احداث مدينة الحي :- الحلقة الخامسة عشر من كتاب واسط بين الماضي والحاضر للمؤلف السيد عبد المنعم تقي الطباطبائي
تحدثنا عن الاقطاع في لواء الكوت وقلنا انه كان ذا نفـوذ وسطوة في عموم الواء وانه كان يضطهد ابناء المدن والقصبات الادارية ويضايقهم مـــــن البناء والتعمير والتوسع ومن تلك القصبات التي عانت من ذلك الاضطهاد مدينة الحــي ( قضاء الحي ) حيث ان العشائر المحيطة بالمديـنة كانت تــــملك الاراضي المحــــيطة والـــمطوقة لمدينة الحي وتخضع لسلطان ال ياســـين فكانت مدينة الحي تعيش الايام العصيبة السوداء واضحت وكأن الداخل اليها مفقود والخـــارج منهــا مــولود فهي سجن محاط باراضي ونفوذ ال ياسين من جميع جهاتها لقد ضيق علــيها الخــناق فلم تتمكن من التوسع العمراني ولم يجرأ موظفوا الادارة على العمل لتوسيـعها وفك الحصار عنها ومن يجرأ على استملاك ارض الشيوخ مــــــن ال ياسيـــن او اخذ جزء من اراضيهم لتحسين المدينة وتوسيعها واعمارها 1.
لقد حدثت مشادة كلامــية في مدينة الحي يوم 16/مايس/1954 م بين جماعة من بيت ال ياسين وبين احد البـــاعة فـــي هذه المدينة بحيث تطورت الى اصطدام بين الطرفين ادى ذلك الى تسجيل دعوى جزائـــية مــــن قبل ال ياسين ثم توسط الناس فجرى صلح ظــاهري بين الطرفين . ويظهر ان طلب الـــصلح هذا كـــان بايعــــاز من الشيخ عبدالله الياسين للنكاية :- ففي صبيحت يوم (21) مايس هجم نحو مائة مــــن الأعراب عـــلى السراجين والصياغ في سوق الحي وقد اشترك معهم بعـــض الاهلين وشتـــبكوا فـــــي معركة دامية استعملوا فيها السلاح الناري والمكاوير فكان مـن ضحايا هذه المعركة ان وقع خمسة عشر جريحاً من الاهلين توفي احدهم في مستشــــفى الــــكوت مــــن جراء اصابته وجريحان من العشائر . وبعد ان نفذ الاعراب ما اضمروه فــي نفوســــهم لاذوا بالفرار وعندئذ ثارة ثائرة الاهلين في الحال وتجمهر الناس عـــــلى اختــــلاف طبقاتهم واشترك معهم جمع من طلاب المدارس ونساء القصــــبة واختــــلط الــــحابل بالنابل2 .
************************************************** ****
1- محمد علي الصوري الاقطاع في لواء الكوت ص 222.
2- تقرير الحكومة عن الحادث في جريدة الاخبار العدد ( 68 ) في 9/6/1954 م .
(95)
كان عدد المتجمهرين يربو علـــى الألفيــن حسب تقرير الشرطة . واخذ الناس يهتفون بسقوط الاقطاع والوزارة القائمة ويـطالبون بتأليف للجنة تتولى كشف سر هذه الحركة وتحاكم المسؤولين عن ذلك الهياج والتصادم وتسرح الموقوفين وقد اتجهت المظاهرة الى دائرة البريد فحطموا بابـها وقطعوا اسلاكها ثم قصدوا نادي الموظفين وحرقوا اثاثه ثم تابعوا السير الى دار البـــلدية والقائمقام فرشقوهما بالحجارة وحرقوا كراج السيارة واعتدوا على داري الحــاكم والطبــيب ايضـــاً وكان الـــقائمقام وقتها هو السيد ابراهيم الياس النقيب فقد ارتهـــب منــهم وخاف وأتـــصل بمـــتصرف لواء الكوت السيد حسن الطالباني فتوجه المتصرف الى الحي على رأس قوة اعادت الامن الى نصابه . وقبضت الشرطةعلى (74) مـــــن الأهلــــين افرجـت الحكومة عن (52) منهم وجرت محاكمة الباقين ثم توجه الشيخ محمد الحبيب امــــير ربيعة الى الحي ومعه وجوه مدينة الكوت وبعض من رؤساء العشائر لترضية ابنـاء مدينة الحي وأجراء صلح ظاهري بين اهل المدينة وآل ياسين(1) .
