قراءة في كتاب فلسفة الدولة للاستاذ الدكتور منذر الشاوي ..يتحدث فيه عن أهم التجارب العالمية الخاصة ببناء الدولة
تضمن كتاب (فلسفة الدولة) أطروحات عميقة لبناء الدولة الحديثة ،أصدر الكتاب العالم العراقي والخبير الدولي في القانون الدستوري الدكتور منذر الشاوي، ويقع الكتاب في 830 صفحة من القطع الكبير، ويتناول فيه أسس بناء الدولة الحديثة، التي تهتم أولا بالتنمية الحقيقة الشاملة في البلاد، وتضع اللبنات الصلبة لمؤسسات محكمة، وثانيا، تغلق جميع الأبواب أمام الجهلاء وتمنعهم من تولي المناصب الحكومية،لأن الجاهل لا هم له سوى تدمير ما يقدمه العالم والمختص، ويضع العثرات والحواجز امام كل شخص يقترح أو يقدم خططا علمية لبناء المؤسسات في الدولة، لأنه يرتدي لباس المسؤول في حين لا يفقه من المسؤولية شيئا، فتجده يشهر سلاحه في وجه الكفاءات ويعمل على أبعادها عن المسؤولية،تحت حجج وذرائع شتى.
في (فلسفة الدولة) يقدم العالم العراقي الشاوي ما يحتاج اليه الجميع، ليس في العراق فقط، وانما في جميع الدول والبلدان، في بناء الدولة العصرية، بعيدا عن الضرب في مفاصل الدولة بجهل وتدمير كل شيء، وفي (فلسفة الدولة) نجد الضوابط والأسس العلمية، التي لا تسمح للتجريب الذي غالبا ما يفضي الى التخريب، إذ أن اعتماد القانون والالتزام بالدستور هو السبيل الوحيد للبناء والتنمية، وخلاف ذلك فإن العبث في مقدرات الدولة تحت صلاحيات الحكم التي يضع مقاساتها الحكام الجهلاء، سرعان ما تحول إمكانات الدولة الاقتصادية الهائلة(العراق مثالا) حيث تزيد ميزانيته السنوية على المائة مليار دولار، الى مبالغ مجردة من قيمتها، لأنها تذهب في جيوب المسؤولين دون المرور بخيراتها على الشعب، ليس ذلك فقط، بل أن الكارثة الكبرى عندما يتم استخدام واردات البلد في تجهيز وتوظيف مئات الآلاف من الناس لقمع العراقيين، وهذا يحصل في بلاد عربية اخرى ايضا، لكن لا توجد ميزانية في أي بلد في العالم تخصص المليارات من الدولارات لأجهزة أمنية مهامها الرئيسية، لا تخرج عن دائرة توفير الحماية للمسؤولين وقمع المواطنين، كما يجري في العراق.
وفي معالجة لهذه القضية المهمة في السلطة يقول الدكتور الشاوي في كتابه (فلسفة الدولة)، أن السلطة التي تلجأ الى استعمال قوة الارغام المادية للحصول على الطاعة هي سلطة مترنحة الاساس، وبهذا المعنى يمكن القول ان الدكتاتوريات هي 'مرض السلطة'.
ولكل ذلك - كما يرى الشاوي- سعى الحكام عبر التاريخ ومساعدوهم من 'أهل الفكر' الى ايجاد نظريات وتبريرات تبين متى تجب طاعة السلطة ومتى لا تجب هذه الطاعة، بمعنى متى تكون السلطة شرعية فتجب طاعتها، ومتى لا تكون السلطة شرعية فلا تجب طاعتها.
إن هدر الوقت في متابعة أحاديث وكلمات ونقاشات الذين يتفقون في نهاية المطاف وأول المشوار، على تبني عملية سياسية لم يلمس منها العراقيون سواء الخراب والدمار والدماء وسرقات العصر،التي لا يوجد شبيه لها عبر التاريخ، إنما بتلك الاهتمامات يبددون الوقت ويزجون بأنفسهم في دولايب أمراض السياسيين الفاشلين، فينتقل جزء كبير من أمراض السياسيين وما وراء تلك الأمراض إلى أصحاب النفوس الصافية، في حين تفتح أطروحات وأفكار العلماء ما ينقي النفوس ويضيف الى العقول، لتتلمس الطريق السوي بعيدا عن ملوثات السياسيين وأمراضهم، وما ينتج عنها من اخطار تدهم الكثيرين دون أن يدركوا خطورة سموم أمثال هؤلاء السياسيين.
