قد لا نمارس الثقافة بالسياسة، لكن قد نمارس السياسة بالثقافة» تيودور هيوس (1884-1963)
إن الوعي بأهمية أفكار السلطة، والولاء، والثقة، والمسؤولية الثقافية ليس بجديد، كما أنه لا يخص الدارسين فقط. فقد عقد ضابط عسكري رفيع المستوى في الجيش الأمريكي، وكان مكلفا بالعمل على قضايا القيادة العشائرية والمحلية قبل الغزو الأمريكي للعراق، عقد اجتماعا للقادة العشائريين والرموز الدينيين العراقيين من السنة والشيعة شهرا بعد الغزو على العراق بقيادة الولايات المتحدة سنة 2003، وذلك بغرض عقد لقاء مع «الشيخ» بُّول بريمر (Paul Bremer) كما كان يُعرف في أوساط الشخصيات البارزة في العراق آنذاك. لم يُعقد المجلس أبدا. قال أحد العاملين بمكتب بريمر، والذي وُصِف بأنه «شاب ذو ست وعشرين سنة، و خريج حديث من ماستر حول الدراسات الدولية من إحدى الجامعات بمنطقة نيويورك،» قال للضابط المذكور بأن حرمان قادة «فيوداليين» كهؤلاء من السلطة هو هدف الولايات المتحدة الأول من الغزو. وكان الفشل مصير محاولة ثانية لعقد اجتماع، سيما وأنها أتت بعد حل الجيش العراقي، على الرغم من تطمينات ما قبل الغزو للضباط العراقيين ب«أن العزل لن يطالهم»، وخصت هذه التطمينات الضباط الذين لم يقاومو الغزو بقيادة الولايات المتحدة. ساهمت قرارات كهذه في تراجع الثقة في كل ما صرحت به سلطة الائتلاف المؤقتة .(CPA)
لم يأت الفشل الذريع نتيجة لأخطاء أفراد بعينهم. إن أهم سبب لهذا الفشل هو العطب الثقافي لمفهوم التحديث (modernization) الذي رسخ ضمن أعمال العديد من علماء الاجتماع ومهندسي السياسة منذ منتصف القرن العشرين حتى وقتٍ قريب. يوضح المثال أعلاه بأن منح الاعتبار اللازم للثقافة والهوية، أي «الجزرة» في يد القوة السياسية والعسكرية على قدر مساو من الأهمية للقضايا الأكثر أهمية كتطور تكنولوجيا النّانو، والأسلحة النووية، والتغيرات المناخية، والأوبئة وقضايا أخرى مماثلة.
إن تهميش الحاجة إلى فهم سؤالين آتييْنِ يحد سلفا وبشدة من قدرة الولايات المتحدة على التصرف الحكيم على المستوى الدولي. أولا، كيف تحدد الهويات الدينية، والقبلية والإثنية وتعرقل فهمنا للسلطة، وكيف أن قرارات الولايات المتحدة بالشرق الأوسط وفي مناطق أخرى قد فاقمت الصراع الإثني والطائفي عن غير قصد. إن الهويات الطائفية، والإثنية، والقبلية، والدينية، وبعيدا عن تنبؤات معظم أطروحات نظرية التحديث خلال منتصف القرن العشرين التي توقعت نهايتها، تُعاود الظهور كقضايا حياة أو موت، وتعتبر السبب الرئيس وراء الانشقاقات في مجتمعات القرن الإفريقي وفي المناطق المحادية للصحراء الكبرى وفي العراق وأفغانستان وباكستان ولبنان وفلسطين ومنطقة البلقان، كما أنها تؤثر سلفا على مناطق من العالم على صلة بمصالح أمريكية. ويُتوقع أن تزيد حدة هذه الصراعات في الخمس إلى عشر سنين القادمة، إن أضيفت إليها الأزمة الاقتصادية، والهجرة الجماعية الناتجة عن تراجع موارد المياه وموارد أخرى وأحداث أخرى مفاجئة. إن العولمة، التي اعتُقِد ذات يوم أنها قاطرة دمجٍ للثقافة والسياسة قد أصبحت اليوم الموجه الأول لتقوية «أواصر قسرية»[1] ذات أساس ديني وثقافي. ومن المتوقع أن ترفع من قدرة الجماعات الإثنية على الحركة محليا ودوليا. لقد قدم التشرذم الذي لحق الغزو على العراق الذي قادته أمريكا سنة 2003 رجّة فككت بقايا الدولة العراقية، وأجبرت العراقيين على الاتكال على علاقات الطائفة، والقبيلة، والعشيرة، والجماعة الإثنية، والمجتمع المحلي.
إن تطوير القدرة على فهم التغيرات في تشكيلات الفعالية التنظيمية وولاءات الجماعات الدينية، وفي القبائل والإثنيات، والطوائف والجماعات الدينية يبقى مهارة ضرورية لعمل وزارة الدفاع DOD في العراق، وفي أفغانستان، وفي مناطق أخرى من العالم. فالتدريب اللغوي والثقافي لا يُلقن بين عشية وضحاها. تبقى توصيات تقرير لامبارت (Lambert [2]) المُنجز سنة 1984، والممول من قبل وزارة الدفاع، حبرا على ورق في الواقع. ضمت هذه التوصيات كيفية جعل أنظمة تعليم اللغات الموازية في المؤسسات الحكومية وفي الجامعات مُعززة لبعضها البعض، خاصة في الرفع من مستوى المهارات في اللغات المدرسة التي لا تحضى بحقها من الاهتمام، وكذلك في تحسين كفاءات الاطلاع على الأقاليم في الجامعة وفي مؤسسات الحكومة. وشددت التوصيات على الضرورة الملحة: أولا لدعم البحث والتدريب الطويل الأمد، دون أن تعرقل الاعتبارات السياسية القريبة الأمد مساره، وثانيا دعم جهود الحفاظ على الكفاءات المُكمِّلة والعالية المستوى التي تقدمها الجامعات وبعض مؤسسات الحكومة. لقد أشرف لامبارت على دراسة ثانية سنة 1996 اقترحت خلق مؤسسة قومية للدراسات الدولية.

المواقع والولاءات في عصر العولمة
يعني التقدم التكنولوجي بأن جماعات صغيرة كالقاعدة يمكنها أن تُصدر أشرطة صوتية وبصرية بجودة رفيعة تصل إلى متتبعين كُثر، نظرا لكونها تتصدر العناوين في العديد من وسائل الإعلام والتواصل «الرائجة»، ومن ضمنها الحديث بين الأخلاء.
تسمح العديد من أنواع تكنولوجيا التواصل لجماعات إثنية وطائفية وجماعات أخرى بالعمل النشط عبر مواقع متباعدة جدا لخدمة قضية تخص البلد الأم أو الدين. فعلى وجه السرعة تُمرّرُ الأحداث السلبية لساكنة يِيريفان أو ناكورنو كاراباخ[3] إلى جماعات منظمة في كاليفورنيا، كما تستطيع جماعات إثنية في شمال مالي (واللاجئين الماليين في ليبيا) مشاركة مُصابِهم مع مواطنيهم ومن يدعمونهم في أوروبا وفي أماكن أخرى. وبالمثل، تستطيع صور ملتقطة بكاميرا هاتف نقال متواضع من قبل حارس سجن في أبوغريب أن تُعرض على مستوى دولي، وتُرفق مع مرافعات تُقوضُ التصريحات الرسمية الأمريكية عن هدف الولايات المتحدة من الاشتباك في العراق، وتحُدّ من فاعلية جهاز السياسة العامة للإدارة الأمريكية، كما أنها تُضعِف ثقة حلفائنا في القدرات العسكرية والدبلوماسية الأمريكية، وتُبرر الهجمات المباشرة على المنشآت الأمريكية، ومنشآت الحكومات الداعمة للأهداف والمصالح الأمريكية.

