى رفض وجودهم.
فمع كل خطوة مناسبة للنقاش العام، يكثر حدوث هذه الحالات. جوهر المسألة هو ما إذا كان اضطراب تعدد الشخصية (MPD) يمثل عَرَضاً صحيحاً أم لا. أبدى سيمبسون (1989) رأيه النقدي حيال الحماس النشط لهذه القضية. وأشار ألدريج موريس (1989) أن من غير المجدي اعتبارها كيان مريض منفصل، وأنها شُخصت بطريقة مبالغ فيها.
أثار العدد غير المتجانس للمرضى النساء (على سبيل المثال: 90% من تقرير Ross et al (1990) مسألة ما إذا كانت هذه الظاهرة الطبيعية مرتبطة بالجنس أم أنها ذات بعد اجتماعي ، أو عزوها لرعاية سيئة ومؤثرات أخرى. كما يمكن أن تكون ناتجة عن إساءة معاملة الأفراد، أو بسبب الإذعان للقيام بدور خاص، أو من كلا السببين.
الزيادة في عدد الحالات
ازدادتْ الشكوك حول التشخيص مع التضخم الهائل لعدد الحالات، حيث أن نمط هذا التزايد كان جديراً بالملاحظة. فقد سُجّلت ماري رينولدز – بنسيلفينيا الحالة المفترضة الأولى لاضطراب تعدد الشخصية بالتفصيل (Mitchill, 1816; Plumer, 1860; Mitchill). تقرير ميتشل المبدئي (1816) كان وجيزاً، فوصف لاحقاً (1860) السجل بعد وفاة المريضة بستة سنوات مع مقابلات مع أقربائها. وقام أيضاً ويير ميتشيل بالعمل على هذه الحالة أيضاً في عام 1888 عن طريق تقرير بلمر، بالإضافة إلى أوراق أبيه. وقام بمقابلة نفس الأقرباء الذي قابلهم بلمر مرة أخرى. كانت هنالك نقاشات طويلة آنذاك بخصوص حالات عدة، خصوصاً من هؤلاء: عزام ( 1876, 1887, 1892)، جانيت (1887, 1888, 1889)، جيمس (1890)، برينس (1908)، وسيديس جودهارت (1904). كما نوّه برينس (1908) عن 24 حالة قد ذُكرت، وتمسك بأن الأشكال المتطورة جيّداّ، ستقارب فيها الشخصيات الثانوية أو “المفسدة” الحياة العادية، ومن المحتمل أن تمرّ أمام العالم وكأنها سليمة عقليا.
زعم هاكينج (1986) بأن اضطراب تعدد الشخصيات (MPD) كان مختلقا كما كان عام 1875. ففي الربع الأول من القرن التاسع عشر كانت هنالك حالات قليلة تستحق لفت النظر إليها، على سبيل المثال: رينولدز. على هذا النحو، كان هنالك جدل كبير خصوصاّ في فرنسا، حيث كانت هذه المفاهيم تدعم آراء الفلاسفة الواقعيين وعلماء النفس مثل ريبوت، الذي حصل على وجاهة في أكاديمية فرنسا. ففتم وصف قضايا أخرى، متضمنة وصف عزام العكسي بالتفصيل عام 1876 وعن حالته الخاصة عام 1858، وميتشيل مع حالة والده السابقة، وليوني وآخرون من مرضاه. تزايدت الأعداد مرة أخرى بعد كتاب برينس عام 1908. فوجدا تايلر ومارتن (1944) أن 76 حالة قد حدثت منذ 128 سنة، ورجحوا أنه من الممكن وجود آخرين لم يذكروا.
ففي عام 1954، قام تيجبين و كليكلي بالإبلاغ عن وجود حالة، ونشرا كتابهماThe Three Faces of Eve – ثلاثة أوجه لإيف، عام 1957، ثم ظهر لاحقاَ على هيئة فيلم. عند هذه النقطة تضاعف عدد الحالات. لمح بوور (1982) وجود 79 تقريراّ بعد عام 1970، بعدها اعتمد DSM-III-R إنشاء فئة تخص اضطراب تعدد الشخصية في عام 1987. أشار كلوفت (1982) إلى 130 مريضاّ، وقام برعاية 70 حالة منهم. رأى بليس 100 حالة، وجيبسون 50 (Bliss & Jeppsen، 1985) وأعاد باتنوم أي ال (1986) النظر في 100 حالة. وجد روس (1987) حدوثه بنسبة 4.4% بين مرضاه، وادعى أن اضطراب تعدد الشخصية (MPD) من الممكن أن يُكتشف بسهولة بوجود أداة فحص صالحة وفعّالة (Ross, 1989).
أساس التقييم
في ضوء تطور الأعداد وتزايد بعض من القصص المستبعدة المرتبطة باضطراب تعدد الشخصية ((MPD، بدا أن الوصول إلى طريقةٍ أخرى جدير بالاهتمام والبحث في أصل هذه الظاهرة. واحدة من أهم المناقشات كانت من ساتكليف و جونز (1962). حيث وضعا بالاعتبار العديد من المفاهيم حول تعدد الشخصيات، وأساليب التشخيص، على سبيل المثال كمُنْتِج في تشكيل العلاج، وأيضاً كمُنْتِج للإيحاء التنويمي، والتظاهر، وأيضاً كامتداد للخصائص الموجودة في الشخصيات “الطبيعية”.
نحن الآن نمتلك في عدة مدن أسلوب تشخيص قوي لهذا الموضوع. فالإيحاء التنويمي مرتبط بتقارير لا تعد ولا تحصى، وأيضاً من المحتمل استخدام التظاهر، ولكن إذا كان الإيحاء يجدي نفعا فإن الحاجة للتظاهر ضئيلة. شرح ما نعني “بتوسع” الشخصيات السوية: هو موضع نزاع مادام أن الأنماط الظاهرة مختلفة.
لاحظتُ في بعض الامثلة التي شكًّلها المعالجين شرحاّ منطقياّ (Prince, 1908; Janet, 1911 ) وبناء على ذلك، اُختبرت عينة من الأدب للحصول على تشخيصات أخرى، وأيضاّ للحصول على امثلة عن بزوغ شخصيات ثانوية. فبدا أن السياق التاريخي لهذا الموضوع من الممكن أن يفسر تزايده، حيث أنه بدا مهماّ لأن صورة هذه الظاهرة وماوصلت له قد دُعمت شعبيا، وكذا من خلال DSM-III-R ، ويبدو أيضا أن المرضى على علم مسبق بهذا النمط. فتُقدم هذه المقالة ملاحظات على التشخيص في الحالات الكلاسيكية ومنشأ الشخصيات المتعددة.
منطلقات مفاهيمية
التشخيص الطبي ذو طبيعة استكشاف ذاتي وهو متغير (Merskey, 1986). فبعض التشخيصات تبدو مفضلة للبعض، لأن بعض الحالات بدأت تنشأ مستقلة عن الأطباء أو المطالب الاجتماعية، أو من الممكن لأنها لاقت نجاحاّ في التشخيص أو في شرح أسباب المرض، أو–أولاّ- بسبب أنها أكثر مرشد ودليل مساعد في العلاج. فمن الممكن أن تكون متأثرة بعوامل نفسية أو بسبب توقعات اجتماعية، فإذا كنا نتحدث عن آلام السرطان، أو اكتئاب داخلي المنشأ، أو من اضطراب الكرب التالي للصدمة، فإن من المنطقي رفض هذا التشخيص الذي يعكس أكثرية الاختيار الفردي، ولعب دور الوعي والراحة الشخصية في حل المشاكل، مُزودا ببدائل أقل إزعاجا فكريا وعملية على الأقل اجتماعيا وعلاجيا، وأيضا ليست كريهة أخلاقيا. فمن هذا المنطلق، قمتُ بتقييم اضطراب تعدد الشخصيات (MPD) على أنه رأي ضمني مع تشخيصات أخرى معينة بديلة مقبولة: كالهوس، ومرض اكتئابي محدد، والفصام، والعصاب الوهمي، وعديد من الأعراض المتغيرة والمنفصلة التي قد تظهر في كثير من حالات اضطراب تعدد الشخصية (MPD)، بدون الاستقراء الطبي والتسهيل الاجتماعي. من الضروري مراجعة تشخيصات هذا الاضطراب. فبعض من الكُتَّاب قد اتفق على أن إنتاج اضطراب تعدد الشخصيات (MPD) هو من مصلحة الأطباء وأناس آخرون.
المواد
عينة الحالات
قمت باختبار سلسلة من الأوصاف المتناولة السابقة للحالات، فكانت بياناتها مناسبة ومتعلقة بالموضوع. حيث تُستِّر على كل، أو تقريباّ جميع الحالات السائدة في أوروبا وأمريكا الشمالية، بالإضافة إلى بعض منها لايزال مجهولاً. بينما بعض الحالات، على شاكلة سوجريل (مُجرم في بداية القرن التاسع عشر مصاب بالصرع)، أو ميسنت (جندي مصاب بطلق جداري بالجزء الأيسر وشلل جزئي بالجزء الأيمن) تم تجاهلهم تماماّ منذ أن استخدمهم مايرس (1903) و ساتكليف وجونز (1962) ليكونوا مادة لاضطرابات الدماغ العضوية. بالإضافة إلى حالات دفاي و بيلانجر، التي لخصها جيلي دو لا توغتي (1887)، والتي لم تناقش بسبب ظهورها على أنها حالة فقدان ذاكرة أو تنويم مغناطيسي.
فهذه الحالات المدروسة والمصادر تابعة لـ: تقرير جميلين (1791)، و ديسباين (1840)، بلمر (1860)، وير ميتشل (1888)، وليم جيسم (1890)، بالإضافة إلى حالات سكي (1845)، ومايو (1845)، وحالات عزام (1876, 1887, 1892)، كاموست (1882)، ريتشيت (1883)، بورو وبورت (1885)، بيري جانيت (1887, 1888, 1889), روكاس (1887)، جولي جانيت (1888)، بروست (1890)، جيمس (1890)، و هودسون (1891) اللذان وصفا السيد انسيل بورن، دايلي (1984)، برنس (1900, 1908) المتعلق السيدة باوتشامب، سيديس وقودهارتس (1904) المتعلقان بالسيد توماس هانا، كوري (1919)، مقالة برنس (1916) على حالة فيشتر، ليبتون (1943)، بحث وكتاب قودارد (1926, 1927)، كتاب فرانز (1933)، ومناقشة لويس (1953).
