لعب العلامة دورا متميزا في الحياة الاقتصادية المعاصرة ويكفي للتأكد على ذلك أنها أول ما تثير انتباه المستهلك عندما توضع على المنتجات (1) ولهذا فهي تعد همزة وصل ما بين مالك العلامة ومستهلك البضاعة، وهي غالبا ما تكون الوسيلة الوحيدة لبناء الثقة الدائمة في بضائع المنتج، واليوم نرى أن عدة مشروعات اقتصادية تسعى في سبيل ترويج بضاعتها ومنتجاتها على وسيلة الإغراء ، بحيث لن تقوم لها قائمة دون علامة متميزة في ذاتها تتمكن من خلالها المؤسسة الاقتصادية من جلب أكبر عدد ممكن من المستهلكين، وبذلك تكون العلامة قد ساهمت بقسط وافر في زيادة المبيعات وبالتالي تسريع الإنتاج في المؤسسة صاحبة تلك العلامة (2) والعلامة المشهورة تعد من بين تلك العلامات التي تمكن المستهلك من التعرف على مصدر السلع أو المنتجات، وكثيرا ما تكون هذه العلامة إما تسمية أو عنصرا وحتى شكلا مجسما لسلعة ما، ولهذا فإن الرابطة بين المنتوج والمستهلك يتمثل في الثقة التي يضعها المستهلك في العلامة لأن العادة تولد الثقة (3). والعلامة المشهورة هي تلك العلامة التي يعرفها عدد كبير من الجمهور والتي تتمتع بسمعة طيبة وتسمى هذه العلامة أيضا بالعلامة ذات شهرة كبيرة (4) علامة ذات شهرة عالية (5)، وقد تم التـنصيص عليها في المادة 6 (ثانيا) من اتفاقية باريس التي تنص على أن " تتعهد دول الاتحاد سواء من تلقاء نفسها إذا جاز تشريعها ذلك أو بناء على طلب صاحب الشأن، برفض أو إبطال التسجيل ويمنع استعمال العلامة الصناعية أو التجارية التي تشكل نسخا أو تقليدا أو ترجمة يكون من شأنها إيجاد لبس بعلامة ترى السلطة المختصة في الدولة التي تم فيها التسجيل أو الاستعمال أنها مشهورة باعتبارها فعلا العلامة الخاصة بشخص يتمتع بمزايا هذه الاتفاقية ومستعملة على منتجات مماثلة أو مشابهة، كذلك تسري هذه الأحكام إذا كان الجزء الجوهري من العلامة يشكل نسخا لتلك العلامة المشهورة أو تقليدا لها من شأنه إيجاد لبس بها"
وإذا كان المشرع المغربي في ظهير 23 يونيو 1916 لم يتطرق إلى نص مثيل للمادة 6 ( ثانيا) خاص بالعلامة المشهورة فإنه قد تدارك الموقف من خلال القانون الجديد رقم 97ـ17 الصادر بمقتضى ظهير شريف رقم 1.00.19 بتاريخ 15 فبراير2000 المتعلق بحماية الملكية الصناعية (6) حيث نص في مادته 162 على أنه " يجوز لصاحب علامة مشهورة وفق المادة 6 مكررة من اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية أن يطالب ببطلان تسجيل علامة من شأنها أتحدث خلطا بينها وبين علامته وتتقادم دعوى البطلان بمضي خمس سنوات على تاريخ تسجيل العلامة ما لم يكن هذا التسجيل قد طلب عن سوء نية ".
وعليه سنخصص لدراسة هذا الموضوع إلى معيار الشهرة (أولا) ثم إلى الدعوى المختصة لحماية العلامة المشهورة ( ثانيا).
أولا معيار الشهرة :
لمعرفة هل هذه العلامة مشهورة أم لا؟ يتم إجراء فحص جوهري للشارة المختارة كعلامة، يتم الرجوع إلى العموم حيث يمكن معرفة هل أن علامة ما مشهورة أم لا كما لاحظ العميد Roubier بأن الشهرة تعتبر دليلا على المنفعة الاقتصادية للعلامة لأنها تدل بأن العلامة قد حققت نجاحا كبيرا ثم تقديرها من طرف الزبناء (7) قديما كانت الشهرة ثمار الأقدمية التي تمنح لمنتوج ما مكانة هامة أمام المستهلكين أما اليوم مع تغير الظروف وتطور الحياة التجارية فإن المدة أصبحت لا تعبر شرطا لازما للشهرة، فيمكن لمنتوج عند خروجه إلى حيز الوجود، ومع إشهار متميز مصحوب بإعلانات تلفزية متعددة، يمكن أن يفرض بسرعة فائقة على الجمهور وبالتالي يكون هناك تجاوب كبير مع هذه المنتوجات (8).
