بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته





المسألة:

روي عن الإمام محمد الجواد (ع) أنه قال في حق الإمام على الرضا (ع): "رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه(ع)، فلذلك سمي من بينهم الرضا".

1- هل سند هذه الرواية صحيح، ولماذا سمي بالرضا؟

2- وكيف يكون الإمام مرضياً عند المخالفين والحال انه الكثير من بني العباس لم يكن راضياً بتنصيبه ولياً للعهد، وكيف يكون مرضياً عند الموافقين وهناك من الطالبين من أراد قتله؟




الجواب:


1- الرواية المذكورة مروية في كتاب عيون أخبار الرضا (ع) للشيخ الصدوق رحمه الله تعالى وسندها معتبر بل هو في أعلى درجات الاعتبار.



وتمام متنها هو انَّ أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: قلتُ لأبي جعفر محمد بن علي بن موسى (ع): إنَّ قوماً من مخالفيكم يزعمون انَّ أباك إنَّما سمَّاه المأمون الرضا لمَّا رضيه لولاية عهده؟، فقال (ع): "كذبوا والله وفجروا بل اللهُ تبارك وتعالى سمَّاه الرضا لأنَّه كان رضى الله في سمائه ورضىً لرسوله والأئمة من بعده في أرضه"، قال: فقلتُ له: ألم يكن كلُّ واحدٍ من آبائك الماضين (ع) رضىً لله تعالى ولرسوله (ص) والأئمة (ع)، فقال (ع): "بلى"، فقلتُ: فلم سُمي أبوك بينهم الرضا؟، قال (ع): "لانَّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحدٍ من آبائه (ع)، فلذلك سُمي من بينهم الرضا (ع)"(1).



2- ليس المقصود من ارتضاء المخالفين به هو ارتضاؤهم جميعاً به وإنَّما المقصود هو ارتضاء مَن يكون ارتضاؤهم نافذاً ومؤثراً، وهذا المقدار قد اتَّفق وقوعه للإمام الرضا (ع) حيث ارتضاه المأمون والنافذون من حاشيته وقادة جنده، فاتَّخذوه وليَّاً للعهد وأصدر المأمون بذلك مرسوماً مُلزِماً وترتَّب على ذلك مبايعة رجال الدولة للإمام (ع) بولاية العهد، ثم انَّه لم يكن المقصود من رضا المخالفين هو الرضا الحقيقي الناشئ عن الاعتقاد والولاء وإلا لما صحَّ التعبير عنهم بالمخالفين، فاحتفاظهم بوصف المخالفين للإمام (ع) يقتضي أن يكون المراد من ارتضائهم للإمام (ع) هو الارتضاء الظاهري والذي ألجأتهم إليه الظروف السياسية.



على أنَّ الذي لا ريب فيه أنَّ المأمون لم يكن جادَّاً في ارتضائه للإمام (ع) وليَّاً لعهده، فقد أكَّدت الروايات أنَّه فعل ذلك كيداً وحياطةً لسلطانه ثم أنه دبَّر لاغتيال الإمام(ع) حتى تمكَّن من قتله بالسم.



فمقصود الإمام الجواد (ع) من ارتضاء المخالفين له هو ارتضاؤهم الظاهري، وهذا المقدار لم يتَّفق وقوعه لإمامٍ قبل الإمام الرضا (ع) فلم يكن أحدٌ من الخلفاء قد ارتضى أحداً من أئمة أهل البيت (ع) إماماً أو وليَّاً لعهده.



وأمَّا أنَّه قد رضي به الموافقون فمعناه ارتضاؤهم الواقعي بإمامته، ومَن لم يرتضه إماماً فلا يُصنَّف في الموافقين له وإن كان طالبياً.



على أنَّ ارتضاء الموافقين به ليست ميزةً للإمام الرضا (ع) دون سائر الأئمة (ع) وإنَّما تميَّز الإمامُ الرضا (ع) عن سائر الأئمة (ع) بارتضاء كلٍّ من الموافقين والمخالفين به بخلاف الأئمة الباقين حيث لم يرتضهم سوى الموافقين، وهذا هو معنى الرواية الشريفة.



فالمخالفون ارتضوه وليَّاً للعهد فسمَّوه الرضا، والموافقون ارتضوه إماماً فكان رضاً لهم واقعاً، فهو (ع) مرضيٌّ عندهم جميعاً وإن كان منشأ الرضا عند كلٍّ منهم مختلف الحيثية.



فالمخالفون ارتضوه لولاية العهد لانَّهم وجدوا أنَّ ارتضاءه لولاية العهد يُخرجُهم من مأزقٍ سياسي متأزم، والموافقون ارتضوه إماماً لانَّهم كانوا يعتقدون باستحقاقه لذلك لعصمته والنصِّ عليه من قِبل الرسول (ص) والماضين من الأئمة المعصومين (ع).



وأمَّا لماذا لُقِّب الإمام (ع) بالرضا رغم انَّ كلَّ الأئمة (ع) مرضيِّون عند الله وعند رسوله (ص) فجوابه أنَّ " اللهُ تبارك وتعالى سمَّاه الرضا" ولذلك كان يُسمَّى بالرضا منذ ولادته، فقد ورد أنَّ الإمام الكاظم (ع) كان هو من سمِّي عليَّاً ابنه بالرضا ، فكان يقول (ع): "ادعوا لي ولدي الرضا"، و"قلتُ لولدي الرضا"، و"وقال لي ولدي الرضا" وإذا خاطبه قال: "يا أبا الحسن"(2).



ولعلَّ منشأ تلقيبه في السماء بالرضا وتلقيب والده له بذلك هو التعبير عمَّا سيتَّفق له في مستقبل أيامه من ارتضاء المخالفين والموافقين به وهذا هو مقتضى الجمع بين الروايتين.