وفحُصت أيضا خمسة مجلدات وأبحاث جديدة متعلقة بخمسة أفراد: (Thigpen & Cleckley, 1957; Horton & Miller, 1972; Schreiber, 1977; Sizemore & Pittillo, 1977; Hawksworth & Schwarz, 1977; Peters & Schwartz, 1978) والتي أظهرت معلومات حول بروز هذه الظاهرة، وأيضاّ قام اليسون وشواز (1980) بوصف مزيد من الحالات، لكنهما لم يُكْملان. فاستعرضتُ هذه المواد للحالات النفسية التي من الممكن خلطها باضطراب تعدد الشخصية (MPD)، ومن الممكن أن تتطور وتظهر من خلالها الشخصية الثانية. كانت النية من النقاش هو تفسير هذه الحالات التي حدثت منذ عام 1957، ولكن هذا لم يحدث بالتفصيل.
أهم الحالات المبكرة
قام بنجامين رش بذكر أقرب الحالات المعروفة لاضطراب تعدد الشخصية (MPD) (Carlson, 1981). ووضح ايلينبيرجر (1970) أن تاريخ حالات الشخصية المتعددة (MPD) بدأ بالظهور في كتابات التنويم المغناطيسي، ولاحقاّ في الأدب الطبي بعد ما اختفت ظاهرة الاستحواذ، بالرغم من أن التعويذات والاستحواذ مازالتا تحدثان بين الحين والآخر (Peters & Schwarz, 1978; McKeller, 1979). اقتبس ايلينبيرجر تقرير جيملن (1791) حول المرأة الألمانية ذات العشرين ربيعاّ، في شتوتغارت، التي تأثرت باللاجئين من الثورة الفرنسية وبأخلاقهم الأرستقراطية، وقامت فجأة بتبديل شخصيتها إلى أسلوب شخصية سيدة فرنسية. فأصبحت تتحدث الفرنسية بشكلٍ دائم والألمانية أيضاّ تماماّ كامرأة فرنسية الأصل. “ليس هناك سياق كاف لتقييم هذه الحالة من بدايتها، فاللغة الفرنسية والألمانية توضح تعاقب بعضها البعض مع فقدان للذاكرة.” وبحركة واحدة استطاع جميلن أن يجعل السيدة تتحول من شخصية إلى آخرى (Ellenberger, 1970). وقام أيضاّ ديسباين (1840) بالإبلاغ عن حالة لتبدل الشخصية حدثت لفتاة سويسرية تبلغ من العمر 11 عاماّ تدعى استل، حيث شُخصت بشلل عصبي وآلام شديدة، وتجاوبت في النهاية مع التنويم المغناطيسي. قامت انجلينا بالتحدث إلى استل بينما كانت تحت تأثير التنويم المغناطيسي و أوصت بدعم نزوات الفتاة، فمنعت اعطاءها جميع الأطعمة الذي لا تحبها استل، وأمرت بجلب كل ما تشتهيه من طعام بما فيه الثلج. فقالت: “دعها تفعل ما تحب، فهي لن تستفيد من هذا الموقف.”. فلم يمددنا الكتاب بدليل على وجود شخصية ثانية.
التقرير الأول حول ماري رينولدز يوضح حالتين مستقلتين من الوعي، الأولى تظهر بعد النوم. تبعت بعض من تغيراتها النمط المتوقع للتنويم المغناطيسي اليوم، بما في ذلك السير أثناء النوم. بالرغم من ذلك يجد المرء أن هناك جزءاّ لا يتجزأ من إشارات توحي يوجود مرض الهوس الاكتئابي، كما كتب بلمر على سبيل المثال:
“كانت في حالتها الأولى هادئة ورزينة، متزنة ومستغرقة بأفكارها، ولكن مكتئبة تقريباّ. وأيضاّ هنالك صوت فطن بالرغم من بطئه، وعلى ما يبدو لديها ضعف في قدرتها الخيالية. ولكن في المقابل في حالتها الثانية كانت سعيدة ومبتهجة، كانت مغرمة بالمجتمع بطريقة جنونية ومُحبة للمزاح المتداول، بالإضافة إلى ميل شديد للشِعر والغناء. ففي حالتها الطبيعية على ما يبدو أن الحياة المزدوجة الغريبة هي ما قادها لهذا الحجم من التعاسة. فنظرتْ إليه كما لو أنه ابتلاء عظيم من الإله. وكانت فَزِعة من أن تنتكس للحالة المعاكسة، خائفة من عدم تحسنها بتاتاّ وأنها لن تتعرف بتاتاً على أصدقاء شبابها ولا على والديها. ففي حالتها غير الطبيعية، بالرغم من أن احتمالية عودتها لحالتها الطبيعية كانت أبعد من أن تكونأمرا مستحسناّ لها، وذلك عائدٌ لعدة أسباب مختلفة. ففي النهاية، فنظرت لذلك كطريق عبور لها من البهجة والسرور إلى مرحلة مملة وغبية من الحياة.”
قام ميتشل (1888) بالتأكيد على قصة بلمر من أسرة ماري وهما: د. جون رينولد، وأخيه ويليام رينولد، باستخدام أدوات ظاهرة أيضاّ في التقارير السابقة، فصوَّر ماري كما لو أنها تغط في نوم عميق، وأنها استيقظت بعد ذلك في حالة وعي غير طبيعية، وكانت قد فقدت ذاكرتها. “فكل ما تبقى لديها هو بضع كلمات.” وأنها يجب أن تتعلم من جديد دلالاتها، الذين كانوا أسرتها وأصدقائها وواجباتها. فتعلمت بسرعة مرة أخرى الكتابة والقراءة. ” كانت سابقاّ مكتئبة وقليلة الكلام وكتومة، ولكنها أصبحت تواّ مرحة وعفوية. فلم تكن تمتلك أي مشاعر خوف تجاه الثعابين والحية السامة ولا الدببة…ففي حالتها الغريبة لم يكن لأهلها سيطرة عليها. وكانت مهتمة جداّ بتدريب براعتها على اختراع الخدع على حساب الآخرين؛ بغرض إبهاجهم وتبادل الضحك معهم على الأشكال السخيفة، حيث أنها لم تُخفق أبداّ في إدخال البهجة على قلوبهم.”
وبعد خمسة أسابيع عادت إلى حالتها السابقة، حيث تراوحت حالتها الجديدة لفترة متفاوتة الطول مابين 15 إلى 16 سنة. فعندما رجع مزاجها الطبيعي “كانت كآبتها قد تعمقت بمعلومات عمَّا حدث.” بالمقابل، عندما تكون بروح مرحة ومُبتهجة لم ينتُج من ذلك أي اكتئاب، وفي حالتها الأخرى كانت هادئة وخجولة، وكانت تُظهر في عدة مواقف درجة غير اعتيادية من التوتر والقلق. وعندما تجاوزت عمر 35 و 36، حصلت التعاقبات هذه مرة أخرى، واستمرت ” في حالتها الأخرى” حتى توفيت في عمر 61.
بعيداّ عن فقدان الذاكرة، تشابِه هذه الحال المرض الوجداني ثنائي القطب. على كل حال، يبدو أن ميري استيقظت وهي فاقدة للذاكرة، وقد استُخدم التواصل لبناء إدراكها للعالم. فمن الممكن ظهور النمط الأصلي خلال مرحلة إعادة التعليم، أو أنها قد تُحفز أنماطا أو نماذج جديدة، وأن كثير من الأشياء تعتمد على ردة فعل الآخرين حيث أنه من غير المرجح أن يُطوّر شخص مصاب بفقدان ذاكرة هستيرية “شخصية جديدة” بدون مساعدة. في الواقع، احتفظت رينولدز بهويتها ولكن مزاجها تغير، فوصف ميشتل حالتها سابقاّ بالتغير التدريجي: “من امرأة عابثة هستيرية مُبتهجة، مُغرمة بالدعابات، عارضة للمعتقدات السخيفة والقناعات الخادعة لها، إلى واعية وصولاً إلى مستويات الفائدة العملية.”
من خلال قراءة مقالة ميتشيل، قال دكتور اتش. سي. وود: أن “ازدواجية الوعي” كان تعبيراّ عن مدى سوءه، وقام بمقارنة حالة الفتاة التي عانت من الاكتئاب، فبادلت شخصيتها من شخصية جلفة وفظة، تستخف تماماّ بحقوق الآخرين، إلى شخصية تعاني من اكتئاب ديني عميق. ففي نفس النقاش، قال سي. كي. ميلس: أن هذه الحالة تشابه “الجنون الثنائي”، الذي نسميه الآن مرض الاكتئاب الهوسي (Carlsom, 1984).
تُعتبر حالة سكي (1845) أقرب مثال لوجود مرض ثنائي القطب. حيث كان المريض رجلاً بعادات عادية وبسيطة، مُتكيف جداّ، و”بدأت الأعراض المعتادة لسوء الهضم بالظهور لديه”، ولكنها تحولت تدريجياّ إلى “وسواس المرض” وأخيراّ وصلت إلى “الحد مابين وسواس المرض والمرض العقلي”.
على هذا الصعيد “تطورت مشاعر القنوط والكآبة آنذاك، و كَبُرت الأخطاء الصغيرة في الماضي لتصبح جرائم عظيمة لا يمكن الصفح عنها، ويصاحب المستقبل توقعات مرعبة.” لقد أمضى أغلب وقته في قراءة الكتب وتصفح الإنجيل بشكلِ مستمر، والسهر لآخر الليل والنوم طول النهار، وكان أيضاّ ” تحت تأثير التوتر الجسدي والاكتئاب العقلي…وكان نادراّ ما يتحدث عن إغراق نفسه، أو رمي نفسه من النافذة، أو حتى التوسل بشدة في بعض المناسبات للحصول على موس حلاقة.” فبعد تسع أو عشرة سنوات تفاقمت الأعراض التي كان يعاني منها وأصبحت دورية ومتكررة بشكل واضح:
” مع تعاقب الأيام، تأثر المريض بالحالة المذكورة أعلاه، وأصبح لا يأكل ولا ينام ولا يمشي، فقط يقلب صفحات الإنجيل باستمرار، ويتذمرعلى مأساته. ففي متوسط الأيام، أصبح يتحدث نسبياّ، طيب الحال، يتدخل بأعمال عائلته المنزلية، ويأكل بشهية، يمشي بالخارج، ويؤدي عمله، مؤكداّ للجميع صحة حاله، ولكن ما من قلق حيال عودته لحالة الاحتجاج والشكوى.”
