تحرير
الحرف العراقي
هل تستطيع لوحدكَ أن تفعل شيئاً ؟
بنك غرامين ..
سأسرد لكم أصدقائي قصة عالم الإقتصاد البنغالي (بنغلاديش) البروفيسور المسلم مـحمد يونس الذي نالَ جائزة نوبل عام 2006 الذي أصبحَ قدوة عالمية فذّة لبلدهِ وأمتهِ وبدأتْ قصّتهُ كالآتي :
قال البروفيسور : بدأت قصتي قبلَ عشرين عاماً حين كنتُ أستاذاً في جامعات بنغلاديش أدرس الإقتصاد فقد كنتُ فخوراً بنفسي ومعتداً بشهاداتي التي حزتُها من جامعات الولايات المتحدة الأميركية دكتوراه في الإقتصاد قال : وفي يومٍ من أيام حياتي (توقفتْ تفكّرت وسألتُ نفسي ) ( لحظة توقف أو لحظة إشراق أو إلهام أو ثورة ضمير ) يقول : سألتُ نفسي قائلاً : أنا أدرس منذ سنين هؤلاء الطلبة في جامعات راقية وهؤلاء الطلبة لديهم القدرة على مواصلة النفقات والتعليم ولكن عندما أخرج في الشارع هناك الآلاف بل الملايين الذي يرتقبون الموت هياكل عظمية ليسَ هناك ما يقيم أودهم ما يسد حاجاتهم الأساسية في الحياة ... يقول : وهنا وجدتُ نفسي في مشهد سريالي عبثي كنتُ أنا جزءاً منه مشهد غير معقول , فأنا أدرس الإقتصاد الذي يُحقق الرفاه والفرص والتكافؤ بين الناس ..( كل هذا عبث لا شيء مما أنادي بهِ من نظريات الإقتصاد يتحقق في بلدي , فالناس تموت في سبيل رغيف خبز ) ويكمل قائلاً : لقد شعرتُ بالعار ..
وبعدها يواصل قائلاً : لقد قررتُ وقتها أن أتخلى عن نظرة الطائر الذي ينظر من علٍ نظرة التجريد والإحصاء التي تحرمك من نبض الشارع وما يحدث فيه .. وعندها قررتُ أن أصبح دودة أرض ترى عن كثب ماذا يحصل ؟ عن تجربة أريدُ أن أشاهد كيف يعيش هؤلاء الفقراء وبعدها أسأل نفسي : هل أستطيع أن أفعل شيئاً تجاه ما أجد من مساوئ وقصور ..
وكانتْ بدايتي مع امرأة تصنع الكراسي من الخيزران بجودة ماهرة كراسي رائعة وجميلة وتحدثتُ معها وعن عملها ومقدار ما تربح من هذا العمل وهنا جاءتْ الصدمة عندما قالتْ لي : إنني أربح يومياً ولله الحمد بنسين يعني ( واحد من خمسين سنت من الدولار الواحد ) فقلتُ لها : ولمَ فأنتِ تصنعين كراسي رائعة الجمال وتستحقين أكثر من هذا الربح بكثير فقالتْ : لأنني لا أملك المال لأشتري به الخيزران ( المادة الخام ) يُقرضني تاجر وبعدها أعيد إليه البضاعة بالثمن الذي يُريد هو وبعدها سألتها : وكم هذا المال الذي تـحتاجينه لشراء هذا الخيزران ؟ فقالتْ : عشرين بنساً وعندها صُدمتُ وشعرتُ بالعار وسألتُ نفسي وقتها ( هل أنا مسلم حقيقي ؟ هل أنا من هذهِ الأمة التي فيها الآلاف من المهرة الحرفيين الصنّاع الذين تؤكل حقوقهم وفرصهم لأنّ ليسَ لهم مال يبتدأون فيه مشروعهم وكم بنسات قليلة فقط ) يقول : ومن ذلك اليوم بدأتُ بالعمل أخذتُ عدد من طلابي وزرنا هذهِ القرية وعدد من القرى المجاورة واستطعنا أن نسجل أكثر من 40 شخصاً لديهم مهارات مختلفة ويحتاجون لأموال قليلة لكي يربحوا أكثر مما يربحون الآن وكيف يتم استغلالهم ؟ وعندها كانتْ الصدمة الثالثة عندما علمتُ أنَّ كل ال 40 شخص الذين سجلناهم لا يحتاجون أكثر من 27 دولار لكي يبدأوا بداية ثانية وعندها ساهـمتُ في رفع هذاالعار وأخرجتُ 27 دولار من جيبي الخاص وأخبرناهُم إنها سلفة يستطيعون إعادتـها متى استطاعوا ولم أكتفِ بهذا بل ذهبتُ إلى المصرف الكائن في جامعتنا وقابلتُ المدير وطلبتُ منه أن نوفر قروضاً بسيطة للفقراء لكي نرفع عوزهم وعندها رفض وقال :القوانين واللوائح لا تسمح بـهذا غير ممكن فضلاً عن أنَّ الفقراء لا ثـقة فيهم ولا يستطيعون أن يُقدموا ضمانة للقرض فضلاً عن أن الفكرة كلام فارغ وغير منطقي وقروض صغيرة جداً وبعدها لم أفقد الأمل وذهبتُ لعدة مصارف أخرى وقابلتُ مدير البنك المركزي نفسه وكان الجواب واحداً وهو الرفضُ دائماً وهو ( الفقراء غير جديرين بالإقراض ) وعندها قلتُ لمدير البنك : أنا سأقوم بكفالتهم بنفسي وكل من يعجز عن سداد دينه أنا سأسدده مكانه من جيبي الشخصي وعندها وافق على مضض قائلاً : ولكنكَ يتندم ولن يُعيدوا لكَ أموالك وبعدها كانتْ المفاجأة أنَّ جـميعهم أعادوا المبالغ كاملة ( سنتاً سنتاً ودولار دولار ) وبعدها أعطينا عدداً أكبر فأعادوا وأكبر فأعادوا وبعدها رفعنا المبالغ فأعادوها وبعدها جربنا مع 5 قرى أخرى فأعادوها و50 قرية فأعادوها وبعدها على 100 قرية فأعادوها أما أصدقائي الأساتذة والخبراء فقد ضلوا على قناعاتـهم يُحاجون ويُجادلون بأنَّ الفقراء لا ثقة معهم وبعدها لم أتعب نفسي معهم وجاءتْ فرصتي الأخيرة وضربتي القاضية وهي أن أؤسس مصرفي الخاص وبعد سنتين والحمدلله بعد إكمال المعاملات الحكومية افتتحنا على بركة الله ( بنك جرامين ) عام 1984
واليوم بعد أكثر من ثلاثين عاماً بنك الفقراء الذي يرأسه البروفيسور محمد يونس أقرضَ أكثر من 6 مليار دولار ويعمل في فروع البنك اكثر من 12 ألف موظف بدأت برجل واحد وهذا البنك يتعامل الآن من 46 ألف قرية في كامل بنغلاديش ..
- كل ما ذكرتْ من أموال وموظفين كانتْ بجهود رجل واحد وهو البروفيسور محمد يونس .
- محمد يونس يُعد قدوة لكل مسلم على وجه الأرض بكل الأصناف والمسميات لذا على الجميع الإقتداء بتجربتهِ الفذّة .
- ما فعلهُ محمد يونس عظيماً يمثل التدين الحقيقي لله ..
- كان محمد يونس الإنسان المتواضع الرحيم القدوة الحسنة لشريحة الخبراء والأكاديـميين التي لها ثقل عظيم في المجتمع .
- يستطيع رجل واحد أن يغير مـجتمع كامل كما فعل محمد يونس ..
- نتمنى أن نرى هكذا شخصيات في العراق ينزل إلى الشارع ويرى كيف يعيش الناس الفقراء ؟ فربما ما يحتاجونه لا يساوي لعبة من ألعاب أولاده الصغار ..