زيارة الأربعين وصناعة الأطفال القادة 2 / 11 / 2018م - 6:37 م
هل الطفل العراقي مختلف عن سائر أطفال العالم؟ نعم أكاد اقولها يملئ الفم واتحمل المسئولية عن كلامي هذا!. هذه ليست مبالغة أو إدعاء! إنما هي حقيقة واضحة للعيان.
فهل يعقل أن طفلا يبيع قميص المدرسة من أجل شراء قناني الماء لتوزيعها على الزوار في أربعينية الإمام الحسين الزاحفين بالملايين باتجاه كربلاء؟ وهل سمعنا بطفل لم يجد ما يوزعه سوى أخذ علبة المناديل الورقية من بيته ويخرج بها إلى الشارع لتوزيعها على المارة من زوار الإمام؟
أم هل شاهدنا طفلا يبكي وهو يستجدي الزوار لتناول الطعام والمبيت في المضيف الذي يخدم فيه من بين آلاف المضائف على امتداد طريق النجف - كربلاء؟!
يؤكد خبراء التربية، ومن أجل تدريبهم على ثقافة العطاء، على ضرورة السماح للأطفال بالمشاركة في المشاريع الخيرية التي تتماشى مع مواهبهم وافساح المجال لهم لتحمل المسؤولية وإعطاؤهم الفرصة لتولي القيادة. ولكن الطفل العراقي خلق ليجد نفسه فردا مشاركا ملؤه روح القيادة في أكبر تجمع للعطاء والجود، أعني مناسبة أربعين الإمام الحسين. ولهذا أقول إن الطفل العراقي لا يحتاج إلى تدريب أو حتى تعليم على ثقافة العطاء والكرم فالأجواء التي يعيشها جعلت منه جوادا بالفطرة.
يوصي خبراء التربية الآباء والمدربين على التركيز على افهام الطفل بأن العطاء هو فعل واختيار إرادي لا إجباري. وأن يكون للطفل كامل الحق في العطاء من عدمه. ولكن ما رأيته بأم عيني في كربلاء يجعلني أبصم بالعشرة أن الطفل العراقي يبقى مختلفا، فهو يرى أن من واجبه العطاء حتى لو احتاج الى التضحية بكراسة واجباته المدرسية، أو لعبته الوحيدة أو حتى الاستدانة من أحد الكبار ليتسنى له خدمة زوار الإمام الحسين التي يعتبرها عملا واجبا على كل عراقي كبيرا أو صغيرا، مهما كانت ظروفه.
نجزم جميعا بوجود قانون إلهي من قوانين الحياة مفاده بأن المعطي دائما ما يعطي لأنه غير محتاج، وهذا برهان آخر على كلامي بأن الطفل العراقي مختلف فهو يا سادتي، يتنازل عن ما يحتاج إيمانا منه بوجوب الخدمة في مسيرة الأربعين. الطفل العراقي لا يمد يده ولا يستغل قدوم هذه الوفود المليونية في إبراز جوانب الضعف والحاجة التي يمر بها معظم الشعب العراقي، إنما، وعلى النقيض من ذلك، تجده يرسل رسالة للعالم أجمع بأن العراق هو أرض الكرم والجود والعطاء، رغم كل ما عاشه من ظروف صعبة.
لا أنكر بالطبع وجود أطفال يمتازون بالعطاء والجود والكرم في كل أنحاء العالم. ولا أعني بكلامي أن الأطفال الآخرين هم عنوان للبخل والشح. لكن ما أعنيه تحديدا هو إصرار الطفل العراقي من مختلف المحافظات على المشاركة واحساسه القوي بأن خدمة الزوار هي الطريق إلى الجنة وهي الوسيلة إلى التوفيق والنجاح، وهذا هو المذهل في المسألة.
أحد الأطفال وأثناء إجراء حوارات شخصية معهم، أخبرني أن خدمة الحسين وإخلاصك فيها هي ما تحدد نجاحك في المدرسة.. وحينما سألته وما علاقة المدرسة بالحسين؟ أجابني بثقة: «الإمام الحسين ما يترك خدامه فيجازيهم مثل ما كرموا ضيوفه». أكاد أجزم أن هذا اليقين مغروس في فطرة كل طفل عراقي.
طفل آخر عمره سبع سنوات سألته حين كان يقف بمكنسته المصنوعة من القش وهو ينادي اهلا بك يا زائر.. سألته ماذا تفعل؟ فرد علي «اتشرف بأن أنظف المكان إلى الزوار لأن الملائكة تمشي وياهم، يعني انا أكنس المكان للزوار والملائكة..»، فأي تربية تلك التي زرعت في الطفل العراقي حتى لم يعد يحتاج للتدرب على أهمية نظافة مكانه وغرفته بل تعداها إلى الاهتمام والحرص على نظافة الشارع الذي يسير عليه زوار الحسين.
يقول الخطيب زج زجلر «سواءَ رضينا أم أبينا، فإن الذين يحسنون الحديث أمام الناس يعدهم الآخرون أكثر ذكاء. وأن لديهم مهارات قيادية متميزة عن غيرهم»، وقد وقفت على ما يشبه ذلك أثناء مشاهدتي للطفل العراقي الذي يصيح بأعلى صوته مرحبا بالزوار والمشاية دونما أي خجل أو تلعثم من مخاطبة هذه الوفود المليونية، فالطفل العراقي لا يحتاج إلى تدريبات الوقوف على المسرح ولا كيفية مخاطبة الجمهور ولا تقنية النظر أعلى عيونهم، فهو يجد نفسه في ساحة الجمهور الذي عليه مقابلته والترحيب به واستقباله بالكلمات الجميلة.
من هنا، اقولها واتحمل مسئولية كلامي هذا، ليكن الطفل العراقي قدوة لكل أطفال العالم العربي، ان لم يكن أطفال العالم أجمع، نقطة آخر السطر!