فهذا بكل وضوح مريض قد بدأت حالته باكتئاب، ثم مع تعاقب الأيام تحول إلى تقلبات منتظمة من فرح إلى لا مبالاة، منتهية باكتئاب. لم يُذكر أي وصف لحالة مايو (1845) إلا باختصار، ولكنها مازالت تشابه اضطراب ثنائي القطب: حالة فتور وانعزال متناقضة مع حالة حماس شديدة.
أظهرت أغلب الحالات المبكرة في أوروبا “ازدواجية الوعي” فقط. فالكتًّاب كـ جيمس (1890) و جانيت (1889, 1911) كانوا مهتمين بالظاهرة الانشقاقية على أنها مفتاح لفهم عمليات العقل الوعي. فالشخصيات المستقلة كانت في البداية ذات أهمية ثانوية، فعندما تعرض كانت تؤدى علنياّ. جولي جانيت (1888)، أخ بيري، قام بتنويم بلانش مغناطيساّ، الذي كان يعاني من أعراض هستيرية في مستشفى Salpêtrière، ومن ثم استعاد عافيته. فالسيدة التي تظهر في رسمة اوين (1971) و جوتيز الشهيرة توضح وتُظهر لنا خلل التوتر الهستيري. يقول جانيت: “لقد تقبَلَتْ اسم لويس الذي اقترحته لها تلقائيا.” ولكنها مازالت تعتبر نفسها بلانشي. فتُظهر لاحقاّ شخصيات كثيرة بتحديد وتخطيط قوي. وضح جريفز (1980) أن وصف الأنفس المتعددة ظهر في القرن العشرين، وهنالك أدلة تظهر في العديد من الحالات الفرنسية الشهيرة.
قام عزام (1876, 1887, 1892)، البروفسور المُهتم بعملية التنويم المغناطيسي، بوصف حالة فليدا، التي تبلغ من العمر 47 بعد مضي 32 سنة على الملاحظة، قائلاّ بأنها عانت من تشنجات هستيرية، بالإضافة إلى أنها “كانت كادحة وذكية، وشخصية حزينة وجادة تقريبا.” (Azam, 1876). وحالتها الأساسية كانت:
“تفكر دون توقف بحالتها المرضية، مما أدى إلى استغراقها الشديد بالأفكار، حيث عانت أيضاّ من آلام شديدة في عدة أعضاء من جسمها، خاصة الرأس. تُدعى هذه الحالة بالمسمار الهستيري (Hysterical Nail) -ألم شديد يقع بالرأس-، بالإضافة إلى كونها بارزة في الرأس. كان أحد الناس معجباّ بسلوكها الكئيب، وبقلة رغبتها في الحديث، فكانتتجيب الأسئلة فقط لا أكثر..” (Azam, 1876).
يصف عزام كيف أنه قد تمر أيام بلا حافز واضح ولا أي انفعال، وهكذا تدخل حالتها الثانية. ففجأةّ، بعد ظهور آلام في جانب رأسها، غطت في نوم عميق استمر إلى دقيقتين أو ثلاثة، وبعدها استيقظت مسرورةً ضاحكة، تُدندن بنغم بينما هي تعمل، تمزح مع من حولها ولا تعاني من آلام عصبية كما كانت تعاني في حالتها العادية. “في حالتها هذه، كما نسميها الحالة الثانية، تمتلك فيلدا الإدراك الكامل بكل ما يجري في حياتها.” (Azam, 1892).
“ففي السنين التسع والعشر الأخيرة، تقلصت فترات الحالة الثانية في المدة الزمنية، وأصبحت تدوم لعدة ساعات فقط، وتظهر فقط كل 25 إلى 30 يوم. حيث أن شفاءها الكامل سيكون عند وصولها لسن اليأس.”
رفض عزام (1892) تشخيص ازدواج الشخصية، وفسره بـ “ثنائية الوعي” من جانب المشي أثناء النوم. فالتشخيص الصحيح الآن من الممكن أن يكون حالة اضطراب ثنائي القطب مُعدَّلة من قِبل احتمالات ثقافية. وقام بيير جانيت أيضاّ بوصف عدد من الحالات، بالأخص: لوني، و لوسي، و روز، و ماري، وأخيراّ مارسلين. فخضعت لوني لعلاج مُسبق “بالمغنطة”. وذكر جانيت (1888, p.260) في كتاباته: “قام الممغنطون بدعوتها أثناء عملية السير خلال النوم باسم لونتين، مدركين سبب إعطائها اسما جديدا، لذلك احتفظت به.” ففي عام 1889 صرح قائلاّ:
“قمنا سابقاّ بإعطاء هذا الموضوع عدة مسميات، حالة لوني، حالة لونتين..الخ. ولكن لاحظنا وجود ارتباك وتشوش ناتج عن هذا التمرين. فنحن الآن، متَّبعين عزام، سنطلق عليها اسم الحالة الأولى، والحالة الثانية، والحالة الثالثة لكل موضوع دراسة على حدة…”
فقام لاحقاّ بتحديد كل مريض بحالاتهم المختلفة طبقاّ لنمط لوسي1, لوسي2, لوسي3..الخ.
لوني1 تعرفت على نفسها فقط، ولوني 2 (لونتين) تعرفت على نفسها وعلى لوني1 أيضاّ، حيث قالت:” إن المرأة الصالحة ليست أنا، بل إنها غبية حقاّ.” ولوني3 قامت بدمج نفسها بالإضافة إلى الاثنتين الأخريتين. فُقِد السجل المُبكر عن كيفية اندماج لوني2، ولكن الاشتباه بـ”بممغنطيها” واضحٌ وضوح الشمس. فعلى ما يبدو أن جانيت أعاد اكتشافها من خلال كتاباتها التلقائية التي نتجت كرد على اقتراح ما بعد التنويم المغناطيسي الذي وُجد قبل الشهرين السابقتين. فوُجدتْ رسالة لها بأسلوبها السليم باسم مي بي (الاسم الأصلي للورين)، والاسم الآخر بالصفحة الخلفية موقع باسم لونتين، ذاكِرةّ فيها المتاعب التي سببتها لوني للونتين الأخريتين. (Janet, 1888, pp. 252-253). قام جانيت بتنويم لوني مغناطيسياّ عدة مرات منذ عام 1888 فصاعداّ، ووصفها مايرس (1903) بحالة جانيت الكلاسيكية المختلفة للشخصيات.
وصف جانيت بعد ذلك تمرينه مع لوسي بإسهاب، وهي فتاة بسجل مليء بالأعراض الهستيرية، ففي هذا الوصف الرئيسي المعاد والمتنوع على بعد سنتين (Janet, 1889)، قام جانيت بالتفريق أخيراّ بين الثلاث حالات: الندرة الفردية، حالة التنويم المغناطيسي، وشخصية أخرى تندمج إثر الكتابة التلقائية. في مجلده عام 1889 وأيضاّ في نسخه الأخرى (Janet, 1913, p.87), يصف لوسي -المنومة مغناطيسياّ- ويبرهن وجود حالة للوعي المتقلب، الذي يدعوها لوسي2. في يوم ما، رفضت لوسي الإيحاء التنويمي، فمن أجل زيادة تفاعلها، قام بتبديل المنوّم للوسي2 -كما لو أنها لم تكن منومة مسبقاّ-. وبعد العديد من التغيرات برزت شخصية جديدة، ألا وهي لوسي3.
فالكلام المتبادل الآتي حدث للوسي بينما كانت تحت تأثير التنويم المغناطيسي وأيضا خلال الكتابة التلقائية:
“كيف حالك؟”
“لا أعلم.”
“لابد أن يسمعني شخص ما هناك.”
“نعم.”
“من هناك؟”
“شخص آخر غير لوسي.”
“أوه بالطبع. شخص آخر. هل تود مشاركتنا اسمها؟”
“لا.”
“بلى، سيكون من المريح فعل ذلك.”
“حسنا، أدريين.”
“أحسنتِ أدريين. هل تستطيعين سماعي؟”
“نعم.”
ثم أضاف جانيت قائلا: ” بدون أي شك لقد قمت باقتراح اسم الشخصية، وأعطيته الكثير من التفرد الشخصي، ولكننا رأينا مدى تطورها بشكل عفوي. فتسمية هذه الشخصية اللاواعية يسهّل كثيراّ هذه التجارب.” (1913, p. 318). اقتنع جانيت بعد ذلك بأنه بغض النظر عن بدائية ونقص حالات التنويم المغناطيسية، فإنها مازالت تُشكل وجودا جديدا وكاملا أكثر من الوجود الطبيعي للفرد. فالحياة أو الحيوية للنظام السيكولوجي في الظروف المناسبة ستُشكل شخصيات مختلفة مع العديد من حالات المشي اثناء التنويم المغناطيسي. على كل حال، فمن المؤكد أن سؤال أي حالة منوّمة مغناطيسياّ عما إذا كان هنالك شخص آخر من الواضح أنه يوحي بقابلية لإنتاج كيان مُصطنع. لقد قام جانيت بتوضيح هذه الحالات (1913, p. 178) قائلاّ: “
“وضعنا بالاعتبار نجاحنا القائم أو الناتج عن رغبتنا، حيث أن حالتها –السير أثناء النوم- مطابقة تماماً لحالة فيلدا.” وقام بينت (1891) بالتعليق حول الكلام المذكور عن لوسي أعلاه قائلاّ: “أنه من الواضح أن م. جانيت قام بجعل هذا الشخص اللاوعي مسيحيا، وبالإضافة إلى إعلانه عن ضرورة وجود شخص ما لكي يُتجاوب معه، قام بذلك عن طريق تجسيد معلومات لهذا الشخص، حيث أنه هو بنفسه قام بصنعها إيحائيا”
روز وماري، كحالتي لوني ولوسي، عانتا من تغيرات وتقلبات كبيرة أثناء التنويم المغناطيسي. إن الأصل الصحيح لهذه الحالات وتشكيلاتها الثانوية للشخصية ما هي الا مشتبهٌ بها، أو أنها ليست موصوفة وصفاّ دقيقاّ في أي من المراجع المذكورة هنا. ولكنهم جميعاّ تعرضوا لأعراض هستيرية وتغيرات عديدة تحت تأثير التنويم المغناطيسي. يصف جانيت لوسي وماري (1913, p. 131) مؤكداّ هويتهم. فواحدة منهم تقول: ” أنها أنا لوسي، ولكنك قمت تغيري.”، وميري تقول: “سأبقى دائماّ أنا..ولكن ليس بالشكل المعتاد.” ويسهب جانيت بالتعليق بأن ديلوز قام بملاحظة أن بعضاّ من “الذين يمشون أثناء النوم” يتحدثون إلى أنفسهم بصيغة الغائب.