ديناميات الثقافة والهوية
تستمر الدول، وحتى الفاشل منها[4]، والتي تُعتبر غير قادرة على السيطرة على أراضيها، في سلوكها الدولي المعتاد، لكن الولايات المتحدة اليوم تتصرف في مشهد دولي حيث لا يمكن إهمال حقيقة مفادها أن القبائل والإثنيات والروابط تقوم على الهويات اللغوية والدينية والطائفية. وهذا وضع ليس بجديد. فهذه الهويات تواجدت باستمرار، لكنها اليوم أضحت أكثر حضورا. إن المجموعات الفرعية في الدول، والقائمة على هُويّاتٍ كهذه، أكانت في باكستان أو الشيشان، لا تعمل في مواقع محلية ونائية فقط، بل تعمل على مستوى إقليمي ودولي بشكل يتعاظم.
إن فكرة الهويات القبلية والطائفية والإثنية التي ظُنّ ذات يوم أنها بدائية وعصية وجامدة، ومن هنا مُلخص أنّ مآلها الزوال، هي اليوم جزءٌ لا يتجزأ من الحداثة، ومن العالم الحديث، وقد تكون عامل سِلمٍ فاعل إن فُهمت على المنوال السليم، أو قد تبقى، وهي على حالها، على الأقل في نطاقٍ مُسيطرٍ عليه. وسيُعوّل الناس على روابط الثقة المعهودة بنسب تتعاظم، سيما وأن أجزاء من العالم تواجه فشل حكم الدولة الفاعل، وانهيار النظام، وتغير المناخ، والتحولات الديمغرافية الأساسية، ونقص المياه، وتهديد الأوبئة الفتاكة، أو التهديدات التي تشكلها الجماعات الصغيرة على الأنظمة. وللتيسير على القارئ، نقول بأن هذه الروابط أو الأواصر لم تُفهم على النحو الأسلم من قبل القوى الدولية التي تتدخل أحيانا في مناطق حيث يتطلب التصرف الفعال فهما مسبقا لكيفية عمل هذه الولاءات. قد تشمل هذه الروابط الحاصلين على شواهد تعليمية عليا (كالصربي رادوفان كراديتش الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة)، وكذلك أفرادا من الطبقات السفلى المقهورة. ليست الهويات القبلية والطائفية جامدة، فقد تشمل أيضا عناصر جِدّةٍ، وتُصبح جزءا مكملا للعالم «الحديث» المُعولم (من العولمة).
عندما يصبح سلوك الدول والقوى الغازية (من الغزو) غير متوقع، تدخل القبائل، والعائلات الممتدة، والجماعات الإثنية، وروابط أخرى غير معهودة بالنسبة للعالم على الخط. يمكن القول، وبجد، بأن سلوك الولايات المتحدة في العراق منذ 2003 ساهم عن غير قصد في شحذ الانشقاق السني الشيعي الطائفي، ضمن انشقاقات أخرى في البلد، فكان ذلك بداية لتصدّعات أخرى حادة، حيث كانت الحدود أقل علوا حتى وقت قريب، ما ساهم في خلق مشكل اللاجئين الكبير في الدول المجاورة، وفي هجرة نسبة مهمة من المتعلمين وأفراد الطبقة الوسطى في العراق، وأدى ذلك إلى حلحلة وتجنيد من تبقى من العراقيين بالقوة. إن جهود فهم كيف ولماذا يضع العراقيون ثقتهم في القادة الطائفيين والعشائريين عوض أن يضعوها في حكومة مركزية سقيمة ولها يد في حلحلة الوضع الاجتماعي، يقتضي بالضرورة اعتبار القبيلة والإثنية والطائفية على أنها قوى بإمكانها الاضطلاع بأدوار إيجابية في المجتمعات المعاصرة وليس السلبية حصرا.

المعنى المعاصر للثقافة
تحيل الثقافة عموما على افتراضات ضمنية وواسعة الانتشار حول مهمة الأشياء في مجتمع ما، وعن تصور مشترك لكيفية عملها الأمثل، يصدُق هذا على الأقل على الجماعة المعيار للفرد. فالمُدركات الثقافية المشتركة كالثقة، والالتزام، والولاء، والعائلة، والمعتقد، والتراتب الاجتماعي على سبيل المثال ليس لها حدود إقليمية، وإثنية أو دينية محددة. إنها مفاهيم محل صراع يبرز إلى العلن اليوم، لذلك لا يختلف اثنان على أن السياسات القائمة على الافتراض بأن المُدركات الثقافية المشتركة لمفهوم ‘القبيلة’ مثلا، أي اعتبارها عنصرا «جامدا» ولا يقبل التغيير، وهي فكرة طغت على الدارسين في بداية القرن العشرين، ليس لها مصير سوى الفشل. وأفكار كهذه تبقى مضمرة، وغير مُعبّر عنها إلى قدر مهم، كما أنها ذائعة الانتشار.
لا يتطلب فهم كيفية تأثير الثقافة على السياسة والأمن إدراك ديناميات ثقافات وتواريخ (جمع تاريخ) شعوب أخرى، بل يشمل أيضا فهم المُدركات أو الأفهام (جمع فَهْم) المسيطرة في الولايات المتحدة وأوروبا كمُوجِّهات هامة للفكر السياسي وللتغيير. ضم مقال كتبته ليزا وِيدِين (Lisa Wedeen) فقط أفكارا عن كيفية تطور أفكار ثقافية في العلوم السياسية الأمريكية، لكن، وبمنطق المماثلة، يُظهر المقال كيف استعادت جماعات فرعية في الدولة حياتها بسرعة وهي بصدد شق طريقها الخاص وفرض نفسها كواقع حال في أوساط الدولة. فالعمل السياسي الفعال لا يتطلب فهم الآخرين فقط، بل يشمل أيضا ضم الثقافة، والمعرفة التاريخية على حد سواء كعامِلِ صدٍّ لقناعات واهية حول طريقة الحكم الأسلم، وحول اللالتئام الاجتماعي، والتي يلخصها الشعار العاجز عن الإقناع: «حجم واحد يسع الجميع». فالسياسة ليست حول من يحصل على ماذا، ومتى، وأين. إنها تخص الصراع حول المخيلات الجمعية.

عودة الدين
تعتبر نظرية التحديث التي ازدهرت بعد الحرب العالمية الثانية خطأ بأن الدين أصبح هامشيا في المجتمع الحديث. بينما تقدم إيران دليلا على مدى خطأ هذه النظرية. فإيران، من بين كل دول العالم الثالث، كانت مجتمعا عرف قدرا هاما من التحديث قبل 1978-1979. ورغم ذلك، فالتحدي الأكبر الذي واجهه الشاه برز من بين أحضان الطبقة المتوسطة المدنية النامية، أي أولئك الذين كانوا من أكبر المستفيدين من التحديث. كانت الثورة، وليس الاستقرار السياسي، هي النتيجة. وكانت القيادة والشعور الديني هما الذين منحا الانسجام والقوة للثورة الإيرانية وليس التكنوقراط العلمانيين.
يضيف إلى هذا بعض الدارسين الإيرانيين أشياء أخرى. فمثلا تقول فريبة عادل خاه[5] (Fariba Adelkhah) بأن الثورة الإيرانية الحقيقية تتحقق اليوم مع جيل جديد من الإيرانيين الذين لم يكونوا قد ولدو بعد أثناء الثورة، والذين أصبحوا اليوم بالغين. يخلق هذا الجيل الجديد ويساهم في «المجال الديني العام» بمباركة تأتي من تحت، وليس من قبل الدولة، أي حيث نجد الالتئام بين الدين والسياسة بحيث يتعذر على القادة الدينيين البارزين توقع مساره. فالوصول إلى هذه المجموعة يتطلب سياسة كيّسة أكثر عوض محاولة تقويض النظام من الأسفل.
تقدم أمريكا اللاتينية مثالا هاما مناقضا لحكمة نظرية التحديث المعهودة. ففي البيرو وغواتيمالا، من ضمن بلدان أخرى، برزت شبكات علاقات ثقة، وإيمان، وقدرات تنظيمية صاحبت التحول الديني في الثمانينات من القرن العشرين، حيث خلق مجموعة من رجال الدين، بإلهام من ثيولوجيا التحرير، والذين ضمت مجموعاتهم كاثوليكيين تقدميين في البيرو، وإنجيليون في غواتيمالا، خلقوا رأس مال اجتماعي حيث «يؤسَّس الاستقرار من تحت، ولا يُفرض من فوق.» لقد فعلت هذه المجموعات الكثير لإنهاء الأنظمة الأوتوقراطية، أكثر من أي تدخل خارجي أمريكي مفروض من فوق. وتقدم الولايات المتحدة مثالا آخر على الطوائف الدينية، والتراتبيات، والمصالح الخاصة، وتشارك العناصر المذكورة كلها بشكل ملحوظ في النقاش الدائر حول القيم المشتركة. وبالمثل، لا يمكننا أن نفسر حركة التضامن البولندية دون أن نوضح دور الدين. كل هاته الثورات «التي أتت من تحت» تقترح وضع حدود للتدخل الأجنبي عبر القوة العسكرية لوحدها.

إرث فكرة «الغرب ضد الباقي»
من السهل نقد أطروحة سامويل هانتينغتون (Sameul Huntington) القائلة بصراع «الغرب ضد الباقي». فقد كان هدفه في بداية التسعينات من القرن العشرين تقديم «خارطة بسيطة لعالم ما بعد الحرب الباردة.» خارطة أكدت على قدوم «صراع حضارات». وكان من حسنات عمله تحفيز علماء سياسة آخرين، ومنظري العلاقات الدولية للتأكيد مجددا على دور الثقافة والتقليد في العلاقات السياسية والدولية.
على الرغم من خارطة هانتينغتون البسيطة ومعها «طرح نهاية التاريخ» المعاصر، فالتقليد ليس مفهوما موضعيا يصف بانسجام القيم ما قبل الحديثة لكل الحضارات والثقافات. وسواء تعلق الأمر بعصر ما قبل الحداثة كما زمنُنا المعاصر، فإنه يصعب النظر إلى الحضارات والثقافات على أنها ذات حدود واضحة ومُغلقة. فالتقليد سلسلة من المفاهيم الثقافية، والأفهام المشتركة، وممارسات تجعل من الحياة السياسية والاجتماعية أمرا ممكنا. وتلعب هذه الأفهام الثقافية الرائجة دورا حاسما في تشكيل ما ندعوه اليوم «الحداثات المتعددة»، أي إمكانية وجود مسارات للحداثة بخلاف مساراتها في الغرب، مصحوبة بقدرتها الهامة على الإصلاح الذاتي المستمر. واليوم، تتعايش تقاليد متعددة مع تجربة الحداثة وتحدد معالمها. وبهذا المعنى، بإمكان العرق والطائفة، والطائفية، والزبونية أن تشكل عناصر حداثة مميزة، وقد لا تناقض فكرة حرية الاختيار الفردي والمسؤولية الذاتية.
إن أحد أهم الصعوبات في طرح هانتينغتون «الغرب ضد الباقي» هو أنه بإعادته للاعتبار لعنصري الثقافة والدين في التأمل في موضوع السياسة إلا أنه بالغ في ذكر انسجامهما وقيمتهما، إضافة إلى معالجته للعالم الإسلامي على أنه كتلة موحدة. أي أن الثقافة، بلغة أهل العلوم السياسية، أصبحت مُتغيّر مستقل. إن النظر إلى الدين على أنه بديل واضح وضوح الشمس، كمتغيّرٍ مستقل أو تابع، يمكن تفاديه عبر تبني مقاربة لفهم السياسة، مقاربة تذهب أبعد من علاقات السلطة والمصالح فقط. فمقاربة هذه القضايا بطريقة أكثر فاعلية يتطلب فهما للأفكار المشتركة المُتضمّنة لماهية الصواب والعدل، وللموصى به دينيا، وكل هذه أفكار يؤسس عليها الأفراد في مجتمع، أو من مجتمعات مختلفة علاقات التعاون. تُعتبر أفهام خلفية كهذه منتشرة بين أتباع الدين، أكان ذلك الدين الإسلام، أو المسيحية، أو الهندوسية. فالاعتبارات المبدأية في صيغة التطور المستمر تبقى عاملا واحدا ضمن عوامل أخرى، وغالبا ما تكون الأقل أهمية في المساهمة في خلق إطارات منظِّمة للممارسات والأفهام، كما أن أتباع التقاليد الدينية هم أبعد ما يكون عن التوحد في استعمالهم لهذه الإطارات المنظِّمة.
فإضافة إلى كونها صراعا حول السيطرة على البشر والموارد، تبقى السياسة أيضا صراعا حول مخيلات الشعوب، ومنافسةً حول معاني الرموز. فهي تشمل تأويل الرموز، والسيطرة على المؤسسات الرسمية وغير الرسمية التي تنتج هذه الرموز وتحافظ عليها. وتأويل الرموز هذا يُؤدي الهدف المرجو منه أمام خلفية الأفهام المُضمرة والمسلم بها، والتي تُشكَّلُ في ظلها المعتقدات والممارسات في أي مجتمع. يُمكن النظر إلى السياسة عموما على أنها التعاون في الإنتاج الرمزي والسيطرة على المؤسسات والصراع عليهما، وتخدم هذه المؤسسات، سواء الرسمي منها أوغير الرسمي، كمقاييس حكم رمزي للمجتمع.

الإسلام والإثنية
يبقى العالم ذو الأغلبية المسلمة مصدر رعب لهؤلاء الذين ينظرون إليه على أنه آخر قلاع رفض الحداثة، رغم أن المفهوم ينطبق أيضا على إفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب شرق آسيا، ومناطق في أمريكا اللاتينية ذات السكان الأصليين. تُغير عوامل توفر التعليم العالي، وسهولة السفر، وانتشار وسائل الإعلام والتواصل، تغير «العلاقات القسرية» بشكل سريع في كل المناطق المذكورة. إن نظام الحوالة لإرسال الأموال والرسائل عبر الشرق الأوسط، ومن ضمنه الأماكن النائية في أفغانستان، وإيران، وباكستان قد يُثير شكوك البعض، لكن ضمهُ المرن لوسائل التواصل الحديثة والتقليدية الفعالة يُعتبر شريان حياة بالنسبة للقرى النائية، كما أنه يسمح للمهاجرين واللاجئين بدعم من تخلفوا عن ركب الهجرة واللجوء بطريقة لا تستطيع أي سلطة مركزية أو منظمة مساعدة اجتماعية مسايرته لوحدها.