ما أشار اليه الكاتب
يرى د. الشاوي أن فكرة الشعب من المسائل المهمة في دراسة فلسفة الدولة، ويقول بهذا الصدد إن الجماعة البشرية أو الفئة الإجتماعية عنصر مهم من عناصر الدولة لأنها الوسط الاجتماعي الذي تُمارس فيه سلطة الدولة
يخلص الكاتب في دراسته للتجربة الفدرالية بالعراق، التي تم إدخالها في قانون إدارة الدولة الذي تمت صياغته بعد الاحتلال الأميركي إلى أنها فدرالية (مصطنعة) وأن هناك إصرارا على هذا النظام الذي يعني إضعاف سلطة الدولة بفدرلتها
وفي معرض دراسته للفدرالية، يؤكد الشاوي على مسألة في غاية الأهمية، هي قضية الفدراليات، التي أخذ الحديث يتزايد حولها، خاصة في ليبيا بعد التغيير الذي أطاح بحكم العقيد معمر القذافي ضمن موجة (الربيع العربي)، وعلى نطاق أوسع في العراق بعد الغزو الأميركي لهذا البلد عام 2003.
وازداد الحديث عن مشاريع الفدراليات في العراق خلال السنتين الأخيرتين، وسط تدهور الأوضاع الأمنية وفشل العملية السياسية، مشيرا إلى أن نظام الحكم الفدرالي لا بد من مروره بنظام الحكم الكونفدرالي، ويضرب على ذلك ثلاثة أمثلة تعتمد نظام الحكم الفدرالي.
ففي التجربة الأميركية، بعد استقلال الولايات البريطانية في أميركا الشمالية (التي كان عددها 13 ولاية) أقامت هذه "الدول "الجديدة اتحادا كونفدراليا فيما بينها عام 1781م، إلإ أن هذه التجربة الكونفدرالية قد فشلت، مما دعا هذه الدول وتحت تأثير جورج واشنطن (1732-1799) لعقد مؤتمر سنة 1787، في فيلادلفيا، وكان نتيجة هذا المؤتمر التصويت على دستور عام 1787، الذي تمت بموجبه إقامة دولة فدرالية عرفت باسم (الولايات المتحدة الأميركية)، وهي أقدم دولة فدرالية في العالم، وقد تحققت فيها الفدرالية بعد مرورها بالكونفدرالية.
ويعرج الدكتور الشاوي على التجربة السويسرية، التي انتقلت من الكونفدرالية إلى الفدرالية بمقتضى دستور عام 1848، كما أن ألمانيا قد عرفت تجربتين في الحكم الكونفدرالي قبل وصولها الى نظام الحكم الفدرالي، الأول من (1815-1866) وعرفت بالكونفدرالية الجرمانية، ومن (1867-1871) وهي كونفدرالية ألمانيا الشمالية، ثم عرفت ألمانيا الدولة الفدرالية تحت الإمبراطورية منذ عام 1871 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية (فلسفة الدولة ص 152).ويخلص في دراسته للتجربة الفدرالية في العراق، التي تم إدخالها في قانون إدارة الدولة الذي تمت صياغته بعد الاحتلال الأميركي للعراق ربيع عام 2003، وتم إقراره في مارس/ آذار عام 2004، والدستور الحالي الذي استند إلى قانون إدارة الدولة آنف الذكر، وتم الاستفتاء عليه في 15 أكتوبر/ تشرين الأول عام 2005، إلى أن الفدرالية في العراق (مصطنعة) وأن هناك إصرارا على هذا النظام الذي يعني إضعاف سلطة الدولة بفدرلتها.
"
يسلط الكتاب الضوء على فكرة الدستور في الأزمنة القديمة، ويتناولها عند الإغريق والرومان، ويقول إن الفيلسوف أرسطو قد بحث في قضية الدستور بكتابه (دستور أثينا) ويتوقف عند فكرة الدستور في العصور الوسطى وبعد ذلك فكرة الدستور في الأزمنة الحديثة
"
وبدون شك، فإن كتاب (فلسفة الدولة) للمفكر والعالم د. منذر الشاوي يُعد مرجعا مهما لكل من يبحث في بناء دولة حديثة بعيدا عن السلطة الفردية، ويسد هذا المؤلف العديد من الثغرات التي يبحث عنها الساعون لبناء الدولة في الوقت الحالي
المصادر
الفرات الاخباري
الجزيرة نت