حادثة مدينة الحي الثانية :-
كانت مدينة الحــــــي احدى المدن التــــي استفــــزتها احداث العدوان الثلاثي الأثم سنة 1956م على القطـــر المصري الشقيق حيث ان ذلك العدوان قد اجج الغضب والشعور بالكراهية لـــجميع الدول الـــتي ساندت ذلك العدوان وانتفض الشعب العراقي في جميع مدنه على الحكومة لموقفــــها الضعيف بل وغير المساند لشعب مصر وحكومتة سواء في شجب العدوان او تقديم الــــمساعدة المــــادية والمعنوية للشعب والجيش المصري فعمت التظاهرات جميع مدن العراق ولاقت هذه التظاهرات وحشية القمع . لقد استفزت حوادث مدينة النجف المؤلـــــمة ابناء مدينة الحي والتي كانت الى ذلك اليوم تشكو ظلم الأقطاع ورجاله وترفع الظلامــــة تلو الظــــلامه الـــى الجهات الحكومية العليا دون ان تحصل على نتيجة فما ان حصل العدوان الثــــلاثي علــــى مصــــر حتــــى انطلقت فيها مظاهرات الأستنكار على حوادث مصر وعــلى اسلوب محاكمة الساسة العراقيين الذين قارعوا حلف بغداد والسلـــطات الحاكمة فـــــي الـــــعراق فسيقوا الى المجالس العرفية واصدرت فيهم احكام مـشددة . تصدت الشرطة الى المتظاهرين بالنار والحديد فتوسعت شقة الخـــلاف وتــــطورت واذا بمدينة الحي تضرب اضراباً عاماً شاملاً وتطالب بامور لاترى السلطة الحاكمة امكانية قبولها.
في يوم 13 كانون اول سنــــــة 1956م قصد الحي الرئيس حسن علي زكي من دائرة الأستخبارات العسكرية واخذ يـــتجول فـــي المدينة وخاصة في الساحة التي تؤدي الى ************************************************** ****
1- السيد عبد الرزاق الحسني – تاريخ الوزارات العراقية / الجزء التاسع ص 119
وسط المدينة وبعد سفره حصلت محـاكمة الأستاذ كامل الجادرجي فقامت جماهير الحي بمظاهرة وتصادمت مـع الشرطة فـــجاءهم مدير الناحية وقال :- انا ارسلني المتصرف (متصرف لواء الـــــكوت وقتها الســيد اسماعيل حقي رسول ووزير الداخلية هو سعيد قزاز. اما مدير الــناحية فكان وكالة عـــن قائمقام قضاء الحي ) واريد المفاوضة. لماذا هذه الأضـــرابات والــــتظاهرات ؟ وأذا لاتـــتركون الأعمال هـــذه ســـوف تتأذون......
اخذت الشرطة تتحرى البيوت ويفتشونها ياتون الــى كل بيت ويطرقون البـــاب واذا لم تفتح الباب يضربونها بالمعاول ويهدمون البــناء المــــحيط بالــباب ويقلعوها ويدخلون وياتون الى النساء بدون سابق انذار ولـــيس معـــهم مختار المحلـــة او امر بالتفتيش فيقومون بتفتيش البيت ومـــن فــــيه بـــصورة منكرة واذا رأوا مقاومة من أي شخص يطلقون النار عليه . كان مطلــب الحكومـة من اهالي الحي هو ان يسلم أربعون شخصاً انفسهم الى السلطات وان تفــتح المديـــنة ابوابها وينتهي الأضراب . وفي اليوم الثاني جاءت قوة الشرطة السيارة بحــوالي (1500)شرطي (1) ودخلت في معركة شرسة مع الأهلين قتل فيها من قتل واعتقل من اعتقل ثم جرت محاكمة الموقوفين فحكم على عطا مهدي الدبــاس وعلــــي الشيخ حمـــود بالأعدام شنقاً حتى الموت(2) وعلى اخرين مددا مختلفة تتراوح مــــن ثلاث سنوات الى خمس عشرة سنة وبذلك اعيد الأمن الى نصابه في هذه