ويمكن ملاحظة أيضا أنه في السابق كانت شهرة علامة ما تقريبا تعد ثمار جودة المنتوج الذي تحمله تلك العلامة، أما اليوم فتعتبر بحق ثمرة تقنية الإعلان والتقنية الإشهارية.
ولكي تكون علامة ما مشهورة يكون من المهم جدا أن الجمهور، أثناء الكشف عن علامة، يحصل له رد فعل شبه أوتوماتيكي أن يفكر في المنتوج المقدم، فعندما نقول مثلا (OMEGA) تفكر بسرعة في الساعة وعندما تقول "Cocacola" تعرف بسرعة أنها علامة لمشروب غازي.
ثانيا : الدعوى المختصة لحماية العلامة المشهورة :والسؤال الذي يمكن طرحه هو أمام أي نوع من المستهلكين يلزم تقدير الشهرة؟ إنني أساند الرأي الذي جاء به كل من A. Chavanne و Brust j.j حينما قالا بأن الفئة العريضة من الجمهور هي التي بواسطتها يمكن تقدير شهرة علامة تجارية وليس فقط جزء من هذه الفئة التي تستعمل نوعا ما من المنتوج الحامل للعلامة فمثلا علامة موجودة على مضرب التنس يمكن أن تكون معروفة عند لاعبي التنس ومع ذلك ليست مشهورة ولن تصير مشهورة إلا عندما يعرفها حق المعرفة جميع الناس الذين لا يلعبون التنس، ففي البرازيل ينص قانونها الصادر في 18 نونبر 1980 على أنه للاستفادة من قواعد الشهرة يجب تقديم طلب إلى مكتب الملكية الصناعية البرازيلي الذي يبث بناء على مجموعة من المعايير (9).
إن الفقرة الثانية من المادة السادسة ( ثانيا) من اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية الصادرة بتاريخ 20 مارس 1883 قد نصت على أنه " يجب منح مهلة لا تقل عن خمس سنوات من تاريخ التسجيل للمطالبة بشطب مثل هذه العلامة، ويجوز لدول الاتحاد أن تحدد مهلة يجب المطالبة بمنع استعمال العلامة خلالها".
إن أجل خمس سنوات هو أجل أدنى وقد كان هذا الأجل يبلغ ثلاث سنوات إلى حين مؤتمر المراجعة بلشبونة، وتعني كلمة أدنى أن التشريع الوطني أو السلطات الإدارية أو القضائية لكل دولة عضو، حرة في تحديدها الأجل بشرط ألا يقل عن خمس سنوات (10) وهو نفس الأجل الذي حدده المشرع المغربي في قانون رقم 97ـ17 المتعلق بحماية الملكية الصناعية حينما نصت مادته 162 على أنه ".... وتتقادم دعوى البطلان بمضي خمس سنوات على تاريخ تسجيل العلامة ما لم يكن هذا التسجيل قد طلبه عن سوء نية".
فصاحب العلامة المشهورة المستعملة لا يستفيد حينما يريد رفع دعوى إلى القضاء من دعوى التقليد أو التزوير إلا أنه يمكنه منع استعمال علامته من طرف الغير عن طريق دعوى المنافسة غير المشروعة وهذا ما استنتجناه من خلال الاجتهاد القضائي المغربي الصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء بتاريخ 17 ماي 1996 (11) في قرار لها يؤيد الحكم الابتدائي (12) الذي يقضي بالتشطيب على علامة " الري بان" المودعة والمسجلة من طرف أحد الأشخاص بتاريخ 19 ماي 1993 في الفئة 25، بعد رفع دعوى من طرف شركة أمريكية حاملة لإيداع سابق لنفس العلامة في الفئة 9.
