جنود العقل والجهل
*
عَنْ الْإِمَامِ الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عِدَّةٌ مِنْ مَوَالِيهِ فَجَرَى ذِكْرُ الْعَقْلِ وَالْجَهْلِ فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) :
اعْرِفُوا الْعَقْلَ وَجُنْدَهُ ، وَاعْرِفُوا الْجَهْلَ وَجُنْدَهُ ، تَهْتَدُوا .
فَقِيلَ لَهُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : جُعِلْنَا فِدَاكَ لَا نَعْرِفُ إِلَّا مَا عَرَّفْتَنَا !
فَقَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) : إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْعَقْلَ ، وَهُوَ أَوَّلُ خَلْقٍ خَلَقَهُ مِنَ الرُّوحَانِيِّينَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ مِنْ نُورِهِ ، فَقَالَ لَهُ : ﴿أَدْبِرْ﴾ ، فَأَدْبَرَ . ثُمَّ قَالَ لَهُ : ﴿أَقْبِلْ﴾ ، فَأَقْبَلَ . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : ﴿خَلَقْتُكَ خَلْقاً عَظِيماً وَأَكْرَمْتُكَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِي﴾ . ثُمَّ خَلَقَ تَعَالَى الْجَهْلَ مِنَ الْبَحْرِ الْأُجَاجِ الظُّلْمَانِيِّ ، فَقَالَ لَهُ : ﴿أَدْبِرْ﴾ ، فَأَدْبَرَ . ثُمَّ قَالَ لَهُ : ﴿أَقْبِلْ﴾ ، فَلَمْ يُقْبِلْ . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ : ﴿اسْتَكْبَرْتَ﴾ ، فَلَعَنَهُ ثُمَّ جَعَلَ لِلْعَقْلِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ جُنْداً فَلَمَّا رَأَى الْجَهْلُ مَا أَكْرَمَ اللَّهُ بِهِ الْعَقْلَ وَمَا أَعْطَاهُ أَضْمَرَ لَهُ الْعَدَاوَةَ فَقَالَ الْجَهْلُ : ﴿يَا رَبِّ ، هَذَا خَلْقٌ مِثْلِي خَلَقْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَقَوَّيْتَهُ وَأَنَا ضِدُّهُ وَلَا قُوَّةَ لِي بِهِ ، فَأَعْطِنِي مِنَ الْجُنْدِ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ﴾ . فَقَالَ تَعَالَى : ﴿نَعَمْ ، فَإِنْ عَصَيْتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَخْرَجْتُكَ وَجُنْدَكَ مِنْ رَحْمَتِي﴾ . قَالَ : ﴿قَدْ رَضِيتُ﴾ . فَأَعْطَاهُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ جُنْداً فَكَانَ مِمَّا أَعْطَى اللَّهُ تَعَالَى الْعَقْلَ مِنَ الْخَمْسَةِ وَالسَّبْعِينَ الْجُنْدَ :
الْخَيْرُ وَهُوَ وَزِيرُ الْعَقْلِ ، وَجَعَلَ ضِدَّهُ الشَّرَّ وَهُوَ وَزِيرُ الْجَهْلِ .
وَالْإِيمَانُ وَضِدَّهُ الْكُفْرَ ، وَالتَّصْدِيقُ وَضِدَّهُ الْجُحُودَ ، وَالرَّجَاءُ وَضِدَّهُ الْقُنُوطَ ، وَالْعَدْلُ وَضِدَّهُ الْجَوْرَ ، وَالرِّضَا وَضِدَّهُ السُّخْطَ ، وَالشُّكْرُ وَضِدَّهُ الْكُفْرَانَ ، وَالطَّمَعُ وَضِدَّهُ الْيَأْسَ ، وَالتَّوَكُّلُ وَضِدَّهُ الْحِرْصُ ، وَالرَّأْفَةُ وَضِدَّهَا الْعِزَّةَ ، وَالرَّحْمَةُ وَضِدَّهَا الْغَضَبَ ، وَالْعِلْمُ وَضِدَّهُ الْجَهْلَ ، وَالْفَهْمُ وَضِدَّهُ الْحُمْقَ ، وَالْعِفَّةُ وَضِدَّهَا الْهَتْكَ ، وَالزُّهْدُ وَضِدَّهُ الرَّغْبَةَ ، وَالرِّفْقُ وَضِدَّهُ الْخُرْقَ ، وَالرَّهْبَةُ وَضِدَّهَا الْجُرْأَةَ ، وَالتَّوَاضُعُ وَضِدَّهُ التَّكَبُّرَ ، وَالتُّؤَدَةُ وَضِدَّهُ التَّسَرُّعَ ، وَالْحِلْمَ وَضِدَّهُ السَّفَهَ ، وَالصَّمْتَ وَضِدَّهُ الْهَذَرَ ، وَالِاسْتِسْلَامُ وَضِدَّهُ الِاسْتِكْبَارَ ، وَالتَّسْلِيمُ وَضِدَّهُ التَّجَبُّرَ ، وَالْعَفْوُ وَضِدَّهُ الْحِقْدَ ، وَالرِّقَّةُ وَضِدَّهَا الشِّقْوَةَ ، وَالْيَقِينُ وَضدَّهُ الشَّكَّ ، وَالصَّبْرُ وَضِدَّهُ الْجَزَعَ ، وَالصَّفْحُ وَضِدَّهُ الِانْتِقَامَ ، وَالْغِنَى وَضِدَّهُ الْفَقْرَ ، وَالتَّفَكُّرُ وَضِدَّهُ السَّهْوَ ، وَالْحِفْظُ وَضِدَّهُ النِّسْيَانَ ، وَالتَّعَطُّفُ وَضِدَّهُ الْقَطِيعَةَ ، وَالْقُنُوعُ وَضِدَّهُ الْحِرْصَ ، وَالْمُوَاسَاةُ وَضِدَّهَا الْمَنْعَ ، وَالْمَوَدَّةُ وَضِدَّهَا الْعَدَاوَةَ ، وَالْوَفَاءُ وَضِدَّهُ الْغَدْرَ ، وَالطَّاعَةُ وَضِدَّهَا الْمَعْصِيَةَ ، وَالْخُضُوعُ وَضِدَّهُ التَّطَاوُلَ ، وَالسَّلَامَةُ وَضِدَّهَا الْبَلَاءَ ، وَالْحُبُّ وَضِدَّهُ الْبُغْضَ ، وَالصِّدْقُ وَضِدَّهُ الْكَذِبَ ، وَالْحَقُّ وَضِدَّهُ الْبَاطِلَ ، وَالْأَمَانَةُ وَضِدَّهَا الْخِيَانَةَ ، وَالْإِخْلَاصُ وَضِدَّهُ الشَّوْبَ ، وَالشَّهَامَةُ وَضِدَّهَا الْبَلَادَةَ ، وَالْفَهْمُ وَضِدَّهُ الْغَبَاوَةَ ، وَالْمَعْرِفَةُ وَضِدَّهَا الْإِنْكَارَ ، وَالْمُدَارَاةُ وَضِدَّهَا الْمُكَاشَفَةَ ، وَسَلَامَةُ الْغَيْبِ وَضِدَّهَا الْمُمَاكَرَةَ ، وَالْكِتْمَانُ وَضِدَّهُ الْإِفْشَاءَ ، وَالصَّلَاةُ وَضِدَّهَا الْإِضَاعَةَ ، وَالصَّوْمُ وَضِدَّهُ الْإِفْطَارَ ، وَالْجِهَادُ وَضِدَّهُ النُّكُولَ ، وَالْحَجُّ وَضِدَّهُ نَبْذَ الْمِيثَاقِ ، وَصَوْنُ الْحَدِيثِ وَضِدَّهُ النَّمِيمَةَ ، وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَضِدَّهُ الْعُقُوقَ ، وَالْحَقِيقَةُ وَضِدَّهَا الرِّيَاءَ ، وَالْمَعْرُوفُ وَضِدَّهُ الْمُنْكَرَ ، وَالسَّتْرُ وَضِدَّهُ التَّبَرُّجَ ، وَالتَّقِيَّةُ وَضِدَّهَا الْإِذَاعَةَ ، وَالْإِنْصَافُ وَضِدَّهُ الْحَمِيَّةَ ، وَالتَّهْيِئَةُ وَضِدَّهَا الْبَغْيَ ، وَالنَّظَافَةُ وَضِدَّهَا الْقَذَارَةَ ، وَالْحَيَاءُ وَضِدَّهُ الْخُلْعَ ، وَالْقَصْدُ وَضِدَّهُ الْعُدْوَانَ ، وَالرَّاحَةُ وَضِدَّهَا التَّعَبَ ، وَالسُّهُولَةُ وَضِدَّهَا الصُّعُوبَةَ ، وَالْبَرَكَةُ وَضِدَّهَا الْمَحْقَ ، وَالْعَافِيَةُ وَضِدَّهَا الْبَلَاءَ ، وَالْقَوَامُ وَضِدَّهُ الْمُكَاثَرَةَ ، وَالْحِكْمَةُ وَضِدَّهَا الْهَوَى ، وَالْوَقَارُ وَضِدَّهُ الْخِفَّةَ ، وَالسَّعَادَةُ وَضِدَّهَا الشَّقَاوَةَ ، وَالتَّوْبَةُ وَضِدَّهَا الْإِصْرَارَ ، وَالِاسْتِغْفَارُ وَضِدَّهُ الِاغْتِرَارَ ، وَالْمُحَافَظَةُ وَضِدَّهَا التَّهَاوُنَ ، وَالدُّعَاءُ وَضِدَّهُ الِاسْتِنْكَافَ ، وَالنَّشَاطُ وَضِدَّهُ الْكَسَلَ ، وَالْفَرَحُ وَضِدَّهُ الْحَزَنَ ، وَالْأُلْفَةُ وَضِدَّهَا الْعَصَبِيَّةَ ، وَالسَّخَاءُ وَضِدَّهُ الْبُخْلَ .
وَلَا تَكْمُلُ هَذِهِ الْخِصَالُ كُلُّهَا مِنْ أَجْنَادِ الْعَقْلِ إِلَّا فِي نَبِيٍّ أَوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ أَوْ مُؤْمِنٍ امْتَحَنَ اللَّهُ قَلْبَهُ لِلْإِيمَانِ ، وَأَمَّا سَائِرُ ذَلِكَ مِنْ مَوَالِينَا فَإِنَّ أَحَدَهُمْ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بَعْضُ هَذِهِ الْجُنُودِ حَتَّى يَسْتَكْمِلَ وَيُتَّقَى مِنَ الْجَهْلِ . فَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ فِي الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مَعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ ، وَإِنَّمَا يُدْرَكُ الْفَوْزُ بِمَعْرِفَةِ الْعَقْلِ وَجُنُودِهِ وَبِمُجَانَبَةِ الْجَهْلِ وَجُنُودِهِ . وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ لِطَاعَتِهِ وَمَرْضَاتِهِ .
*
المصدر : كتاب المحاسن للشيخ الثقة الجليل الأقدم أبي جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي : ج1، ص196.