يقـع رواق الأقبغاوية داخل المدرسة الآقبغاوية بجوار الأزهر على يسرة الداخل إليه من بابه الكبير الغربي المسمى بباب المزينين، وهو الذي أنشأه عام (1167هـ= 1753م) عبد الرحمن كَتْخُدَا، ونُقِش عليه بماء الذهب تاريخ إنشائه، والباب محلَّى بزخارف وكتابات ونقوش قوامها بلاطات من القيشاني، وسمى بهذا الاسم حيث كان المزينون يجلسون في الممر الموجود بين المدرسة الطيبرسية والمدرسة الأقبغاوية الذي يفصل بين الباب الخارجي والباب الأصلي القديم.
وكان موضع المدرسة الأقبغاوية هو دار الأمير الكبير عز الدين أيدمر الحلي نائب السلطنة في أيام الملك الظاهر بيبرس (1260هـ=1277م)، وميضأة للجامع أنشأها الأمير أقبغا وجعل بجوارها قبة ومنارة من الحجارة المنحوتة، وكانت مدرسة مظلمة ليس عليها من بهجة المساجد ولا أنس بيوت العبادات شئ البتة.
وذلك أنَّ الأمير أقبغا أقرض ورثة أيدمر الحلي مالًا وأمهلهم حتى صرفوه، ثم طالبهم به وألجأهم إلى أن أعطوه دارهم فهدمها وبنى موضعها هذه المدرسة، فبناها بنوعٍ من الغصب، وأخذ قطعةً من سور الجامع حتى ساوى بها المدرسة الطيبرسية.
ولهذه المدرسة ثلاثة أبواب: أحدها يوصل إلى صحن الجامع ويؤدي إلى رواق الفيومية، والثاني إلى دركة -أي الردهة- باب المزينين، والثالث إلى الزقاق الموصل إلى ميضأة الجامع الكبيرة وتحتوى على ستة عشر عمودًا وفيها محراب من الرخام الجيد، وفيها مدفن أعدَّه بانيها لدفنه وعليه قبة مزخرفة بالرخام الرفيع والصدف وبداخلها محراب نفيس ملوَّن بالذهب بجواره شباكان وبها عمودان عليهما ماء الذهب وفي أعلى القبة نقوش فيها آيات قرآنية وعلى بابها مكتوب (بسم الله الرحمن الرحيم).
أمر بإنشاء هذه القبة المباركة الأمير أقبغا وقد أجرى فيها الخديو إسماعيل عمارة رمم بها ما تشقق منها وصرف عليها من طرف أوقافها. أما الآن فيوجد للمدرسة بابان أحدهما يفتح على القبة، وللقبة باب للدركة من باب المزينين وهو مستعمل الآن، والثاني مغلق وغير مستخدم وكان يفتح على الدركة.
وبالنسبة إلى الطلبة الذين كانوا مجاورين في هذا الرواق فكان أكثرهم يدرسون الفقه على المذهب المالكي، وأقلهم يدرسونه على المذهب الحنفي أو المذهب الشافعي، وشيخ هذا الرواق كان من العلماء المالكية، وكان يصرف وقتذاك راتبًا شهريًّا من ديوان الأوقاف قدره مائة وخمسون قرشًا نظير القيام بشئون مشيخة هذا الرواق.
وكان راتب الجراية المخصص لهذا الرواق يصرف من ديوان الأوقاف كل يومين وقدره مائة وثمانية وثلاثون رغيفًا، ثم زاد هذا الراتب من الجراية مرتين أولها سنة (1314هـ= 1897م) وبلغ فيها مائة وثمانية وستين رغيفا، وثانيها في سنة (1322هـ= 1904م) وبلغ فيها مائة وثمانين رغيفًا.
وترجع زيادة الجراية المرتبة لهذا الرواق إلى زيادة عدد الطلبة المجاورين به، فقد بلغ عددهم في سنة (1304هـ= 1886م) مائة وسبعة وخمسين، وفي سنة (1306هـ= 1888م) بلغ عددهم مائة وستة وثمانين، وفي سنة (1308هـ= 1890م) بلغ عددهم مائتين وتسعة وثمانين.
وقد أوقف أهل اليسار والعطاء الجرايـات اليومية على المجاورين بهذا الـرواق منها: جراية وقف آقبغا والشيخ الخرشي، وبلغت هذه الجرايـة خمسين رغيفًا، كما كان نصيب هذا الرواق من جـراية وقف أحمد رشيد باشا خمسـة وسبعون رغيفًا، وفي سنة (1314هـ= 1896م) اتَّخذت المدرسة الأقبغاوية مكتبة للجامع الأزهر ونقل طلبتها إلى الرواق العباسى، والباقى من المدرسة القديمة الآن هو مدخلها ووجهة القبة ومحرابها، ومحراب المدرسة والمنارة، وقد أكملت إدارة حفظ الآثار العربية سنة (1365هـ= 1945م) قمة المئذنة. وتدل الأجزاء الباقية من المدرسة على ما كانت تحفل به من النقوش والزخارف البديعة الدقيقة الصنع؛ فقد حفلت محاربها بالرخام الملون الدقيق الصنع والفسيفساء المذهبة والمتعددة الألوان.
وقبل الترميم الذي قامت به الدولة في الجامع الأزهر الذي بدأ منذ (1417هـ= 1996م) تقريبًا وانتهى ترميمه في (1419هـ= 1998م)، كانت المدرسة الأقبغاوية مكتبة عامة بجميع فنونها وبها -أيضًا- مكتبات خاصة، وفي قبتها الخارجيَّة مكتب مدير المكتبة وبدهليزها إدارة المكتبة، وفي عام (1428هـ= 2007م) نُقِلَتُ المكتبة العامَّة بها إلى المكتبة المركزية للأزهر، أمَّا الوضع الحالى للمدرسة فإنها أضحت مستغلة مكتبة للأزهر تابعة لوزارة الأوقاف.
ذاكرة الأزهر