وقد ارتكزت محكمة الاستئناف في قرارها على اعتبار أن المدعية تتمتع بحق استئثاري لاستغلال العلامة المذكورة، وعللت قراراها بالإشارة إلى أنه إذا كان هذا الحق نسبيا بالنظر إلى الفئة التي تمت فيها الحماية، فإن هذه التسمية لا يمكن أن تؤدي إلى مساس وتعد على حقوق المدعية كما اعتبرت المحكمة المذكورة بأن التصرف الذي قام به المدعى عليه يعتبر منافسة غير مشروعة تطبيقا للمادة 84 من قانون الالتزامات والعقود والمادة 6 مكرر من اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية المتعلقة بالعلامات المشهورة، نظرا لأن المدعية بدلت خلال سنين طويلة مجهودات كبيرة لتمكين علامتها من الوصول إلى هذه الشهرة على الصعيد العالمي.
إلا أنه في نظري أن دعوى المنافسة غير المشروعة لا توجد حينما يقوم شخص باستعمال العلامة التجارية في صنف أو فئة أخرى حسب اتفاقية نيس وذلك بدون استعمالها في نفس الفئة بحيث إذا استعمل نفس العلامة في نفس الصنف الذي توجد عليه سابقا فإنه يكون قد ارتكب جريمة تقليد ويحق لصاحب العلامة التجارية المسجلة أن يرفع دعوى التقليد وكذا دعوى المنافسة غير المشروعة وإذا كان التشريع والقضاء يحميان العلامة المشهورة فلابد من ايجاد دعوى جديدة تمكن صاحب هذه العلامة من أن يرفعها أمام المحاكم لكي يستفيد من الحماية الواجبة قانونا طبقا للمادة السادسة مكرر من اتفاقية باريس، ولهذا فهناك نظرية جاء بها الفقه ليحمي بها العلامات المشهورة وهي نظرية التشويش، بحيث يمكن لمالك العلامة المشهورة أن يرفع دعوى التشويش بدلا من دعوى المنافسة غير المشروعة أمام القضاء.
ويمكن تعريف التشويش على أنه القيام بأفعال تجعل شخص ما يستفيد من مجهودات شخص آخر المحققة وسمعة اسمه ومنتجاته.
ويتجلى التشويش في استغلال شهرة علامة وإحداث خلط في ذهن الزبون للاستفادة من سمعة المؤسسة التجارية صاحبة العلامة المشهورة. فالمشوش يقوم مثلا بتقليد العلامة المنافسة أو تقليد إشهارها أو كل عنصر يمكن من معرفة المؤسسة محل المنافسة.
بدون شك. يكون مفهوم التشويش أكثر صحة في هذه الحالة إذ لا يمكن التكلم عن المنافسة غير المشروعة، وهناك عدة قرارات صادرة عن الاجتهاد القضائي الفرنسي في هذا الصدد (13) لكن القضية التي أثارت ضجة أكبر هي التي كانت بين شركة Yves Saint Laurent بخصوص العطر الذي سماء: Champagne وبين شركة Champagne لإنتاج الخمور، فشركة Yves Saint Laurent أرادت استغلال سمعة وشهرة إسم Champagne لكنها منعت من ذلك بدعوى التشويش (14) ولهذا فعلى القضاء المغربي عندما يكون ينظر في قضية ما متعلقة بعلامة مشهورة يجب عليه أن يكيفها في ظل هذه النظرية أي دعوى التشويش بدلا من اعتبارها تدخل ضمن دعوى المنافسة غير المشروعة بحيث أن هذه الأخيرة لا مجال لها ضمن العلامة المشهورة لأن الشخص الذي قام بوضع علامة مملوكة لشخص لآخر في صنف آخر غير الصنف الذي توجد به العلامة لا يعد منافسا وإنما يعتبر مشوشا عن العلامة المشهورة التي داع صيتها بين الجمهور ولهذا فإنه يستغل هذه الفرصة لكي يجني أرباحا طائلة من خلال وضعه لهذه العلامة على منتجاته، وفي هذا الصدد لا بد من المؤسسة التجارية ذات العلامة المشهورة أن ترفع الدعوى أمام المحكمة المختصة بدعوى التشويش على علامتها دون اللجوء إلى دعوى المنافسة غير المشروعة.
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
للفائدة منقول