من أجل أدب عالمي باللغة الفرنسية / ترجمة: مي الفالح
في عالم الكتب، كان الكاتب جان ماري غوستاف كليزيو واحداً من أربع وأربعين كاتباً قاموا بتوقيع بيان في أكتوبر ٢٠٠٧ بعنوان (من أجل أدب عالمي باللغة الفرنسية) ليكون من شأن اللغة الفرنسية أن تتحرر من (ميثاقها الحصري مع الأمة).
يمكننا القول أن تلك كانت لحظة تاريخية: مُنحت جائزة غونكور وهي الجائزة الكبرى لرواية الأكاديمية الفرنسية وجائزة رينودو وفيمينا وجائرة غونكور الخاصة بتلاميذ المدارس للكُتاب الفرنسيين ومُنحت أيضا في نفس الخريف للكُتاب من خارج فرنسا. بدأت هيئات التحرير بعد ذلك بالتركيز على المواهب الاستثنائية التي تأتي من الضواحي. ماذا عن الثورة الكوبرنيكية، سميت كوبرنيكية لأنها كشفت ما كان يدور في الوسط الأدبي ومالم يعترف به: هذا الوسط الذي كان من المفترض أن يشع منه الادب الفرنسي، لم يعد وسطاً ادبياً، امتلك الوسط الادبي قدرة استيعابية أجبرت المؤلفين من خارج فرنسا على التخلص من متعلقاتهم قبل الذوبان في بوتقة اللغة وتاريخها القومي، بعدها أصبح الادب الفرنسي منذ الان في كل مكان وفي جميع انحاء العالم. نهاية الفرانكفونية وولادة ادب عالمي باللغة الفرنسية.
لقد عاد العالم، وتلك من أفضل الأخبار، الم يكن العالم هو الغائب الأساسي عن الأدب الفرنسي؟ وضع كلاً من العالم والموضوع والمعنى والتاريخ و”المرجع” أيضاً لعقود من الزمن “بين قوسين” من قبل كبار المفكرين الذين اخترعوا الادب واهتموا به دون سواه وكما قيل (نقدة الخاص في حركة بيانه). كانت الرواية آنذاك موضوع جدي للغاية خاصةً للروائيين الذين لديهم المقدرة على “الاستخدام الساذج للغة” الذين اكتسبوها وتشكلت من جديد بعد علم اللغة. كانت النصوص تأتي من مجموعة واسعة لا حصر لها، وعندما يأتي الالهام للكاتب يضع فكرتة التي اختلقها في النص ويترك المساحة كلها للمعلقين والمفسرين. وعوضاً ربط انفسنا في عالم من كبت الانفاس وكبت الطاقة الحياتية والرواية لم يعد سوى الوصول إلى بعضنا عن طريق الكتابة. لو نظرنا إلى الكتاب الذين نجوا في مثل هذا الجو الفكري فمن المرجح أن نصبح متفائلين من قدرة الرواية على مقاومة كل من ينكرها أو يسخر منها.
هذه الرغبة الجديدة لإيجاد منافذ للعالم تعود إلى القوى المتوهجة للأدب وهذا الإلحاح الذي نستشعرة من الادب العالمي متزامن مع حركة الايدولوجيات العظيمة وخصوصاً عودة الموضوع والمعنى والتاريخ الى خشبة المسرح، وتذبذب الحركات المناهضة للتقاليد، في الغرب كما في الشرق، والتي ستنهار قريباً في جدار برلين.
يجب الاعتراف بعودة الادب من مفترق الطرق ومن مسارات المتشردين والتساؤل عما إن كان من الضروري أن يُمنع؟ وبعد سقوط تلك السلاسل كان على الجميع تعلم المشي مرة أخرى وتذوق غبار الطرق والشعور برعشة الخارج ونظرات الغرباء. كانت قصص المسافرين المدهشين الذين ظهروا في منتصف سنة ١٩٧٠ تروى لتسمح لنا للدخول في بوابات الخيال الضخمة، أما الاخرين من الكٍتاب كانوا قلقين حيال سرد قصص حياتهم، كما قال رايموند تشاندلر و داشييل هاميت أن قصص المدينة الامريكية تحولت بعد جان باتريك مانشيت إلى رواية سوداء. في تلك الاثناء لجاء اخرون إلى الروايات الشعبية والبوليسية وروايات المغامرة وتعتبر تلك طريقة ذكية وحكيمة لإدخال الروايات الممنوعة للوسط الادبي. ولا يزال اخرون يستخدمون الرسوم المتحركة مثل هوغو برات و موبيوس وغيرهم.