المدينة والـــحقيقة ان الـــمدينة ظـــلت تغلي عــلى مضض لما اصابها من ظلم وتعسف واهمال حتى ان الناس اطـلقوا عليها أسم (بور ســــعيد العراق ) وكان ابناؤها يفتخرون بهــذا الأســـــم بعــــد أندلاع ثورة 14تموز المجيدة وبقيت مدينة الحي بؤرة للصراع والتـــصدي والغليـــان وذلك بسبب ماعاناه اهالي المدينة من غطرسة الأقطاع وآل ياسين وتطويقهم للمدينـــة مـن كل جهاتها بحيث كانوا لايتمكنون ان يحصلوا على قطعة أرض يدفنون بها موتاهم فكـــانوا أذا ما تــوفي احد منـــهم ذهبوا به الى النجف الأشرف حتــــى وان كان طـــفلا صغيرا .وكان الــــتراب عندهم صـــعب الحصول عليه
************************************************** ****
1- محاضر جلسات (المحكمة العسكرية العليا الخاصة )ج10 ص4000- 4004
2-شفع السادة حكمت سليمان والشيخ محمد رضا الشــبيبي والـسيد نصرة الفارسي لهذين المحكومين لدى الملك فيصل الثاني فقال الملك لهم ان الأعدام لم يــــنفذ فيهـــما بصورة مطلقة ولكنهما أعدما في الحي علناً بعد يومين يــقول شاهد عيـــان وهو الســــيد محمد عـــلي الصوري في كتابه (الأقطاع في الكوت ):- (ثم نقلا الى مدينة الحي وهكذا اودعا السجن في بلديهما وزاد التعذيب عليهما فاودى بحياة الشهيد عطا مـهدي الـدباس وفاضت روحه وعندها نقل هو وصاحبه في الجهاد علي الشيخ حمود الى الساحة الــعامة حيث نصبت اعواد المشانق وسط الساحة وقد وضع الحبل في عنقه وهو ميت.ثم جاء دور عـــلي الشيخ حمــــود وتقدم الى خشبت المشنقة الى الموت شامخا). ولما زال النظام الملكي عن العراق بثـــورة 14تموز 1958 قرر مجلس الوزراء فـــــــي جلستة المنعقد في 4تموز 1959/ منح ثلاثمائة دينارا لكل من عائلة عطا الدباس وعلي الشيخ حمود.
فاذا ما احتاج الأهلون الــــى تراب لرشق سقوف منازلهم او لأي أستعمال أخر أشتروه من أماكن أخرى وبســــعر مــرتفع وربما يصــــل سعـره الى سعر الحنطة والشعير(1)
لهذا فعندما انطلقت ثورة الرابع عشر مــن تموز سنـــــة 1958م هب الناس في مدينة الحي صبيحة ذلك اليوم يساندون الـثورة بقوة ويعربون عن تاييدهم لها ودفاعهم عنها واول عمل كان الهجوم علــى قصر الشــيخ عبدالله الياسين وتحطيم اثاثه ونهبه انتقاما منه ومن حكمه البغيض كذلــك فان ابناء مديــنة الكوت خرجوا بمظاهرات كبيرة معلنة عن تاييدها للثورة والدفاع عن اهدافها وان كانت مـعاناتهم من الأقطاع اقل من معانات اهل الحي فانطلقت مظاهرات قصدت دار الــشيخ مزعــل الأمير ودار الشيخ عبد الرضا البندر في الـــكوت وحطموا زجاج الـــنوافذ وهتـــفوا ضدهم ولولا تدخل رجال الشرطة لاصابهم المكروه من ذلك .
لم تعرف الجمــاهير الشعبية طعم الحرية لأن النظام الملكي كان قد صادر جميع حريات الشعب وكانت الــسجون والمعتقلات مفتوحة لكل من يبدي معارضة او تذمر من النظام فما ان انطلقت ثورة الــرابع عشر مــــن تموز 1958م حتى انفلت زمام الأمور وعمت الفوضى في جميع مدن العراق واصبحــت الكلمة الفصل للشارع العراقي فان الجماهير الغاضبة تقدمت على قياداتها ولهذا السبب اضطرب الموقف السياسي في البلد .