حصل جانيت (1907, 1911) على حالة أخرى، كما لقبها باسم “فيلدا المصطنعة”، مشيراّ إلى حالات مزاج مكتئب في كلا الحالتين. فكتب جانيت (1907):
“إن ازدواجية الشخصية مصطنعة، ففي عام 1887 أدُخلت المستشفى امرأة صغيرة بعمر العشرين اسمها مارسلين، حيث أنها لم تأكل أي لقمة لعدة شهور، وقد وصلت إلى آخر مراحل الضعف.”
كانت مارسلين تأكل وهي تحت تأثير التنويم المغناطيسي، ولكنها نسيت ما حصل بعد ذلك. فلم تستطع النهوض من السرير، بالإضافة إلى أنها أصيبت باحتباس البول، حيث أُخرج منها عندما كانت منومة مغناطيسياّ بدون الحاجة للقسطرة. بمعنى أن التنويم المغناطيسي المتكرر ساعدها على البقاء حية، وأبقاها مبتهجة وذكية ونشطة طوال اليوم. فكان مسموحاً لها الانتكاس بالليل، حيث تصبح خامدة ولا تتحرك. بدأ جولز جانيت بعلاجها عام 1887، واستمر بعد ذلك أخاه بير لأكثر من عشرة سنين.
لم يقم جانيت (1907, 1911) بتسمية مارسلين بأي اسم آخر. فقام بدراسة الاختلافات مابين الحالتين من حيث: الذاكرة والمزاج وتبدل التصرفات، ولكنها ماتزال نفس الشخص. باستثناء بعض المرات وقعت فيها مارسلين باكتئاب عميق. وختم جانيت أخيرا (1911): “إن ازدواجية الشخصية هي الشكل الهستيري لفترة الاكتئاب”. كان السبب القوي لتسمية مارسلين بـ “فيلدا المصطنعة” هو لاستقراء الحالات الانسحابية أو البديلة، وحالات الابتهاج والتقلب. فقد نتساءل عن عدد الحالات الأخرى للاكتئاب الدوري التي نُظمت في نمط اضطراب الانفصام من ماري رينولدز وما إلى ذلك. أُشير بالتأكيد إلى علاقة بين الأعراض الهستيرية والاكتئاب وأسباب أخرى. (Slater, 1964; Merskey, 1979)
تُقدم فيلدا (Azam, 1876, 1887, 1892) وحالات جانيت (Janet, 1889, 1911) أمثلة للقرن التاسع عشر حيث تندمج وتظهر أكثر من حالتين. ففي فيلدا كان هناك حالة متكررة من تزايد دورية المزاج مع ملاحظة وجود الشخصية الرئيسة، وبشكل موجز؛ عانى المريض في الحالة الثالثة من الفزع. لكن في المقابل لوني، وجميع الشخصيات الثلاثة كانوا يتشاركون الأسماء، والشخصيات الثانوية، وكان لديهم معرفة بالمذكورين أعلاه. إن لوسي وماري وروز يتشابهن مع لوني. لذا اقترح أن هناك العديد من الأدلة على التشكيل النشط في حالات جانيت، حيث لن يُقبل أي منها للاستدلال على أمثلة فورية لـ MPD بدون وجود دليل قوي على الأعراض الناقصة. فنحن نرى أيضاّ أن لوني تحولت إلى جانيت بسبب “من ينومونهم مغناطيسيا”، وأن مسمى انفرادية الشخصيات كان تدريباّ تلقوه منهم، وهنالك اعتراف مكشوف من مواضيعه الأخرى لتطوير شخصيات ثانوية. فيظهر في المناسبات مشيراّ إليه في جميع حالاته، وليس فقط مارسلين التي وُصفت بأنها “فيلدا المصطنعة”.
وهذا يأخذنا إلى حالة فرنسية أخرى، لويس في، وصفها كلُّ من كاموست (1882)، بورو بورت (1885)، وميرس (1886) على أنها حالة صعبة تعاني من شلل هستيري وتقلبات مزاجية. حيث لم يوصف اندماج تغيٌّير الشخصية بشكل مفصل. يصف ريتشيت (1883) امرأة تعاني من فقدان ذاكرة جزئي، يقول إنه وجد في حالاته فقدانا للذاكرة، فقاموا بإعطاء ذواتهم تكوينا مختلفا عن تكوينهم الحقيقي. ويراه أيضاّ على أنه تغيّرا في الشخصية كان كافياّ لنطق كلمة واحدة بقوة كافية. فيصف فعالية المريض في عدة أدوار: فلاح، وممثل وجنرال، وقسيس، وراهبة. ومريض آخر وصفه كـ: جنرال، وملاح، وامرأة كبيرة، فتاة صغيرة، وطباخة معجنات. لقد ظهرت هذه الحالات لتكون أمثلة صريحة على لعب دور أوامر المنومين المغناطيسين عوضا عن كونها شكلا من أشكال تقلبات الشخصيات التلقائية.
قام روتشاس (1887) بكسب تغيرات درامية مماثلة، حيث عرض حالة تغيّر فيها الاسم والدور بسبب اقتراح مابعد التنويم المغناطيسي. فعلى النقيض حالة بروست (1890) الذي كان محامياّ يعاني من فقدان ذاكرة هستيري، كان من السهل تنويمه مغناطيسياّ، حوُكم عليه بالتضليل، وصُفح عنه بحكم أنه فعل لا إرادي. حيث لم تُظهر أي من الحالات نمطا صالحا لاستقلالية الشخصيات، وتُعرض بروست حالته كواحدة فقط من الأفعال اللاإرادية.
يصف دايلي (1894) حالة ميلودرامية بجروح رأس مبدئية. وفقاّ لدايلي، فإن كلاّ من جورج ام. بيرد. و و. ا. هاموند نفوا فعالية حالته. وكتب جانيت (1907) عنه قائلاّ:
“إن التاريخ مرتبط بشكل غريب، تستطيع الشعور بذلك….من السعي المفرط خلف الظواهر المدهشة و ماوراء الطبيعية. إن مولي فانتشير خمسة أشخاص على الأقل، يملكون خمسة أسماء شاعرية: سنبيم، آدل، روزبد، بيرل، و روبي.. إن التعقيد في هذه الحالة مسلّ بالفعل.”
أُثبت المرض العضوي في كثير من الحالات المبكرة. فقد وُجدت في 14 حالة قبل عام 1906 على الأقل حالتان؛ وربما أيضاّ ثلاثة ثبت وجود ضرر بالدماغ، وثلاثة حالات أخرى ثبت وجود صرع لديها (Suctiffe & Jones, 1962). بينما وُجد في مرضى آخرين حالات فقدان ذاكرة أو مشي أثناء النوم، أو أنهم كانوا تحت تأثير التنويم المغناطيسي، بالرغم من أن بعض حالات ستكليف وجنوز المتبقية قد برهنت على حقيقة وجود اضطراب تعدد الشخصية. إلا أن من المخزي حقا ملاحظة ظهور العنصر العضوي في وقت لاحق في حالة فرانز (1933).
وهكذا يبدو أن حالات القرن التاسع عشر كانت أمثلة على مرض ثنائي القطب (Reynolds, Skae’s patient, Felida)، أو اضطراب عقلي عضوي (Myers, 1903; Sutcliffe & Jones, 1962) أو تأثير المنوّم. فالأخير كان أحياناّ سراً أو جهراُ- إن لم يكن أقل وضوحاّ.
تحولات القرن التالي
كان السيد أنسيل بروني، من جزيرة رود (James, 1890; Hodgson, 1891) متجولاّ ناصحاّ، اختفى فجأةّ من المنزل. وبعد أسبوعين، قام رجل يدعو نفسه أي. جاي. براون بتأجير محل صغير في نوريستاون، بينسيلفينيا. وبعد سبعة أسابيع استيقظ في حالة فزع متسائلا عن مكانه. قال إن اسمه انسيل بروني، وكان جاهلاّ تماماّ بشأن حل نوريستاون. قام بتذكر الأسبوعين التي كان فيها تحت التنويم المغناطيسي، والتي تضمنت زياراته لبوسطن ونيويورك وفيلادلفيا، حيث كان يسترخي ويقرأ ويتجول. أنكر كوونز (1984) على أن هذه حالة لاضطراب تعدد الشخصية، وأكد وجود خطأ في تشخيص العديد من الحالات المبكرة.
يبدو أن هذه الحالة توضح فقدان الذاكرة؛ حيث أسس المريض هوية جديدة لنفسه. على نقيض معظم حالات اضطرابات تعدد الشخصيات، استمرار الوضع كان وجيزاً ومتقلباً أيضاً، وكان أقل سعادة أو حيوية من أكثر الشخصيات الثانوية المألوفة و الثالثة التي وُصفت. نوّه ستينجل (1941) على أهمية الاكتئاب في عديد من حالات فقدان الذاكرة.
ولد السيد توماس كارسون هانا في عام 1872 (Sidis & Goodhart, 1904). ففي الخامسة عشر من أبريل عام 1897 سقط من عربته ونُقل وهو فاقدٌ للوعي. فأُعطي جرعات كبيرة من حقنة الإستركنين، وحين استيقظ هانا، قام بدفع واحداّ من أطبائه. كان قوياّ ولكن تم تكتيفه.وعندما هدأ قاموا بإزالة الحزام عنه، عندها لوحظ فقدانه للنطق وبدا في حالة “عمى دماغي كلي”. وأيضاّ أُعيد تعليمه مجدداّ كالطفل. في مايو 1897 قام المراقب بإبداء ملاحظة، قائلاّ:
“لا وجود لذاكرة من حياته السابقة. حيث أن وقت الحادثة من الممكن أن يعتبر كخط حاد مابين حياتين مختلفتين ومستقلتين لنفس الشخص…من الممكن أن نقول أن الشخصيتين تعيشان في نفس الكيان.”
دُرست حالة هانا عن طريق تحليل الأحلام والمقابلة، وأيضاّ عن طريق التنويم المغناطيسي. ثم أُعين على تأسيس ذاكرة، فتذكر حوادث من حياته السابقة، أو أنه صنعها أو رممها. بعد شهرين أُعيد تأسيس شخصياته، وعلى ما يبدو أنها حدثت تلقائياّ في حالة مشابهة للسبات العقلي. فلا وجود لوصف شخصية ثانويةـ فقط استرداد للتجارب الرئيسة متبادلة مع تلف الوعي بالعالم الخارجي مرتبطة أيضاّ بفقدان للذاكرة، ومن المحتمل أن بداياتها كانت عضوية مع وجود تفاصيل هستيرية.