يقول المسلمون بأن الالتزام بالإسلام يحُد من أهمية الروابط العرقية، أي تلك الروابط التي يتبعها الأفراد، وتتبعها الجماعات في تمييز أنفسها على أساس اللغة المشتركة، والثقافة، والنسب، ومكان المولد الأصلي، والتاريخ. لكن، ظهرت قضايا العرق والنسب بشكل متكرر في الممارسة لدى الجيوش الإسلامية غداة انتشارها من شبه الجزيرة العربية إلى الشعوب العجمية التي لا تستطيع ادّعاء نسب ما، وذاك منذ بداية الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي.
فكما في مناطق أخرى في العالم، تبقى أفكار العرق الإسلامية بناءات ثقافية. ولهذا السبب، من الصعب إيجاد مُقابل محدد في لغات الشرق الأوسط ولغات أخرى للكلمة الإنجليزية ‘الإثنية’. تبقى الإثنية مفردة صادرة عن مُلاحِظ، رغم أن هؤلاء ممن يقرون بالروابط الإثنية يعتبرونها ثابتة وطبيعية. ويُنظر إلى الإثنية كثيرا على أنها مسألة مولد، لكن الاستثناءات واردة. إن الأهمية الاجتماعية والسياسية للهويات الإثنية والدينية تتغير بشكل ملحوظ حسب السياقات التاريخية والاجتماعية. خذ مثلا مفردة «قوم» في أفغانستان. قد تعني الكلمة حسب السياق ‘قبيلة’، أو فرعا منها، أي شعب يشترك في الأصل، أو يشترك في منطقة الإقامة، أو يشترك في هوية دينية أو لغوية عموما. لقد أثرت تجربة الهجرة الجماعية بحثا عن العمل المأجور، على منوال هجرة الباكستانيين إلى العربية السعودية، والأتراك والأكراد إلى غرب ألمانيا، والشمال إفريقيون إلى فرنسا، كمهاجرين أو لاجئين، والأفغان إلى إيران وغرب أوروبا، والمسلمون البوسنيون إلى النمسا وألمانيا، أثرت بشكل كبير على في تغيير أهمية الهوية الإثنية، وكذلك الآثار السياسية المترتبة عنها.
إن الانتساب إلى هوية إثنية أو قبلية، والاثنان متلازمين في معظم الأحوال في دول كالعربية السعودية وعمان واليمن ودول الخليج، في شبه الجزيرة العربية عادة ما تؤطرها محددات نَسَبِيّة (جينيالوجية)، كالانتماء إلى نسب من جدّيْنِ اثنين. يقتفي العرب «الشماليون» أثر نسبهم إلى سلفٍ يُدعى عدنان، ويقتفي العرب «الجنوبيون» أثر نسبهم، ومن ضمنهم من يتكلمون لغة سامية أخرى غير العربية، إلى سلف يدعى قحطان. ويسمح إمكان تقفي أثر النسب لبعض الجماعات إلى عدنان أو قحطان بالمرونة في تأكيد هذا الادعاء، رغم أن أشجار النسب تُعتبر ثابتة. لقد ادّعت جماعات كالشيعة اللوطية ذوو اللسان السندي، والذين يُقيمون على الساحل العماني، ادّعت نسبا عربيا منذ ستينات القرن العشرين، وبررت فقدها «المرحلي» للغة العربية، ولهويتها القبلية بالزمن المديد الذي قضته مقيمة في شبه الجزيرة الهندية. واحتل العبيد أو الخدم السابقون، الذين كانوا يسهرون على خدمة بيوت السلطة وأعيان القبائل مكانة اجتماعية سفلى رفقة جماعات افتقرت إلى النسب القبلي، كما تُظهر ذلك أنواع العمل المتاحة لهم، وانعدام المُصاهرة مع مجموعات أخرى. لكن الشروط الاقتصادية الحديثة تمحي بسرعة بعض عوالم هذه الخصائص. قد تُفيد معالم النسب الإفريقي البادية بأن الفرد ينحدر من سلالات العبيد التي تعود ملكيتها إلى أعيان في شبه الجزيرة العربية، وقد تُفيد أيضا بأن الفرد ينحدر من سلالة العائلات الحاكمة حيث كان اتخاذ المحظيات شائعا في أجيال سابقة.
تُظهر الهوية العربية المعاصرة إلى أي حد قد تكون الادعاءات الإثنية متنوعة تاريخيا وسياقيا. فالعديد من العرب يؤكدون على أنهم عرق، على الرغم من أن الساكنة اختلطت وتصاهرت عبر العالم العربي كله. ورغم فٌرقتهم السياسية، وعى الرغم من الدعوات الأولى للوحدة العربية في بداية القرن العشرين إبان ضعف الإمبراطورية العثمانية، إلا أن العرب موحدون باللغة والثقافة. ورغم هذا إلا أن العديد من اللهجات العربية تبقى غير مفهومة بين متكلميها. فعلى سبيل المثال يجد عرب السعودية ودول الخليج صعوبة في فهم العربية العامّية المغربية. لقد ساهم انتشار التعليم العالي عبر المنطقة منذ منتصف القرن العشرين في الرفع من منسوب جاذبية القومية العربية والعروبية، وساهمت كذلك في تسهيل التواصل بين العرب من مناطق مختلفة بلغة أخذت من عربية «أقسام الدراسة» وعربية وسائل الإعلام. على الرغم من ذلك، هنالك اختلافات هامة في اللهجة وفي الهوية الظرفية. ليس الفرد في الشرق الأوسط أو في مكان آخر مسلما فقط، بل هو عربي أيضا (وليس هناك مسيحيون ومسلمون عرب فقط، بل يوجد يهود يتكلمون لسانا عربيا في إسرائيل وفي شمال إفريقيا)، وبربر، ونوبيون، وشركسيون (جماعة إثنية قوقازية)، وهُوِيُون (جماعة إثنية صينية)، وماليزيون، وسندٌ، وسومطريون، وفولانيون.
وبما أن الاعتبارات الدينية والإثنية تشكل عنصرين فقط من العديد من المميزات المشتركة بين الأفراد والجماعات في الشرق الأوسط، فمن المهم جدا تحديد الأدوار التي تلعبها هذه المميزات الاجتماعية في السياق العام للهوية الاجتماعية والشخصية، عوض التوقف عند العدّ الفسيفسائي على منوال: الجماعة الإثنية، الطائفة، والنسب العائلي، وموقع الإقامة، والمنصب. ففي شمال إفريقيا على سبيل المثال تتقصى شعوب المنطقة أثر سلفها إلى أصول عربية وبربرية، وتَقَصِّي الأثر الهوياتي العرقي هذا يقوم على أساس اللغة والخصائص الثقافية.
إن اللغة العربية هي المسيطرة في شمال إفريقيا، كما أن الحضارة العربية حاضرة بقوة هناك، لكننا نجد أن المد المتعاظم للهوية الأمازيغية حاضر على نفس الشاكلة، ليس فقط في الواحات النائية والوديان الجبلية، بل في المناطق الحضرية أيضا. ففي المغرب تتكلم نصف ساكنة البلد تقريبا إحدى اللهجات البربرية المتعددة، على الرغم من أن معظم البربر المغاربة يتكلمون العربية كلغة ثانية، وخاصة الرجال منهم. فمنذ منتصف التسعينات، تقدم برامج الأخبار في المغرب باللهجات البربرية ذات النسبة السكانية الأكبر، وبالعربية والفرنسية، ومنذ سنة 2005 أُدرِجت اللغة البربرية المعيارية القائمة على تشلحيت[6] (ورد التأكيد في النص الأصلي) المنطوقة في المدارس في المغرب في المناطق ذات الساكنة الناطقة بها، وفي الإعلام الرسمي. لقد قرر الملك الحسن الثاني في منتصف التسعينات، بدافع من التهديد الذي شكلته الحرب الأهلية في الجزائر المُجاورة وخوفا من شبح الحركة البربرية الانفصالية هناك، بأن تقبُّل حركة ثقافية بربرية قد يحُدُّ من إغراء الانفصال.