توجهت بعد ذلك الأنظار الى الادب الفرانكفوني وخصوصاً الكتابة الكاريبية فهي بعيدة كل البعد عن الكتابات الفرنسية المتحجرة، وروت وريثة القديس يوحنا بيرس وسيزار عن ثورة شاعرية ورومانسية وعن تأثر الوسط الادبي بكلمات قديمة و كيريولية. ١٩٧٧ و ١٩٧٧: سنوات العودة إلى الخيال.
وفي نفس الوقت هبت رياح جديده في بريطانيا وجلبت معها دليلاً على ادب جديد باللغة الإنجليزية معلنتاً ولادة عالم ادبي جديد. وفي هذه الاثناء عادت إنجلترا إلى جيلها الثالث من الروايات الصوفية. عندما غادر الكاتب بروس تشاتوين إلى باتاغونيا كانت قصته بمثابة بياناً لجيل الترافل رايترز (تطبيق تقنيات السرد الحقيقي للرواية لاستعادة البعد الجديد للواقع) وكانت الرواية مثيرة للضوضاء وذات طابع روائي مزعج وملونة ومختلطة ، والتي تحدثت مع قوة نادرة وكلمات جديدة شائعة عن تلك العواصم حيث اختلطت ثقافات جميع القارات واختلطت مع بعضها البعض. وفي قلب هذه الإثارة كان كازو إيشيجورو ، وبن أوكري ، وحنيف قريشي ، ومايكل أونداجي – وسلمان رشدي (الذي اكتشف باهتمام ما أسماه “الرجال المترجمين”): أولئك لذين ولدوا في إنجلترا ولم يعد للحنين مكان في قلوبهم إلى بلدهم الأصلي لكن وجدوا انفسهم بين عالمين بين مقعدين مما جعلهم يحاولون خلق عالم جديد خاص بهم من هذا التداخل. وكانت هذه المرة الأولى التي يعتزم بها جيل من كُتاب الهجرة على الاعتراف بهويتهم التعددية و أكد كارلوس فوينتيس انهم كانوا ذو نواتج مشتركة اقل في الاستعمار من القرن الحادي عشر.
كم من الكتاب الفرنسيين الذين جمعوا بين ثقافتين أو أكثر كانوا يتساءلون عن هذا التباين الغريب الذي جعلهم يتطرقون إلى “الفرانكفونية” بينما استولى أبناء الإمبراطورية السابقة بشكل شرعي على الحروف البريطانية؟ وهل يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن أي انحلال لورثة الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية له صلة بالمقارنة مع الإمبراطورية البريطانية؟ أو الاعتراف بأن المشكلة تكمن من الوسط الأدبي نفسة؟ وإلى هذه الرؤية للفرانكوفونية التي استمرت فيها فرنسا أم للفنون والأسلحة والقوانين التي تجلب المنفعة العالمية والحرص على جلب الحضارة إلى الناس الذين يعيشون في الظلام؟ ولم يكن لدى الكتاب الغربيين الهنود والهايتيين والأفارقة أي شيء يحسدونه على نظرائهم الذين يتحدثون الإنجليزية ومفهوم “الكريول” الذي جمعهم بعد ذلك والذي أكدوا من خلاله تفردهم عن الجميع لأنهم كان من المؤكد أن يصبحوا بنظر الاخرين صمًا وعميًا وأن يبحثوا فيهم عن صدى للنفس، وحتى لا يفهم بالنهاية بأنه مجرد تمكين للغة.
لنكن واضحين: ظهور ادب عالمي باللغة الفرنسية هو بمثابة ولادة عالم جديد ومثقف وعابر للحدود وبنفس الوقت نهاية للغة للفرانكفونية فلا احد يتحدث باللغة الفرانكفونية او يكتب بها فهي تعتبر كضوء لنجمة ميته. كيف يشعر العالم بالقلق من لغة بلد افتراضي؟ وها نحن الان بالقوت المناسب لهذة الثورة.