إن أكثر الحالات شهرةّ هي حالة كريستين (سالي) بيتشامب. وصفها برنس أولاّ في عام 1900، حيث صرّح عنها بتفصيلٍ تام عام 1905 في أول إصدار لكتاب تفكك الشخصية، ثم أسهب بالوصف بعد ذلك في عامي 1908 و1920. ففي السابق، أو قبل حالة برنس، كانت أغلب الأمثلة والنماذج لمرضى يعانون حلقات من الوعي المتغيّر، حيث كانت تنقصهم معلومات عن أنفسهم وعن العالم، أو أن بعض الأفراد دخلوا حالة مزاج ثانٍ أو حالة نشاط.
ظهور حالة سالي
قام برنس أخيراّ بوصف أربعة شخصيات مختلفة في مريضته. فمن الضروري اختبار وصفه لـ “ولادة سالي” من الآنسة بيتشامب نفسها. عرض في البداية محتويات جلسة التنويم المغناطيسي، والتي سيُكلّفها بنسيان المواد التي أشارت اليها في الجلسات السابقة، وأن تتحدث مع نفسها وهي يقظة على أنها “هي”. فكتب:
“استخدمتْ للتو الذات المنوّمة لأول مرة الضمير “هي” أثناء حديثها لذاتها اليقظة، كما لو أنها غائب، ما عدا استخدامها لـ “أنا” عن نفسها أثناء التنويم المغناطيسي. فقد كانت النبرة والخطاب والأسلوب أيضاّ مختلفين عمّا كانا في السابق…إن تجربتي مع هذه الحالة تناقض تماما الرأي الذي كنت متمسكا به إلى هذا الوقت. بدأت قناعاتي تكبر عما يسمى بشخصيات تتبلور أثناء التنويم المغناطيسي، مختلفة عن النوع التلقائي، بل إنها أحداثٌ مصطنعة… يستثنى من هذا الرأي الشخصية المعروفة بـ B iii, أو كريس، التي ظهرت أول مرة خلال التنويم، ونشأت واستمرت ضد اعتراضي، وبالرغم من شكّي، إلا أنني قمت بالسؤال عمّن “هي”. ولم تستطع أن تقدم الذات المنوّمة إجابة مرضية.
قلت: “أنتِ “هي””
“كلا، لستُ هي.”
“أنا أقول بلى.”
رفضت مجدداّ.
فحسمت أمري، إذ لا يجب على المصطنعين أن يتطوروا. أقنعتها باستمرار في اختباراتي العديدة، ولكن اعتبرتْ الفكرة هراء، ورفضت قبولها…
وأخيراّ:
“لماذا لستِ “هي”؟”
“لأن “هي” لا تعرف نفس الأمور التي أعرفها أنا.”
“ولكنكم تمتلكون نفس الأذرع والأرجل، أليس كذلك؟”
“نعم، ولكن لا تجعلنا الأذرع الأرجل سواسية.”
“حسناّ، إذا كنتم أشخاص مختلفين، إذن ما هي أسماؤكن؟”
]وفي مناسبة أخرى تحدثوا كالتالي:[
“أصغِ إلي، تقولين الآن أنك الآنسة بيتشامب.”
“نعم.”
“في المرة السابقة عندما تحدثنا قلتِ أنك لستِ الآنسة بيتشامب.”
“أنت مخطئ، لم أقل. لم أقل شيئا من هذا القبيل.”
“بلى، قلتِ.”
“كلا.”
أبدى ماكدوجال (1948) رأيه:
“لم تتم الإشارة إلى هذا في مسيرة علاقات برنس الطويلة مع هذه الحالة، على ما يبدو أن التنويم المغناطيسي تدخل بشكل متكرر…ومن الممكن أنه عطّل مسيرة تطورها وتقدمها لدرجة غير محددة. فلا يمكننا إنكار هذا الاحتمال.”
ومن المتوقع أن برنس لم يُثبت تعدد الشخصية بقدر ما اقترحها. بغض النظر عن تصريحه عن النتيجة اللاحقة، قام بالسؤال عن الأسماء، وأيضاّ قام بتذكير المرضى عن “هي” الأخرى. لا نستطيع معرفة ما الذي من الممكن أن يحصل إذا أهملتْ النقاشات الجانبية لذات المريض، التي عادة ما تكون بصيغة الغائب.
ما بعد مورتن برنس
كان لدى بيرنارد هارت (1912) مريضاّ يعاني من ثوران الغضب، متبوعاّ بفقدان ذاكرة جزئي. قيل له في العلاج النفسي أنه لم يبدو كشخص سليم، يكون في فترات سليما بشكل شبه كلي، وأخرى منفصلا عن ذاتها تماما. ويقول هارت: أن “خُمس الرجل” خضع تحت تطور سريع، وكان مُتبعاّ بشخصية أكثر تعقيداّ من الذي ظهرتْ سابقاّ.
أكثر الحالات شهرة خلال هذه الفترة قد فُصل في وصفها في أمريكا. فقد وُصفت دورس فيسشر (Prince, 1916) بطريقة غير مترابطة. حيث ظهرت أول شخصية مرتبطة بدلائل قوية على التملّك، بالإضافة إلى الانفعال الهستيري أو “النوم”. وأما الشخصيتين الثانويتين فقد ذكر أنهما ظهرتا في سن الثالثة، عندما كان المريض يُعَالج جسدياّ. إن المعلومات المعطاة هي خاصة وذات أثر رجعي، بالإضافة إلى كونها مختلطة.
التفى جودارد (1926, 1927) بمريضته، نورما بولي، التي تبلغ التاسعة عشر من العمر، وهي أيضاّ مريضة مؤكدة لحالتين مختلفتين على الأقل من الشخصيات. حددت أسباب جيدة للاضطراب الوجداني لحياة هذه المريضة؛ ولكن لم يتحدد مدى تقدّم مظهر الشخصية الثانية. إلا أن تلميحا قويا عُرض في صفحة رقم 115، حيث أشير إلى عمر الثامنة عشر من المريضة حينما قامت بزيارة أختها التي تبلغ الرابعة، وكانت تحت رعاية جيدة على عكس حالها. فكان من المتوقع أنها ستتخيل نفسها في مكان أختها. إن هذه الأمنيات المنطقية كان من الممكن أن تتطور إلى نشوء شخصية بمسمى آخر. ولكن الدليل غير كامل. حصل هاكينج (1991) على دليل على أن نورما قد أُدخلت إلى مشفى أمراض عقلية عام 1923م، وشُخّصت بالهوس بالرغم من إدعاء جودارد بشفائها التام.
واحدة من أكثر الحالات إثارة للاهتمام وصفها كوري (1919)، حينما شَعَرت امرأة صغير بالسن جالسة لوحدها في المنزل على البيانو كما لو أن شيئاّ أخبرها: “خذي نفساّ عميقاّ”، وسمعت صوت غناءِ لم تسمعه من قبل، فأخافها. اهتزت قليلاّ قبل أن تبدأ الأغنية، وشعرت كما لو أنه تَملَّكها، فذهبت إلى المطبخ لتشرب، وسألت نفسها داخلياّ؛ لمن كان صوت الغناء، وبعدها امتلكت اسماّ آخر. كان ذلك قبل عدة أسابيع، قبل أن يتعلم الشخص الآخر الظهور أو ضمور الشخصية الأصلية للمريضة. يبدو ذلك كما لو أنه حلم يقظة، أو أمنية لتحقيق الدور الآخر منحها اللاوعي. بدأ الشخص الجديد بالكلام باللغة الأسبانية ولكن غير مفهوم، حيث وافقَ احتياجات الشخصية. فمع المراقبة تبدو هذه الحالة كالتي من الممكن أن تُعتبر مثالاً لاشتباه الوعي. وقد عُرضت بتفاصيل دقيقة.
التشخيص الخاطئ والنِتاج العلني
تعكس حالة فرانز (1933) خطأ التشخيص الجزئي. حيث كان المريض يعاني من حالة خلطية نتيجة الزهري العصبي ومن ثم تحولت إلى إصابة بالملاريا، التي كان من المحتمل أن توقف مرض الزهري أو تبطؤه، ولكن سينتج عنها تلف المخ. لم يميز الأطباء تشخيص الزهري الأصلي. فانتقل المريض إلى أمريكا وخضع للفحوص. قدم فرانز (1933) عنه تقريراّ كحالة لاضطراب تعدد الشخصية (MPD). فقبل أن يظهر الكتاب، عاد المريض إلى إنجلترا، فوُجدت آثار على أعراض الهوس الاكتئابي، فأُدخل لمستشفى المودزلي في لندن عام 1931، وظهرت نتائج تحليل دم إيجابية على إصابته بشلل الجنون العام Paresis. فبعد رعاية تضمنت الملاريا، لازال المريض يُظهر بعضا من اضطراب الذاكرة (العضوي) (Lewis, 1953). يزودنا ليويس بحجة مقنعة بأن المريض كان يعاني من تغير دماغي عضوي وأعراض هستيرية في الوقت الذي كان قد شُخِّص كحالة (MPD). فلقد ذُكرت نتيجة ساتكليف و جونز (1962) مع البرهان العضوي في حالة توماس هانا في الأعلى.
سارة، حالة ليبتون (1943)، ذكرت عدة نوبات من فقدان الذاكرة. حيث كتب ليبتون:
“خلال النقاش…كان هنالك سلوك عدواني مع العاملات. كما كان الحال مع سارة، كانت وحدة منهم دائما تقول: “تغيرت سارة مجدداّ”، أو “سارة تحولت إلى واحدة من حالات طبعها العنيف”، أو بعض من التعابير المشابهة….فلقد كان من المقرر أن ندعو المريضة باسم ماود عندما ظهرت مختلفة.. بغرض الراحة….”
قدمت جهود عازمة ليكونوا كريمين ومتفهمين لماود. لكن ظهور الشخصيتان المختلفتان قد تكرر كثيرا؛ أصبحت سارة ناضجة وذكية، بمعدل ذكاء 128 في اختبار IQ. بينما ماود كانت درجة ذكاءها 43. تطورت بعدها كثير من الاختلافات. ففيما بعد، ظهرت شخصية ثالثة. “عرفت بنفسها كسارة ورفضت وجود أي شخصية أخرى كما فعلت الأخريتين. كان يُطلق عليها آن…فشل اكتشاف آن خلال سبعة أشهر من المراقبة في المستشفى، وفي الوقت نفسه، حتى بعد أن وُجد خطأ تشخيص للشخصية المنفصلة، إلا أنه كان برهانا على مهارة “تغطية” الشخصيات المختلفة.” ثم ظهر سؤال: إلى أي مدى يحدث نِتاج مشابه للحالات الأخرى، حتى لو كان أقل وضوحاّ.