إن تصنيفات البربري والعربي غالبا ما تكون موضعية، يؤكد الناس هناك على أوجه مختلفة من هويتهم حسب السياق. يُفضّلُ النظر إلى العربي والبربري كهوية على أنها استمرار وليست مميزات بارزة. فالعديد من أنماط العمل، والإقامة، والمصاهرة، والأصول المدنية والبدوية وعومل أخرى تُظهر بأن مميزات العربي والبربري الإثنية في شمال إفريقيا تفتقر إلى مقومات التحديد الضاربة، والتي تتخذها الإثنية في سياقات أخرى، ومن ضمن ذلك نضرب مثل كون المرء كرديا في شمال العراق أو مسلما في البوسنة.
إن الإقرار بالهوية الإثنية عادة ما يكون ادّعاءً سياسيا. لقد أتت المعارضة للدولة الخاضعة للسوفيات في أفغانستان التي استولت على السلطة إبان الاجتياح السوفيتي 1978 إلى 1979 في جزء مهم منها من الجماعات الإثنية المنظمة قَبَلِيّا، وهي جماعات يقوم تعلقها بالإسلام مقام المشترك الروحي. لقد نظرت نخبة البنجاب الحاكمة في البلد في باكستان، وخاصة بعد انفصال بنغلاديش سنة 1971 إلى الجماعات الإثنية الأخرى كالسند والبشتون والمهاجرين (أي اللاجئون المسلمون الذين هاجروا بعد سنة 1974 من البلد الذي يُدعى اليوم الهند) والبالوش بارتياب. تؤكد الدولة الباكستانية على الإسلام كهوية، وتحظى الأخيرة بأهمية مُميزة أكثر من العلاقات الإثنية لجماعات الأقليات كالبالوش الذين حاربوا لفترة ما بين 1973 و 1977 من أجل الحكم الذاتي الجهوي أو الإقليمي، ولم ينجح تمردهم، لكنه ساهم في نشر الوعي القومي الذي تجاوز الانقسامات القبلية لدى البالوش.
يتضمن الوسمين الإثني والطائفي أفكارا مشتركة فيما يتعلق بالحوافز والخصائص المميزة لأعضاء جماعات إثنية أخرى، وما يُنتظر منها، إضافة إلى الجماعات الإثنية للفرد. فالهويات الإثنية كاللغة، والطائفة والأمة والعائلة لا يمكن استيعابها إلا في سياق حصول افتراضات أكثر عمومية في مجتمع ما فيما يخص طبيعة العلاقات والواجبات الاجتماعية. قد تكون هذه الأفهام حميدة كما في العلاقات العربية البربرية بشمال إفريقيا، وقد تهدد المجتمع المدني كما في البوسنة والعراق، كما أنها لا تخص الساكنة الأقل تعلما. فرادوفان كرازيتش يعتبر الإبن المدلل للهوية الإثنية الخبيثة.
تؤكد تصورات الإثنية على كيفية التولّد، والإنتاج والمُحافظة على هذه المحددات في المجتمع. فالهويات الإثنية تُعدّل باستمرار حسب المتطلبات المرحلية، حتى ولو أصر بعض من يدعمون القومية الإثنية على أن الهويات الإثنية بديهية وغير قابلة للاختزال.
والأكراد مثال صارخ على ذلك، فكيفية بنائهم لهويتهم الإثنية والدينية، أو نعتُ الآخرين لهم بالأكراد، تُظهِر الصعوبات المتضمنة في اعتبار الهويات الإثنية على أنها معطيات أزلية، أو على أنها مصالح جمعية مشتركة محليا. يعيش معظم الأكراد في تركيا (وعددهم يٌقدر بحوالي 15 مليونا، أي حوالي 20% من ساكنة البلد)، رغم أن العديد من الملايين منهم يقيمون في إيران الجارة وفي شمال العراق مع أعداد أقل في سوريا وفي أماكن أخرى من ضمنها غرب ألمانيا. تُظهر أهمية الحكم الذاتي الكردي القائم في شمال العراق تقلب الهويات الإثنية وحدودها القومية.
وتستحق الهويات الإثنية والدينية المعاصرة في دول آسيا الوسطى الجديدة اعتبارا خاصا. فقد عمل جوزيف ستالين خلال المرحلة السوفيتية على خلق هويات إثنية، أي هويات «وطنية» في اللغة السياسية للاتحاد السوفيتي سابقا، وذلك بغرض إضعاف إمكانية مقاومة الهيمنة السوفيتية. فقد قاد التوسع الإمبريالي الذي بدأ في القرن التاسع عشر إلى هجرات جماعية قسرية لساكنة المنطقة المسلمين، مما أذكى العداء للروس. اعتُبر الناطقون باللسان التركي لاحقا، ومن ضمنهم التركمان، والكازاخستانيين، والقرغيزيين (ذوو نمط العيش الرعوي)، والأوزبك، وهم قوم فلاحةٍ وبداوة، اعتُبروا على أنهم منفصلين لأسباب إدارية على الحال الذي كان عليه الطاجكستانيون الناطقون بالفارسية. لقد أدت الهجرات السكانية المتعددة، وهجرات الروس إلى المدن الكبيرة وإلى مناطق أخرى (كشمال كازاخستان)، والتغيرات في السياسة اللغوية، ومن ضمنها تغيير الأبجديات، وتعويض اللغة الروسية باللغات التركية وبالفارسية في المدارس، أدت إلى شرخ في الهويات الإثنية. وعكست هذه الجمهوريات المُستقلة حديثا هذا الوضع بسرعة. ففي أذربيجان تحولت المدارس في منتصف التسعينات من استخدام الأبجدية السيريلية إلى استخدام الأبجدية اللاتينية، ومن استخدام الروسية كلغة التدريس إلى اللغة الأذيري-تركية. واتخذت كل من أوزبكستان وكازاخستان خطوات مماثلة. لقد قاد انهيار الاتحاد السوفيتي إلى نمو الوعي الإثني والصراعات الإثنية المرتبطة بالنزاع حول الأرض، والموارد المائية، وموارد قومية أخرى. ولأن العديد من الساكنة الإثنية تُقيم جنبا إلى جنب كإقامة عدد مهم من الطاجكستانيين في أوزبكستان، وأقليات أخرى من نفس البلد تقيم في جمهوريات جارة، فإن إمكانات النزاع تتعاظم. وسيتحول مع ذلك حقهم في التعبير الثقافي عن الذات بشكل لافت ولا زال.
هناك تداخل على قدر مهم من الدقة بين الهويات الإثنية والدينية عبر العالم الإسلامي. يُظهر النزاع الطائفي بين الهندوس والمسلمين في الهند العلمانية رسميا، تفاعل الدين والإثنية بين التاميليين الهنود وبين السنهاليين البوديين في أوجه عدة في سريلانكا المجاورة. أما في ماليزيا، فادّعاءات الهوية الإثنية لا تنفصل عن الدين كما أنها ومنذ بدء نشاط حركة الأسلمة في نهاية السبعينات قادت إلى وضع أولويات واستحقاقات اقتصادية وتربوية وقانونية. ورغم أن نسبة غير المسلمين في ماليزيا تصل إلى 40% من ساكنة البلد إلا أن دستور البلد مُربك ومتعارض فيما يخص علاقة الدين بالدولة. وعلى الضد من ذلك تشمل الإيديولوجية الرسمية البانشاسيلا بالبلد في إندونسيا المجاورة مبادئ عامة من عديد الديانات العالمية، ومن ضمنها الإسلام، فعلى الأقل يعتبر 90% من الإندونيسيين أنفسهم مسلمين، وتحُدّ الحكومة غالبا من مشاركة المنظمات الدينية في السياسة، وعلى الرغم من هذا تعزوا الشركات والمنظمات الدولية مهارات القيادة للأفراد على أساس الأصل الإثني. ويُفضّل الباتاك والأمبونيز أحيانا على الجاوانيز بسبب سمعة حُسن إدارتهم، وكذلك بسبب عدم تفضيلهم لأقاربهم في العمل. كما يقود نفاذ الموارد في بعض المناطق أيضا إلى الصراع الإثني القوي والخارج عن السيطرة.