كيف يمكن للمرء أن يجهل كاتب مثل نيكولاس بوفييه و عمله (طريقة العالم) المعروف لعقود من الزمن ؟ أو كاتب مثل ريجين دوشارم واحد من اعظم المؤلفين المعاصرين وعمله المشهور (شتاء القوة) منذ عام ١٩٧٠ الذي حمل معه شاعرية عظيمة، هل اغرق ذلك كل ما كتب منذ ذلك الحين عن المجتمع الاستهلاكي والقصص الليبرالية؟ واذا نظرنا الى (مقاطعة بيل) على سبيل المثال لم نعرف عنها سوى لهجتها السحرية التي بقيت كعطور فرنسا العتيقة. ويمكننا التعرف على الكتاب الافريقيين والهنود الغربيين من خلال تشابههم ومن خلال ما يكتب في الهوامش و كم هو مثير للدهشة ، عندما يتم اختزال مفهوم الكريولية إلى نقيضه ومساواتها مع مجموعة بينتون؟ كيف لنا أن نفاجأ مما يحدث إذا ما ثابرنا على نشر علاقة قوية ورصينة بين الأمة واللغة التي تعبر عن العبقرية المفردة – ولماذا أصبحت فكرة “الفرانكفونية” ترى كآخر صورة من صور الإستعمار؟ إن المعاهدات الاستعمارية محطمة و اللغة التي تم تحريرها من الاستعمار تصبح من شأن الجميع واذا تم التمسك بها بقوة فستكون نهاية الاحتقار والاستنقاص. نهاية “الفرانكوفونية” وتاريخ الأدب العالمي بالفرنسية: هذا هو التحدي، طالما أن الكتاب قبلوا به.
لأن عالم الأدب متعدد ومتنوع هو اليوم أدب عالمي باللغة الفرنسية في العالم ويشكل مجموعة شاسعة من الاداب تضم تفرعاتها عدة قارات لكن الأدب العالمي بدء ينبثق من امامنا اظهر لنا حقيقة عقود من “الخيال الممنوع” ما كان دائمًا حقيقة الفنانين والروائيين المبدعين: ومهمة إعطاء الصوت والصورة لكل ماهو مجهول في العالم – وإلى كل ماهو مجهول فينا. وأخيراً ، إذا رأينا في كل مكان هذا الفارق الشاسع فذلك لأن شيئاً في فرنسا نفسها قد بدأ يولد مرة أخرى ، حيث يستخرج الجيل الشاب الذي يتخلص من عصر الشكوك والابحار في الخيال دون أي قيود وفتح مسارات رومانسية وخيالية جديدة. لذا يبدو لنا أن هذا الوقت هو ولادة جديدة للحن في مجموعة متعددة من الألحان الواسعة دون القلق بشأن ما يناضل من أجلة أو التفوق في هذه اللغة أو تلك أو أي “إمبريالية ثقافية”. لقد اصبح الوسط الادبي واحداً من اهم الاوساط وهذا يعني تشكيل كوكبة نشهدها حيث تحررت اللغة من حلفها الحصري مع الأمة وهي خالية الآن من أي سلطة أخرى غير سلطة الشعر والخيال، ولن يصبح هنالك حدود لها إلا حدود الروح.
قائمة الموقعين: موريل باربيري ، طاهر بن جلون ، ألان بورر ، رولاند بريفال ، ماريز كوندي ، ديدييه دينينكس ، أناندا ديفي ، آلان دوغراند ، إدوارد جليسانت ، جاك غودبوت ، نانسي هيوستن ، كوفي كواهولي ، داني لافريير ، جيل لابوج ، جان ماري لاكلافيتين ، ميشال لاياز ، ميشال لو بريس ، جي ام جي كليزيو ، ايفون لو مين ، امين معلوف ، الان مابانكو ، انا موي ، وجدي معوض ، نمرود ، ويلفريد ان ساوند ، استير اورنر ، اريك اورسينا ، بينوا بيترز ، باتريك رامبو ، جيزيل بينو ، جان كلود بيروت ، غريغوار بوليت ، باتريك راينال ، جان لوك راهيمانيانا ، جان روود ، بوعلام سانسال ، داي سيتجي ، برينا سفيت ، ليونيل ترايلوت ، آن فاليايز ، جان فاوترين ، أندريه فيلتر ، غاري فيكتور ، عبد الرحمن وابري.
سيتم النشر في نهاية شهر مايو في دار نشر غاليمار
من أجل أدب عالمي ، عمل جماعي تحت إشراف جان روود وميشال لو بريس.