لاحظا بيري جانيت (1889, 1991) و جولز جاينت (1888) اقتراحات فرانك السابقة، بالإضافة إلى التنويم المغناطيسي، والتطور المريب في حالة هارت.
حالات حديثة: من إيف إلى بيلي ميليجان
كريستين كوستنير سيزمور، التي دعاها هاجبين و كليكلي (1957) إيف، زودتنا بنسختها الخاصة من الأحداث (Sizemore & Pittillo, 1977). كانت تُعالج من الصداع كمريضة خارجية. وكانت أيضا تبدو “أنيقة وغير منحازة، لطيفة ومتواضعة، ولا تعاني من نقص تغذية.” تحدثت خلال مقابلة لها عن صوت سمعته، ومن الواضح أنها أرادت قول المزيد ولكنها لم تجد الكلمات اللازمة للتعبير. حيث كتب المختصين الطبيين:
“تبدو إيف مشوشة للحظة. ومن ثم، فجأةَ تبدأ حالتها بالتغير. يبدأ جسمها بالتصلب ببطء إلى أن تجلس منتصبة. وبدا على وجهها تعابير غريبة…والتي سرعان ما تتحول إلى تبلد كلي….فعندما تغلق عينيها…يرتعش جسمها كله.
بعد ذلك سقطت يدها. كان بإمكانها الاسترخاء بسهولة…كانت تملك ابتسامة متهورة. قالت بصوت غير مألوف: “مرحباّ دكتور!” بضحكة ناعمة مفاجئة، واضعة رجلا على رجل، تلف تنورتها بإهمال…بأسلوبٍ مرح ولكن بطريقة ما استفزازية.”
يقول سايزمور أنها تغيرت بعد نقاش “سماع الأصوات”:
“جلست خافضة عينيها، غير قادرة على إخفاء ألمها، تنهدت ومن ثم رفعت رأسها بهدوء، بكل استقامة وفخر، عيناها متلألئتان، حدقت به، وقالت ساخرة: “مرحباّ دكتور” وغيرت وضعية جسمها من المتعبة المنحنية إلى جلسة حدباء متذبذبة.
ثم طلبت من الطبيب سيجارة، تردد ثم أعطاها. وساعدها باشعالها ومن ثم سألها:
“من أنتِ؟”
تقلَّبت قائلة: “أنا، أنا،”
“وما هو اسمك؟”
“أنا كرس كوستنر.”
“لماذا تستخدمين هذا الاسم بدلاّ من كريس وايت؟”
وصفا تاجبين وكليكلي حالتهما كإيف وايت، التي تحولت لتصبح إيف بلاك. وصفت المريضة نفسها بكريس وايت التي سرعان ما أصبحت كريس كوستنير، حيث كان اسمها قبل الزواج كوستنير، ووجدت هناك صعوبات أساسية كبيرة.
شَهد د. تاجبين حادثة فصام. فالاختلاف المهم مابين القصتين هو أن إيف استخدمت اسمها ما قبل الزواج. حيث يمكننا رؤية انكارها للزواج لأسباب وصفها الطبيب والمريض جيداّ. اُعتمدت هيئة مختلفة ومجموعة من المواقف، لكنها من الممكن ألا تكون “شخصية” أخرى، بل كانت تأكيداّ على الحالة (الحقيقية) السابقة حيث ندم المريض على المغادرة. على كل حال فإن تقرير المريض يؤيد إلى حد ما، تقرير الطبيب العقلي السابق. ويشير سايزمور على أن مس كوستنير أنكرت وجود طفل لها، ودافعت عن نفسها بقولها إنه من الممكن أن جسمها قد أنجب طفلا، لكن ليس عندما كانت هي بداخله. على كل حال عندما أُتخذ القرار لرفض الزواج كشخصية ثانية، تبعهُ نمط مختلف. فمن ذلك الحين وسايزمور يعيد حلقات الفصامي، ففي النهاية تم وصفها لاثنان وعشرون شخصية مختلفة. كان سايزمور مذهولاّ ومكتئباّ للاعتراف بذلك. فكانت طفولتها، كما وُصِفت، متضمنة تجارباّ مخيفة، ولكن لم تكن إساءة معاملة لها على عكس تقريباّ جميع الحالات المتأخرة.
وُصفت “اليزابيث” (Congdon, et alm 1961) كتغير تلقائي. حيث حصل ذلك بعد أوجه إيف الثلاثة. فلا وجود لتقرير عن المعرفة الممكنة التي تملكها بخصوص اضطراب تعدد الشخصية (MPD). فمنذ الانتشار العلني عن أوجه إيف الثلاثة و وسيبيل، جميع الحالات التابعة التي اشتبه أنها مُجهزة ومُفتعلة عن طريق المعلومات السابقة. أبلغ هارتون و ميلر (1972) عن “جلوريا”، وهي شخصية مضطربة بعمر السادسة عشر بمزاج متقلب وتحولات إغمائية، وأيضاّ تقوم بالمشي أثناء النوم. وذكرتْ يوماّ ما: “قبل أربعة أعوام..أنا أصبحت سو”، وقامت بالنهاية بوصف 4 شخصيات مختلفة. من الممكن أن تفضيلها لاسم آخر دفعها للانطلاق لشخصيات جديدة. سيبلر (Schreiber, 1973) بطول 1.65 م (5 أقدام 5 إنش)، وبوزن 34.5 كلغ. بدأت العلاج مع د. ويلبور بعد تكرر فقدان الذاكرة. ففي بداية العلاج قرأت العديد من تواريخ الحالات النفسية. وخلال واحدة من الجلسات، تحررت بعنف، وإنتكص عمرها وتغيرت لهجتها، فتحدثت بطريقة غير اعتيادية بوجود أخطاء نحوية. وَصفت حادثة ما حيث قُتل فيها طفل. فحدثها د. ويلبور: “من أنت؟” فردت عليه: “أنا بيجي.”
اعترفت بيجي بعد ذلك بالعيش مع سيبيل وأمها، ولكن أنكرت أنها ابنة أم سيبيل. فاستنتج الطبيب على أن سيبيل كانت حالة لاضطراب تعدد الشخصية (MPD).
على الأرجح أن أم سيبيل كانت مريضة نفسياّ، تعاملت معها بخوف ودعتها بأسماء مختلفة حيث فضّلت (على سبيل المثال: بيجي). اعتقد فيكتور (1975) أن ويلبور أقنع سيبيل بالتصديق بالشخصيات الإضافية، ولكن من الممكن أن قراءات المريضة للأدب الحالي له دور.
لدى كلتا الحالتين إدراك ووعي لتبني أدوار خيالية مختلفة. هينري هاوكسورث كان لديه خمسة شخصيات، والتي تبناها واعياّ (Hawksworth & Schwarz, 1977). حيث حصل ظهوره الثاني عندما كان في عمر الثالثة واستمر إلى عمر الأربعين. لقد كان مستَغلاً، ولاحقاّ عانى من اكتئاب ملحوظ وابتهاج غامر، و إساءة استخدام الكحول. تظاهر (ص. 23) أن النسخة الأخرى من نفسه، “جوني” زميل خيالي في اللعب، عاش بداخل دمية فنتريلوكست. حتى إذا وُبخ جوني على اخطائه، فإنه يِدرك أنه مازال يعاقب في منزله وفي المدرسة. ويتذكر هاوكسورث أنه كان في الملعب ويفكر بنفسه كما لو كان دانا. قالت معلمته:
“هينري هاوكسورث، اذهب إلى غرفة المدير حالاّ.”
“قال دانا :”حاضر،” غير واثق لماذا يريد أن يراه المدير.”
وقال جوني أنه عوقب للغته السيئة.
حدث تصرف سيء في هذه الحالة مع الكبار، حيث حصل تناوب مابين حالة الامتناع عن الشرب والهدوء والثبات والنجاح كمواطن مطيع للقانون. كان تبني الشخصيات المتعددة أمرا شعوريا، ونما من تصورات وخيالات الطفولة بدافع واضح، وقد ظهرت واعية بشكل علني. فهناك أيضاّ صعوبة أخرى. كما هو الحال مع البقية، لم تُقال هذه القصة بصورة متتالية كتاريخ نفسيّ، بل أنها موجودة عادة في النصوص، وفي نمط الإرتجاع الفني.
كانت كريستينا (Peters & Schwarz, 1978) مستبدة بشكل سيء. حيث قتل أباها الوحشي واحد من إخوتها الرضع، وأرهب والدتها، بالإضافة إلى أنه اغتصبها وهي في عمر الخامسة. فخسرت إثر ذلك الوعي والذاكرة. وعندما استيقظت وجدت نفسها في دار الأيتام كميري. أصبحت كحولية ومدمنة مخدرات، هاوية للأرواح، مصدقةّ أنها ممسوسة. وطلب طبيبها منها ممارسة الرياضة. بعد ذلك قدم لها فكرة تعدد الشخصيات، حيث قامت بعد ذلك بتطويرهم. وكان يجب عليها الانسحاب من طفلة إلى هوية بديلة. وأيضاّ تم تعليمها حالتها عندما بلغت سن الرشد.
قام ه. س. ميليجان (Keyes, 1981) باغتصابات متكررة. لكن حُكم عليه بالبراءة بسبب مرض نفسي؛ وهو اضطراب تعدد الشخصية (MPD). وأُبقي في مؤسسة طبية نفسية. في سنواته الأولى من حياته، كان يدخل المستشفى ويخرج منه. انتحر والده الكحولي. وأساء زوج أمه الوحشي معاملته جسدياّ، وأجبره على الجماع الشرجي عندما كان في الثامنة أو التاسعة من العمر. فمن عمر الثالثة وثمانية أشهر كان لديه رفيق لعب خيالي. ففي إحدى المرات كان يريد اللعب مع أخته الرضيعة، ولكن رفضت والدته ذلك. فعندما يمل يذهب إلى النوم، وعندما يستيقظ يتحول إلى هوية كرستين، الذي يستطيع اللعب مع الرضيع. من غير الواضح ما إذا كان ذلك تغير لا وعي. ففي عمر الثامنة، أصبح لديه ستة هويات خيالية أخرى، على ما يبدو أنها دائماّ واعية. ففي كل موقف يظهر دور جديد؛ على سبيل المثال أدالنا، فتاة تستمع بغسل الأطباق عندما يستدعي الأمر.