إن الهوية الإثنية اليوم عابرة للمناطق والأمم أكثر مما كانت عليه في الماضي، كما أن الاتصال بين البلدان الأم وأبنائها في المهجر أصبحت في المُتناول. فالحانوتي اليمني في بروكلين بنيويورك أصبح علاقة وصل لآخرين من قبيلته أو قريته في اليمن، وقد يكون وصلا لنظام الحوالة، ويُسهل عامل المصنع التركي في ألمانيا، أو مُدبّر خدمة البيت المغربي في إسبانيا وسائل الإقامة لآخرين من منطقته أو بلده الأصل، كما تساعد تحويلاته أو تحويلاتها المالية في تسهيل الحياة لأولئك الذين تُرِكوا في البلد الأم. وعلى نفس المنوال تُسهل الخطوط العابرة للعالم تدفق النقود والسلاح عبر الحدود الدولية، كما حدث في تفجيرات قطار أنتوشا بمدريد في مارس من سنة 2004.
إن الإثنية، وكما اللغة، مُتضمنة في نظام المعاني الاجتماعية المُتحوِّلِ أبدا، وهي عنصر في الهوية الاجتماعية ضمن عناصر أخرى. وعلى الرغم من هذا إلا أن الإثنية والطائفية منتوجان للظروف الاقتصادية والسياسية الدولية التي تشجع أوتُحبط أو تشوه سمعة تشكل هويات كهذه، هوياتٌ قد تُستعمل لتحصيل امتيازات سياسية و اقتصادية للبعض وتُقصي بعضا آخر. إن فهم ادعاءات الهوية الإثنية يقتضي الانتباه إلى المعاني الجمعية المبنية، وإلى السياقات الاقتصادية والسياسية حيث تُخلق وتُستدام هذه الهويات. ليس من الصواب القول بأن الشروط الحديثة تمحي المميزات الإثنية كالمنطقة والطائفة والنوع الجنسي واللغة وحتى القبيلة، كما توقع لها جيل سابق، بل إنها، أي الهويات الإثنية، تقدم الأساس الذي تُخلق وتُستدام على متنه تمييزات اجتماعية جديدة.
يجب أخذ الهويات الإثنية بعين الاعتبار حتى في حصول إجماع شعبي أو في وجود رغبة من طرف المثقفين والسياسيين في تسهيل وإعادة تحديد الهويات والمسؤوليات، وذلك إما بغرض مُهادنة الهويات الإثنية والطائفية المُسببة للخلاف، أو بغرض التأكيد على وجودها. فبعض الحكومات والقادة السياسيين، وعلى شاكلة القادة الدينيين، غالبا ما يبحثون عن التخفيف من حدة التوترات التي تتصاعد مع إهمال الاعتراف بوجود هذه الجماعات، لكن قد يبدو الاعتراف بهم كما هم، وضمّهم بشكل بنّاء أكثر تبصرا. بإمكان تصور المجتمع المشترك من قبل جماعة إثنية أو منطقة ما تقديم أساس متين للثقة والتضامن الضروريين للعمل الفعال للمجتمع الحديث وللمشاركة فيه. ومن سوء الحظ أنها قد تُستعمل للتخويف والتدمير.

المكان المُميّز للقبائل والطوائف
يُحيل مصطلح القبيلة على مجموعة أشخاص يشكلون مجتمعا ويدّعون انتماءهم إلى سلف مشترك، وادّعاء الانتماء القبلي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على الضد مما هو عليه الحال في أماكن أخرى من العالم، غالبا ما يُعضّض من لحمة المجتمع، والهوية والانتماء. لقد رفض القادة الوطنيون في المنطقة منذ منتصف القرن العشرين وإلى أواخره الهوية القبلية على أساسين، إما على أنها بدائية أو لأنها ضارة بالوحدة الوطنية، لكن الانتماءات القبلية لا زالت تلعب دورا هاما في سياسات الانتخابات في عدد من المناطق بكل من المغرب واليمن والأردن اليوم، و لأوجهٍ أخرى من الهوية الشخصية والجمعية أثر كذلك. سيلاحظ كل من رأى تفاصيل لوائح الأمن التي صاحبت الملك عبد الله، أو عمه الأمير الحسن، التّساوي المثالي بين العشائر والطوائف، والأقليات الأردنية المسيطرة. وفي العراق تحت حكم صدام حسين (من 1979 إلى 2003) عاد ذكر الفرد لهويته القبلية علنا وبرز كذلك في ممارسة النظام في منتصف التسعينات، والغرض منه كان تقوية شرعية الحكم، وهو أمرٌ اعتُبر خرقا للقانون في منتصف الثمانينات، وأتى قانون منع ذكر الفرد لهويته القبلية علنا لأجل تقوية الهوية الوطنية. لم تدرك الولايات المتحدة أهمية ذلك إلا مؤخرا، وتبقى الهويات العشائرية على قدر مهم من الأهمية في عدد من المناطق في الشرق الأوسط. وتقدم القبائل والطوائف الأساس العديد من أشكال التضامن الاجتماعي والسياسي، رغم أنها ليست العامل الوحيد في عدد من المناطق بشبه الجزيرة العربية والعراق والأردن وسوريا وضمن العرب في إسرائيل وفي المناطق الفلسطينية.
إن الهوية القبلية، وعلى غرار أسس أخرى للحمة الاجتماعية كالقرابة والمواطنة والقومية تبقى خلقا إنسانيا بحتاً (يشترك فيه الإثنوغرافيون وقادة الدولة)، كما أنها تتغير مع السياق التاريخي والسياسي، إذ يحدث غالبا أن تتواجد مقاومة قوية لجهود تسجيل الأنساب أو ادعاءات الاشتراك في النسب القبلي لأن التسجيل الذي يُجمد العلاقات بين الجماعات يُشوّه أيضا المسار الذي تعيد به هذه الجماعات تنظيم عمل الأحلاف (من حلف) والواجبات، كما تعيد به تخيل الماضي لشرعنة العمل في الحاضر.
يستعمل الأفراد المسيطرون اجتماعيا وسياسيا أفكار القبيلة والنسب لتثبيت الأحلاف السياسية مع أعضاء من جماعات قبلية أخرى، ولتحسين موقعهم في مواجهة سلطات الدولة وأتباعهم. لقد أسس الإثنوغرافيون الذين يعملون في المجتمعات القبلية غالبا أعمالهم عن علاقات القرابة والتنظيم القبلي على معلومات تُقدّم من أفراد مسيطرين اجتماعيا وسياسيا. وعلى الضد من ذلك، فإن تصورات الهوية القبلية التي يُبقي عليها رجال قبليون عاديون، دون ذكر نساء القبيلة، تختلف غالبا عن الإيديولوجيات الرسمية للقادة القبليين المسيطرين سياسيا.