عهد الملك فيصل الثاني في العراق :- في سنة 1953م بدأت مراسيم تنصيب الملك فيصل الثاني ملكاً على العراق وانهاء عهــد الوصايا للأمير عبد الأله على عرش العراق وبهذه المناسبة فقد اقيم احتفالات في الوية الــعراق وفي العاصمة بغداد وكانت مظاهر الفرح بادية على وجوه الناس متاملة في عــــهد الملك الشاب الجديد وان الملك قد وعد الشعب ان يعمل جاهدا فـــي خدمتــــة وتنفيذ جمــــيع المشاريع التي تؤدي الى سعادتة وتطوره وبدأ عهده بزيارات تفــقديه للألوية العراقية واول زيارة رسمية للواء الكوت كانت سنة 1954م وقد اقيم له احتــــفال كبـــــير فـي بناية ثانوية الكوت للبنين حضرها كبار الموظفين ووجـــهاء المدينـــــة وشيوخ العشـــــائر والقيت فيها القصائد والكلمات المرحبة بـــجلالته كــــما واصطف طلاب المدارس في الشوارع التي يمر بها تحية له . وبعد انتـــهاء مراسيم الأحتفال غادر الملك وصحبه مدينة الكوت متوجها الى
************************************************** ****
1- صرح السيد محمد ســـــــعيد القزاز وزير الداخــلية امام المحكمة العسكرية العليا الخاصة بتاريخ 29 كانون الثاني 1959م قال :- انه كان في جدال مــستمر مع الشيخ عبد الله الياسين رئيس آل مياح على حساب أهل الحي ليخصص مقبرة لهم من أراضـــية المحيطة ببلدهم فلم يقروا طلبه . وان الشيخ المذكور امر بتسوير الحي بسور من الطين واعتـبر كل ما كان خارج السور ملكا له فاذا توفي احدهم في هذه القصبة حتى وان كان طفلا وجب نقله الـــــى النجف واكثر من ذلك اذا اراد احدهم ان يرشق سطح داره بالطين وجب عليه ان ياتي بالتراب مــــــن الناصرية فكان التراب في الحي يباع كما تباع الحنطة والشعير
قرية الحسينيه (ناحية الأحرار) لينزل ضيــــفا علــى امير ربيعة ومن الجدير بالذكر ان
الملك فيصل الثاني وولي العهد عبد الأله الوصي عـــلى عرش العراق كانا كثيرا التردد على قرية الحسينية مقر امير ربيعة عندما تكون للملــك غير المتوج اجازة من دراسته في لندن وياتي زائرا الى العراق فيصطحبه خاله الأمـير عبد الأله الى الحسينية ليقضي فيها وقتا وخاصة يوم الجمعة في الصيد والتنزه مـــما ولد ذلك رابطة صداقة قوية بين امير ربيعة وعائلة الملك فيصل الثاني وثقتها الزيجـــة التــي تمت بين الأمير عبد الأله وكريمة محمد الحبيب أمير ربيعة ففي الخامس عشر من شـــهر حزيران سنة 1956م عقدت خطبة الأمير عبد الأله على كريمـة الشيخ محمد الحبـــيب أمير ربيعة وقد حضر عقد القران الملك فيصل الثاني والأمــير عبد الأله ورؤساء الوزارات السابقين ورئيس مجلس الأعيان ورئيس مـــجلس الـــنواب وعدد من كبار المدعوين وكبار قادة الجيش العراقي وقد حضر الحفل أيـضا سمو الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير الكويت والذي كان في زيارة الى بغداد فــــي الــــعاشر مــــن الشهر نفسه يصحبه الشيخ جابر الأحمد الصباح والشيخ صباح الأحمد الصباح فــــحضر هؤلاء حفل عقد القران في قصر أمير ربيعة في الحسينية( ناحية الأحرار) وفـي 18/حزيران من نفس السنة تم زواجهما في مصيف سرسنك الواقع شمال الــعراق وقـد انهالت عليهما الــهدايا بمناسبة زواجهمـــا حتى قدرت تلك الهدايا بمئات الملايين من الدنانير العراقية(1) .
ومما يذكر ان الأميرة بقيت في عصــــمة الأمير عبد الأله حتى قضت عليه ثورة الرابع عشر من تموز 1958م والتي ادت الــى قتل البيت الملكي جميعا في قصر الرحاب ولم ينجوا منهم احد سوا الأمـــــيرة المذكـــورة أذ انقذها أحد الضباط (2) .لقد عادت الأميرة سالمة الى دار أهلها في قرية الحســــينية لتــعيش معهم فترة ثم تزوجت من أبن عمها الشيخ قيس على الأمير الذي انتقل معها الـــــى المملكة الأردنية الهاشمية لتقضي بقية ايامها مع زوجها في الأردن وقد علمت انها توفيت هناك ودفنت في الأردن .
************************************************** ****
1- لقد جاء في هامش الجزء العاشر مــــن كتاب تاريخ الوزارات العراقية للسيد عبد الرزاق الحسني قوله : اخبرني الســـيد عبد الحميد (مـــــن كبار المتصرفين) وكنا سوية في لندن في اب 1961م بأن الشيخ عبدالله الياسين مـــــن رؤساء الــــمياح لواء الكوت قدم الى الأمير عبد الأله صكا بعشرة ألاف دينارا عراقيا ليختار ســــموه هدية العرس المــــناسبة وان الشيخ محمد العريبي من رؤساء البومحمد بلواءالعمارة قدم الـــــى الأمير علبة من الذهب المطعم بأنفس الأحجار وكان العين الحاج عبد الهادي الجلبي قدم مسبحة مـــــن الكهرب الأسود نادر الوجود مع مبلغ كبير من المال . وقد علمت ان الشيخ حسن خيون قدم الى الأمير عبد الأله هدية وهي سيارة من نوع كدلك .
2- عبد الرزاق الحسني – تاريخ الوزارات العراقية الطبعة السابعة الجزء العاشر ص 32.