عانتا إيف وسيبيل من اكتئابٍ وفقدانٍ شديد للشهية، بالإضافة إلى فقدان ذاكرة هستيري. أول ظهور “للشخصية الثانية” لدى إيف كان حلقة رفض لعلاقتها الزوجية. فلم نُبلغ عما إذا قد وُجد تعدد للشخصية قبل التغيير. وعندما أصبحت “حالة” لاضطراب تعدد الشخصية، كانت المرحلة قد جُهِّزت لاثنا وعشرين فرداّ للظهور.
كانا تاجبين وكليكلي (Thigpen, 1984) معارضين لتشخيص الحالات التي تلت هذه الحالة، حيث أصبحت حالة إيف نموذجاّ للكثير، وربما لجميع الحالات التالية.
فقبل أن تظهر أعراض البالغين، وجهت كريستينا مباشرة من طبيبها عن الشخصيات المتعددة. فتبعت إليزابيث إيف. وعلى الأرجح أن سيبيل قد قرأت وصف اضطراب تعدد الشخصيات (MPD)، وأقنعها طبيبها على الأقل بجزء منه. هاوكسورث، ميليجين، سيبيل، كرستينا، وجلوريا، جميعهم استخدموا بوعي أدوارهم المتناوبة بغرض راحة عاطفية أو لميزة اجتماعية. امتلكت حالة إيف أكثر وصفٍ مقنع، لكن مازال الشك باقٍ. فلم يكن مؤكداّ في حالتها ما إذا كان هنالك علم مسبق عن نمط الاضطراب (MPD). بشكل آخر لم يظهر استبعادنا له، فهنالك نموذج قوي لتفسيرٍ آخر، وأيضاّ لا تُعتبر تجربة الطفولة نموذجاّ مثالياّ، وكلما أصبحنا شكاكين حيال الشخصية رقم 22، تزداد أسئلتنا عن التبادل الأول. إن حالة ميليجان أيضاّ مثيرة للشكوك، وقد سئل عن مدى مصداقيتها (Thigpen, 1984).
ففي هذه الحالات يتطور دور الشخصية الثانوية بأي عمر كانت، من الاكتئاب، أو من صراع عاطفي شديد، وأيضاّ من الوقاية من تجارب حياتية لا تُحتمل. ففي أغلب، أو في جميع الحالات التي تكون تلقائية المنشأ، تأخذ أي حالة مسمى اضطراب تعدد الشخصية (MPD)، بدون أي معرفة مسبقة عن هذا الاضطراب، فتكون إما مشتبها بها أو يثبت بطلانها. لكن هذا لا يُلمح على التمارض، حيث يتكيف الوعي مع وضع لأجل تحقيق منفعة عادة ما تكون على حساب الآخرين أو المجتمع. فهنا مثال على مريض ببعضٍ من الوعي، قد اتخذ دوراّ، والذي لحسن الحظ حصل على استحسان البيئة المحيطة.
إن الحالات كحالة السيد آنسل برون توحي لنا بنبذة عن هوية ثانوية تلقائية قد تظهر في الأفراد الضعفاء تحت وطئة الاكتئاب والاجهاد البيئي. من الممكن أن تظهر الهوية الثانوية في الآخرون كغلوريا، وسيبل، أو هينري هوكسورث نتيجة لصحبة التصورات الخيالية والتشجيع البيئي، أو بعض من مزيج هذه العناصر. بينما الإصرار على الهوية المنفصلة، فإنها لا تعتبر دليلاّ دون الأدلة الطبية ولا العمليات النفسية والاجتماعية المذكورة أعلاه.
وفي الختام، من بين تقارير الحالات وصف أليسون و شوارتز (1980) العديد من المرضى، حيث أن أول حالة عُرضت كانت قد شُكِّلت بشكل كامل، ووصفُ أسلوبها أشار إلى وجود تطورات تلقائية لها كطفلة. ولكن لا دليل على وجود أساس نموذج للشخصيات بالغة. عولج مريض آخر بالرقية أيضا، ولكن لا وجود لأمثلة مقنعة؛ لأن الكتاب قد كُتب للعامة من غير المختصين.
أشار جريفز (1980) أن لدى كريستين باوجاب (حالة برنس) أربعة شخصيات، بينما الآخرون يملكون ستة عشر شخصية (حالة شريبل)، واثنان وعشرون (Sizemore & Pittillo, 1977)، بالإضافة إلى خمسة وثلاثون (Allison & Schwarz, 1980). وصفَ كلوفت (1982) ستين حالة بالتفصيل، حيث أن إحدى عشرة شخصاً فقط كان لديه شخصيتين، وثمانية أشخاص تتراوح شخصياتهم مابين 3-5، وعشرون أيضاّ مابين 6-10 شخصية، وتسعة عشر شخص مابين 11-20 شخصية، واثنان آخرون مابين 20 شخصية. وقام هلجارد (1988) بملاحظة أن الأعداد “كالتي ذكرت من قبل الآخرين لابد وأن تثير الشكوك حول التشخيص.”.
مناقشة
أظهرت الحالات المبكرة تطوراّ محدوداّ للوعي المزدوج. حيث أن حالاتهم مرتبطة بتقلبات المزاج وفقدان الشهية والتنويم المغناطيسي، بالإضافة إلى مقترحٍ علني أو مرضٍ عضوي. فقد يُرفض أحياناّ الاختلاف مابين ازدواجية الشخصية وازدواجية الوعي بشكل صريح (Azam, 1887).
كان جيمس وعزام وجانيت مهتمين بالسير أثناء النوم وبالوعي والتصرفات التلقائية والانتباه والذاكرة والخبرات الإنشقاقية، وأخيراّ الاعتراف بالذات والوعي بها. فكانت هذه المواضيع شهيرة في كتاب هاربت سبينسر أصول علم النفس، 1855م، ووصفها أيضاّ كوبلاند (1892) من بين أمورٍ أخرى. واستمروا إلى القرن العشرين (مثلاّ: مايرز، 1903. وستوت، 1919). وتمركز النقاش على طرق فهم عمليات العقل من أوجهٍ مختلفة لنفس حالة تعدد الذوات.
إن عدد الحالات المبكرة يثير أسئلة حيال التشخيص؛ حيث أن ثلاثة من أكثر الحالات شهرة لديهم نزعة قوية لتقلبات ثنائي القطب أو اكتئاب مستمر لعدة سنوات، أي حالتا سكي: ماري رينولدز و فيلدا اكس. أما الآخرون فيملكون مساهمات عضوية بارزة (ومقبولة بشكل عام)، (على سبيل المثال: مايرز، 1903. ساتكليف و جونز، 1962). بالإضافة إلى الحالات في القرن العشرين للسيد توماس هانا و فرانز، أما مريضة لويس قد عانت من مشاكل عضوية مفروغ منها. وجميع حالات بيري جانيت، كما هو الحال مع الحالات الفرنسية الأخرى، فقد ظهرت مع التنويم المغناطيسي. عانت ميرسلين من فقدان شديد للشهية، كما حدث أيضاّ لإيف وسيبيل لاحقاّ. وظهر إدمان الكحول لاحقاّ في الحالات الأخيرة (Hawkswort, Christina). تم أيضاّ إنتاج حالات لويز (Janet, 1888) وساره (Lipton, 1943) بشكل صريح، على الأرجح كلُوني والآخرون.
لم توجد أي حالة ثابتة لاضطراب تعدد الشخصيات (MPD)، وأنا الآن واثق أنها قد برزت عن طريق عمليات لاشعورية بدون أي تشكيل وتجهيز من العوامل الخارجية، كالأطباء والإعلام. فيما يتعلق بهذه الحجة، فمن المحتمل أننا وصلنا لحالة مشابهة لمبادئ هيسينبيرج للغموض: ملاحظة الظاهرة تُغيرها. فإذا كان ذلك حقيقياّ، فإنه يعني أن لا وجود لحالة منذ برنس، لكن على الأقل منذ فيلم أوجه إيف الثلاثة، يمكننا أن نأخذها بجدية، إذ لن يظهر أحدٌ بدون علم مسبق بالفكرة.
ومن المحتمل أيضاّ أن اضطراب تعدد الشخصيات (MPD) لا يحدث أبداّ كحالة طبيعية مستمرة تلقائية للكبار. حيث أن الحالات المختبرة هنا لم تُظهر أي ظروف طبيعية، بينما أنها مستقلة أكثر عن الاضطراب العقلي أو الهوية الثانوية المُعززة من الخيالات العلنية أو من الرُشد. إن معظم الحالات الممكن توقعها بدون مستحدثات أو منتجات طبية لها رغبة علنية لدور آخر قد تسبب اتخاذ نماذج إدراكية مختلفة للحياة، كما هو الحال في حالة كوري (1919)، أو ربما حالة هورتون وميلر. فمن المتوقع أن عادةَ التغيرات الثانوية ستختفي باختفاء التعزيز.
الإيحاء، الترغيب الاجتماعي، الإعداد حسب التوقعات، ومكاسب إنتباه الآخرين للشخص، قد تسهم في إنتاج وتغذية الشخصية الثانية. فباعتراف الجميع، إذا كان فقط هؤلاء الأطباء هم اللذين يتوقعون المرض، فإنهم هم من يستطيعون رؤيته.على أية حال كنت أنوي تسلية وجوده كالآخرين، ولم أجده بنفسي قبل بروزه الدرامي في الحالات المذكورة أو قبل. في الوقت نفسه ليس من المهم علاج المرضى الذي عانوا من طفولة سيئة، ومن كان لديهم أعراض تحولية عن طريق تطوير معتقدات إضافية لديهم بشخصيات جديدة. فإن الحماس مع ظاهرة ما، يعني زيادتها.
يجب أن نضع بالاعتبار كيف بدأ المرضى والأطباء بتصديق اضطراب تعدد الشخصيات (MPD)، أو بعرض هذا النموذج الشهير.
هناك أربعة اقتراحات مناسبة لتفسير كيف خلق اضطراب تعدد الشخصية: أولاّ، التفسير الخاطئ للمرض العضوي والاضطراب ثنائي القطب. ثانيا، التطور الشعوري للتصورات الخيالية كحل للمشاكل العاطفية. ثالثا، تطور فقدان الذاكرة الهستيري، يتبعه إعادة تدريب. رابعا، إحداث طلب علني تحت تأثير التنويم المغناطيسي أو المقابلات المتكررة. إن إعادة التدريب قد تزيد بمجرد فقدان ذاكرة فصامي، أو عن طريق آثار ناجمة عن الإصابة في الرأس أو الاكتئاب، إلا إذا ما صاحبها نماذج هستيرية لفقدان الذاكرة، حيث أن تأثير التعلم واضح لدى ماري رينولدز. وذكر ميتشيل:
“إن أول درس تلقته في تعليمها كان عن ماهية العلاقات الملزمة بها بمن حولها، والمهام التي تنتقل إليها وفقاّ لذلك. فبعد فترة تم ملاحظة بروز تقلبات مزاجية ما بين كونها كئيبة ومبتهجة، حزينة ومعتزلة، أو شخصية اجتماعية وواثقة ثقة عمياء.”