يقوم تصور آخر للقبيلة على استعماله كوسيلة إدارية في سياقات تختلف باختلاف الإمبراطورية العثمانية والمغرب وإيران ودول أخرى قبل الحكم الاستعماري وخلاله وبعده. وتقوم الافتراضات الإدارية حول طبيعة القبائل عموما، وإلى قدر مهم، على التصورات المُحافظ عليها محليا والتي تُغيّرُ لأسباب سياسية. وتفترض المفاهيم الإدارية للقبيلة في كثير من الأحيان شكل هوية جمعية مع حدود إقليمية محددة لا تمتلكها قبائل أخرى وتمنح الامتيازات والسلطة للقادة القبليين الذين يعتمدون على وجود تنظيم للدولة، وليست (أي الامتيازات والسلطة) مستقاة من القيادة كما تفهمها الجماعة المشكّلة للقبيلة نفسها. لقد منحت السلطات الاستعمارية في حالات كالمغرب والسودان أولوية رسمية للهويات القبلية وطوّرت الإدارة القبلية إلى فن رفيع في محاولتها لصد الحركات الوطنية. وكرد فعل، أعلنت السلطات المابعد كولونيالية لهذه الدول ودول أخرى كذلك عن فك ارتباطها بالماضي الاستعماري بشكل رسمي عبر محو أثر القبيلة كوسيلة إدارية، بالرغم من أن هويات كهذه تبقى ذات أهمية سياسية مهمة.
يحيل مفهوم ثالث للقبيلة على التصورات العملية التي تؤمن بها الجماعة المكونة للقبيلة ضِمناً كالموجه للسلوك اليومي في علاقة أهل القبيلة بجماعتهم وجماعات اجتماعية أخرى. وتبرز هذه التصورات أساسا عبر السلوك الاجتماعي. ولا تعبر مجموعة القبيلة عن هذه التصورات في الأوضاع العادية لسببين: أولا لأن هذه التصورات مسلم بها تماما، وثانيا، لأن التشكلات الاجتماعية التي تقوم على هذه التصورات تتغير باستمرار. وتُوجه التصورات العملية عن القبيلة رفقة مفاهيم الهوية الاجتماعية التي تبقى على علاقة بها، توجه مجالات النشاط الحساسة، ومن ضمنها الاصطفاف الفئوي على حقوق ملكية الأرض ومواطن الرعي أو الكلأ، وقضايا سياسية أخرى، (وتعتبر استراتيجيات المصاهرة، رفقة أوجه المحسوبية الأخرى، شكلا من أشكال النشاط السياسي). فعلى سبيل المثال تمتلئ الجرائد الناطقة بالعربية في الأردن وبين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وفي إسرائيل بإعلانات موضوعها تسويات لنزاعات بين الأنساب ومجموعات قبلية منقسمة بسبب النزاع، أو حتى حوادث السير التي ينتج عنها أذىً فردي حيث يتوسط القادة القبليون لتسوية النزاع.

ما يمكن فعله
كتب ريتشارد لامبرت في مقترحه لبرنامجٍ للمؤسسة القومية للدراسات الدولية: «بإمكان رعاية وكالة الاستخبارات للبحث الأكاديمي الخارجي جعله من المستحيل جمع معلومات صمِّمت هي نفسها لجمعها، وهو ما يبدو كمبدأ مثير للجدل مشتقٍّ من مبدأ هايزنبيرج.». يضيف لامبرت، هناك تقليد طويل لمؤسسات حكومية عدا عن الاستخبارات التي تدعم البحث في مواضيع دولية على اتصال بمصالحها. فالوكالات الخاصة تؤسس برامجها البحثية بنفسها، وفي لحظة ما في أواخر عقد الثمانينات من القرن العشرين استثمرت مؤسسة مك آرثر أكثر في الدراسات الأمنية الدولية مما كان في متناول المصادر الأخرى الخاصة وتلك التي ترعاها المؤسسة الفدرالية مُجتمعة، وذلك بغرض تشجيع الدارسين على تجاوز الحدود التي ترسمها شُعب البحث، ولتجربة منظورات جديدة.
يجب أن يتضمن تخطيط الدفاع الفعال الإقرار بالحضور المؤسساتي التكميلي لتعليم اللغات الأجنبية الفعّال، وكذلك للبحث في تخصص الأقاليم الأجنبية. وكما يُظهر تقرير لامبارت، فالقليل فقط يتحقق بالشكل الأمثل داخل دواليب الحكومة. فالجزء الباقي يتطلب تجديد الاستثمار في الجامعات العمومية والخاصة للحفاظ على التدريب اللغوي المتين في اللغات الحساسة وفي الدراسات الدولية المختصة بالأقاليم.
لنقدم مثالا واحدا، فحتى إنتاجات الفيديو التي نشرها تنظيم القاعدة باكرا تُظهر وعيا مُعتبرا بالثقافة الشعبية في المناطق حيث ينشُط. وما استعمال الأناشيد دون موسيقى مصاحبة في فيديوهات القاعدة سوى مثال على ذلك. فمعظم هذه الأناشيد ليست بحالٍ من اختصاص القاعدة، بل جزءا من ممارسةٍ ثقافية عامة. ومن خلال النطق يبدو أن بعض هذه الأناشيد مصدره سوريا أو لبنان أو فلسطين، والنشيد أسفله يبدو شامي الأصل:
أعطيني جعبة وبارودة
زاد تلات ايام تلات ألغام واطلقني
مش طالب ترافقني، إحمي لي ظهري يا خويا
وما تخلّي إيدين الشر تلاحقني
اعطني سلاحي ورجالي وصون أطفالي
وخذ أموالي واتركني
مش لازم، تصاحبني، وسد الثغر
وانا وريك، شلون رجال
تخوض الحرب وما تولي
فعلى شاكلة موسيقى الرّاب في الولايات المتحدة، فإن تصوير العنف في التعبير الموسيقي الشعبي لا يوازي الحياة في الشارع بالضرورة، لكن مؤسسة ‘الصاحب’ للإنتاج الإعلامي للقاعدة تُظهر قدرة على الأخذ من الأفهام الثقافية الضمنية والثقافة الشعبية بالمنطقة حيث تنشط. فعلى منوال المادة الإعلامية بالولايات المتحدة «جيشٌ مكون من واحد»، يخلق منتجو قناة الصاحب شعورا بالألفة كأساس يُبنى عليه تواصل خاص. ويتطلب تمييز هذه القواسم المشتركة أكثر من النجاح التعليمي في اللغات والثقافات، ولن يُتمكن منه بتدريب «هادف» قصير المدى.
إن اللغة هي مفتاح الهويات الإثنية في معظم الأحيان، فقد كان الاهتمام الطاغي في لقاء ضم عددا من الوكالات الحكومية وأكاديميين سنة 1993، هو التركيب المعقد للجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية المرتبطة بتهريب المخدرات والأسلحة وغسيل الأموال في استغلالها للعولمة. وتم التركيز على المجموعات الإجرامية ومراكزها في الصين ونيجيريا وإسرائيل، واعتُبرت كمجموعات تستعمل اللغات والتواصل المُشفّر الذي يمتح من لهجات غير معروفة تقريبا للسلطات التنفيذية، أو تفكُ شفراتها أشهرا بعد الحاجة الآنية لها، أو عبر طلب المساعدة من أشخاص قد يكونون على صلة بالأفراد الهدف من العملية. فحتى في الفضاء الإلكتروني لبداية التسعينات من القرن العشرين، غيرت هذه المجموعات من تواصلها حتى تبقى آمنة من مطارديها. وتُظهِر قدرة هذه الجماعات على تغيير شفرات تواصلها، والأهم من ذلك، تغيير الأنماط التنظيمية لديها بمرونة أكثر ليناً من مرونة مكاتب الحكومة بالولايات المتحدة المكلفة بتعقّب الجريمة الدولية المنظمة.
