كتب روبِـرتو آنغر، الفيلسوف و الآكاديمي بهارفارد، ما يلي في رسالةٍ قصيرةٍ وجهها لطالب طلبه النصح، و تشي لهجتها بأنه عنى توجيهها للناشيء من الشباب أيضا. نترجمها هنا بشيء من التصرف.
” حينما طلبتني أن أكتب بضع كلماتٍ مستبصرةٍ في ضوء انتقالك إلى الصف السابع؛ أوجهها لا إليك وحدك بل لجميع صفِّك، غشتني الحيرة. إذ علينا، متى ما كان ذلك ممكنا، أن نتحدث فيما يهم و نتحدث من القلب. لكن كيف أفعل ذلك ؟ كيف أفعله في مناسبةٍ ليست بخاصةٍ و لا عامة.. مناسبٍة تستدعي نقاش الحقيقة الشخصية بينما تنفر من البوح بالتجربة الشخصية؟ بالنهاية، بدا لي أنّ الأصوب هو أن أعاملك بما تستحقه روحك القوية و المستقلة.
خلال عبورنا سنيّ الطفولة؛ يتخيّلُ كل واحدٍ منّا، باعتبارنا خزينَ البدائلِ المختلفة التي يمكن أن يكونها الشخص، المسارات العديدة المختلفة للفعل و للحياة و المتاحة لأن يتبناها. مع ذلك، لا يسعنا أن نكون كل شيء في هذا العالم. يلزمنا أن نختار طريقا و ننبذ الطرق الأخرى. و باختيارنا هذا، و المتعَيّـن علينا فعلا، ننحّي جوانبَ كثيرة من إنسانيتنا. لكننا إن نحّيناها تماما، نصبح أقل مما يمكن أن يكونه الإنسان التام. لابد أن نواصل، بطريقة ما، استشعار حركة الأطراف التي بترناها. تعلمنا استشعار ذلك هو المهمة الكبيرة الأولى للمخيلة.
لاحقا، نصارع كبالغين.. نصارع العالم و نصارع فيه. ثم نركن لطريقة معينة من العيش و الأداء. و تدريجيا، تلتف حولنا حبائل مومياء؛ تحدّ مجالنا و رؤيتنا و تكيفهما للآنيّ من ظروفنا. نموت إذن موتاتٍ ضئيلةٍ عدة. فلتكن غايتنا أن نموت موتةً واحدةً فحسب. إنّا على قيد الحياة فقط حال الانعتاق من هذه المومياء. و إنا لا نُـعتَقُ منها إلا بحرمان أنفسنا بعض الحرز الذي نتقي به خيبات أشواقنا و نزعاتنا و هزائم طموحاتنا.
الحياة أولاً .. يتلوها الصلاح، و ذلك لأن الحيوية لازمةُ التعاطفِ الرّحب المستدام. لقد قُـذِفنا في عتمةٍ عظيمةٍ غامضة لا تجوب عقولنا إلا أطرافها. يشكّل الحظّ و نقيضه، ابتداءا بحادثة ولادتنا في طبقة معينة في مجتمع معين و أمة معينة، معظمَ ما يحدث لنا. سنكون أقرب للهباءة إن لم نكافح تبعات هذا القِسمة و نميّز في أنفسنا الروح اللا محدودة و اللا مُستكينة. و بعد أن نثور على استصغارنا، نتاج حِلف الحظ و المجتمع، لا نعود صِغارا.. نصبح عِظَــاما: غير مذعورين و لا مُزلزَلين و لا مقهورين.
كفاحنا هذا أساسُ عظمتنا، إلا أنه سيغدو سبب ضلالنا أيضا ما لم يُحوِّره الحب. أن تُحِـبَّ آخراً و أن تقودك رؤيةٌ لهدف لـهما أكثر الأحداث مصيرية في حياة المرء على الإطلاق. إنهما يجعلاننا كالآلهة؛ ليس كالإله الذي يخلق فحسب، بل كالإلـه الذي يعاني و يموت أيضا، لأننا بِهما – الحدثين- نصبح مرتهَنين بالآخرين و الذين قد ينقضون جهدنا أو يصدّون عن حبنا صدودا. إن ارتهاننا بالآخرين و اعتمادنا عليهم ليس تَـلَفـنا .. بل خلاصنا.
كل هذا مدعاة للفرح. فـ كلانا حيّ الآن، و يجدر بك و بي ألا نفكر كثيرا بهذه الحقيقة لئلا يغمرنا الفرح و يشلّنا.