فلم يكن واضحاّ وجود شخصيتين، بل حالتان مزاجية فقط. إن المحاولة الطبيعية لإعادة الفرد تم وصفها. حيث أن نفس المحاولة الطبيعية كانت واضحة جداّ في حالة السيد هانّا (Sidis & Goodhart, 1904). فيستطيع الشخص تخيّل النتائج إذا ما كان المريض على اتصال بشخص أراد اقتراح فكرة وجود خَلق مميز، قائلاّ باسم ويليام. وأن احتمالية وجود قصة جديدة ستكون قوية.
الآنسة بوتشامب ما هي إلا مثال آخر على السيناريو الرابع. حيث قام برنس بوصف حرفي لنقاش راسل مع مريضته التي كانت تحت تأثير التنويم المغناطيسي، ودار النقاش حول ما إذا كانت تستطيع تذكره ام لا. كما نسب قوة التذكر لها، فمن المفترض أنها بدأت بإبعاد نفسها تحت تأثير التنويم المغناطيسي يعدّ قوة وهيمنة. ففي النهاية، في إحدى جلساتها تحت التنويم المغناطيسي، قامت باستخدام ضمير “هي” لنفسها وهجم عليها. بغض النظر عن قناعاته على أن الذوات الظاهرة تحت تأثير التنويم المغناطيسي قد نَتجت عن طريق الإيحاء، قام بتفحص السؤال: من هي، وكيف قالت “أنتِ هي.” وأيضاً بالرغم عن إنكارها، استمر في دافعه لسؤالها في الوقت المناسب عن اسم الشخصية الأخرى، وقام بعد ذلك بتذكيرها بـ”هي”. على ما يبدو أن مرضى اليوم مدّربين جيداّ.
حصل سبانوس إي آل (1986) على أدلة تجريبية قوية، حيث تم استخدام إجراءات بصورة روتينية لتشخيص اضطراب تعدد الشخصية (MPD) التي قد تُساعد وتُشرّع هذه الأعراض.
إن التغير الذي حصل مع إيف، كما وصفته، كان أقل من المتوقع من حيث أهميته من الطريقة التي وَصفها بها تاجبين وكليكلي. فإذا كانت أساساّ رافضة بالتأكيد حالة زواجها، واختارت اسمها قبل الزواج، وقامت شخصيتها الثانوية بالدفاع عن قرارها برفض العناصر المرتبة؛ بدا أن خلق الشخصية الثانوية لم يٌمكِّن تحولاّ كاملاّ. وإن تطور الحالة في بعض حالات الطفولة ما هو إلا أشبه بالتصديق الواعي بحكم الحاجة، ومن الممكن أن يُحمل متبصراّ إلى سن البلوغ والرشد. فمرة أخرى، إن هذا لا يعادل الشخصيات التلقائية الذاتية المتعاقبة التي يجب أن تٌمنح حياةّ لأهدافهم الواقعية والشرعية، أو العلاجية.
ظهرت آلية إنسانية ذات صلة قوية بالمرضى المصابين بشلل الأطراف، أو الاختلال الوظيفي لعضو. هناك مريضة مصابة بالزفن الشقي حيث لا تستطيع السيطرة على الحركات العصبية الشديدة ليدها اليسرى، فقد تم وصفها على حدة كـ “جورج”. والهدف من عزل الشخص من ظاهرة مؤلمة هو شيء شائع وسهل الاعتماد. يعرِض اضطراب MPD شكلاً من أشكال الانفصال والانشقاق وعزل للمشاكل الذاتية الخاصة. ومع ذلك فإن الدليل حتى الآن يلمح على تضمنه للمساعدة.
إن مؤيدو تشخيص اضطراب الشخصية المتعددة (MPD) يشيرون إلى وجود متكرر للعنف الجنسي في سجلات المرضى. ففي كندا، وجد روس أي آل (1990) أن 90% من 102 مريض كانوا متأثرين، بينما أشارت دراسة وطنية (جمعية الجرائم الجنسية ضد الأطفال والشباب ( 1984) إلى بعض العنف الجنسي عن طريق اللمس أو محاولة للتحرش موجودة بنسبة 45.6% في الإناث. وهذا أيضاّ يتضمن حوادث تعرض للعنف أو بالتهديد. إن العنف الجنسي لدى الأطفال ليس دقيقاّ لتشخيص معين. ذكر ووكر إي آل (1988) أن 64% من المرضى الذين يعانون من آلام حوض مزمنة لديهم سجل للعنف الجنسي، في حين أن 23% من المجموعة المراقبة كان لديهم تجارب مشابهه، حيث أن العديد من المرضى الذين يعانون من آلام بالحوض كان لديهم أيضاّ أعراض لنوع متصل بأمراض جسدية واكتئابية. تكرار الحرمان اثناء الطفولة وأيضاّ العنف لدى المرضى الحاليين قاد لوجود أعراض متصلة بالهستيريا لوحظت في وقت ما في الحوارات التي حدثت في مستشفى الإدمان و الأمراض المُصنعة (Merskey, 1979, p.66). وقمنا نحن كمحققين بالتأكيد على العنف الجنسي كمقياس لتشخيص اضطراب تعدد الشخصية، وإن من المفاجئ حقا انتشار الظاهرة المستخدمة في العينة. ولكن تعريف التشخيص فيما يتعلق بالعنف الجنسي لا يمكن أن يَخدم ويُستخدم كدليل على استقلالية وجود الحالة.
نشرت في الآونة الأخيرة حلقات أكبر من الحالات. وقامت صحيفة Dissociation (no. 2, vol, June 1989) بالتعامل خصيصاّ مع السؤال المتعلق بالمنشأ العلاجي، فقد عُرضت عدة حجج لرفض ظهور أو أهمية المنشأ العلاجي. من بينهم قام روس إي آل (1989) بإدعاء أن المنشأ العلاجي هو نِتاج لاضطراب تعدد الشخصية عن طريق مختصين في الخبرات الإنشقاقية لم يتم ذكرهم في الأدب. فالتحليل لأكثر الحالات شهرة يُظهر غير ذلك. وقام أيضاا نفس المؤلفون باقتراح عدم وجود أهمية للاختلافات السكانية بين مرضى اضطراب تعدد الشخصيات (MPD) وأطباؤهم مع العديد من الحالات، وبين الأطباء النفسيين مع قليل من الحالات؛ مما يدل على أن ذوي الحالات العديدة لا يُنتَجون بصور مختلفة. ولا تُعتبر هذه الحجة دليلاً على صدقها، بل تدل فقط على تماسك الاختيار. ولا يعتبر أيضاّ دقة التشخيص (Ross, 1989) دليلاّ على مصداقيته. ذكر كلفت (1989) على أن عدم تكافؤ العلاج هو ما أدى إلى تدهور حالة هذا الاضطراب. ولكن مازال مؤلفو الجزء المُتصل بـ DSM-III-R يسمحون بوجود 100 شخصية متبادلة في حالة، لكن كلفت (1982) قام بنفسه بالإبلاغ عن 19 مريض وُجد فيهم ما يُقارب 11-30 شخصية، واثنان آخران بأكثر من ثلاثون شخصية.
فلا تعتبر الحالات الدارجة موضوعاً مناسبا للدراسة بالنسبة لتفحص مسألة الإيحاء. فمنذ أن كشفوا عنها في دول متقدمة، أبلغ عن بعض الحالات في الهند التي توضح تأثير السينما بالأحرى في انتاج فقدان سطحي للذاكرة (Adityanjee et al, 1989). في حين يجب علينا فرض اظهار المنشأ الطوعي في الحالات المبكرة، بالإضافة إلى أي حالات متأخرة من المتوقع عزوها تأثير انتشار الإعلام، أو منشأ دون أي شك معقول. تشير الحالات الأخيرة للأنماط الشائعة بدلا من الصحافية للاضطراب المُفترض.
إن المجال مفتوح بالتأكيد لأي محقق معين للقول: “لم يحظى مرضاي بأي تدريب، فنشأ لديهم بشكل طبيعي، ولم ينشأ مني.”. لحسن الحظ، بطريقة أخرى بسبب انتشار المعرفة، تم تقويض رأي هذا المفهوم. فإذا تم قبول هذه الحالة يجب الإنتهاء من حالة إيف على الأقل، ولكن لم يتم. يجب النظر الآن إلى مفهوم اضطراب تعدد الشخصية (MPD) في أفضل الأحوال على أنه أحد مراحل تاريخ الأفكار.
الآثار الضارة للتشخيص
يملك العديد من المرضى تجاربا وتاريخا سيئا لعنف الأطفال، مما يستدعي الإنتباه والعلاج، وربما لا يكون تشخيص اضطراب تعدد الشخصية (MPD) هو أفضل علاجٍ له.
يجب أن يستبعد تشخيص MPD أي تشخيص آخر، لكنه على ما يبدو يصرف الإنتباه عنه فقط. فمن المفضّل أن يعالج إدمان الكحول أو الاكتئاب عن طريق توجيه الإنتباه لمشاكل الشرب أو استخدام أدوية بلا مفعول ادماني. ومن الممكن أيضا أن يمنع تشخيص MPD (أو نِتاجه) أي إجراء لائق أو أن يدمر العلاج. كتب تشودوف (1987) بداخل حالتين ظهرتا على شريط فيديو أنه اندهش بقليل من الإحباط على أن تقدم العلاج النفسي يُمارس بالتركيز على المزايا الفردية للشخصيات بدلاّ من الصراعات الأساسية للمريض. وفي حال ما احتاج المريض إلى إدارة العلاقات العامة، فإن الحل في صراعات العلاج النفسي، أو إدراك الأمراض الجسدية، أو في وصفة الدواء الطبية، ولن يُساعد العملية العلاجية وجود تشخيصات غريبة متفرقة.
توجد أيضاّ تأثيرات سلبية. ستصبح قيمة الطب النفسي والحس السليم موضع شك مع تزايد التساؤلات.
شكر وتقدير
ساعدت السيدة ماي واي في توفير خدمات ببليوغرافية هائلة.