فاللغة ليست سوى عنصرا واحدا في المشهد. يجب أن يشمل الاهتمام طرح الأسئلة الصحيحة وليس افتراض أن الهويات الإثنية والدينية أو مواضيع واهتمامات اللغة الشعبية المُتغيرة أبدا على أنها هامشية في السياسة. يتطلب تعلم الاستماع والتقييم إرادة للتشكيك بجِدٍّ، وكذلك أخذ الملامح المُتغيرة للدين والإثنية والقبيلة رفقة مُحدّدات أخرى للهوية بجد، سواء تعلق الأمر بمجموعة قبلية نيجيرية تطالب بمستحقاتها من عائدات النفط، أو ظهور حركة محلية في وزيرستان، أو بزمرة مغاربة قاطنين بالمدينة يتدربون للقتال في العراق ويعودون إلى بلدهم لاستكمال ما يروه على أنه معركة موازية.
وتهم قضية أخيرة التنظيم الاجتماعي للمعرفة السياسية. من الصواب طرح سؤال ما ستحتاجه الولايات المتحدة من القدرات العسكرية في الخمس إلى خمس عشرة سنين القادمة من الآن، ومن الصواب أيضا القول بأن أطرافا من وزارة الدفاع الأمريكية تتهافت لطرح الحاجة إلى كفاءة ثقافية أفضل للنقاش. لقد رأينا منذ سنة 2003 بأن أحد التهديدات الأكثر جدية لفعاليتنا العسكرية تمتح من عدم قدرتنا على استعمال المعرفة الثقافية المتوفرة لدى الحكومة الأمريكية وداخل مؤسسة وزارة الدفاع نفسها. إن فهم الثقافات الأخرى يتطلب فهم العوائق التنظيمية نفسها داخل وزارة الدفاع من أجل الاستغلال الفعال لهذه المعرفة.



[1] تعبير«أواصر قسرية» هنا اجتهاد مني (المترجم) لتفادي ركاكة الترجمة الحرفية لتعبير « Ties that bind » وهي «أواصر رابطة»، والتعبير في أصله عبارة عن عنوان لرواية من أعمال للروائية الفرنسية فانيسّا دوريي، والعنوان بالفرنسية هو: Le Lien. وتُرجم عنوان عملها إلى الإنجليزية على شكل Ties that Bend، وأصبح بعد ذلك عنوانا فنيا شائعا لمسلسلات وأفلام. (المترجم)
[2]تقرير لامبارت هو عمل أكاديمي أنجز من قبل أكاديميين أمريكيين تحت إشراف البروفيسور ريتشارد دي. لامبارت، وأتى على شكل كتاب عنوانه: «بعد النمو: المستوى الموالي في الدراسات اللغوية والإقليمية» Beyond Growth : the Next Stage in Language and Area Studies. يقول البروفيسور في جامعة شيكاغو آدم بيرزورسكي عن محتوى الكتاب: «إنه تقرير شامل عن وضع الدراسات الإقليمية بالولايات المتحدة…يقدم الكتاب تقييما للكفاءة والتدريس باللغات الأجنبية، وللاطلاع الواسع، ووضع البحث والتدريب في مجال الدراسات الإقليمية، ولمستوى توافر المعلومات والمصادر…ومن توصيات الكتاب أو التقرير التخفيض من نسب التسجيل في الدراسات الإقليمية، أي في عدد الطلبة، وتوفير موارد التدريب للقلة المختارة من الطلبة، وتشجيع البحث الجاد والطويل الأمد، والزيادة في تمويل مراكز البحث في المجال، ودعم التخطيط والتمويل، ومراقبة المتدربين، ويجب (حسب التقرير) أن تتكقل وزارة الدفاع بتمويل مراكز البحث خصوصا فيما يتعلق بالبحث في قضايا الاتحاد السوفيتي، وشرق أوروبا، وشرق آسيا.». للمزيد عن التقرير انظر كتاب لامبارت المذكور أعلاه، أو مراجعة البروفيسور آدم بيرزورسكي:
Przeworski, Adam. “The Lambert Report.” PS, vol. 19, no. 1, 1986, pp. 78–83.
(المترجم)
[3] ييريرفان: هي عاصمة أرمينيا، أما ناكورنو كاراباخ فهي إقليم يقع في جنوب أذربيجان، ويُعتبر دوليا كجزء منها، وهو موقع متنازع عليه بينها وبين جمهورية ناكورنو كاراباخ. (المترجم)
[4] الدول الفاشلة: تعبير دارج بين علماء السياسة والأكاديميين المهتمين، وتعني حسب المعجم: «الدول التي تغلغل الضعف في أجهزتها السياسية أو الاقتصادية، والإثنان متلازمان، إلى درجة أنها لا تستطيع السيطرة على حدودها الجيوسياسية.» وللناقد الأمريكي البارز نوام تشومسكي كتاب بنفس العنوان، أي الدول الفاشلة: إساءة استعمال القوة والتعدي على الديمقراطية، من ترجمة سامي الكعكي، صدر عن دار الكتاب العربي ببيروت سنة 2007: ويقع كتاب تشومسكي في ستة أبواب تعالج تيمتين أساسيتين في الكتاب تقومان على عكس المنظور الأمريكي للدول الفاشلة، أي التي تهدد “سلامة” الأمريكيين كالعراق مثلا، على نفسه. فمن أعراض فشل الدولة في الولايات المتحدة، حسب تشومسكي، نجد أولا: عدم قدرتها، أو هي عدم رغبتها في حماية مواطنيها من العنف، ومن الدمار الشامل، أي في دعوتها الدائمة إلى سباق التسلح، وإنكارها لحقائق الكوارث البيئية المُحدقة، ونجد ثانيا: اعتبار الدولة الأمريكية لنفسها على أنها فوق القانون الداخلي والدولي، ويتمظهر ذلك في سلوك الولايات المتحدة على المستوى الدولي، وخاصة بالشرق الأوسط. ونرجح أن البروفيسور آيكلمان يستعمل التعبير «الدول الفاشلة» حسب معناه المُعجمي، كما ورد في بداية الهامش،(المترجم).
[5] -فريبة عادل خاه دارسة فرنسية من أصل إيراني، وعضو سامي في مركز الدراسات science Po في باريس، حاصلة على دكتوراه في الأنثروبولوجيا من مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، كتبت العديد من الدراسات نذكر منها: حدود إيران اللف وواحد، و مفارقات إيران، و الاقتصاد الأخلاق للمدرسة: الإسلام والتربية اليوم. (المترجم)
[6] تشلحيت أو تمازيغت هي التسمية التي أطلقت على الأمازيغية المعيارية التي توظفها الدولة المغربية في مرافقها الرسمية، والإسم هذا مشتق من كلمة «شلح»، أي فرد بربري الأصل، أو أي ناطق بالبربرية (والبربرية عادة ما يراها الأمازيغ توصيفا قدحيا لأنها، في صيغتها العربية، غير مميزة عن البربري، أي الهمجي، لكنها تختلف من حيث أحرفها المكونة كتسمية موجودة في لغات أجنبية كالإنجليزية مثلا عن لفظ البربري، ف Berber يعني فرد أمازيغي، بينما تعني مفردة Barbarian همجي. ولغة تشلحيت المذكورة تتألف من معجم معياري يضم فروع اللهجات الأمازيغية الثلاث: تشلحيت، وتمازيغت، وتاريفيت. (المترجم)